مشاهدة النسخة كاملة : تَفَاصِيلُ الوَجَع/(حَقِيقيّة)
نجود بلعالية
30-08-2015, 09:06 PM
ذَاتَ مَساء باهت خُدعَت فِيه حَرارةُ الصيف بنسمة خَريفٍ شَاحب، فلاهِي السماء فيه بكت ولا هِي ابتَسمت .جاءتني وفي إحدى يديْها قصّة كُتِبَ عليها :"حكَاية وَجع". وبيْدَ أن الوجع حكاية لن تنته ،وبيد أن أيّامنا المشبوكة به سترهقنا كثيرا مالم نَستقم نحو السماء، وبيد أن الماضي لن يُزيله بكاء أو عويل . كَانَ بكاؤها مُرًّا جدا ، وكذلك كانت ابتِسامتها التي مازالت تُكابد الحياة لأجل الحياة راضية جدا.رُبّما لأنها تخشى أن لاتَعيش إلا نصف الحياة ، وربما لأنها مازالت تخاف الرّحيل دون حقائب مُرَتَّبة الأجور .تخشى ذلك كَثيرا فتُنهي حكَايتها المُوجعة بقولها: "لعله خير".
ولتفاصيل أكثر عن الوجع، كل مايمكنني فعله الآن هو اِلتقاط أنفاسي لأجل الكِتابة.
هَمسة:
كانت هذه اول تَجربة لي في هذا الفن ، كتبتها تأثُّرا بصاحبتها ولعلي لم أراع خواصه ومميّزاته ، إلا أني أتمنى أن أستفيد من توجيهاتكم وأرائكم
نجود بلعالية
30-08-2015, 09:14 PM
1
إيمان ابنة الأربع سنوات، وكأي رُوح عانقت جِيدَ الحياة فكانت زِينتها وبهاءها،وكأي صَفحةٍ بيضاء ونَفْسٍ نقيّة تعيش في عالمها البريء لايعتريها دُخْن أو سَوَاد.تَتجمّل بعفويتها المنسابة وتتقلّد ابتسامتها الوديعة التي تعزف الفَرح على أوتار بيتها السَّعيد.شَغوفة جدا باللعب والحَركة المملوءة بالنشاط والخفة .لاهمَّ لها سوى دميتها التي تُقصيها بغضب حِينا وتُدنيها بِحُنُوٍّ وَرِفْقٍ حينا.
كَانتْ كعادتها بين أحضان ألعابها الملائكية حين نادتها والدتها:
-إيمان إيمان !
-نعم ماما.
-تعالي أريك شيئا !
جاءت مهرولة بعد نداء أمها المغري.
الأم: لقد اشتريت لك ثَوبا جديدا.
إيمان : حقا! ( قالتها ووجهها يتهلّل فَرحا )
بدت أنيقة جدا بعد أن لبست ثوبها الأحمر.
الأم : كالقمر يابنتي ، الله يحفظك
تورّدت وِجْنَتي الطفلة بلون الخجل وهمست: أحبك ماما . ثم سرعان ماهربت الى ألعابها مجددا.
بقيت إيمان منهمكة في اللعب الى أن أحسّت بالجوع ماجعلها تقصد المطبخ بحثا عن ما يُصبرها ريثما يَجهز الطعام ، وبعد طول تَفَقُّد وقعت عيناها على صحن التوت البري الذي كان بجانب الفرن مباشرة ،وبُسرعة خاطفة مدّت يدها نحوه لتصطدم بيد اختها التي كانت تحرك البطاطا في الزيت الساخن.
وقَبلَ لَحظَة صُراخ أختها العاتب ، صَرخت إيمان صرخة الوجع المميت . كان ذلك بعد أن انقلبت المقلاة بزيتها لتصيب رجلها ويدها .كانت صرخة واحدة أرخت من بعدها جَفنها وهي تتمدّد على الأرض غائبة عن الوعي .
يتبع
ناديه محمد الجابي
31-08-2015, 09:27 AM
وأي وجع ...
همس هذه الحروف موجع..
