أحمد يوسف
23-12-2015, 12:04 PM
(بُـردةُ الوَصل)...
بحرٌ من الخيرِ أم رَحبٌ من النِّعَمِ=يا دُرَّةَ الكونِ يا ياقوتة الأممِ
قد فاض شوقي وعشقي لستُ أكتُمُهُ=يا قِبلةَ الحب والعُشّاقِ والخدمِ
روحي فداكم وجسمي طوعُ أمركمُ=يا أكرمَ الخلقِ فاقبلني ولا تَلُمِ
فإن تدعني لعصياني أَمُتْ كَمَدا=وإن تَمُنَّ فتاجُ الجودِ والكرمِ
وقد وقفتُ بباب الوصلِ مبتهِلا=مُطَأطِئ الرأسِ أرجو الخدَّ للقَدَمِ
ما ضلَّ من يقتفي أنوارَكُم أبدًا=يا مَنبعَ النورِ في دوامةِ الظُّلَمِ
فمن سواكم حبيبي يُستضاءُ بِهِ=إن أظلَمَ الكونُ بينَ التيهِ والعَدَمِ
ومن سواكم يُرَجّى للهدى أملًا=إن حالَ حاليَ بين الوصلِ والنِّعَمِ
طال اشتياقي لوصلٍ منكَ يا أملي=متى تَمُنُّ على صَبٍّ بِكُم سَقِمِ
بكى فؤادي لطولِ البُعدِ في ألمٍ=فكَفكَفت دمعَهُ آمالُ معتَصِمِ
بالحُبِّ أحيا وأرقى كلَّ مستَنَمِ=قلبي وروحي فداءُ الحبِّ والألمِ
فالقلبُ لولا الهوى ما ذاقَ بهجتَهُ=والروحُ لولا الجوى لم ترقَ أو تَهِمِ
وأعذبُ الحُبِّ عشقٌ ليس يبلغُهُ=إلا الذي هامَ بالمختار من إِضَمِ
أستغفرُ اللهَ إن قصَّرتُ فيهِ وَلَمْ=أُوفِ الحبيبَ بصدقِ الحُبِّ والندمِ
على المعاصي التي قد خضتُ لُجَّتها=حتى رمتني إلى شَطٍّ من الحُمَمِ
وأسلمتني أسيرَ النفسِ تجلِدُني=في كُلِّ حينٍ بألوانٍ من الظُّـلَمِ
أمّارةُ السوءِ لا إحسانَ يردعُها=جَبّارةٌ في الهوى تمضي بلا لُجُمِ
كم عذَّبت خِسَّةً روحي مُبدِّلةً=قلبي لذيذَ الرِّضا بعَلقَمِ النِّقَمِ
وكم أضلتهُ مِن بعد الهدايةِ إذ=تُغريهِ حينَ تُذيبُ السُّمَّ في الدَّسَمِ
والنفسُ إن تُرِكَتْ أَودَتْ بصاحِبِها=سُبْلَ الهَلاكِ وإن ألجمتَها تَجِمِ
وليسَ يُلجِمُها إلا الخبيرُ بها=فالزمْ حِماهُ تكنْ معْ خيرِ ملتَزَمِ
وبادِرَنْ توبةً صحت عزيمتُها=فاللهُ يقبلُ من قد تابَ في ندم
ولا تَغُرَّكَ أعمالٌ تطولُ ولا=حسنُ الشبابِ ولا ممطولةُ الهِمَمِ
ولا تُسَوِّفْ فإنَّ الموتَ يأتي بلا=إذنٍ فيفترسُ المفجوءَ بالنِّقَمِ
والجأ لجودِ رسولِ الله إن له=من العِنايَةِ حِجْرًا كاملَ النِّعَمِ
يختارُ من سعِدتْ بالوصلِ مُهجتُهُ=فيصطفيهِ حبيبُ اللهِ بالكرَمِ
ومن تكن من رسولِ الله قُربَتُهُ=نال المعاليَ واستولى على العِظَمِ
فمن كطه اكتمالا في محاسِنِهِ=كأنه الحُسْنُ في خَلْقٍ وفي شِيَمِ
فأحورُ العينِ مَكحُولٌ به دَعَجٌ=أَزَجُّ أَقرنُ مربُوعٌ بلا تُهَمِ
