تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في القصّة الشّاعرة: (طأطأة) لربيحة الرّفاعي



كاملة بدارنه
19-05-2015, 11:08 PM
قراءة في القصّة الشّاعرة: (طأطأة) لربيحة الرّفاعي
بقلم كاملة بدارنة

النص الأصلي

طأطأة (قصّة شاعرة)

كَيْ لا نَنْسَى أَنَّا نَنْسَى، عُدْنَا للقَاعِدَةِ الأَقْسَى: عِشْ تَجْرِبَةَ الغَدْرِ، وَجَرِّبْ طَعْمَ الخِنْجَرِ حِيث تَحَجَّرَ .. فِي صَدرِ وَفَائِكَ وَاسْتَعْصَى، وَاسْتَسْلِمْ لِلوَهْمِ وَسَلِّمْ لِلوَاقِعِ، فَاللَيلُ مُقِيمٌ، وَالفَجرُ عَنِ الحُلْمِ بَعِيدٌ، وَإِبَاؤكَ جَلدٌ وَعَنيدٌ، لكِنَّكَ لِلعَجْزِ المَنْزِلُ، فَالسَّيِّدُ أَعطَى المَرْسُومَ بِتَمْلِيكِ الجَبْهَةِ لِلنَّذْلِ، وَتَرسِيخِ الذِّلَّةِ فِي البّذْلِ، وَدُونَ قَرارٍ أَو إِقْرارٍ باَعَ الفَجْرَ لِعَتْمِ القَهْرِ، بَغَى وَتَجَبَّرَ، وَسَفِينَ الظُّلْمِ بِلا حِلْمٍ فِي مِينَاءِ دُمُوعِكَ أَرْسَى..كَتَبَتْها قَبْلَ التَّسلِيمِ لِسَيْفِ العَبْدِ بِبَابِ الوَجْدِ عُيُونٌ تَنْزِفُ صَبرًا كَلَّ، وَبِالإِيمانِ يُطَأْطِئُ رَأْسًا، فِي عُمْرٍ لِلقَلْبِ القَانِتِ أَضْحَى رَمْسا.

القراءة


نبدأ من نوع النص باعتباره قصة شاعرة تكتسب خصوصيتها من توظيفها تقنيات ألوان أدبية أخرى مثل شعر التفعيلة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً دون التماهى فيها، كالتتابع الإيقاعى "التدوير الشعرى" والتتابع القصصى "التدوير القصصى"، بما يكثف حبكة السرد داخل النص فى شكل دفقة/ نفس ابداعى يستمد تركيزه أو تكثيفه من وجود رمز يربط بين دلالات النص، مع وجود عوامل أخرى كالرمز والذى يثير ذهن المتلقى ويدفعه للمشاركة فى سد فجوات المعنى، وكذلك علامات الترقيم التى تساعد فى توصيل المعنى وخلق فضاءات بصرية. وفي النص الذي أمامنا تظهر براعة الكاتبة في استثمار هذه التقنيات بكفاءة عالية بخلق أنظمة تفجية عالية تثير ذهن المتلقي للمشاركة في سد فجواتها من خلال الرمز المتقن التوظيف، والتدوير الشعري الذي يحقق في النص إيقاعا بارزا