كبل القلب بغصة، وأدمع العين بحسرة
نقلت لنا حروفك مشاعرك في صورة من الألم
قصة واقعية مؤثرة تحزن القلب
وفي شوق لمتابعة حرفك..
تحية لقلمك. :001:
ربيحة الرفاعي
05-09-2015, 12:25 AM
بدأنا معك حكاية الوجع، مشدودين لسردك الشائق وأدائك التعبيري الجميل
ولعل بعض عناية باللغة سيجعل النص يأتلق
لن تنته .. بل لن تنتهي
في قول الكاتبة"ولتفاصيل أكثر عن الوجع، كل مايمكنني فعله الآن هو اِلتقاط أنفاسي لأجل الكِتابة." ثقل الخبرية على النص
ابتسامتها الوديعة .. أظن الصواب أن نقول ابتسامتها الوادعة
تورّدت وِجْنَتي الطفلة ... توردت وجنتا الطفلة
صَرخت إيمان صرخة الوجع المميت. كان ذلك بعد أن انقلبت... أخشى أن "كان ذلك" هنا تقطع انسياب اللقطة وتضفي عليها الخبرية!
وبانتظار التتمة نبقى
وأهلا بك في واحة الخير حيثالصحبة الصالحة المتناصحة بصفاء ونقاء وصادق إخاء
تحاياي
محمد عبد القادر
05-09-2015, 02:14 AM
بداية مشرقة جدا
ما شاء الله
الأسلوب ممتع بتعابيره الموحية
بعض المجهود و المتابعة مع الأساتذة هنا من أجل اللغة
و ستزدهر موهبتك
تمنياتى بمزيد من الإبداع
نجود بلعالية
05-09-2015, 12:06 PM
الأديبة نادية
ولأجل ذلك ربما لم أجد عنوانا مناسبًا غير الوجع
هي أوجاع وآلالام وصدمات متتالية والله المستعان
سعيدة جدا بمرورك أستاذتي
شكرا جزيلا لك
الشاعرة ربيحة الرفاعي
مرحبا وأهلا بك أديبة
ولَكَمْ سرّتني ملاحظاتك ، ولَكمْ أحتاج إلى مثيلاتها
فأرجو أن لاتبخليني
إذن يمكن الاستغناء عن الجملة الأولى : ولتفاصيل أكثر عن ...
وبخصوص الثانية يمكن مثلا أن نجعلها بهذا الشكل :وقَبلَ لَحظَة صُراخ أختها العاتب ، صَرخت إيمان صرخة الوجع المميت . كانت صرخة واحدة أرخت من بعدها جَفنها وهي تتمدّد على الأرض غائبة عن الوعي . تهاوت بعدما انقلبت المقلاة بزيتها الساخن لتُصيب يدها ورجلها.
مسرورة جدا لوجودي بينكم ، بين قامة الأدب واللغة .. طوال فترة وجودي الماضية وأنا أتابع مواضيع وردود الاعضاء .. أعجبتني كثيرا تلك التوجيهات البناءة في ضبط النصوص .
وعلى استحياء كبير أحاول أن اضع حرفي بين أيديكم علَّ مافيه من اعوجاج يستقيم .
شكرا جزيلا لك
وتقديري لشخصك
القدير محمد عبد القادر
شرّفني مرورك وكثيرا ، وأسعدني ماكان منك في ردك
وهو كذلك .. وأرجو من الله التوفيق .
بارك الله فيك أستاذ
وشكرا جزيلا لك
نجود بلعالية
05-09-2015, 12:11 PM
2
وقد الْتحفت الأرض رداء الحُمرة ،وطيْر اعتاد التحليق في سماوات وطنه الآمن، صار اليوم حبِيس عش ضيّق ينتابه التوجس ويتنفسه الأنين. لاشيء يروي عروقه بعدْ سوى دمع القلب على الأبرياء إذ تتخطفهم أذرع المَكر بلا انسانية أو رحمة أو مشاعر.