إذا تَرشَّحَ ضاعَ المسكُ وانحدرت=قطرُ الجُمانِ لمشتاقٍ ومُغتَنِمِ
كالسَّيلِ يمشي إذا ما جَدَّ في طَلَبٍ=أو الهُوَينى مع الأطفالِ في كرمِ
يا أبلجَ الوجه يُستسقى الغمامُ بهِ=أوتيتَ حُسنَ الوَرى مِن دونِ مُقتَسِمِ
فمِن جلالكَ هاب الناظرونَ لكم=وفي جمالكَ أمسَوا أعشقَ الخَدَمِ
يرجون نيل رضاكم .. لا يَقِرُّ لهم=حتى اللقا خاطرٌ في الصحوِ والحُلُمِ
يا عاشق المصطفى أهدِ الصلاةَ لهُ=عساكَ تُبصرهُ يومًا بلا غَسَمِ
وإن سُئِلتَ فمن في الكونِ قاطبةً=مِنَ الخلائقِ لم يُدرك ولم يُرَمِ
فقُلْ بكلِّ يقينٍ غيرَ مُلتَبِسٍ=مُحَمَّدٌ خيرُ خلقِ اللهِ كُلِّهِمِ
مُحَمَّدٌ لا يُدانى في شمائلِهِ=ولا يُقارَنُ بل يعلو على الأُمَمِ
مُحَمَّدٌ سيد السادات ، ما طلعت=شمسٌ على مثلِهِ .. كلا ولم تَنَمِ
ولا تقرَّبَ للمعبودِ يَشهَدُهُ=مثلُ الحبيبِ ولا جبريلُ ذو العِظَمِ
فلو تجاوزَ بعدَ الحدِّ أحرقَهُ=أما محمدُ فاستدناهُ ذو النِّعَمِ
يا أكرَمَ الخلقِ عند اللهِ مَنزِلَةً=سبحانَ من بِكُمُ أَسرى إلى حَرَمِ
في ليلةٍ عطَّرَ الأكوانَ سيدُها=وفاضَ أنوارُها في الأربُعِ الدُّهُمِ
صليتَ بالرُّسْلِ تأكيدًا لمَنزلةٍ=أُوليتَها فوقهم يا خيرَ مؤتَمَمِ
وخَصَّكَ الله بالمعراجِ مُرتقيًا=فاجتزتَ مخترقَ الأطباقِ والقِمَمِ
لِكلِّ مُقتربٍ حَدٌّ يُحَدُّ بهِ=وأنتَ يا سيدي تعلو بلا جَشَمِ
حتى بلغت مقام القُرب وانكشفت=لك الستورُ فلم تُصعَق ولم تُضَمِ
ونِلتَ مَنزلةً ما نالها أحدٌ=من خالِقِ الكونِ والإيجادِ والعَدَمِ
فمن كأحمدَ يومَ الحشرِ ينفعُنا=إذا فزعنا ولم نظفر بمُعتَصَمِ
هو الشفيعُ الذي يقولُ هأنذا=إذا الجميعُ توارَوا دون مُقتحِمِ
بهِ الخلائقُ لاذت يومَ مَحشرها=فقال إني لها .. غوثٌ من الغُمَمِ
فأمَّتي أُمَّتي .. في الحَشرِ يُرسِلُها=حتى يُجابَ بما يُرضيهِ من نِعَمِ
" سل تُعطَ ، واشفعْ تُشَفَّعْ " تلك مَنزِلَةٌ =ليست لغيرِ أبي الزهراءِ في الأمَمِ
فيحمدُ اللهَ كنزًا من مَحامِدِهِ=فيُستَجابُ لهُ .. يا فرحَةَ النَّسَمِ
هو الرؤوفُ الرحيمُ ليس يترُكُنا=حتى نجوزَ من الأهوالِ والقُحَمِ
فالمصطفى كان في الدنيا هدايتنا=وفي القيامة منجاةٌ من الحُمَمِ
قد أسعد الأرضَ والأفلاكَ مولِدُهُ=فعَمَّتِ الكونَ أنوارٌ بلا سُدُمِ
فاليوم يولد أعلى الخلق منزلةً=وأطهرُ الناس من عُربٍ ومن عَجَمِ
واليوم يُكسى جبـيــنُ الأرضِ دُرَّتَهُ=ويعبَقُ العطرُ في الوديانِ والأَكَمِ