العنوان اسم (طأطأة) وهو مصدر الفعل (طأطأ) .
قال ابن يعيش : "وإنّما سمّي مصدراً ; لأنّ الأفعال صدَرَت عنه".
وطَأْطَأَ فلان من فلان إِذا وَضَع من قَدْره ( لسان العرب)
وطَأْطَأَ الشيء: خَفَضَه.(لسان العرب)
فنحن أمام بوابّة تدخلنا إلى باحة نصّ يوحي بحالة من الانخفاض وليس العلوّ.
تبدأ القصّة بجملة خبريّة: كَيْ لا نَنْسَى أَنَّا نَنْسَى، عدنا للقاعدة الأقسى: وكأنّنا أمام خطيب أو قائد يذكّر نفسه ومن معه بألّا ينسوا أنّهم ينسون، وهنا تبدو حالة النّسيان هي المسيطرة، وهذا يعني هروب من الواقع أو تجاهل وتهميش، طباق السّلب أضفى على الجملة جماليّة اللّغة رغم سلبيّة الواقع، وهو العودة للقاعدة الأقسى، أي النّسيان.
التّنبيه للاستفاقة من حالة النّسيان المسيطرة جاء بعد العرض: "عِشْ تَجْرِبَةَ الغَدْرِ، وَجَرِّبْ طَعْمَ الخِنْجَرِ حِيث تَحَجَّرَ"
الجملة طلبيّة إنشائيّة تبدأ بالفعل (عش)، ولكن ما نوع المعيشة؟ إنّها مشاعر تجربة الغدر حتّى تحجّر الخنجر!
يا لها من تجربة! المفروض عيش الواقع، وإن طال أمد الخنجر المغروس حتّى أصبح حجرا، وإن غرس في صدر الوفاء، واستسلمَ وما عاد قادرا على الخروج، فهو عصيّ، ولا تتمكّن اليد من إخراجه! (.. فِي صَدرِ وَفَائِكَ وَاسْتَعْصَى)
وطالما هو استقرّ هناك، فاستسلم أنت أيّها الفرد، أيّها الشّعب، (وَاسْتَسْلِمْ لِلوَهْمِ وَسَلِّمْ لِلوَاقِعِ،)استسلم وسلّم بواقعك الذي تعجز عن تغييره خانعا للوهم، وبأنّك عاجز ومغلوب على أمرك بسبب ما غرس في صدرك غدرا( فالخنجر رمز الغدر)
وهنا جاء فعلا الأمر لإيهام القارئ أنّ حالة الاستسلام لم تأت بعد لزيادة السّخرية من الواقع، ولكن لغويّا " قد يكون الزمن في الأمر يقصد للماضي إذا أريد منه الخبر" وهذا ما نراه هنا.. عرض لحالة الاستسلام! وما يعزّز من حالة الخمول النّاتجة عن مرحلة التّسليم بالواقع أنّ اللّيل مقيم، فاللّيل لونه أسود، والأسود يعني القتامة وعدم وضوح الرّوية، والإقامة تعني الثّبات في المكان، وهنا حالة من التّراخي بعد التّسليم بالأمر:
"، فَاللَيلُ مُقِيمٌ،" وليس هذا فقط فالفجر وهو رمز النّور والإشراق، وبشارة التّجدّد، والانتصار على الظّلمات بعيد عن تحقيق الحلم، أي الأمل ... سوداويّة وحالة من اليأس تسيطر على الأجواء:
" وَالفَجرُ عَنِ الحُلْمِ بَعِيدٌ،"، ورغم هذا الوضع المؤسف،
فالرّفض وتمسّكك بما تعتقد به وتريده "وَإِبَاؤكَ جَلدٌ وَعَنيدٌ،" لا يجدي؛ لأنّ العجز يسكنك. "لكِنَّكَ لِلعَجْزِ المَنْزِلُ،"
يا لها من صورة! فالمنزل هو بيت السّكنى، وإذا كان العجز هو السّاكن فيه، فإنّ من فيه يساقون بسهولة من قبل الأقوى، لذا :"فَالسَّيِّدُ أَعطَى المَرْسُومَ بِتَمْلِيكِ الجَبْهَةِ لِلنَّذْلِ، وَتَرسِيخِ الذِّلَّةِ فِي البّذْلِ، وَدُونَ قَرارٍ أَو إِقْرارٍ باَعَ الفَجْرَ لِعَتْمِ القَهْرِ، بَغَى وَتَجَبَّرَ، وَسَفِينَ الظُّلْمِ بِلا حِلْمٍ فِي مِينَاءِ دُمُوعِكَ أَرْسَى.. "