بعد الصَرخة التي قَفزت بالقلوب ،أسرع الجميع نحو المطبخ ، وكَان الأب الغائب الوحيد. وأمام فظاعة المشهد لمْ يكن من خيار أمام الأم سوى أن تنادي على جارتها الممرضة رقية.
- يَجب أن تُنقل فَورا الى المستشفى: قالتها رُقية وهي متفاعلة مع المنظر الرهيب الذي جعل شرايين إيمان ظاهرة .
الأم وهِي تضع راحة يديها على رأسها: ياربِي ، أي مُصيبة هذه؟
سمية (أخت إيمان ) : رُقية أرجوك تصرفي ، تعلمين أن طَريقنا الى المستشفى غير آمن.
مروة(أخت إيمان ايضا): يستحيل أن نصل سالمين الى هناك. رقية أرجوك افعلي اي شيء.
رقية (بأسف)الحالة خَطيرة ، ولابد من المُسارعة.
الأم : والحل؟
رقية : سنجرب اسعاف الحالة في مستوصف الحي.
لَم يَكن المستوصف مُجهزا بكل الإمكانيات اللازمة ، ولم يكن هناك من خيار سوى المحاولة.
يُتبع
نجود بلعالية
05-09-2015, 12:21 PM
3
نُقِلت إيمان أخيرا الى مستوصف الحي، وكَان عليها أن تتحمل شُعور انسِلاخ جلدها عنها. وكانَ على أمها الواقفة خلف جدران غرفة العلاج أن تصم أذنيها عن بكاء ابنتها المتألمة وهي تصرخ وتنادي:
- ماما، ماما!
طَال مُكوث الطفلة في الداخل وبدأ القلق يُساور قلب الأم المفجوعة خصوصا بعد أن غاب صوتُ ابنتها وهي لا تعرف ما الذي يجري !
وفي محاولات يائسة كانت تُحاول الاستفسار من الممرضين المارين في الرواق ...لكن لا مُجيب!
وَصل الأب مصطفى إلى المستوصف ودون أن ينطق بكلمة واحدة اكتفى بتسديد نَظراته القاتلة صوبَ زوجته التي اكتفت هي الأخرى بالصمت أمامه. فالوقتُ والمكان غير ملائمين للعراك.
أطلّت أخيرا احدى الممرضات التي طمأنت الوالدين على حالة ابنتيهما، وكانَ لِزاما على إيمان أن تخرج في نفس اليوم بعد أن أعطوها مسكنا للألم ووضعوا بعض الأدوية والمراهم ولَفوا مواضع الحرق . فالمستوصف لا يُتيح فرصة المَبيت.
عادتْ إيمان الى البيت لتتخذ من أحد أركانه زاوية صامتة من كل شيء إلا من صوت أنينها وتوجعها وألمها . وروحها التي كانت تُنتزع منها في كل لحظةِ تغييرٍ للفافة الملتصقة بآثار الحرق كانت تحرّض المآقي على التَدفق بلا اكتفاء.
يُتبع
آمال المصري
21-12-2015, 04:54 PM
نجحت أديبتنا في انتزاع دمعة تعاطفا وتفاعلا مع الحالة
سرد ناطق ولغة طيعة عازها بعض التريث ليكتمل بهاء النص
في انتظار تتمة تفاصيل الوجع ومتابعة بشوق
شكرا لك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي
نجود بلعالية
28-12-2015, 01:36 PM
القديرة آمال المصري
شُكرا جزيلا لك على حضورك
أسعد بملاحظاتك وتوجيهاتك
تحياتي
نجود بلعالية
28-12-2015, 01:42 PM
4
باعة الموتُ ، وقد سمحوا من بعد ذلك بعبور الطريق المؤدي الى المستشفى في أوقات محددة، جعل الأم في ظل غياب الأب للعمل ككل مرة ، تتكفل باصطحاب ابنتها الى المستشفى ، أينَ أصبحت ايمان تُوضع في حوض معدني مملوء ببعض الأدوية لتخفيف الألم .كانت تغطس بكل جسمها ماعدا رأسها، وقد ساعدها ذلك كثيرا للتخلص من آلامها وأوجاعها.
