المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحصاد ..



بهجت عبدالغني
03-05-2015, 10:40 AM
الحصاد ..

" قصة واقعية "

الشمس تلّوح وجه الأرض في النهار.. ونسماتٌ عليلةٌ تلعب في أوتار المشاعر في الليل.. الليل وما وسق !
لذا قرروا الانطلاق ليلاً..
تحركت سيارة الـ ( البيك أب ) نوع شوفرليت يقودها أحمد في صحبة صديقيه معاذ وعمر، هادرة في طريقٍ ترابي وهي تغادر المدينة صوب البرّ، للاطمئنان على سير عملية الحصاد، إذ في هذا الوقت من السنة يكون حصاد القمح على أوجه.. وكان عليهم حتى يصلوا إلى وجهتهم أن يمرّوا بالوادي المعروف باسم تلّيه ( مسعود ـ مكرود ) المشهور بأنه وادي مسكونٌ بالجآن !
كانت السيارة تقترب شيئاً فشيئاً من الوادي.. وشيئاً فشيئاً كان صوت السيارة يضطرب.. والسرعة تتثاقل.. وأخيراً توقفت في عمق الوادي المسكون.. تعطلت !
حينها لم يكن قد خطر في بالٍ أحدهم شيئاً البتة.. مجرد سيارة تعطلت.. وليس شيء يدعو إلى الخوف والفزع وهم ثلاثة رجالٍ عاينوا أحوال الدنيا وخبروا صعابها..
حاولوا إصلاح السيارة، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.. ودبّ اليأس في قلوبهم.. فقرّروا أن يذهب أحمد وعمر سيراً على الأقدام لجلب المساعدة من موقع الحصاد، ويبقى معاذ في السيارة وحده يحرسها..
وافق معاذ دون تردد.. فمن ذا الذي يفوّت على نفسه هذا السحر الحلال.. برّية تتلاعب بها نسائم الليل المنعش، ومن فوق تظلله لوحة سماوية أخّاذة.. تتراصف فيها النجوم كقناديل تشبه عين المعشوقة في ليلةِ وصال، هذا السكون المطبق البعيد عن ضوضاء المدينة الخانقة.. مَنْ؟
انطلق أحمد وعمر.. بينما اعتلى معاذ سطح مقدمة السيارة مستلقياً متأملاً، محاولاً ولوج غفوة منعشة.. كل شيء كان هادئاً..
وبينما كان أحمد وعمر يتوغلان مبتعدين عن مكان السيارة.. كانت الأجواء تزداد هدوءاً وصمتاً..
مضى على مغادرتهما أكثر من نصف ساعة.. ومعاذ في صمته المتأمل غارق..
صمت آخر.. أحسّ بحركةٍ مريبةٍ خفيفةٍ.. تجاهلها.. فهو يعلم أنه في برّية يمكن له أن يصادف فيها أنواع من الحيوانات والمخلوقات التي لا يعلم سرّها إلا خالقاها..
مخلوقات !
ابتلع ريقه.. اضطرب قليلاً.. شعر بالحركة مرةً أخرى أقوى من ذي قبل، اعتمل في نفسه الوساوس..
أصوات أقدام تقترب.. تتحول الوساوس إلى مخاوف حقيقية.. تقترب.. فزع.. أصواتٌ تهمس : معاذ.. معاذ..
هلع.. جفّ ريقه في حلقه، حاول أن يستعيد رباطة جأشه.. يتأكد.. مجردُ وساوس.. تخيلات.. أوهام..
أصوات أقدام تقترب أكثر.. معاذ.. معاذ..
إرتبك.. نزل من فوق السيارة إلى داخلها، أقفل الباب.. الأصوات باتت معه.. أيادي تضرب السيارة.. يحركونها.. معاذ.. معاذ..
ينكمش.. يصارع مخاوفه.. ينزف عرقاً بارداً.. يكاد القلب يفلت من مكانه.. الأنفاس الحارة تتصاعد.. الضرب على السيارة تزداد.. معاذ.. معاذ.. ولا شيء يُرى !
أمسك قبضة الباب ليفلت من الكابوس.. الباب لا يفتح.. يسحب بقوة.. لا يفتح.. فتح الزجاج، حشر نفسه.. عَلق.. ثم أفلت..
يمّمَ وجهه تجاه موقع الحصاد.. جيشٌ من الأقدام تطارده، كأنهم في غزو.. يصيحون باسمه.. أرسل قدماه مع الريح.. قرأ كل آية يحفظها من القرآن الكريم.. كل دعاء.. يصيح الله أكبر الله أكبر ! دون أن يختفي شيء من الكابوس المرعب !
توقف.. جفل في مكانه.. جمد..
شيخ قزم يعترض طريقة.. لحيةٌ بيضاء مرسلة، عينان مدوّرتان كبيرتان كعملتين معدنيتين تلمعان، يحمل عصا.. جنّ.. شيطان !
توجه إلى ناحية أخرى.. اعترضه.. وبعد محاولات أفلت أخيراً من منطقة الكابوس هارباً لا يعقب..