لقد جاء من فرض أوامره، ووزّع المهام، ونصّب، وسلّم قيادة الجبهة للنّذل الذي لا يجيد إلّا الخنوع والخضوع، هو المتحكّم برقعة الشّطرنج يحرّك الجنود كيفما شاء، ورسّخ في الأذهان مشاعر الذلّ وعجز البذل والتمرّد والرّفض، ودون مشورة لاتّخاذ القرار، ومن غير موافقة يصدر قراراته، ويسدل ستائر الظّلم والقهر مفرّطا بنور الفجر؛ فارضا الهوان بليله الطّويل، ويكون الباغي المتجبّر الذي أرسى سفين ظلمه على شواطئ وميناء دموع من احتلّ.
إرساء السّفين يعني حالة استقرار، وتمكّن من السّيطرة رغم عويل صاحب الميناء، فالدّموع حالة خنوع وضعف، وهذا ما يقوّي السّيّد لفرض هيمنته!
تصوير رائع لحالة الاحتلال والسّيطرة دون مقاومة، بل بدعم بسبب الضّعف والرّكون في زوايا الاستسلام والسّماح للأزلام بأن يكون الرّجال!
"كَتَبَتْها قَبْلَ التَّسلِيمِ لِسَيْفِ العَبْدِ بِبَابِ الوَجْدِ عُيُونٌ تَنْزِفُ صَبرًا كَلَّ، وَبِالإِيمانِ يُطَأْطِئُ رَأْسًا، فِي عُمْرٍ لِلقَلْبِ القَانِتِ أَضْحَى رَمْسا."
كتبت الرّسالة الموجّهة في بداية القصّة ومضمونها الدّعوة إلى التذكّر، وعدم النّسيان، عيون، والعين هي الإدراك البصريّ، "ورمز الإدراك العقليّ"، وهي عند ابن سينا" آخر المعرفة التّأمليّة"، هذه العيون المدركة للحقيقة تنزف وهي تكتب الرّسالة، أي تصوّر الواقع وتوجّه، تنزف صبرا قد تعب، ولم يعد مجديا، وكون الأفعال بالمضارعة، فهي الاستمراريّة بما كان ( النّسيان، والرّضوخ)، والخنوع والطّأطاة باسم الدّين والإيمان وتسليم دفّة العجز وعدم السّيطرة للقدر، وضعف الإنسان..
ويتّخذ من الدّين حجّة لتخدير الإحساس بالهزيمة، ووجوب المقاومة، ويضحي العمر رمسا للقلب الذي ظلّ قانتا فيه طويلا...
وجاء استعمال الفعل النّاقص (أضحى) موفّقا ليدلّ على الزّمن المطلق، وهذا ممّا يزيد من مأساة الواقع الموصوف : "أضحى من أخوات كان ، تدلُّ في أصل معناها على الدخول في وقت الضّحى ، ثم صارت تدلّ على مطلق التوقيت أو التحويل" .
. واختيار لفظة الرّمس بدلا من القبر ضاعف من حدّة الموقف. فالرّمس من الفعل : (رمس) "إِذا كان القبر مُدَرَّماً مع الأَرض فهو رَمْس أَي مستوياً مع وجه الأَرض وإِذا رفع القبر في السماء عن وجه الأَرض لا يقال له رَمْسٌ. وفي حديث ابن مغَفَّل: ارْمُسُوا قبري رَمْساً أَي سَوُّوه بالأَرض ولا تجعلوه مُسَنَّماً مرتفعاً وأَصلُ الرَّمْسِ الستر والتغطية ويقال لما يُحْثَى من التراب على القبر رَمْسٌ والقبر نفسُه رَمْسٌ. (لسان العرب).
وهذا يعني أنّ عبثيّة العمر الضّائع بوضعيّة الطّأطأة والإذلال غير ظاهرة للعيان مثل الرّمس المسوّى بالأرض ولا يظهر، ومن هنا أهميّة العنوان: (طأطأة) الصّادرة عنه أفعال الذلّ، والخضوع، والنّسيان، والتّقاعس وما إلى ذلك من دلالات سلبيّة للكلمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى بروز السجع في نصوص الكاتبة عموما، وقد ظهرت هنا بما يجد فيها القارئ قافية داخلية، غير أنه ليس من معايير القصة الشاعرة، وربما يأخذها البعض على النص لهذا السبب، لكنها من وجهة نظري كقارئة تمنح الإيقاع عذوبة وترفع من تناغمه.

قصّة رائعة غاليتي وشاعرتنا الأخت ربيحة
شكرا لك ودمت رمز الإبداع والجمال
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
29-05-2015, 01:34 AM
مهاراتك في الوقوف على تحليل المفردات واستشراف دلالاتها تفتح أمام المتسائلين عن ماهية القصة الشاعرة سبل فهم أهمية انتقاء المفردات وصحة توظيفها كواحد من معاييرها الأساس
وقراءتك الدقيقة الموفقة تظهر مدى فهمك للقصة الشاعرة وأدواتها الممتدة في أكثر من لون أدبي من قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا وشعر تفعيلة

وهل لي أمام هذا الجهد الراقي غير أن أقول لسيدة الحرف أن حروفي عاجزة عن التعبير عن مدى شكري!
دمت بروعتك يا غالية

تحاياي

د.حسين جاسم
02-06-2015, 06:42 PM
لن أطيل التعليق على هذه القراءة التحليلية الدقيقة
لكني أحيي فيها ما تقدم الكاتبة/القارئة القديرة للمطلع على قراءتها من فرصة معرفة ماهية هذا الفن الأدبي المستحدث
لك تقديري

خلود محمد جمعة
03-06-2015, 11:41 AM
أدب على أدب
قصة رائعة بقراءة متمكنة ودقيقة من أديبة ذهبية اليراع وسيدة للحرف
تقدير بحجم حضور اديبتنا الرائعة كاملة
وشكر متجدد لإتحافنا لشاعرتنا المبدعة ربيحة
مودتي

كاملة بدارنه
08-06-2015, 06:01 PM
مهاراتك في الوقوف على تحليل المفردات واستشراف دلالاتها تفتح أمام المتسائلين عن ماهية القصة الشاعرة سبل فهم أهمية انتقاء المفردات وصحة توظيفها كواحد من معاييرها الأساس
وقراءتك الدقيقة الموفقة تظهر مدى فهمك للقصة الشاعرة وأدواتها الممتدة في أكثر من لون أدبي من قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا وشعر تفعيلة

وهل لي أمام هذا الجهد الراقي غير أن أقول لسيدة الحرف أن حروفي عاجزة عن التعبير عن مدى شكري!
دمت بروعتك يا غالية

تحايايالشّكر لك على جمال الحرف الذي يستدعي القراءة
شكرا لك على شهادتك وثقتك شاعرتنا الأخت ربيحة
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
28-07-2015, 04:03 AM
قراءة قراءتك في القصة الشاعرة تساعد القارئ على فهم هذا اللون الأدبي بشكل أفضل قليلا
شكرا لك أختي وأستاذتي كاملة بدارنة
بوركت

كاملة بدارنه
04-08-2015, 06:43 PM
لن أطيل التعليق على هذه القراءة التحليلية الدقيقة
لكني أحيي فيها ما تقدم الكاتبة/القارئة القديرة للمطلع على قراءتها من فرصة معرفة ماهية هذا الفن الأدبي المستحدث
لك تقديري

شكرا لك أخي الدكتور جاسم على المداخلة الرّائعة
إنّه لون أدبيّ ممتّز
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
03-10-2015, 02:42 AM
نشرت القراءة في كتاب " القصة الشاعرة وآفاق التجريب" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة / وزارة الثقافة المصرية المتضمن أبحاث المؤتمر السادس للقصة الشاعرة
https://scontent-fra3-1.xx.fbcdn.net/hphotos-xft1/v/t1.0-9/11880421_1680827495472876_5527678997081006057_n.jp g?oh=a1eca775508ed7d63412058e89c42aa0&oe=568E1811

ياسرحباب
07-10-2015, 02:19 AM
استمتعت و أنا أقرأ
كل التقدير للأدبيات المبدعات

الدكتور ضياء الدين الجماس
07-10-2015, 05:59 AM
نشر النموذج والتحليل يرسم في الذهن فكرة واضحة عن ملامح القصة الشاعرة
شكراً للكاتبة والقارئة المحللة
جزاك الله خيرا

كاملة بدارنه
27-12-2015, 09:04 PM
أدب على أدب
قصة رائعة بقراءة متمكنة ودقيقة من أديبة ذهبية اليراع وسيدة للحرف
تقدير بحجم حضور اديبتنا الرائعة كاملة
وشكر متجدد لإتحافنا لشاعرتنا المبدعة ربيحة
مودتي
الشّكر لك أخت خلود على المرور الكريم
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
04-01-2016, 10:16 PM
قراءة قراءتك في القصة الشاعرة تساعد القارئ على فهم هذا اللون الأدبي بشكل أفضل قليلا
شكرا لك أختي وأستاذتي كاملة بدارنة
بوركت
شكرا لك عزيزتنا نداء التي اشتقنا لحضورها
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
04-01-2016, 10:17 PM
استمتعت و أنا أقرأ
كل التقدير للأدبيات المبدعات
الشّكر والتّقدير لك أخي
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
04-01-2016, 10:18 PM
نشر النموذج والتحليل يرسم في الذهن فكرة واضحة عن ملامح القصة الشاعرة
شكراً للكاتبة والقارئة المحللة
جزاك الله خيرا
الشّكر لك أخي الدّكتور الفاضل ضياء
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
09-07-2018, 05:34 PM
قصة رائعة وتصوير متقن لحالة الإحتلال والسيطرة
والطأطأة والخنوع بأسم الدين وتسليم دفة العجز وعدم السيطرة
وقراءة دقيقة بديعة موفقة حللت وشرحت ماهية القصة الشاعرة بإبداع وتمكن
شكرا للكاتبة المبدعة، وللقارئة الناقدة المحللة
وهذا هو ما نسميه بإبداع العمالقة
تحياتي لكما وكل تقديري.
:0014::noc::0014: