المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مــات وكـفى !



الفرحان بوعزة
16-11-2015, 01:13 PM
... نام غاضبا على جوع، رأى ملابسه تخرج من الدولاب المفتوح تباعا، تتطاير، وهي تصدم بعضها داخل غرفته، بات يلاحقها بعينيه. شبح ــ كأنه انبعث من الجدران ــ يتلقف بيده كل الملابس التي تمر أمامه، يطويها بعناية ويضعها في حقيبة جلدية.
استيقظ مفزوعا. ضغط على زر الكهرباء المحاذي لسريره، غرز عينيه في جسمها المحشو في الملاءة الحمراء، شرع يقرأ جسدها من تحت الغطاء. أحست به أنه يتابع أنفاسها فرفعت غطيط نومها، يبس الريق على شفتيه، ثقل لسانه. بأنفاس حارة قال: نامي ولا تستيقظي، لقد مولت أحزاني يوما بعد يوم، وعملت على تعطيل طاقتي الفكرية والنفسية. لم أعد أنا، إذا كان كذلك، فمن أنا ؟
غادر السرير دون أن يحدث خشخشة. بحذر شديد، تأمل زوايا الغرفة، ما زالت الأشياء في مكانها تشهد على صمت الجدران. انطلق نور النهار يمحو ظلمة الليل، وجاءت أشعة الشمس تغسل أحشاء شوارع المدينة وأزقتها. خرج مندفعا والهواجس تتقاذفه، والرعب يزلزل قوته، وهو يسرق أنفاس الفضاء في صمت. أشار بيده وقال:
هناك... على الجسر كان الحب يرفرف بيننا، على ضفة النهر كنا نتذوق برودة مياهه بأيدينا، على تلك الصخرة كنا نجلس زمنا، والصفاء يختبئ بين أضلعنا. في الحديقة العمومية، ربطنا صداقة مع الحمام وهو يلتقط حبات الفواكه الجافة أمام أعيننا. ويخطف فتات الخبز من كفينا. الأيام تتحدث عن نفسها، تعرف متى كنا نقعد جنبا إلى جنب، ومتى ننهض ويدي اليمنى تمتص عرق يدها. الآن، من أنا؟ ما أنا إلا رقم بشري تائه تحاصره الوساوس في وضح النهار، نظرت إلى وجهي في المرآة فما عرفت نفسي، ها أنا أنظر إليها بلون الذوبان والتلاشي.
ما زال نقيق الضفادع يقلق صمت المياه، كأن جنازة خفية تقام بين دعامات الجسر. اهتزت أطرافه، انزعج قلبه، لكنه تحمس أكثر لما وجد الهواجس لا تضعفه، بل تمنحنه القوة لمعانقة نشوة الانتصار على الحياة.
المكان يشكو الخواء. والضباب الأبيض ينسل في هدوء، والتاريخ يخترق الزمن الآتي دون أن يخلف أثرا على صفحاته. وقف على حافة الجسر الإسمنتي، مدد نظره إلى الأعلى، أغمض عينيه، بسرعة قفز تاركا بطنه يرتطم بالماء الجارف...
بعد ثلاثة أيام، كانت زوجته تضع الزهور على قبره، وبجانبها رجل يظللها بمظلة خضراء وهو يرتدي بذلة زوجها الزرقاء.

سحر أحمد سمير
16-11-2015, 01:58 PM
هنيئا له سيجد الراحة أخيرا !! من تفتقر إلى الوفاء و تتمادى في نكران العشرة الطيبة ..تجف دموعها سريعا و تصطحب زوجا جديدا ..

نص اجتماعي نقدي هادف ..و لغة سلسة بخاتمة قوية و قفلة مدهشة ..

دمت و دام قلمك الباذخ بالجمال أستاذي الفاضل ..الفرحان بو عزة ..

تحاياي.

عبد السلام دغمش
16-11-2015, 07:51 PM
الأستاذ الفرحان بو عزة..
نصّ جميل بطابع اجتماعي ..
كعادتك تجول بِنَا بين التفاصيل .. بالوصف الدقيق ..حتى الخاتمة القوية..
تحياتي.

