تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موت في الظل



كريمة سعيد
14-12-2015, 02:27 PM
اتكأت على جذع شجرة يقاوم الاندثار ويصارع قساوة الطبيعة التي أحدثت فيه شروخا عظيمة، تأملته بعينين ذابلتين مات الفرح فوق أهدابهما المكسوة بالغبار، غاصت في جوف هذا الجذع الذي أضحى ملاذا للدبابير وبعض الزواحف.
وضعت يدها فوق الجذع الجالس هنالك رغم أنف الطقس القاتل... لاحظت أخاديد الزمن وتضاريسه على يديها الخشنتين، وسافرت في هذا الموت البطيء.... أصابعها اغتالتها الرطوبة وحولتها إلى أشكال مقعرة برؤوس تخفي معاناة إنسانة طاردت حلما قادها إلى فيافي المجهول ووحشيته، ورماها جثة على قارعة وطن مزيف بلا زاد ولا دليل...
عقرها الجذع وكأنه يعلن عن تعاطفه معها وينبهها إلى ذلك التشابه الذي خلق بينهما جاذبية خفيفة ترجمتها وقفتهما المنكسرة فوق تلك الهضبة التي تواجه محن الطبيعة لتضمن بقاءها ووقوفها شامخة هنالك مثل شوكة في أعين الحساد والعاذلين.....
اندلق دمها القاني فوق الجذع المتهالك، وبدأت ذاكرتها المتقدة تفتح صفحات التاريخ القريب البعيد، حيث شقائق النعمان تلامس وجنتيها الغضتين وهي ممددة تحت ظلال الشجرة الوارفة التي كانت تحجبها عن أعين المارين بأفنانها المتعانقة في اتساق وجمال...
كم انساقت مع الفراشات المزركشة تلهو خلفها في كل اتجاه....: آه لو يعود الزمن قليلا إلى الوراء.....
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها اللتين ابتلعت وطأة الزمن بريقهما وطراوتهما، وهي تتذكر كيف كانت تلوذ بهذه الشجرة الكبيرة لتتفيأ بظلالها، أين هي تلك الأغصان المثمرة الدافئة لتحتضنها اليوم بكل حب ودفء كما كانت تفعل بالأمس...
تساءلت عمن أخرس صوت العصافير التي كانت تصدح بأعذب الألحان وهي تنتقل من فنن إلى آخر..
ومن اغتال تلك الفتاة الحالمة التي كانت تقطف الثمار وترمي بها إلى المارة بشقاوة طفولية بريئة... اقتلعوها من تربتها وحملوها إلى المدينة غريبة عن الأهل والأتراب... غمرتها عبرات اليأس والوهن... ظلت تنظر إلى رجليها الحافيتين اللتين خانتاها بسبب جروح عميقة تشبه تلك الجراح العاصفة بفروع هذه الشجرة التي طالما طافت حولها الفتيات يزينها بشرائط الأمنيات الوردية ...
مشطت المكان بعينيها الدامعتين تبحث عن أي أثر أو رسم يدل على حياة ظلت محفوظة في الذاكرة العائدة هي كل ما تبقى لديها اليوم بعدما شوه غدر المدينة ملامحها البريئة... ولفظها بلا رحمة إلى العراء....
زفرت بحرقة لما لاحظت اختفاء آثار الأقدام التي طوتها المسافات ومحاها النسيان ...... تشبثت بذلك الجذع ... وشخصت إلى السماء ....تعيد النبض لهذا المكان المهجور...
زمجرت الرعود ولمع وميضها لافحا ذلك الجسد الضعيف .. تآخت مع الجذع واتحدا... سمادا لهذه البقعة الطيبة لعلها تثمر بعد سنوات العقم العجاف.....

عبد السلام دغمش
14-12-2015, 08:13 PM
الأخت الأديبة كريمة سعيد ..

هذا التآخي بين الروح التي تتوق للذكريات وبين الجذع المغروس عمقاً في باطن الأرض ...
هي ذكريات تحن لها النفس - إلى المكان وما حوله من حيوية و جمال .
وكانت الخاتمة عناقاً مستمراً حتى الفناء ..
" عقرها الجذع وكأنه يعلن عن تعاطفه معها .." وهل ثمة تعاطف وقد عقرها .. ام هو عتاب موجهٌ للعودة للذكريات ..

نصّ ثريّ بالمعاني ويرسم المشهد بكل صوره ..
تحياتي اديبتنا الفاضلة .

ربيحة الرفاعي
15-12-2015, 05:26 PM
أشهد أني لم أقرأ مشهد انتحار بهذا الجمال قط
ولا كان انتحار سامي الغاية كهذا

سرد مدهش بلغته ونص متفوق بدلالالته وأنق صوره الجزئية وبراعة استدعائه الذكريات تبرر القرار المجرم فتحيله غاية سامية
وأداء بديع منحنا قراءة ماتعة في حرف جاد هادف

دمت والروعة أديبتنا
تحاياي

ناديه محمد الجابي
15-12-2015, 06:13 PM
وكأنك بحروفك تجسدين تلك الصورة المشهورة المؤلمة لأمرأة
عجوز تحتضن جذع شجرة جرداء وتلتحم معها في تآخي وإتحاد.

