المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصرخة محمد محضار



محمد محضار
18-09-2015, 08:12 PM
الصرخة.................محمد محضار





ثوبها الضيق يلتصق بجسدها، يبرز مفاتنها، كعبها الفضي اللامع يحدث إيقاعا حالما هي تمشي على إفريز الشارع شعرها الكستنائي يتهدل على كتفيها العاريين. عيناها الخضراوان تعلنان عن ثورة غضب تعتمل في أعماقها:
أمام عمارة من ثلاثة طوابق تتوقف. تنظر إلى ساعة يدها، ثم تتخطى بوابة العمارة، صاعدة السلم في رشاقة.



تدير المفتاح في قفل الشقة رقم ستة، بالطابق الثالث، تدفع الباب، تدلف داخلة. ردهة الشقة مصباحها مضاء. تخطو نحو قاعة الجلوس، كان قد سبقها في الحضور، المنفضة أمامه على المنضدة الصغيرة، مكتظة بأعقاب السجائر، وهو مستلق على كنبة "جلدية"، النافذة مفتوحة على مصرعيها، ونسيم عليل يتسرب منها، تلقي إليه بتحية باردة، يستيقظ من شروده، يستوي في جلسته، تجلس هي على الكنبة المجاورة، تفتح حقيبة يدها، تخرج علبة سجائرها، تمسك بلفافة تبغ، تودعها شفتيها، يتصاعد لهب أصفر من ولاعتها الفضية، وهي تشعل اللفافة، تنفث الدخان بعصبية، يتبادلان النظرات يغمر وجهه براحتيه، يمر بهما على رأسه الذي بدأ يغزوه الشيب، يحرك فكيه ببطء، تخرج الكلمات من فمه مضطربة:
- هل تراك فكرت جيدا فيما عرضته عليك البارحة؟
تحدجه بنظرة ثاقبة، وترد:
- لقد وعدتني بالزواج قبل الآن، ولن أتنازل عن هذا.
- لكنني رجل متزوج.. وأشغل منصبا اجتماعيا هاما، ماذا سيقول الناس عني؟
- وماذا تراهم سيقولون عني أنا أيضا، وبين أحشائي جنين لا ذنب جناه أو ارتكبه.
- سأمنحك عشرين ألف درهما نظير الإجهاض، والتخلي عن مطلبك بالزواج.
- لا تهمني دراهمك في شيء، أريد لجنيني الحياة وأريدك له أبا.
- لا، لا أستطيع.
- إذن تفضل الفضيحة وردهات المحاكم.


يرمقها بنظرة غامضة، وهو يميل إلى الأمام، يقول بصوت ناري:
- لن أسمح لك بتحطيم حياتي أيتها المومس.
- مليون لعنة عليك عليك يا كهل السوء، يا من يسترخص أعراض بنات الناس.
- لم أجبرك على الارتباط بي.
- لكن إغراءاتك، ومكانك الاجتماعي، أجبرني على ذلك، ألم تضغط علي بوسائلك الخسيسة، وماذا بوسعي أن أفعل، وأنا مجرد كاتبة صغيرة بمصلحتك، أكافح من أجل لقمة العيش، سوى الاستسلام لأجل والدتي وإخوتي الصغار.
- هذه مجرد تبريرات.
فورة الغضب تشتعل بين ثنايا الصدرين، الصمت الزافر يحتل المكان، والنظرات الشزراء تتهاوى من كلا الجانبين، ربما كانا يشعران بالندم على ما ورطا نفسيهما فيه.
من مكانها تقوم، يشخص ببصره نحوها، صوته مشوب برنة قلق ينساب إلى أسماعها.
- اسمعي يا سميرة أنا لا أريد بك إلا خيرا، حَكّمي عقلك زواجنا شيء مستحيل.
- لن اسمع منك مثل هذا الكلام، وموعدنا بالمحكمة.
- لا، لا لن تفعلي هذا.
- بل سأفعله وأتعداه.
يد تمسك بساعدها، وأخرى تهوى على خذها، وصرخة تنبعث من عمق حلقها، يداها تمتدان إلى عنقه، أظافرها الطويلة تنغرس في لحم رقبته، الأحمر القاني يطفر.. يدفعها بكل قوة.. النافذة مفتوحة على مصرعيها، صرخة تحطم السكون، والجسم اللدن الجميل يتهاوى كريشة على الرصيف، يسبح في بركة دم.




محمد محضار خريبكة : 5يونيو 1985

ناديه محمد الجابي
18-09-2015, 09:48 PM
عندما تكون البداية علاقة آثمة وخطيئة .. لا بد أن تكون النهاية كارثة وهلاك
قصة واقعية جدا وهادفة ـ ورغم أن الفكرة مطروقة إلا إنها هنا سبكت بالسرد
والوصف والحوار، وبأسلوب جميل متمكن.
دام ألقك. :001:

آمال المصري
21-09-2015, 09:42 PM
نهاية أتقنت رسم معالمها البداية وبرع أديبنا الفاضل في نسجها وصياغتها فأنتج لنا تلك الرائعة بحبكتها وتصاعد أحداثها وخاتمتها المباغتة
سررت بالقراءة لك مجددا فشكرا لك
وكل عام وأنت بخير
تحاياي

عبد السلام دغمش
21-09-2015, 10:46 PM
نص جميل أديبنا ..
وأحداث متلاحقة انتهت بالخاتمة المأساة ..
تحياتي .

ربيحة الرفاعي
26-09-2015, 03:03 PM
قص اجتماعي واقعي موفق، بلغة سردية جميلة وحوار موجز يبوح بالتفاصيل
في وصف الشخصية الذي أدخل به الكاتب قراءه عوالم النص كان ثمة لوم لها بمظهرها الذي يحمل دعوة، وفي حوارهما لوم له، فكلاهم وظف مقدراته لإغواء الآخر لتكون البدائة الخاطئة لحكاية لا تنتهي إلا بما هو شرّ منها ..

القفلة بترت طموح المتلقي لحلّ إيجابي فحملت بقوة رسالة النص النهائية

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

خلود محمد جمعة
29-09-2015, 01:39 PM
فقر مادي وفقر روحي و علاقة هدف كل منهما فيها في سد نقصه متناسيا احداثيات المستقبل ليطرق الجنين بنبضاته عقلها وشره
ستموت الصرخة بموتها أخي
قصة من واقع مؤلم رست بمهارة
بوركت وكل التقدير

عمر الصالح
02-10-2015, 01:50 AM
يا صديقنا الرائع

مفرداتك ثرية وغزيرة...ايقاعك فى السرد متسارع بصورة جعلتنى الهث وأنا أقفز من جملة لأخرى فى بداية النص

الفكرة نعم مكررة.. لكن صياغتها والحبكة أعجبتنى..

تعجبت من الإشارة لرقم الدور فى بداية النص.. لكن الخاتمة كانت مبرر

سعدت بما قرأت..ومن المؤكد أنى سأكون ضيف دائم لكل أعمالك القادمة..

تحية ود