ناديه محمد الجابي
16-11-2015, 08:07 PM
ياللوفاء المنقطع النظير .. تضع الزهور على قبره ـ وبجانبها رجل يرتدي بذلته الزرقاء
وهنا تفسير لحلمه .. رجل يتلقف ملابسه المتطايره ويضعها بعناية في حقيبة جلدية.
ترى هل تستحق هذه الخائنة الخبيثة التي عملت على تعطيل طاقته الفكرية والنفسية
وملأت حياته بالحزن ورمت به بين الوساوس والهواجس ـ هل تستحق أن يقتل
نفسه لتعيش هى؟؟؟
بالسرد والوصف والقص جعلتنا نندمج بالصورة فتصلنا بصدق عجيب إلى حد الوجع
أبدعت في الوصف ونقلت المشاعر ببراعة وأوصلت الفكرة.
يبقى شيء واحد لفت إنتباهي.. ترى هل هى مقصودة تلك الألوان التي ملأت النص:
الملاءة الحمراء ـ الضباب الأبيض ـ مظلة خضراء ـ بذلة زوجها الزرقاء.
ترى هل هناك ما تعنيه أو تريد إيصاله ؟؟
تقديري لقلمك الذي تمسك لجامه بقوة
وتحية لك بحجم الإبداع. :001:

خلود محمد جمعة
17-11-2015, 09:16 AM
نام غاضبا مع احساسه بالجوع لها لتواجهه افكاره مرتدية ثوب الاحلام، ينهض من نومه ويبقى معلقا بالحلم
ممزقا بعينيه ذلك الغطاء الذي يشعل الضوء الاحمر في غريزته لتطفئه ببرودها او هروبها
ينسل متسلللا الى الماضي على أمل العثور على بقايا من نفسه فيدرك انها قفزت في بحر اليأس، فيتبعها على نية الخروج من الحلم الى الحقيقة التي زينتها الزهور ومظلة أنيقة تُظلل بدلته بعناية .
وككل الاشياء التي ماتت وستموت سيبقى هناك سحابة ذكرى وكفى
ربما ملني التكرار لكنني لا أجيد التعبير في كل مرة ..كل ما استطيع قوله
أبدعت
كل التقدير

الفرحان بوعزة
17-11-2015, 01:08 PM
هنيئا له سيجد الراحة أخيرا !! من تفتقر إلى الوفاء و تتمادى في نكران العشرة الطيبة ..تجف دموعها سريعا و تصطحب زوجا جديدا ..

نص اجتماعي نقدي هادف ..و لغة سلسة بخاتمة قوية و قفلة مدهشة ..

دمت و دام قلمك الباذخ بالجمال أستاذي الفاضل ..الفرحان بو عزة ..

تحاياي.

الأديبة المتألقة سحر تحية طيبة ..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ،
فعلا ،بطل لم يدافع عن نفسه ، ولم يستطع أن يبتعد عن وسارسه ..فهلك نفسه ..
شكرا على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ، كلمة اعتزبها ..
مودتي وتقديري ..

الفرحان بوعزة
17-11-2015, 01:12 PM
الأستاذ الفرحان بو عزة..
نصّ جميل بطابع اجتماعي ..
كعادتك تجول بِنَا بين التفاصيل .. بالوصف الدقيق ..حتى الخاتمة القوية..
تحياتي.

شاعرنا المبدع ومبدعنا المتميز عبد السلام .. تحية طيبة ..
شكرا على قراءتك القيمة للنص .. فعلا أخي ،النص له طابع اجتماعي ،
والسؤال : هل يوجد في المجتمع رجال يشبه حالة البطل ..؟
محبتي وتقديري .. شكرا على اهتمامك النبيل ..

الفرحان بوعزة
17-11-2015, 02:32 PM
ياللوفاء المنقطع النظير .. تضع الزهور على قبره ـ وبجانبها رجل يرتدي بذلته الزرقاء
وهنا تفسير لحلمه .. رجل يتلقف ملابسه المتطايره ويضعها بعناية في حقيبة جلدية.
ترى هل تستحق هذه الخائنة الخبيثة التي عملت على تعطيل طاقته الفكرية والنفسية
وملأت حياته بالحزن ورمت به بين الوساوس والهواجس ـ هل تستحق أن يقتل
نفسه لتعيش هى؟؟؟
بالسرد والوصف والقص جعلتنا نندمج بالصورة فتصلنا بصدق عجيب إلى حد الوجع
أبدعت في الوصف ونقلت المشاعر ببراعة وأوصلت الفكرة.
يبقى شيء واحد لفت إنتباهي.. ترى هل هى مقصودة تلك الألوان التي ملأت النص:
الملاءة الحمراء ـ الضباب الأبيض ـ مظلة خضراء ـ بذلة زوجها الزرقاء.
ترى هل هناك ما تعنيه أو تريد إيصاله ؟؟
تقديري لقلمك الذي تمسك لجامه بقوة
وتحية لك بحجم الإبداع. :001:

تحية طيبة الأخت المبدعة المتألقة نادية ..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ..
سررت بهذه الملاحظة القيمة فيما يخص ،"استعمال ألوان " ملاحظة لم أضعها في الحسبان لما كنت أكتب القصة ، وبدوري استغربت من استعمال ألوان بعينها ..
ورغم أنني قرأت كثيرا عن دلالة الألوان في علم النفس والقرآن الكريم لم أجد تفسيرا مقنعا لنفسي ولغيري على استعمال ألوان بعينها ..
كل ما هناك أحب اللون الأخضر والأزرق كثيرا .. فهل هناك علاقة للألوان بنفسية الإنسان ؟ ومهما حاولنا من تأوليات فإنها تبقى غير مقنعة ..
شكرا على اهتمامك النيبل وكلمتك الطيبة ..
مودتي وتقديري ..

الفرحان بوعزة
17-11-2015, 02:37 PM
نام غاضبا مع احساسه بالجوع لها لتواجهه افكاره مرتدية ثوب الاحلام، ينهض من نومه ويبقى معلقا بالحلم
ممزقا بعينيه ذلك الغطاء الذي يشعل الضوء الاحمر في غريزته لتطفئه ببرودها او هروبها
ينسل متسلللا الى الماضي على أمل العثور على بقايا من نفسه فيدرك انها قفزت في بحر اليأس، فيتبعها على نية الخروج من الحلم الى الحقيقة التي زينتها الزهور ومظلة أنيقة تُظلل بدلته بعناية .
وككل الاشياء التي ماتت وستموت سيبقى هناك سحابة ذكرى وكفى
ربما ملني التكرار لكنني لا أجيد التعبير في كل مرة ..كل ما استطيع قوله
أبدعت
كل التقدير

المبدعة المتألقة والأديبة المتميزة .خلود .
شكرا على قراءتك الهادفة والمركزة لهذا النص المتواضع ..
لا تكرار ولا ملل من القول ،قراءة مبنية عن وعي وإدراك ..
وذوق أدبي رفيع ..
شكرا على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ..
مودتي وتقديري

آمال المصري
20-11-2015, 11:43 AM
أماتته حيا بخيانتها , وميتا برفقة رجل آخر إلى قبره يرتدي حياته
بلغة جميلة وسرد ماتع وحبكة قوية كانت تلك الاجتماعية البهية نبيلة المقصد
شكرا لك أديبنا الفاضل
تحاياي

الفرحان بوعزة
20-11-2015, 11:47 AM
أماتته حيا بخيانتها , وميتا برفقة رجل آخر إلى قبره يرتدي حياته
بلغة جميلة وسرد ماتع وحبكة قوية كانت تلك الاجتماعية البهية نبيلة المقصد
شكرا لك أديبنا الفاضل
تحاياي


الأديبة المتألقة آمال تحية طيبة ..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ،
فعلا أختي بطل انخدع فسقط في الهلاك وكانت هي المستفيدة من موته ..
شكرا على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ، كلمة اعتزبها ..
مودتي وتقديري ..

ربيحة الرفاعي
13-12-2015, 06:30 PM
يستحق المنسحبون أن يرثهم أصحاب الإرادة والثبات، وهو قد انسحب استسلاما لحلم تركه يتحقق بيده وبإرادته، ولعل في حرص الكاتب على إبراز هذه الشخصية المهزوزة فيه ما أرادعه تبريرا لعزوفها عنه ..
ويبقى أن الزمن بين لحظة الحدث والذكريات التي استدعاها قبل إقدامه على الانتحار ظل مجهولا بما يسمح بوريث شرعي لبس حبا ثياب أبيه وصحب أمه لزيارة القبر .. والعشيق لا يصحب معشوقته لزيارة قبر زوج راحل سيما بعد ثلاثة أيام من رحيله

لسردك روعة تتمكن من المتلقي وتأسره للنص
دمت اديبنا والألق

تحاياي

الفرحان بوعزة
14-12-2015, 11:17 AM
يستحق المنسحبون أن يرثهم أصحاب الإرادة والثبات، وهو قد انسحب استسلاما لحلم تركه يتحقق بيده وبإرادته، ولعل في حرص الكاتب على إبراز هذه الشخصية المهزوزة فيه ما أرادعه تبريرا لعزوفها عنه ..
ويبقى أن الزمن بين لحظة الحدث والذكريات التي استدعاها قبل إقدامه على الانتحار ظل مجهولا بما يسمح بوريث شرعي لبس حبا ثياب أبيه وصحب أمه لزيارة القبر .. والعشيق لا يصحب معشوقته لزيارة قبر زوج راحل سيما بعد ثلاثة أيام من رحيله
لسردك روعة تتمكن من المتلقي وتأسره للنص
دمت اديبنا والألق
تحاياي