نص كتب بشاعرية وبروعة في التصوير ، ومهارة في التعبير
ليعبر عن حالة من الوجع الأليم.
لغة متأنقة، وتعابير بديعة كانت تلك الناطقة حزنا ـ وبألوان
قاتمة ونبض شجي.
رحلتي بين سطورك فاقت حد المتعة
بورك الحس والحرف ـ ودام لك التألق. :001:

كريمة سعيد
17-12-2015, 03:15 PM
الأخت الأديبة كريمة سعيد ..

هذا التآخي بين الروح التي تتوق للذكريات وبين الجذع المغروس عمقاً في باطن الأرض ...
هي ذكريات تحن لها النفس - إلى المكان وما حوله من حيوية و جمال .
وكانت الخاتمة عناقاً مستمراً حتى الفناء ..
" عقرها الجذع وكأنه يعلن عن تعاطفه معها .." وهل ثمة تعاطف وقد عقرها .. ام هو عتاب موجهٌ للعودة للذكريات ..

نصّ ثريّ بالمعاني ويرسم المشهد بكل صوره ..
تحياتي اديبتنا الفاضلة .
الأخ المورق عبد السلام دغمش
أشكرك على هذا الحضور الثري، قراءة جميلة أثرت القصة وأضاءت بعض جوانبها
وملاحظتك القيمة في الصميم، إلا أن من الحب ما قتل ...
العائدة المأخوذة بالفراغ انساقت مع الذكريات لتنصرف عن الحاضر الموجع وكانت بذلك في حاجة إلى من يوقظها من صدمتها ويعيدها من ذكرياتها...
تقبل مودتي وتقديري

كريمة سعيد
17-12-2015, 03:22 PM
أشهد أني لم أقرأ مشهد انتحار بهذا الجمال قط
ولا كان انتحار سامي الغاية كهذا

سرد مدهش بلغته ونص متفوق بدلالالته وأنق صوره الجزئية وبراعة استدعائه الذكريات تبرر القرار المجرم فتحيله غاية سامية
وأداء بديع منحنا قراءة ماتعة في حرف جاد هادف

دمت والروعة أديبتنا
تحاياي

الأخت الرائعة ربيحة الرفاعي
أشكرك على قراءتك الجميلة للقصة والتي منحتها بعدا آخر
وشهادتك وسام أعتز به
دمت غاليتي بصحة وسعادة :0014:

خلود محمد جمعة
18-12-2015, 01:30 PM
الذكريات المؤلمة هي من تقتل الروح لتغدو بعدها كل الصور قاتمة
لم تكن أفضل حالا من تلك الشجرة
هوموت الظل بعد فقدان القدرة على الوقوف ليتحد مع الارض
مؤثرة ورائعة بسردها وصورها ومعناها المؤلم
بوركت وتقديري

كاملة بدارنه
20-12-2015, 08:46 AM
سرد رائع، وقصّ مبهر بلغته التّصويريّة الجميلة
طالما بقي الجذع سيعاود إنبات الفروع لتثمر الثّمار
بوركت
تقديري وتحيّتي

كريمة سعيد
06-01-2016, 05:14 PM
وكأنك بحروفك تجسدين تلك الصورة المشهورة المؤلمة لأمرأة
عجوز تحتضن جذع شجرة جرداء وتلتحم معها في تآخي وإتحاد.

نص كتب بشاعرية وبروعة في التصوير ، ومهارة في التعبير
ليعبر عن حالة من الوجع الأليم.
لغة متأنقة، وتعابير بديعة كانت تلك الناطقة حزنا ـ وبألوان
قاتمة ونبض شجي.
رحلتي بين سطورك فاقت حد المتعة
بورك الحس والحرف ـ ودام لك التألق. :001:
أهلا بالغالية نادية محمد الجابي
قراءة جميلة أغنت نصي وشرفتني بكلماتها العذبة
جزيل شكري ووافر محبتي

كريمة سعيد
06-01-2016, 05:17 PM
الذكريات المؤلمة هي من تقتل الروح لتغدو بعدها كل الصور قاتمة
لم تكن أفضل حالا من تلك الشجرة
هوموت الظل بعد فقدان القدرة على الوقوف ليتحد مع الارض
مؤثرة ورائعة بسردها وصورها ومعناها المؤلم
بوركت وتقديري

عزيزتي خلود محمد جمعة
شكرا لعبق حضورك البهي وتوقيعك الذي أعتز به دوما
محبتي الشاسعة

كريمة سعيد
06-01-2016, 05:21 PM
سرد رائع، وقصّ مبهر بلغته التّصويريّة الجميلة
طالما بقي الجذع سيعاود إنبات الفروع لتثمر الثّمار
بوركت
تقديري وتحيّتي

الرائعة كاملة بدرانة
يسعدني حضورك العطر غاليتي وبصمتك الجميلة التي شرفت صفحتي
محبتي الواسعة