تَعافت إيمان بعد مدة طويلة من العلاج من حروقها، تعافت الحروق ولم تتعاف آثار الحادثة. كانَ عليها أن تتقبل العيش برِجْل ويد مشوهة.
- ماما هل سأبقى هكذا؟
الأم وقد خنَقتْ العَبرات صوتها بقيت صامتة.
-ماما! ماما!؟
- نَعم سَتَبقين هكذا
نطَقتها الأم وهِي تَنظر لأعلى، وكأنها لا تُريد لدمعتها أن تنهمر.
إيمان وهي تهزُ رأسها يمينا وشمالا:
- لا لا أريد ، أنا لا أحبها .. أريد يدًا جديدة .. أنا لا أحبها !
لم تجد الأم من خيار سوى أن تحتضن ابنتها وتسترسل في البكاء وهي تردد وتقول : يا ليتَ الذي أصابك أصابني .. يا ليتَ الذي أصابكِ أصابني !
لم تَتقبل إيمان المظهر المشَوَّه لأطرافها ما جعلها تُطالب أمها بإخفاء تلك الآثار بملابس أطول، لكنها وفي كل مرة كانت تُغير فيها ملابسها، كانت تُضطر للنظر باشمئزاز وقشعريرة الى المنظر الرهيب لجسمها. وكُتْلة غَريبة تَشكلت خَلف ركبة الرِجل المحترقة كانتْ تُلزمها على تذكُّر مأساتها لما كانت تلاقيه من صعوبة في الجلوس و في ثَني رِجْلها.
تأزمت نفسية الطفلة كَثيرا ، وأيَّامها المفتولة بالمرح والنشاط انتحرت وانتحر معها كل شيء جميل .لتبدأ إيمان مرحلة التقوقع حول نفسها رافضة اللعب والكلام.
حالة العزلة التي دخلت فيها إيمان أثارت مخاوف والديها ما جعلهما يُفكران في إلحاقها بإحدى الروضات، بعد أن شَرحا للمشرفة وضعيتها وأشارت عليهما بإدخالها الروضة لتَنسى ما ألمَّ بها.
رفضت ايمان في البداية الالتحاق بالروضة، و في كل مرة كان يقوم فيها أبوها بإيصالها ويمضي ذاهبا الى عمله تَـهُمُّ باللحاق به وهي تبكي .
كان الأمر شاقا على الجميع في البداية ،إلا أنها وبمرور الأيام بدأت تتأقلم مع جو الروضة وأطفالها ،خصوصا وأنها كانت تحظى بمعاملة خاصة من قِبل المشرفة المسئولة ،لتُصبح فيما بعد تذهب وتجيء لوحدها .
بدأت السعادة تتسلل إلى إيمان من جديد خاصة مع التشجيعات التي كانت تتلقَّاها جرَّاء تعلمها السريع للحروف وحفظها المتقن للأناشيد والآيات. وهكذا تَفتّحت زهرة الخمس سنوات من جديد وجاوزتْ فصل انغلاقها شيئا فشيئا .
يتبع
خلود محمد جمعة
29-12-2015, 01:22 PM
ترسمين تفاصيل الوجع بمهارة
بانتظار الاجمل
وللحديث بقية وعودة للحرف الجميل
بوركت وتقديري
نجود بلعالية
29-12-2015, 02:38 PM
الأستاذة خلود
تشرفت كثيرا بمرورك
تحياتي ووافر شكري
نجود بلعالية
29-12-2015, 02:46 PM
5
كانت إيمان في طَريق العودة إلى المنزل تترنح بمحفظتها ، وهي تردد بعض الأناشيد التي حفظتها في الروضة ، حِين نَاداها ابن جِيرانهم خالد.
- إيمان ..إيمان.
- ماذا ؟
- أخوك أحمد ينتظرك هناك.
- أين هو ؟
- تعالي معي سآخذك إليه.
