تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أزهـــار ذابــلـة....



صالح اهضير
30-05-2015, 02:54 PM
http://store1.up-00.com/2015-05/1432989715011.jpg



تطلعت إلى المرآة على مضض بمقلتين تغور فيهما مرارة حيرة لا تطاق ..رأت وجها شاحبا تدب فيه تجاعيد الزمن الصارم بعد أن تولت الايام الخوالي على حين غرة كحلم عابر..بدا شعرها أشمط تلاشى بريقه بعد أن كان ذات يوم فتنة للعاشقين.. القابعين في مرابض الوجد والهيام .ماعادت المرايا الصقيلة،بعد أن خلت منها حقائبها،تعني لها شيئا إلا استدرارا لسيل من الآهات والأنات ..بل حتى الشماتة بهذا الجسد المترهل ،المتبخرة أمجاده كأن لم تكن بالأمس..
لكن لا تلبث أن تجد نوعا من العزاء والطمأنينة لبعض الوقت وهي تقلب اشياءها وودائعها القديمة: صور،نياشين،قلادات،مجوهرات ،فساتين من موديلات تبهرالأعين. يراودها حنين مثير لا يقاوم.. يطفو على وجهها وهج ابتسامة عابرة بلسما يخفف عنها وطأة السنين .
تستعيد شريط الذكرى..العيون المتلهفة القاضمة تطاردها اينما حلت وارتحلت...الخطى الحثيثة الظامئة تتعقبها في كل الأرجاء..عجبت كيف تغدو بين عشية وضحاها مثيرة للاهتمام ومبتغى لكل الرائحين والغادين..استبدت بها نوبة استغراب..خالت نفسها وقد استحالت إلى متاع يتصارع من أجله من كان لهم حظ وافر من ثراء لا يضاهى..
ومع ذلك،فقد كان ينتابها إحساس بألم ممض يغمر كيانها إلى حد كانت لعناتها تنصب على هده الطغمة الخسيسة بعد أن تناهى الى يقينها أن كل إطراء أوإعجاب أو تمجيد لم يكن في غور الافئدة إلا مطمعا في نزوات لمآرب ذاتية..
في لحظة من اللحظات،هزت رأسها، تعلق نظرها باللوحة الجدارية ..بدت فيها متربعة على عرش التتويج ملكة للعالم جمالا وحسنا..ترتدي أبهى ثيابها مطوقة جيدها بأنفس الجواهر الممتدة منها خيوط نورانية.. يشع وجهها بشاشة ونظارة ..بمحاذاتها متباريات ووصيفات يتلألأن بهاء ودلالا.. خطت بخطى وئيدة نحو شرفة البيت،بدت لها كمنصة التتويج،ألقت من أعلاها بنظرة إلى الاشجار الباسقة التي كانت تميس بفعل نسائم صبح جميل.. ترامى إلى سمعها صوت حفيف الأفنان ونشيد أطيار خالتهما ترانيم وتصفيقات أشعلت حماس جماهيرالمعجبين لحظة التكريم..غمرتها نشوة عارمة..لوحت بيديها البلوريتين ترد على التحيات في أجواء تصدح بالإعجاب فتنعش الروح ..غير انها مالبثت أن احتوتها سحابة حزن مريرعندما استفاقت من أحلام يقظتها..
تسائل نفسها بين الفينة والأخرى : ما قيمة جسد تافه آيل إلى السقوط؟..تتعقب خطاه أسياف الذبول والفناء بعد عز وسؤدد؟؟ ..بل ما قيمة جمال آنيّ للذوات إن كان حتما أن تضيق الروح وتشقى من انطفاء جذوته في المقبل من الايام والسنين؟؟
قالت أمها ذات صبيحة،بعبارات متقطعة حارقة،قبل أن يتوخاها حمام الموت لافظة أنفاسها الاخيرة :" يا بنيتي ! .. إن كان قدرك أن تشقي بلهيب ذكراك،فلا مناص من أن تلتمسي من ربك الرحمة واللطف...فما عاد بالإمكان أن تعود الحياة إلى سابق عهدها..!! ". كان ذلك آخر ماترامى إلى مسمعها من شفاه الأم الرؤوم..لكنها أصرت مجبرة على التمادي فيما هي ماضية فيه ..
وها هي ذي اليوم تعيش على أنقاض عهد عفا رسمه وانمحى أثره، تجوب كل الامكنة والدروب وتدرعها ذهابا وإيابا..تهيم في الطرقات خائرة القوى..تكبو وتستقيم..تستنجد بالفراغ..تستغيث ولا مغيث..وحينما بلغ منها اليأس مبلغه،عندئذ فقط أدركت انها لم تكن تعي شيئا سوى أنها كما الزهرة الفانية بين مثيلاتها من أزهار ذابلة تتقاذفها رياح الزمن المقيت في متاهات النبذ والنسيان...

عبد السلام دغمش
30-05-2015, 09:59 PM
الاستاذ صالح اهضير
هذه الوقفة المتأملة في أواخر قطار العمر تستحق أن يخفق لها القلب وينشغل بها الفكر..
البهرح والبريق لا بد من أن يخفت يوما ..ويبقى ما في القلب من نور اليقين والرضا.
نص جميل ..سررت بقراءته رغم أني رأيت فيه تحليل الشخصية قَدْ تغلب على عنصر الحدث .
تحياتي أديبنا الكريم.

صالح اهضير
30-05-2015, 11:18 PM
الاستاذ صالح اهضير
هذه الوقفة المتأملة في أواخر قطار العمر تستحق أن يخفق لها القلب وينشغل بها الفكر..
البهرح والبريق لا بد من أن يخفت يوما ..ويبقى ما في القلب من نور اليقين والرضا.
نص جميل ..سررت بقراءته رغم أني رأيت فيه تحليل الشخصية قَدْ تغلب على عنصر الحدث .
تحياتي أديبنا الكريم.


---------------------------------------
الاستاذ عبد السلام دغمش..
أخي انا أقرر العكس ..الحدث هو عبار ة عن فلاش باك ..استعادة لذكريات الماضي السحيق للشخصية..هذة الشخصية لم يتجاوز تحليل مكامنها ومظاهرها إلا بضعة أسطر..وماتبقى انصب على الاحداث المأسوف عليها..
الخص محاور الحدث فيما يلي :
- استعادة لذكرى الفتوة والشباب..
- تحلق الهائمين بالشخصية حولها..مطاردتهم لها..
- تتويجها ملكة لجمال العالم ورد فعلها.
- نصائح الام وهي على فراش الموت.
- مصيرها النهائي..
وهذا النوع من القصص هو من النوع " الذاتي" كما تعلم..
تحياتي الغالية..

خلود محمد جمعة
31-05-2015, 08:24 AM
ادركت ذبول الجسد ولم تدرك السر لديمومة الجمال لذا ستعيش ما تبقى لها تنظر الى انعكاس المرايا فقط
طرح جميل وفكرة عميقة تدعو للتوقف والتأمل
بوركت وكل التقدير

صالح اهضير
31-05-2015, 06:26 PM
ادركت ذبول الجسد ولم تدرك السر لديمومة الجمال لذا ستعيش ما تبقى لها تنظر الى انعكاس المرايا فقط
طرح جميل وفكرة عميقة تدعو للتوقف والتأمل
بوركت وكل التقدير


***********************
تحيتي لك خلود محمد جمعة
تقييم اعتز به..ومبعث الاعتزاز القدرة على إدراك مكنونات النص في عبارة وجيزة دالة تفي بالمقصود..

كاملة بدارنه
01-06-2015, 02:20 PM
جمال الأخلاق باقٍ، وجمال الجسد فانٍ
فطوبى لمن تربّعت في صباها على عرش التّقوى، وسترت جسدا تعرف أن حسنه لن يبقى
سرد جاذب، وقصّة واعظة هادفة
بوركت
تقديري وتحيّتي

صالح اهضير
01-06-2015, 06:11 PM
جمال الأخلاق باقٍ، وجمال الجسد فانٍ
فطوبى لمن تربّعت في صباها على عرش التّقوى، وسترت جسدا تعرف أن حسنه لن يبقى
سرد جاذب، وقصّة واعظة هادفة
بوركت
تقديري وتحيّتي

------------------------------
الاخت بدرانه كاملة..
مسرور حيال ردك القيم ..أجل القيم النبيلة باقية والنعم زائلة بالرغم من تعاقب الازمان ..وبطلتنا هنا فقدت كل شيء - الشباب والفتوة والرفاه والمجد - ،ولم يتبق إلا بعض المتاع وجسد دب فيه الشيب والانحسار...
تحياتي الجليلة...

ربيحة الرفاعي
17-06-2015, 06:51 PM
بحبكة استرجاعية، ونص أرخى السارد فيه الحبل للتفاصيل تتداعى مشكلة البناء الدرامي، وحاملة بكليتها رسالة القصة المتنكرة للنجاحات والأمجاد الدنيوية الآيلة دائما لزوال..
أحسنت توظيف الحرف في خدمة الفكرة

دمت بخير أديبنا
تحاياي

محمد محمود محمد شعبان
17-06-2015, 08:27 PM
قرأتها لآخر حرف
ماتع هو حرفك سيدي
أهلا ومرحبا بكا في واحتك

نداء غريب صبري
24-09-2015, 01:25 PM
رغم أن الفكرة متداولة فقد عرضتها بأسلوب مختلف وجميل ومشوق
وجعلتنا كقراء نتأملها بعمق أكبر ونتأمل الواقع أيضا بسردك الجذاب

شكرا لك أخي
بوركت

صالح اهضير
31-12-2015, 11:36 AM
رغم أن الفكرة متداولة فقد عرضتها بأسلوب مختلف وجميل ومشوق
وجعلتنا كقراء نتأملها بعمق أكبر ونتأمل الواقع أيضا بسردك الجذاب

شكرا لك أخي
بوركت


************************
تحيتي للشاعرة نداء غريب صبري

الشكر الجزيل موصول لك على انطباعاتك القيمة حول القصة..واعتذر عن عدم الرد في الوقت المناسب..

ناديه محمد الجابي
20-01-2024, 07:11 PM
ليس الجمالُ الذي بالعين تُبصرُهُ....
إن الجمالَ جمالُ الروحَ لا الجسدِ....
فالحُسنُ في الجسمِ مُرُّ الدهرِ يُذبلُهُ....
والحسنُ في الروحِ باقٍ فيهِ للأبدِ.....!!!

نص إنساني شفيف يخترق الوجدان بما حمل من حزن وندم
نجحت في اقتناص الفكرة وصياغتها بلغة شيقة وصور عميقة مشحونة بالمشاعر
قاص بارع ـ وقد نجحت بسرد جاذب ومزج للصور الرائعة الموحية بمعان قصدها
فتألقت بنجاح .. ولك تحياتي وودي.
:v1::nj::0014:

أسيل أحمد
28-01-2024, 12:11 PM
كل شيء إلى زوال من جمال وألق وفتنة ـ الشباب والبشاشة وما يتبعهما من إعجاب
وما يتبقى من ملكة الجمال التي أبهرت العالم بحسنها وجمالها إلا كما يتبقى من الزهور الذابلة
تتقاذفها رياح الزمن في متاهات النبذ والنسيان.
معنى جميل وعميق في قصة هادفة تقول إن جمال الجسد يذهب مع الزمن
ولكن جمال الروح هو الباقي لا يستطيع الزمن التأثير عليه.
سلمت يداك ودام إبداعك.