المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق المدينة العتيقة



فتحي العابد
05-11-2015, 11:56 AM
بسم الله الرحمان الرحيم

دخل سوق المدينة العتيق المسمى "الرّبط" لشراء شيء ما، قبل أن يقصد بيت أحد أقاربه فارغ اليدين. وجده غاص بأكداس السلع المزجاة، المعروض بعضها بطرق تغري المشترين فيما كدس البعض الآخر حسب مزاج البائع إن كان نكدا أو منشرحا، لاحقته أصوات الباعة المنبعثة من كل الجهات وهو يتنقل في الفضاءات المفتوحة بنظراته البدوية الحذرة المتوجسة من كل من التقت عيناه بعينيه. اندهش من كثرة الإزدحام ذهابا وإيابا في الإتجاهين، يتأبطون قففهم ويسيرون كل يبحث عن ضالته بين الطاولات والمناضد الموزعة في صفوف خططت كما اتفق عليها، ترتفع عقيرة الباعة هنا وهناك:
- "هشوش.. هشوش للي ماعندوش ضروس.."
- "توت.. توت واللي مايشريش مني فاته الفوت.."
قطع نصبة الملابس في اتجاه نصبة التوابل والبقول الجافة، وعلى يساره نصبة الخضار والغلال، بعد أن توقف ببراكة اللحوم باحثا عن قلب يهديه إلى قريبه، الذي نساه ونسي الرجوع إلى أهله حتى في المناسبات، لكنه لم يعثر على قلوب تستحق الإقتناء، فابتاع رأسي غنم ليكونا لهم وجبة العشاء القادم..
تخطى أسوار المدينة ليجد نفسه داخل رحبة ينصب فيها سلعه كل من ليس له موقع بين الآخرين، وتسمى "رحبة تِر فِر"، وهي معزولة عن بقية السوق، وقد اشتهرت بهذا الإسم لهروب المتمردين على القانون كلما رأو الشرطة وعودتهم له مباشرة بعد غيابها..
وأكثر ما تتميز به هاته الرحبة أنها متخصصة في بيع كل ماهو قديم!
أدوات فلاحية قديمة، دروع حربية مهترئة، طوابع بريدية نادرة، صور شخصيات سياسية عربية وتونسية، كانت تحكم تونس في الماضي مرسومة بطريقة ساخرة، بعدما كان مجرد التفكير في اقتنائها جريمة يعاقب عليها القانون بأقسى أنواع العقاب، صور لشخصيات غابت عنها الشمس تجاور صور أخرى لشخصيات تضاهي الشمس شهرة، فيصبح كل ما يتعلق بالإثنين معروضا للبيع وبنفس الثمن، فإذا عجز التاريخ وفنونه عن جعل حنبعل وابن خلدون يجلسان إلى جوار بعضهما البعض وهما مبتسمين وهذا مالا تراه في كل ماعرض لهما من صور من قبل، فقد نجح بائع بسيط في فعل ذلك ولو رمزا..!
استرعى انتباهه حشد من الناس في حلقة حول رجل أعرج يبيع كلاما..
- "قرب..! قرب..! اللي ما شرى يحوس.."
اقترب من الجماعة و ظل يزاحم الأكتاف حتى تبين له العرض، أحس بيد تعبث بجيبه الأيمن.. لحظات فقط ثم انتزع اللص ما في جيبه من دراهم. استدار وأمسك بخناق اللص رافعا عقيرته بالصراخ:
- "سرّاق.. سرّاق.. فلوسي.. فلوسي.."
استجاب جل الشباب القريبين لنداءاته بسرعة البرق، وكاد يفرح باسترداد ما سلب منه، لولا أن رأى كيف تنازعته الأيادي مفتشة بقية أنحاء جسمه، منتزعة بالقوة ما لم يتمكن اللص السابق من نهبه، فتحول إحساسه إلى دهشة تلاها رعب حقيقي.

آمال المصري
08-11-2015, 04:55 PM
رسمت بعناية معالم السوق العتيق في أحد البلدان العربية بأسلوب بهي وسرد متقن وبرعت في نقل ما يدور سواء داخل أسوارها أو خارجها من تعاملات مشروعة وغيرها ممن يمارسها الخارجون عن القانون ليتعايش الجميع ويتحايل البعض
راق لي ما قرأت هنا فشكرا لك أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
08-11-2015, 07:19 PM
فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وصف جميل للأسواق الشعبية العتيقة ، وقد أفلحت
برسم صورة دقيقة جعلتنا نتجول معك خلاله بحرفيتك
المعهودة وبألقك القصصي.
دام هذا الألق. :001:

ربيحة الرفاعي
17-11-2015, 04:35 PM
لولا ما تسلل للنص من المحكية التي حددت البلد التي يقع فيها السوق لانسحب على السوق الشعبي في كل أقطار وطننا العربي
رسمت المشهد بوعي لأهيمة التفاصيل

دمت بخير
تحاياي

خلود محمد جمعة
20-11-2015, 01:13 PM
رسم الحرف المشهد بدقة جعلتنا نراه صوت وصورة
احسنت وامتعت
بوركت وكل التقدير

كاملة بدارنه
26-11-2015, 07:29 PM
مشاهد من السّوق وصفت بدقّة، وأحداث بسرد جاذب
كثرت في القصّة الألفاظ العاميّة
بوركت
تقديري وتحيّتي