كان قد مضى على مغادرة أحمد وعمر ما يقارب الساعة أو أكثر، ولكن معاذاً وصل إلى موقع الحصاد قبلهم !
لمح سيارة الحصاد فتوجّه إليها لائذاً.. تسلق السيارة من خلفها على حين غرّة.. مسك كتف السائق : أنت..
صعق السائق وخرّ مغشياً عليه ! توقفت السيارة..
توجّه نحو الخيمة.. سألوه عن سبب توقف السيارة فأجابهم أنها قد تعطلت !
ثم وقع فريسة مرضٍ عجيب..

السماء مشوّهة.. أصوات تتلاعب في عقله.. هلوسات وكوابيس..
يرتفع.. يرتفع.. يصيح دون أن يجيبه أحد.. يهوي على السرير.. ينتبه مرافقه على صوت سقوطه..
ـ آه.. كنت أناديك..
ـ لم أسمعك !
ـ بأعلى صوتي.. بأعلى صوتي.. نائمٌ أنت ؟
ـ لم أسمع ! ماذا حدث ؟
ـ رفعوني ثم رموني.. وأنت نائم.. كنت أناديك !
ـ لم أسمع !

خلود محمد جمعة
04-05-2015, 09:27 AM
في الواقع ان وراء الذاكرة أقوى من أن نتذكره او ننساه فهو عالم قائم له حساباته الخاصة
قد تكون واقعية فالعقل فالجن موجود
لكن ما نقش عل جدران الذاكرة استيقظ في غفوته ليشكل له القصة التي تراوده دون علمه وهيء له عقله القصة كاملة مما جعله يفر وهو نائم ليستيقظ وهو لم يسمع
واقعية ام خيال فقد سردتها بسلاسة بأسلوب شائق وحرف متمكن وحبكة متقنة
اسجل اعجابي
بوركت و كل التقدير

بهجت عبدالغني
04-05-2015, 04:31 PM
نعم أستاذتنا خلود، فلا ندري ما الذي حدث فعلاً
لكني نقلت القصة كما سمعتها من بطلها، وأحببت أن أوثقها..

شكراً لمرورك الكريم وقراءتك
دمت بخير وعافية
تحياتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
22-06-2015, 02:34 AM
بين الحقيقة والكابوس كانت تفاصيل الحكاية ذات غفوة، خيالات وأطياف استدعاها البطل من خبيئة لا وعيه تعرّي مخاوفة الكامنة

سرد شائق وأداء قصّي جميل
دمت بخير أيها المبدع

تحاياي

بهجت عبدالغني
25-06-2015, 03:38 PM
ودمت بألف خير أستاذتي العزيزة ربيحة
وتقديري الكبير لحضورك الأنيق

تحياتي ومودتي

ناديه محمد الجابي
13-10-2015, 12:32 PM
عالم الأرواح والأشباح ـ عالم واسع فضفاض ، وبحر هائجة أمواجه
الحقيقة فيه غائبة ، بل ربما لا وجود لها من الأساس.
هو عالم بلا شك مخيف مرعب ـ وقد سمعنا الكثير من القصص التي
عانى أصحابها من تجارب مفزعة فعاشوا أسرى الخوف والفزع
وقد يبدو للكثيرين أنه لا يعدو أن يكون خيالا وأوهاما.
وفي هذا السياق قدمت لنا قصة مثيرة تلاعبت فيها بأعصابنا
بسرد جميل مشوق وحبكة محكمة ولغة بديعة
بوركت وقلمك المعطاء. :001:

كاملة بدارنه
16-10-2015, 08:39 AM
في عالم كثر فيه شياطين الإنس، لا غرابة من ظهور الجنّ وأفعالهم!
سرد شائق وقصّ جميل
بوركت
تقديري وتحيّتي
(قدميه)

بهجت عبدالغني
20-11-2015, 05:39 PM
أستاذتي ناديه محمد الجابي
أستاذتي كاملة بدارنه
أشكر لكما حضوركم المشرق وقراءتكم وإضافتكم..
فبارك الله بكم ورضي عنكم

خالص تحياتي وتقديري