ويشرقُ الصدقُ في الآفاق مبتسمًا=ويُنذَرُ الكفرُ بالإزهاقِ والثَّرَمِ
شُرْفاتُ إيوانِ كسرى أذعنت فهوت=لله ساجدةً تبكي من النَّدمِ
وماءُ ساوةَ غاض اليوم مبتهلا=واستحيتِ النارُ رغمَ السَّجْرِ والضَّرَمِ
وفرَّ كل قعيدِ السمعِ مرتجفًا=من حارقِ الشُّهبِ أو من دامِغِ الرُّجُمِ
فيوضُ أنوارِ طهَ منذ مولدِهِ=إلى القيامةِ تُنجي كُلَّ مُعتصِمِ
نفسي فِداهُ فكم ضُرٍّ تَحمَّلَهُ=حتى يُبَلِّغَنا الإسلامَ في أَمَمِ
أبكي دمًا قبلَ دمعِ العينِ من أَسَفٍ=لِما أصابَ رسولَ اللهِ من وَصَمِ
كم كَذَّبوهُ وكم آذَوهُ ويحَهُمُ=بَل قاتَلُوهُ وأَدْمَوا غُرَّة العَلَمِ
وعذبوا صحبَهُ حتى ارتقت وعلت=سُمَيَّةُ الحقِّ صبرًا دونَ مُنتَقِمِ
وياسرٌ زوجُها أكرمْ بموعِدِهِمْ =في جنةِ الخُـلدِ قد فازوا بمُختَتَمِ
وحاصروهُ سنينًا معْ أقارِبِهِ=وصَحبِهِ دونَ إشفاقٍ على رَحِمِ
حتى إذا أكلوا الأشجارَ من سَغَبٍ=واستَنهَكَ الظُّلمُ فيهِم كُلَّ ذي شَمَمِ
وأسلَمتْ روحَها قُربًا لبارئِها=خديجَةُ الحُسنِ من سادَتْ على الأمَمِ
وماتَ من كانَ مأواهُ ونصرتَهُ=ولم يُسلِّمْهُ يومًا عابدي الصنمِ
شاء القديرُ بأن يُنهي ابتلاءَهُمُ=بدودةٍ أكلت وثيقةَ الظُّلُمِ
فباسمكَ اللهُ تبقى خيرَ شاهدةٍ=على المهيمنِ أخزى كُلَّ مُحتَكِمِ
يا ليتَ لي مثلَهُمْ وعدًا بصُحبَتِهِ=إذن لدامَ سروري وانتهى ألمي
وليتني معهُ في يومِ هجرَتِهِ=أحمي حِماهُ وأفدي روحَهُ بِدَمي
إذ فارقَ الأرض والأحبابَ في أَلَمٍ=لينشُرَ النورَ رغمَ القهرِ والظُّلَمِ
واستصحَبَ الصادقُ الصِّدِّيقَ يُؤنِسُهُ=في هِجرَةٍ صانَها الرحمنُ من قِدَمِ
واسأل سراقةَ إذ ساخت سنابِـكُهُ=حتى استجار ثلاثًا مُظهرَ النَّدَمِ
وزاده سيدي من فضله كرما=سوار كسرى بوعدٍ غيرِ مُنخَرِمِ
واسأل قريشًا ببابِ الغارِ إذ وقفوا=يرجون إفكًا فنالوا شرَّ مُنهَزَمِ
عن عنكبوتٍ أضلَّتهُمْ بأوْهَنِها=وعن حَمامٍ حَمى المعصومَ من طُغَمِ
فيمكرون بليلٍ لا نهارَ لَهُ=والله يمكرُ .. ما الإصباح كالغَسَمِ
يمضي الحبيبانِ أسماءٌ تُمِدُّهما=ذاتُ النطاقين أكرمْ بابنةِ الكرمِ
حتى إذا أشرقت أرجاء طيبةَ بالــ=أنوارِ وانتشرت مِسكًا بغيرِ دَمِ
فاضت بأنصارها من كُلِّ ناحيةٍ=يستبشرون بما حازوهُ من نِعَمِ
ويشكرون طلوع البدر بينهمُ=من بَعد ليلٍ بهيمِ الشرِّ مُضطرمِ