المبدعة المتألقة ربيحة تحية طيبة ..
تعجبني قراءتك القيمة ،لأنها مبنية على خلخلة المضمون على خلفية ماذا يقول النص ، مركزة على مدى انسجامه من حيث ترابط التسلسل السردي واتساقه،
رؤية جديدة فتحت النص من جديد لقراءات متعددة ،/ والعشيق لا يصحب معشوقته لزيارة قبر زوج راحل سيما بعد ثلاثة أيام من رحيله/ عدم استصاغة هذه الفكرة مبنية على الأخلاق الرفيعة ،
والسلوك القويم والتربية الحسنة .هناك من هو من يستهثر بالأخلاق والدين وكلام الناس في سبيل تحقيق هدفه ورغبته ..وربما أكون مخطئا أو يكون ظني في غير محله .
وأجزم وأقول : هناك من ساعد في إقامة الجنازة ومشى فيها ، ولم تنته العدة فتزوج بها ، ولا نعلم ما كان يجري في الكواليس ..كل شيء ممكن في الدنيا ،وأختم بهذا الدعاء :
اللهم أعني على ردع نفسي وأعني على ذكرك واستغفارك ..
شكرا على اهتمامك النبيل ،اهتمام أعتز به .. مودتي وتقديري ..

كريمة سعيد
14-12-2015, 01:05 PM
قالها العنوان بكل وضوح: "مات وكفى !": إنه مجرد رقم بشري ذهابه أو بقاؤه لا يشكل فارقا في معادلة الحياة... هو نفسه اعترف بلا جدواه، واستسلم لوساوسه.
الوصف الدقيق لحالة البطل النفسية جعلتني أقرأ القصة بشكل مغاير؛ إذ لا أرى الزوجة النائمة "ملء جفونها" عن أوهام زوجها خائنة بالمعنى الحقيقي.... فقد استيقظ البطل بعد سنوات من الزواج ليجد نفسه بعيدا عن المسار الذي رسمه لحياته، لم يحقق شيئا من أمنياته، واكتفى بالحياة الروتينية التي سحبته إليها زوجته.... كل الأمنيات الجميلة تبعثرت أمام متطلبات الحياة، والدليل من القصة نفسها " نامي ولا تستيقظي، لقد مولت أحزاني يوما بعد يوم، وعملت على تعطيل طاقتي الفكرية والنفسية."
وعي البطل بمصيره جعله يبحث عن نفسه في المرآة ومع أن الصورة نفسها تقابله في المرآة إلا أن غوصه داخل الشخص الذي أمامه جعله ينكر صلته به: " لم أعد أنا، إذا كان كذلك، فمن أنا ؟" شخصية البطل المهتزة لم تعطل تفكيره فهو لم يتخذ موقفا آنيا بل ظل ينتظر انبلاج النهار ليستعيد شريط الذكريات بالوقوف على مسارح هذه الذكريات نفسها يسائلها مستنكرا...
ربط البطل في حلمه الشبح/ رجل في المقبرة بالنظام والدقة " يتلقف بيده كل الملابس التي تمر أمامه، يطويها بعناية ويضعها في حقيبة جلدية."
هواجس البطل سبب كابوسه الليلي الذي ضخم لديه فكرة الانتصار على الحياة، ولكن إرادته الانتصار لم ترق إلى مستوى إدراك البطل لدوره المعطل وبحث كيفية التخلص من السكون إلى الفعل الإيجابي، بل استسلم بشكل انهزامي لاغترابه واضعا حدا لحياته.
أما الزوجة فقد ذهبت إلى القبر وكان برفقتها رجل لا نعلم ماهيته/ هويته ولكن كل ما نعرفه أنه "يظللها بمظلة خضراء ويلبس بدلة زوجها الزرقاء" فالأخضر لون الخصب والأرض (العطاء والأمن) والأزرق لون السماء والبحر ( الصفاء والماء) فالرجل نكرة لم يفصح الكاتب عمن يكون ولكن ربما سيحل محل البطل المنهزم الذي هرب من مواجهة الواقع مختارا أقصر الطرق....
لبس بدلة الزوج الميت لا يعني بالضرورة الحلول محله... وإنما قد يعطيه هامشا أو دورا في حياة الزوجة لإخراجها من تلك الحياة الرتيبة التي سجنت نفسها داخلها، وبالتالي يكون موته بلا فائدة، يعني أن البطل فشل في تنفيذ فكرة الانتقام من الزوجة ميتا كما فشل فيها حيا....

الكاتب المبدع الفرحان بوعزة
راقني التجول بين حروف هذه القصة الجميلة التي تصور واقعا اجتماعيا قائما يحاول كل واحد التعامل معه بشكل مختلف....
تقبل مودتي وتقديري

الفرحان بوعزة
17-12-2015, 11:28 AM
قالها العنوان بكل وضوح: "مات وكفى !": إنه مجرد رقم بشري ذهابه أو بقاؤه لا يشكل فارقا في معادلة الحياة... هو نفسه اعترف بلا جدواه، واستسلم لوساوسه.
الوصف الدقيق لحالة البطل النفسية جعلتني أقرأ القصة بشكل مغاير؛ إذ لا أرى الزوجة النائمة "ملء جفونها" عن أوهام زوجها خائنة بالمعنى الحقيقي.... فقد استيقظ البطل بعد سنوات من الزواج ليجد نفسه بعيدا عن المسار الذي رسمه لحياته، لم يحقق شيئا من أمنياته، واكتفى بالحياة الروتينية التي سحبته إليها زوجته.... كل الأمنيات الجميلة تبعثرت أمام متطلبات الحياة، والدليل من القصة نفسها " نامي ولا تستيقظي، لقد مولت أحزاني يوما بعد يوم، وعملت على تعطيل طاقتي الفكرية والنفسية."
وعي البطل بمصيره جعله يبحث عن نفسه في المرآة ومع أن الصورة نفسها تقابله في المرآة إلا أن غوصه داخل الشخص الذي أمامه جعله ينكر صلته به: " لم أعد أنا، إذا كان كذلك، فمن أنا ؟" شخصية البطل المهتزة لم تعطل تفكيره فهو لم يتخذ موقفا آنيا بل ظل ينتظر انبلاج النهار ليستعيد شريط الذكريات بالوقوف على مسارح هذه الذكريات نفسها يسائلها مستنكرا...
ربط البطل في حلمه الشبح/ رجل في المقبرة بالنظام والدقة " يتلقف بيده كل الملابس التي تمر أمامه، يطويها بعناية ويضعها في حقيبة جلدية."
هواجس البطل سبب كابوسه الليلي الذي ضخم لديه فكرة الانتصار على الحياة، ولكن إرادته الانتصار لم ترق إلى مستوى إدراك البطل لدوره المعطل وبحث كيفية التخلص من السكون إلى الفعل الإيجابي، بل استسلم بشكل انهزامي لاغترابه واضعا حدا لحياته.
أما الزوجة فقد ذهبت إلى القبر وكان برفقتها رجل لا نعلم ماهيته/ هويته ولكن كل ما نعرفه أنه "يظللها بمظلة خضراء ويلبس بدلة زوجها الزرقاء" فالأخضر لون الخصب والأرض (العطاء والأمن) والأزرق لون السماء والبحر ( الصفاء والماء) فالرجل نكرة لم يفصح الكاتب عمن يكون ولكن ربما سيحل محل البطل المنهزم الذي هرب من مواجهة الواقع مختارا أقصر الطرق....
لبس بدلة الزوج الميت لا يعني بالضرورة الحلول محله... وإنما قد يعطيه هامشا أو دورا في حياة الزوجة لإخراجها من تلك الحياة الرتيبة التي سجنت نفسها داخلها، وبالتالي يكون موته بلا فائدة، يعني أن البطل فشل في تنفيذ فكرة الانتقام من الزوجة ميتا كما فشل فيها حيا....
الكاتب المبدع الفرحان بوعزة
راقني التجول بين حروف هذه القصة الجميلة التي تصور واقعا اجتماعيا قائما يحاول كل واحد التعامل معه بشكل مختلف....
تقبل مودتي وتقديري

سررت بهذه القراءة الواعيىة والمدركة التي اعتمدت على سياق النص الأفقي الذي يسمى في الأدب ب " المضمون المشكل في الجمل المتجاورة " أو " الحالة القولية " كما اعتمدت القراءة كذلك على السياق العمودي الذي يعني كشف المعرفة المتابدلة بين البطلين والجو العام الذي يعيشان فيه ،ومن هنا وجدت هذه القراءة القيمة فرضت معنى جديدا للنص بناء على التحليل العميق في تواز مع عملية التركيب للمفاهيم الجديدة ..
تعجبني مثل هذه القراءات االتي تغني النص من خلال الدلالات الإيحائية المغيبة بين الكلمات والجمل السردية ..
شكرا على قراءتك التي أغنت النص، فكانت هذه القراءة القيمة كخطة تعبير جديدة للنص الأصلي، ومؤسسة لقراءات أخرى ..
شكرا على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة أختي المبدعة المتألقة كريمة ...
مودتي وتقديري