تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يأتي الخريف



محسن العافي
21-05-2015, 09:14 PM
فوق بساط ذلك المكان ،جلس ويده اليمنى تداعب شعيرات رأسه ، كان كهلا باغتته أيام الخريف فنزعت من حياته شعاع البهجة.
كان المكان غاصا بالذكرى ،منازعا لتلك الأصوات المتضائلة ،حين أرادت أن تنال من ذلك الصمت الذي وشح المكان بذلك الوشاح الفطري المهيب ،لقد كان يطل برأسه من بين تلك الأعشاب، فيبدو ككومة صوف منفوش .
هو ذاك المكان الذي امتزجت بذرات هوائه نسمات الهوى، الذي ضاع بين تألق تغاريد الطيور، و زقزقات صغارها ، كانت حركات شملت أرجاء ذلك العش الضيق ،فعانق الناظر إليها تلك الأهداب الشعاعية المتناثرة من خيوط أشعة الشمس الذهبية ،فاعتادت مداعبة تلك الأمكنة التي تمتثل لشحوب المنظر ، فيغرق المكان كله في صمت عميق اعتلته صفرة الخريف .
كان الرجل قد اختفى بين تلك الألوان ، تذكر تلك الأيام التي كانا يقصدان فيها المكان ،لقد كان صمتا بدلالات لا تنتهي متاهاتها المحيرة ،فتزهو الذكرى منتشية في ذلك الحيز الذي تناثرت فيه أحلامهما ،كانا ككيان واحد ضم شخصين اجتمعا على الجمال، فارتويا من قطرات نبع ذلك الحب ،فلم يكن الزمان قد خلق في أحدهما شيئا ،إلا وكان له شبيه في الآخر ،لاحت له في سماء المكان عناوين تجلت حينا من الوقت ثم غابت،وأخرى لاحت له من بعيد وأعلنت أنها آتية حين يقبل الخريف قبل الأوان ،قطف بعض الأزهار التي كانت تتراقص حوله ، ثم قال: هكذا كُنّا نقطف أزهار تلك الأيام واحدة واحدة ، ثم حلّ الخريف، وها أنا ذا وكل الفصول قد مرت إلا هو ،لأجدني وحدي ، ها هو ذا يعبث بما بقي من جمال ليلقي به في مسارات الذكرى ،ويعزف على أوتار الحياة أغنية "ناهاواندية "تؤثث لرقصة الوداع المتجلية في تلك الأنحاء.

كان يشير براحة يده ،فتراها تتحرك وكأنها يد طفل صغير حين تطلب منه أمه أن يقول "باي، باي" وهي فرحة ببداية العلامات الدالة على النمو والنضج ،بتلك الحركة البريئة ،كان يخالها طفلا ببراءة أغدقت في عالم النقاء والصفاء والسمو ،كانت شيئا متفردا ماتعا في كل ما لها ،ثم تذكر قولها في إحدى الأيام حين قالت : هل يخيل إليك أننا سنفترق يوما ما ؟ فكان غالبا ما يجيب بالنفي وفي قرارة نفسه، شيء من خوف لا يغادر تفكيره ،كانت الأيام تمر مرّ السحاب وهما على ذات الحال، بين تلك الروابي ،وبين أفياء تلك الأمكنة الخالدة التي اختلطت فيها معالم الحسن ، فتجلت في جمال طبيعة برونق حوى سماءهما وأرضهما، وهما مستلقيان كعادتهما معا على ذلك البساط الأخضر الناعم ، لكن سرعان ما جاء الخريف، وا سوس غصن أحدهما فنحى إلى تلك الزاوية، ثم رحل .
بقي الآخر بين تقلبات الخريف، ينتظر سقوط ورقته من ذلك المنتهى، ليخلد بين أحضان حبيبته التي تناثر طيفها في رحابة ذلك المكان ، كان ذلك الفيء جنة له في هذا العالم الصغير ، وبين دوام الحال، رحل بدوره إلى تلك الضفة أملا في لقاء أزلي،رافضا عالما ضم بين فصوله شبح الخريف الذي يعلن النهاية .

عبد السلام دغمش
22-05-2015, 08:07 AM
أخي الأستاذ محسن العافي
الغوص في عمق المشهد وربطه بخيوط الحدث براعة يتحلى بها الكاتب..
أعجبتني هذه الإضاءات الوجدانية ..
تقديري و محبتي.

خلود محمد جمعة
24-05-2015, 08:21 AM
وما الحياة الا فصول يعيش ربيعها في قلوبنا بذكريات من نحب الى أن تسقط أوراقه فيحل فصل الشتاء قارصا ببرودته على مشاعرنا
خريف ورحيل وقصة رسمت خريف العمر بعمق وجمال
بوركت وكل التقدير

ربيحة الرفاعي
07-06-2015, 06:34 PM
اتكأت على حكاية عاطفية لتغوص متأملا في قيمة الحياة وزيف جمالها، في سرد طاب ووصل بغاياتك مرافئها

استوقفتني الكثافة في تكرار أسماء الإشارة حيث يسهل استبدالها أو حتى الاستغناء عنها

كان المكان غاصا بالذكرى ،منازعا لتلك الأصوات المتضائلة ،حين أرادت أن تنال من ذلك الصمت الذي وشح المكان بذلك الوشاح الفطري المهيب ،لقد كان يطل برأسه من بين تلك الأعشاب، فيبدو ككومة صوف منفوش .
كانت حركات شملت أرجاء ذلك العش الضيق ،فعانق الناظر إليها تلك الأهداب الشعاعية المتناثرة من خيوط أشعة الشمس الذهبية ،فاعتادت مداعبة تلك الأمكنة التي تمتثل لشحوب المنظر ،
وكذلك بروز رأي الراوي في الخاتمة

دمت بخير أهيا الكريم
تحاياي

ناديه محمد الجابي
27-02-2016, 06:16 PM
خريف يعبث بما بقى من جمال ليلقى به في مسارات الذكري
لتنتفض ذكريات ذلك المكان الذي امتزجت بهوائه نسمات الهوى
ثم تركته ورحلت.
يقول فاروق جويدة :
ورجعت وحدي في الطريق
اليأس فوق مقاعد الأحزان
يدعوني إلى اللحن الحزين
و ذهبت أنت و عشت وحدي.. كالسجين
هذي سنين العمر ضاعت
و انتهى حلم السنين

تعبيراتك فائقة الجمال ومشاعرك صادقة شفافة.
دمت بخير. :001:

آمال المصري
14-10-2016, 04:16 PM
يبقى الخريف للذكرى خير شاهد على ما تحمله الذكريات من صدق المشاعر لمن رحل وترك مكان في القلب لايسع سواه
سرد ماتع بلغة ساحرة وتعابير مبدعة راقت لي فشكرا لك
تحية وتقدير

عباس العكري
15-10-2016, 01:06 PM
عندما يأتي الخريف

https://2.bp.blogspot.com/-p7S9XWLUa9A/WAINgz5SXJI/AAAAAAAAE2Y/zVbYfGBkDBgdJzk9SrSmaJNT4aWs_2DJgCLcB/s1600/%25D8%25B9%25D9%2586%25D8%25AF%25D9%2585%25D8%25A7 %2B%25D9%258A%25D8%25A3%25D8%25AA%25D9%258A%2B%25D 8%25A7%25D9%2584%25D8%25AE%25D8%25B1%25D9%258A%25D 9%2581.png

محسن العافي
19-12-2016, 09:25 PM
وما الحياة الا فصول يعيش ربيعها في قلوبنا بذكريات من نحب الى أن تسقط أوراقه فيحل فصل الشتاء قارصا ببرودته على مشاعرنا
خريف ورحيل وقصة رسمت خريف العمر بعمق وجمال
بوركت وكل التقدير
الأستاذ الكبير عبد السلام دغمش أشكر لك اهتمامك ومرورك الطيب

محسن العافي
19-12-2016, 09:27 PM
وما الحياة الا فصول يعيش ربيعها في قلوبنا بذكريات من نحب الى أن تسقط أوراقه فيحل فصل الشتاء قارصا ببرودته على مشاعرنا
خريف ورحيل وقصة رسمت خريف العمر بعمق وجمال
بوركت وكل التقدير
الاستاذة خلود ، لك كل التقدير على إطلالتك الوازنة

محسن العافي
19-12-2016, 09:28 PM
اتكأت على حكاية عاطفية لتغوص متأملا في قيمة الحياة وزيف جمالها، في سرد طاب ووصل بغاياتك مرافئها

استوقفتني الكثافة في تكرار أسماء الإشارة حيث يسهل استبدالها أو حتى الاستغناء عنها

وكذلك بروز رأي الراوي في الخاتمة

دمت بخير أهيا الكريم
تحاياي
الاستاذة ربيحة ، لك كل الشكر على العناية بنصوصي

محسن العافي
19-12-2016, 09:29 PM
يبقى الخريف للذكرى خير شاهد على ما تحمله الذكريات من صدق المشاعر لمن رحل وترك مكان في القلب لايسع سواه
سرد ماتع بلغة ساحرة وتعابير مبدعة راقت لي فشكرا لك
تحية وتقدير
الأستاذة آمال كل التقدير لتتبعك لما اكتب

محسن العافي
19-12-2016, 09:31 PM
عندما يأتي الخريف

https://2.bp.blogspot.com/-p7S9XWLUa9A/WAINgz5SXJI/AAAAAAAAE2Y/zVbYfGBkDBgdJzk9SrSmaJNT4aWs_2DJgCLcB/s1600/%25D8%25B9%25D9%2586%25D8%25AF%25D9%2585%25D8%25A7 %2B%25D9%258A%25D8%25A3%25D8%25AA%25D9%258A%2B%25D 8%25A7%25D9%2584%25D8%25AE%25D8%25B1%25D9%258A%25D 9%2581.png
شكرا للأستاذ والأديب عباس على هذا العرض البهي الذي ينبع من محبة صادقة للأدب والأدباء والكلمة الجميلة

محسن العافي
19-12-2016, 09:35 PM
خريف يعبث بما بقى من جمال ليلقى به في مسارات الذكري
لتنتفض ذكريات ذلك المكان الذي امتزجت بهوائه نسمات الهوى
ثم تركته ورحلت.
يقول فاروق جويدة :
ورجعت وحدي في الطريق
اليأس فوق مقاعد الأحزان
يدعوني إلى اللحن الحزين
و ذهبت أنت و عشت وحدي.. كالسجين
هذي سنين العمر ضاعت
و انتهى حلم السنين

تعبيراتك فائقة الجمال ومشاعرك صادقة شفافة.
دمت بخير. :001:
لك احترامي وتقديري ، وجودك دعم للجمال الأستاذة الأديبة نادية

محسن العافي
16-01-2017, 10:07 PM
كل التقدير للادباء والاديبات على التفاعل