إيمان وبَعد أن مشت مع ابن جيرانهم ،وابتعدت عن طريقها :
- لكن أين هو، أنا لا أراه؟
- سوف يأتي لا تقلقي، حسنا ما رأيك أن نلعب لعبة ؟
- لعبة ماذا؟
- لعْبة الأشجار، سَنختبئ خَلف الأشجار لنلعب.
لم تَكن تَعرف إيمان أنها ستلعب أقبح لُعبة في الوُجود ..لعبة اغتيال براءتها وأحلامها. ولا بأنها ستكون يوما ضحية لذئب ماكر تَجرّد من كل شكل للإنسانية والرحمة.
لم تعرف أن حياتها المشَوَهّة سَتُوَلّي لجَحيم أعظم ومأساة أكبر بين أنياب وَحش انعدم فيه الضمير وانحطَّ فيه كل احساس.
لم تعرف أن كل شيء جميل بداخلها سيموت خلف الأشجار.
لم تَعرف إيمان أنها ستكون الرقم الجديد في سِجل المُغْتَصبِين!
لم تَعرف...
- ماما لقد عدت، أنا جائعة جدا.
- اغسلي يديك وتعالي.
-حاضر ، ممم تعلمين المعلمة قالت لي جيد جدا اليوم.
- أها، ماذا فعلت؟
-لقد حفظت سورة الكوثر أحسنَ منهم جميعا.
- جميل .. هكذا أريدك ، الأولى دائما .
لم تفهم إيمان حقيقة ما جرى معها ، ولم تُخبر أمها بما حدث ظنا منها بأنها لُعبة حقا ، لتبقى طوال العشية منهمكة في تلوين رسُوماتها، إلى أن أعياها التعب ونامت.
يُتبع
نجود بلعالية
30-12-2015, 12:34 PM
6
كانت في اليوم التالي عائدة إلى المنزل أيضا .ولمّا كانت القَذارة معدن خالد وكل من يمشي إلى جنبه ، كان هو وصاحبه يقفان في نفس المكان يترصدان فَريسة جديدة ،إلا أنه يبدو أنّه قد كُتب على إيمان أن تقع للمرة الثانية فريسة للاثنين معا .
عادت إيمان إلى المنزل ، بعد أن تأخرت قليلا ، لتجد أمها واقفة على الباب تنتظرها ، بعد أن التهب القلق بداخلها .
- أين كنت ولمَ تأخرت ؟
- كنت ألعب مع خالد.
- خالد !
لم تتوقع الأم ما ستسمعه، ولم تتوقع إيمان ردة فعل والدتها ، وهي تقص عليها مجريات اللعبة، خاصة وأنها كانت المرة الأولى التي تُعَنِّفُها فيها ،وكأنها تريد منها أن تقول أيّ شيء غير ذلك، لتركنَ نفسها بعد ذلك إلى جدار الغرفة في شلل لا يستوعب الحدث بعد ، في حين اكتفت إيمان بتكرار سؤالها دون أن تلقى جوابا:
-ماما ماذا هناك ؟!
دخل الزوج وابنه ليجدا الأم جاثية على ركبتيها منهارة ..وبالكاد استطاعت أن تنطق بما سمعت. حمل الأب طفلته مصدوما غير مصدق لأقوال زوجته، وأخذ يسألها برفق، يريد هو الآخر أن يسمع أي شيء غير الذي سمعه .
وضع مصطفى ابنته على الأرض بعدما تأكد من أنّها قد تعرضت للاعتداء ..واتّجه نحو المطبخ ومن خلفه ابنه .
تَناول الأب سكين اللحم ، وحمل الابن عصاه الشائكة ،واتجهَا نحو دَار خالد يُريدان سَلخ روحه وتكسير عظامه ، ليلتقيا بوالده الذي صُعِقَ هو الآخر بالنبأ . لكنه أخبرهما أنه تبرأ من ابنه وطَردَه من المنزل قبل شهر واحد ، وذلك بعدما تعفنت أخلاقه وساءت تصرفاته وكثرت مصائبه ،ثم ما لبث أن قال : إذا وجدتموه فاقتلوه!
تدخَّل بعض الجيران الذين تجمهروا حولهم وحاولوا تهدئة أبي ايمان، ودعوته إلى تقديم بلاغ لدى مركز الشُرطة وعدم التهور في ارتكاب جريمة أخرى.
وبعد طول محاولة في إقناعه أخذ الأب بنَصيحة جيرانه ، ليعود الى بيته تُغَشِّيه سحابة الألم والأسى على مصيبة ابنته .
عاد فاستقبلته طفلته عند الباب : بابا ما بها ماما ، لماذا تبكي ؟اكتفى الأب لحظتها بحمل ابنته بعد أن ضمها إليه وأخذ يمسح على شعرها.. وهي تبتسم .
لم تمر أيام طويلة حتى وقع خالد وصاحبه في مصيدة الشُرطة بتهمة المتاجرة في المخدرات واغتيال أحلام البراءة .
يُتبع
نجود بلعالية
31-12-2015, 12:53 PM
7
(بعد مرور عشر سنوات)
وَافقت إيمان على الذهاب مع ابنة خالتها أمينة الى عرس صديقتها ،بعد أن ألحَّت عليها كثيرا، وأكّدت لها أنّهما لن يُطيلا البقاء ، فإيمان طُبعت على حب الإنفراد وكراهية التجمعات.
أمينة وبينما كانت رفقة صديقاتها في العرس ،أخذن يتحدّثن عن أحلامهن في تكوين أسرهن ،وعن تلك الصفات اللاتي يتمنين أن يجدنها في أزواجهن مستقبلا.تَضايقتْ إيمان كثيرا من حديثهن، وفي الوقت الذي كانت تفكر فيه في أن تستسمح أمينة بالذهاب ..بادرتها إحداهن قائلة :
- لم نسمع لك صوتا مذ جلست .
وفي محاولة منها لاقتطاع صمتها ،سألَتها: وأنتِ ماذا تتمنين؟
إيمان وقد انفعلت:
- أتمنى لو كان الرجال رجلا واحدا لأحطمه وأرميه للكلاب المتشردة، أتمنَّى لو يموتوا جميعا ، أتمنى لو يختفوا من على وجه الأرض.
ثم سُرعان ما وجَّهت حديثها لأمينة :
-ألا يجب أن نذهب ؟
أمينة ( بإحراج شديد) : حسنا حسنا.
بقيتا صامتتين طول الطريق ، إلا أنَّ أمينة التي تضايقت لأجل ابنة خالتها أرادت أن تُداعب سُكاتها فقالت: حتى أباك يا إيمان ؟
لكنَّ إيمان فضلت أن تبقى صامتة ،بالرغم من أنها كانت تردد في نفسها: ألف لا ، فطيبة قلبه وعطفه الممتد ،لم يكن ليجعلها تُفكر في ذلك.
إيمان وبعد أن كبرت وفهمت حقيقة ما جرى معها كبر معها خوفها ، وكبر معها عذابها النفسي ، تلاشى منها شعور الأمان وغاب عنها استقرارها الداخلي . وبالمقابل كبر معها كرهها للرجال ،وتَفاقم بُغضها لهم وحقدها عليهم . إلا أن الأجواء الدافئة التي سعى والديها لإحاطتها بها ، والكم الهائل من حنوّهم وعطفهم واهتمامهم ، كان يخفف الكَثير من أوجاعها وإن كان لا يَشفيها .
يُتبع
ناديه محمد الجابي
06-01-2016, 08:08 PM
لا اعرف كيف هربت مني قصتك الموجعة فلم أقرأ إلا الجزء الأول
وعثرت عليهاالآن فأكملت ما غاب عني.. ولم يغب عني إلا الكثير
من الوجع والألم .
إطار قصي نابض بالألم ـ قصة رائعة ، الجانب الإنساني فيها على
قدر من العمق تميز بقوة تعابيره المؤثرة ودقة الوصف..
ولبقية القصة سأكون في انتظار.
ولك تحياتي وتقديري. :001:
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir