المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلهَامُ الشَّاعِرِ وصَنْعَتُه



يوسف الباز بلغيث
29-04-2015, 07:39 PM
مقالة :

إلهَامُ الشَّاعِرِ وصَنْعَتُه

:0014:
يتمطَّى إحساسُ الشَّاعر لحظةَ انْثِيالِ الإلهامِ على قلبِه وعقلِه؛ فتأتي الصُّوَرُ متأنِّقةَ الأسلوبِ، جليَّةَ اللَّغةِ، طافحةً بالأحاسيس والرُّؤَى، ضمنَ تصاويرِها التَّعبيريَّةِ الخلاَّبةِ، ولا يكونُ في مقدورِ الشَّاعر تفسيرُ حالتِه هذه، وقدَ أَخذَ قِسْطًا من الرَّاحةِ، بعدَ انقطاعِ سيلِ الإلهام. وإذا ما تُحُدِّثَ إليه في أثناءِ تلكَ الحالةِ سيكونُ قطعًا خارجَ مجالِ الوعيِ، غيرَ مُدركٍ لما كانَ يدورُ بفلكه، أو لِمَا انتابَهُ واعتراهُ حينها.

.. ولكنَّ اللَّحظةَ التي ينصرفُ فيها الشَّاعرُ إلى خلوتِه_ متقفِّيًا آثارَه، مستبينًا طريقَ أبياتِه على مسوَّدتِه_ سيتدخَّلُ العقلُ حينها لينزعَ عن سُطورِه شوائبَها، فيضيفُ كلمةً هنا، ويحذفُ مقطعًا هناكَ، بمَا يتداعَى إلى حافظتِه منْ معانٍ أفضلَ، وأفكارٍ أرقَى، تجعلُه ينظّمُ ما كتبَ ويرتِّبُه بمعاييرِ ما يُسمَّى بِـ" الصَّنعَة ".

.. الشَّاهدُ في الرُّؤْيَتَيْنِ أنَّ الشِّعرَ الذي يتلقَّاه النَّاس، سيقفُ على عَتبَتَيْ التَّأويلِ والانْطباعِ موقفَينِ مُتبايِنَينِ، من حيثُ التَّلقِّي والتَّأثيرُ؛ فهناكَ منَ الأشعارِ ما تنقرُ القلبَ والوجدانَ، ولا تزال معالمُها منقوشةً أخاديدَ بالذَّاكرةِ والنَّفسِ، رغمَ أعاصيرِ المشاكلِ والمشاغلِ اليوميَّةِ، وهناك أشعارٌ تندثرُ لمجرَّدِ انشغالِ بالِ القَارئِ بذُبابةٍ حطَّتْ على سطحِ مكتبِه أو يده. وبعيدًا عن قيمةِ النَّصِّ ورُؤيتِه وإرهاصاتِه ستكونُ الكلمةُ الفصلُ للمتلقِّي، وهو يسمعُ أو يطالعُ شعرًا لثُلَّةٍ من الشُّعراءِ ، قد يسقطُ أحدُهم في نظرهِ _بعد حقبةٍ من شُهرةٍ اكتسبَها زيفًا أو من تقديرٍ انتزعَه بإكراهٍ_ لِمجرَّدِ أنّه لم يَرُقْهُ أو لم يَرْقَ لذائقته، وهو مُتَلَقٍّ حصيف.

..إنّ الانطباعَ الذي يتأرجحُ في نفسٍ المتلقِّي _وهو معلَّقٌ بين حسرةٍ ونشوةٍ_ لا يمكنُ أن تفسِّرَه نظريَّةٌ بعينها، محتكرةً تفسيرَ ما يحدث، لأنَّ الحسرةَ التي تنتابُه إثرَ قصيدةٍ ما ستنتابه مرَّةً ثانيةً في زمانٍ آخرَ نشوةً وحبورًا، وربَّما جرَّاءَ القصيدةِ نفسِها، وقد تغيَّرَ المزاجُ والمكان؛ بل إنَّ السَّجيَّةَ المواتيةَ لِلحظةِ الإلهامِ تكونُ أقربَ إلى صدقِ الشَّاعرِ، المتفاعلِ مع أحداثِه الخاصَّةِ أو العامَّةِ. وهذا لا يعني بالضَّرورةِ أنَّ "الصَّنعةَ" لا تحفظُ له هيبتَه وعنفوانَه.. ولعلَّ تراتُبَ الأمْرَينِ ( إلهام/صنعة) أمكنُ للنَّصِّ _ضمنَ القاموسِ الشِّعريِّ مع صِدْقِيَّةِ النَّظريَّةِ_ حيالَ تحامُلِ الشَّاعر على النَّصِّ، بينما يريد توجيهَ دفَّةِ الشِّراع يُمْنةً أو يُسْرةً.


يوسف الباز بلغيث _ بيرين / الجزائر: نيسان – أفريل 2015

عبد السلام دغمش
29-04-2015, 08:00 PM
مقالة جميلة شاعرنا الكريم ..
والالهام المصاحب للحظة الإبداع لا بدّ و ان تتبعه سكْنـةٌ ينتبه الشاعر والاديب فيها الى نفسه فيراجع ما كتب .. وربما يقرأه بعيون الآخرين .. فيزيل منه بعض الشطحات ليكون أقرب للمتلقي ..
ووجدت في مقالتك تشبيها لحال الشاعر وهو يكتب منتشيا بحال القارئ .. وهو يتفاعل مع النص حين يقرؤه لأول مرة ..
مقالة جميلة ..
بورك فيكم .

خلود محمد جمعة
01-05-2015, 03:56 PM
مقالة عبرت بإتقان عن الحالة التي تعتر ممتط الحرف في حالاته النفسية المتغيرة تبعا للظروف المحيطة
عندما تداهم الفكرة الخيال فيترجمها الكاتب بطريقته نثرا او شعرا ويتركها الى حين توقف اهتزازاته العاطفية ويعود لفلترتها لتناسب المتلقي وما قد فاته من تعبير على حين شطحة خيال فيكون الابداع متجليا يصل لقارئه كما أراده له .
مقالة جميلة
اسجل اعجابي
بوركت وكل التقدير

ربيحة الرفاعي
13-05-2015, 12:49 AM
ما أجمل الحروف حين تسكنها الفكرة والتمكن الأدبي وتنثال بحسن أداء!
قرأت هنا حرفا ماتعا سرّتني جولتي في أفيائه

دمت بخير أيها الكريم
تحاياي

د.حسين جاسم
28-07-2015, 02:29 AM
مقالة يتضح جليا من فهم كاتبها لمراحل العملية الإبداعية للشاعر أنه شاعر قبل أي شئ
أحسنت أيها الأديب الرائع
تقديري

كاملة بدارنه
30-07-2015, 05:48 PM
مقالة أدبيّة رائعة لغة ومضمونا
بورك القلم
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
11-02-2017, 08:00 PM
مقالة رائعة لأديب متمكن من حرفك ــ ملكت التعبير وأجدت الوصف
لغة بليغة في الوصف والتعبير ، ونص صادق الحس
جميل الفكرة ـ طيب الأداء
دمت بكل خير. :001: