تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اَلْبَطَلُ



سعيد أبو حجر
18-02-2015, 12:46 AM
يَجْلِسُ فِي مَقْهًى عَتِيقٍ، عُكَّازُهُ يُقَاسِمُ الْمَارَّةَ الزُّقَاقَ، يُحَيُّونَهُ، يَبْتَسِمُونَ فِي وَجْهِهِ، طَلَبَاتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى طَلَبَاتِ الزَّبَائِنِ، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّهَا مَجَّانِيَّةٌ مُنْذُ أَنَّ حَلَّ بِالْقَرْيَةِ قَبْلَ عَشْرِ سَنَواتٍ، يُنَادُونَهُ الْبَطَلَ حَتَّى نَسَوُا اسْمَهُ الْحَقِيقِيَّ، كَثِيرًا مَا تَحَلَّقُوا حَوْلَهُ كَيْ يَرْوِيَ لَهُمْ بُطُولَاتِهِ فِي الثَّوْرَةِ، يَنْفُخُ شِدْقَيْهِ، يُزِيحُ رَأْسَهُ إِلَى الْخَلْفِ كَأَنَّهُ يَسْتَدْعِي أَمْرًا بَعِيدًا، وَيَسْرِدُ لَهُمْ قِصَصًا لَا تُصَدَّقُ، فَلَا يَنْفَضُّ الْمَجْلِسُ حَتَّى يَفُضَّهُ، وَيُغَادِرُ بِعَيْنَيْنِ لَامِعَتَيْنِ، مَرَّتِ الْأَيَّامُ عَلَى دّيْدَنِهَا، دَخَلَ كَعَادَتِهِ مُنَادِيًا صَبِيَّ الْمَقْهَى كَيْ يُحْضِرَ قَهْوَتَهُ، نَادَاهُ إِمَامُ الْمَسْجِدِ: اقْتَرِبْ يَا بَطَلُ كَيْ نُعَرِّفَكَ عَلَى جَارٍ جَدِيدٍ حَلَّ بِقَرْيَتِنَا، صُعِقَ عِنْدَمَا رَآهُ، كَانَ يَضَعُ نَظَّارَةً سَوْدَاءَ وَآثَارُ الْحُرُوقِ تَحْكِي مَأْسَاةً أَحَاقَتْ بِوَجْهِهِ، عَادَتْ بِهِ الذَّاكِرَةُ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمَشْؤُومِ الَّذِي فَقَدَ فِيهِ رِجْلَهُ، كَانَ سَاعَتَهَا يَسْرِقُ خِزَانَةَ بَيْتٍ نَزَحَ عَنْهُ أَهْلُهُ بِسَبَبِ الْحَرْبِ، دَخَلَ عَلَيْهِ شَاهِرًا بُنْدُقِيَّتَهُ، طَالِبًا مِنْهُ التَّوَقُفَ، اسْتَجْدَاهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ، وَجَدَ بِجَانِبِهِ إِنَاءً بِهِ سَائِلٌ رَمَاهُ فِي وَجْهِهِ، انْطَلَقَتْ رَصَاصَتَانِ لِتَخْتَرِقَا رِجْلَهُ، خَرَجَ يُهَرْوِلُ وَدَمُهُ يَلْهَثُ خَلْفَهُ، تَلَقَّفَهُ الثُّوَارُ فِي الْخَارِجِ وَهُمْ يُرَدِّدُونَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ جَرِيحٌ جَرِيحٌ، وَجَدَ نَفْسَهُ فِي الْمُسْتَشْفَى وَقَدْ وَدَّعَ رِجْلَهُ، انْتَشَلَهُ شَيْخُ الْمَسْجِدِ بِقوْلِهِ: مُدَّ يَدَكَ يَا بَطَلُ، مَدَّ أَصَابِعَ مُرْتِجِفَةً بَارِدَةً، حَيَّاهُ: أَهْلاً بِأَبْطَالِ الثَّوْرَةِ، رَدَّ التَّحِيَّةَ بِصَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ كَسِيرٍ، قَالَ الْأَعْمَى: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، صَوْتُكَ لَيْسَ غَرِيبًا عَنِّي، اسْتَلَّ يَدَهُ مُتَلَعْثِمًا: رُبَّمَا رُبَّمَا، خَرَجَ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ قَهْوَتَهُ، فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَجَدُوا عُكَّازَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى بَابِ دَارِهِ، لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ قَطُّ.

عبد السلام دغمش
18-02-2015, 06:58 PM
ترى من يصنع هذه البطولات المزيفة.. أهو الجهل .. ام انها العاطفة التي تسبق العقل ..
القصة جميلة .. والعكاز هي رمزية للخديعة التي لا تدوم ..
تقديري أديبنا الفاضل.

خلود محمد جمعة
19-02-2015, 09:18 AM
قصة تروي واقع الزيف الذي يحيط بنا
نعم نحن من نصنع العظماء والمجرمين بطريقة فهمنا وتعاملنا وتشجيعنا وإحباطنا وكل ذلك يجب ان يرتكز على علوم وثقافة وخبرة ووعي وإدراك للحدث والشخص وما يربط بينهما
حبسوه في إطار البطولة عن جهل للمعطيات حتى حبس نفسه في الحقيقة عن إدراك
محزن هو ومحزنون هم ومحزن هو عالمنا الذي يبحث عن البطولة مع جهله لمعناها
رائعة
بوركت وكل التقدير

كاملة بدارنه
19-02-2015, 08:50 PM
صورة من صور الزّيف والحياة الكاذبة
السّرد لغته قويّة وجاذبة حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
23-02-2015, 11:12 PM
هي كارثتنا الأزلية بقفزنا للاستنتاجات، واستعدادنا المسبق لعنونة ما نرى استنادا لأول وربما أوهى المؤشرات
نصنع من اللص بطلا، ومن القاتل ثائرا، ومن الوغد رمزا متكئين على أدلة غير دالة ومغيبين إعمال الفكر وتقصي الحقيقة قبل إصدار أحكامنا

نص قصّي قويّ بلالاته وإسقاطاته وذكاء توظيف شخوصه لطرق معان مزدوجة المدى قريبة واضحة صادحة بحقيقة نراها في واقعنا، وبعيدة أوسع تتحرش بقناعات الجميع وإيمانهم بأحكامهم المتسرعة والبعيدة غالبا عن الحق

دمت بروعتك

تحاياي

د. سمير العمري
14-05-2015, 06:59 PM
قصة من أروع ما قرأت بما تحمل من إشارات ونقد واضح لحال الأمة التي باتت تسارع في الحكم على الظواهر بما جعل جل حالها يقوم على تسلط الخائنين والمخادعين للمشهد.

هي قصة تثير شجونا وشؤونا وتذكرني بقصص كثيرة عن مثل ذلك ممن حظي بلقب شهيد أو مقاوم أو بطل وما هم في الحقيقة إلا خونة مارقون.

تقديري

وليد مجاهد
15-06-2015, 06:21 PM
نعم الخداع هو الطريق الأسهل للوصول إلأى الشهرة وغيرها خصوصا وأننا نعيش في زمن يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق ويحكم الرويبضة.
قصة مؤثرة جدا في النفس وفيها الكثير من العظات فشكرا لك

ناديه محمد الجابي
24-03-2016, 09:40 PM
وكم من بطولة زائفة هلل لها الناس تكريما وتعظيما
وكم من لقب شهيد أعطى لأفاق رعديد ..
من الواقع الأليم الذي تمر به ليبيا كانت قصتك
التي تحمل الكثير من ملامح الألق والإبداع في الأداء.
دمت مبدعا. :001:

سلوى سعد
24-03-2016, 09:59 PM
وكم من دون اسمه في قائمة الأبطال وما هو إلا جبان ، وكم من شخص عايش أحداثاُ فنسب البطولة له وهو في الحقيقة أكبر مجرم
قصة رائعة جداً مودتي وتقديري

آمال المصري
26-09-2016, 10:24 PM
زيف صنع بطولة كاذبة لم تدم وكما قيل لاحقيقة تغيب تحت الشمس وإن طال الزمن
كثيرون هم من حولنا يعتاشوها
نص بديع بيانا وسردا وحبكة
دام ألقك أديبنا الفاضل
تحاياي

عباس العكري
29-09-2016, 07:55 PM
البطل

https://3.bp.blogspot.com/-SkKQd9Jh4Ys/V-1VS1fvZiI/AAAAAAAAExA/qt6nBSDCmSAxjuczKCsg2gY5KBUt8G6aQCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%258E%25D9%2584%25D9%2592%25D8%25A8 %25D9%258E%25D8%25B7%25D9%258E%25D9%2584%25D9%258F .png