فآثروا إخوة الإسلام واقتسموا=أموالهم بل أرادوا قسمة الحُرَمِ
وبايعوا المصطفى ما سَرَّ خاطرَهُ=ببيعة الصدق في حربٍ وفي سَلَمِ
كانوا رجالا وأوفوا كُلَّ عهدهمُ=ثم ارتضوا أحمدًا في كُلِّ مُقتَسَمِ
منهم قضى نحبه .. وثَــمَّ منتظِرٌ=فلم يُبَدِّلْ عهود الصدقِ والذِّممِ
في كل موقعة للحق تُبصرهم=أُسودَهُ تَنهشُ الأوباشَ كالغنمِ
وإن أتى مَغنَمٌ عفُّوا وقد قنعوا=بالمصطفى في حماهم خيرَ مغتَنَمِ
يا سعدهم إذ دعا الرحمن يرحمهم=وكُلَّ أبنائهم طُرّا بلا سَدَم
وقال لو خالف الأنصار غيرهمُ=لاختار شِعْبَكُمُ – لا غيرَهُ – قدمي
في مَنْعَةٍ مِنهمُ لاقى أعاديَهُ=فاحتزَّ أعناقهم في كُلِّ مُصطَدَمِ
واسأل ببدرٍ قليب الكفرِ كم جمعت=من كُلِّ جائفَ مقطوعِ الوتينِ عمي
كم عذبوا من ضعيف في ديارِهُمُ=حتى اعتلاهم بمُجتَـزٍّ ومُصطَلِمِ
وجَرَّ رأسًا أَذَلَّ الكفرُ عِزَّتَها=مَن كانَ أمسًا يُنادى راعيَ الغَنَمِ
وعدٌ من اللهِ أوفاهُ لمن صَبروا=من يصدقِ اللهَ يَصدُقْهُ وينتَقِمِ
حتى إذا فُتحت أمُّ القرى لهُمُ=نصرًا من الملكِ الجبارِ ذي القلمِ
قال اذهبوا وعفا عنهم وأطلقهُم=برحمةٍ مُزجَت بالفضلِ والكرمِ
العز بالدين لا بالجاه والذهبِ=متى ارتقينا به سُدنا على الأممِ
والدينُ علمٌ وأخلاقٌ ومُعتَقَدٌ=فاتبَعْ رسولكَ فيهم تُهدَ للحِكَمِ
واحذر هواكَ فما والاهُ ذو غَفَلٍ=إلا هوى هالكًا في كُلِّ مُلتَطَمِ
ما ضل من كان خيرُ الخلق قدوتَهُ=في القولِ والفعلِ والأحوالِ والشِّيَمِ
حُبًا وصدقًا وإجلالًا ومكرمةً=لمن أظلَّتهُ حُبًا أشرفُ الغِيَمِ
وللذي لَبَّتِ الأشجارُ دعوتَهُ=وحنَّ شوقًا إليهِ الجِذعُ في ألمِ
وانشقَّ بدرُ الدجى كيما يُصَدِّقَهُ=من أعرضوا ثم قالوا: ساحرُ الحَرَمِ
كم من مريضٍ شكا من طولِ عِلَّتِهِ=حتى شفتهُ يدُ المحبوبِ من سَقَمِ
واسأل قتادةَ عن عَينٍ براحتِهِ=يومَ افتدى من سهامِ الكفر خيرَ فَمِ
فردها بيمينٍ لا يُرَدُّ لها=من صاحبٍ الأمرِ أمرٌ مُكرَمُ الذِّمَمِ
فليتني كنتُ أفدي وجهَهُ بدمي ..=وليتَ عينيَّ ذاقا نظرةَ الرُّحُمِ
لما اشتكى جيشهُ في الحَرِّ من عطشٍ ..=ولاذ بالمصطفى كالزرعِ بالدِّيَمِ
تفجر الماءُ يجري من أصابِعِهِ=حتى ارتوى وتوضا كُلُّ مستلِمِ
لو لم يكن لرسولِ اللهِ معجزةٌ=إلا الكريمُ الذي أوحاهُ ذو الكرمِ
لأذعنت لكتابِ اللهِ خاشعةً=عقولُ أهلِ النُّهى والعلمِ والحِكَمِ
نورٌ من اللهِ لا تفنى عجائبُهُ=وليس يَخلَقُ من ردٍّ ومن قِدَمِ
من ابتغى في سواهُ الهَديَ أُضلِلَهُ=وذاق من حاد عنهُ بأسَ مُنتقِمِ
وقولُهُ الفصلُ صدقٌ غيرُ ذي عِوَجٍ=وحكمهُ العدلُ حقٌ غير مُنقَصِمِ
وأهلُهُ أهلُ ربِّ الكونِ خصَّهُمُ=بالقرب والنور والإكرام والعِظَمِ
هو اصطفاهم فَوفَّاهُمْ وزادَهُمُ=نعمَ الشكورُ بلا مَنٍّ ولا نَدَمِ
يا رب فاقبل مُحِبًّا في رحابهِمُ=يرجو عطاءكَ يا ذا الجودِ والكرمِ
يا رب صل على المختار سيدنا=في كل حينٍ وسلم دون مُختَتَمِ
وآله الكُمَّلِ الأطهارِ سادتنا=منابعِ النورِ والإحسانِ والنِّعَمِ
وخُصَّ منهم عليا زوجَ فاطمةٍ=ربيبةِ الطهرِ أم السادةِ العِظَمِ
سِبطَيْ رسولِ الورى أكرم بنسلهما=فرعِ الحبيبِ إلى الأصلِ الكريمِ نُمي
أفدي حُسينًا شهيدَ الظلمِ مُحتَـسِبًا=وصاحب الصُّلحِ سادَ القومَ بالحِكَمِ
يا رب وارضَ عن الأحباب كُلِّهِم=صحبِ الرسولِ ذوي الأنوارِ والهِمَمِ
وعن أبي بكر ثاني اثنينِ ضمَّهُما=غارُ المحبةِ والإخلاصِ والعِصَمِ
وعن أبي حفص مولانا وسيدِنا=رمزِ العدالة من يخشاهُ كُلُّ كَمي
وعن شهيدِ كتاب الله تٓـندُبُهُ=دماءُ مصحفِ ذي النورينِ والكرمِ
وعن أبي حسنٍ زوج البتولِ أُفٓــد=يــهِ بروحيَ والأموالِ والخُذُمِ
وارحم من امتدحوا خيرَ الورى مِقَةً=وارزقهُمُ النورَ في الإصباحِ والعَتَمِ
حسّانَ وابنَ زُهَيرٍ من صحابتِهِ=والقائدَ ابنَ رواحةٍ أبا الحُزُمِ
وصاحبَ البُردةِ الميمونُ سيرتُهُ=ومن على نهجها قد جادَ بالدِّيَمِ
واغفر لشيخي فكم للخيرِ أرشدني=حتى تسامى لطه مادحًا قلمي
وارحم أبي صاحبَ الأفضال علَّمَني=حُبَّ القريضِ وحُبَّ المصطفى العَلَمِ
فكُلُّنا لرسولِ اللهِ مُلتجئٌ=عساهُ يقبلُنا يومًا من الخَدَمِ
يا رب هذي ذنوبي لستُ أُنكِرها=وأنتَ تعلم ما يخفى من الجُرُمِ
ذنبي عظيمٌ وظني فيكَ تغفرُهُ=وترحمُ الضعف يا ذا الفضلِ والكرمِ
بل تُبدِلُ الذنب إحسانًا وتُضعِفُهُ=بلا حسابٍ ولا حدٍّ ولا ألمِ
فإن حُبَّ رسولِ اللهِ في كبدي=والشوق يلهبني في كل مُنتَسَمِ
في جيرةِ المصطفى نُشِّئتُ مِن صغري=وفي هواهُ تهاوت أدمعي بدمي
وباسمهِ شَرُفَ اسمي وازدهى فرحًا=" وكيفَ لا يتسامى بالنبيِّ سمي "
لعلني حينَ يبكي الناسُ من فَزَعٍ=يضمني في حِماهُ غيرَ منصَرِمِ
ما ضيمَ من ضَمَّهُ المأمولُ شافعُنا=دنيا وأخرى وفي محياهُ في الرَّجَمِ
فابسط عليَّ جَناحَ الحُبِّ يا أملي=ويا شفيعيَ في الدارينِ والدُّهُمِ
يا سيدي وأجرني كُلَّ ضائقةٍ=ما خابَ مَن بكمُ قد لاذ في القُحَمِ
ما أَمَّكُمْ عاشقٌ يرجو محبَّتَكم=بالصدقِ إلا وكنتم خيرَ مُؤتَمَمِ
ولا استجارَ بكم في ضِيقِهِ وَصِبٌ=إلا أَجَرتُمْ وكنتمْ قلعَةَ الكَرَمِ
وإنني مُدْنَفٌ لا شيء يُسعِفُني=إلا رضاكم أيا بُرئي ويا سَقَمي
فامنن عليَّ بوصلٍ لا يفارقني=ولو بجنة عدنٍ فاللقا نِعَمي
صِلْني حبيبي ولا تَحجُب أسيرَ هوًى=عنِ اللقاءِ شهودًا غيرَ مُنكَتِمِ
وأذن لقبري يكنْ في قُربِ ساحَتِكُمْ=قد عشتُ فيها فهلا كان مُختَتَمي
عسايَ أُبعَثُ يومَ الحشرِ من جَدَثي=مُؤَمَّنًا بجوارٍ غيرِ منخَرِمِ
عليكَ مني صلاةٌ لا انقطاعَ لها=في كُلِّ حِينٍ تُرَوِّي قلبَ كُلِّ ظمي
-----------
أحمد السيد يوسف
الإسكندرية - المدينة المنورة - القاهرة – قبيل مغرب يوم عرفة الجمعة 9 / ذو الحجة / 1435 هـ الموافق 3 / 10 / 2014 م
بحرٌ من الخيرِ أم رَحبٌ من النِّعَمِ=يا دُرَّةَ الكونِ يا ياقوتة الأممِ
قد فاض شوقي وعشقي لستُ أكتُمُهُ=يا قِبلةَ الحب والعُشّاقِ والخدمِ
روحي فداكم وجسمي طوعُ أمركمُ=يا أكرمَ الخلقِ فاقبلني ولا تَلُمِ
فإن تدعني لعصياني أَمُتْ كَمَدا=وإن تَمُنَّ فتاجُ الجودِ والكرمِ
وقد وقفتُ بباب الوصلِ مبتهِلا=مُطَأطِئ الرأسِ أرجو الخدَّ للقَدَمِ
ما ضلَّ من يقتفي أنوارَكُم أبدًا=يا مَنبعَ النورِ في دوامةِ الظُّلَمِ
فمن سواكم حبيبي يُستضاءُ بِهِ=إن أظلَمَ الكونُ بينَ التيهِ والعَدَمِ
ومن سواكم يُرَجّى للهدى أملًا=إن حالَ حاليَ بين الوصلِ والنِّعَمِ
طال اشتياقي لوصلٍ منكَ يا أملي=متى تَمُنُّ على صَبٍّ بِكُم سَقِمِ
بكى فؤادي لطولِ البُعدِ في ألمٍ=فكَفكَفت دمعَهُ آمالُ معتَصِمِ
بالحُبِّ أحيا وأرقى كلَّ مستَنَمِ=قلبي وروحي فداءُ الحبِّ والألمِ
فالقلبُ لولا الهوى ما ذاقَ بهجتَهُ=والروحُ لولا الجوى لم ترقَ أو تَهِمِ
وأعذبُ الحُبِّ عشقٌ ليس يبلغُهُ=إلا الذي هامَ بالمختار من إِضَمِ
أستغفرُ اللهَ إن قصَّرتُ فيهِ وَلَمْ=أُوفِ الحبيبَ بصدقِ الحُبِّ والندمِ
على المعاصي التي قد خضتُ لُجَّتها=حتى رمتني إلى شَطٍّ من الحُمَمِ
وأسلمتني أسيرَ النفسِ تجلِدُني=في كُلِّ حينٍ بألوانٍ من الظُّـلَمِ
أمّارةُ السوءِ لا إحسانَ يردعُها=جَبّارةٌ في الهوى تمضي بلا لُجُمِ
كم عذَّبت خِسَّةً روحي مُبدِّلةً=قلبي لذيذَ الرِّضا بعَلقَمِ النِّقَمِ
وكم أضلتهُ مِن بعد الهدايةِ إذ=تُغريهِ حينَ تُذيبُ السُّمَّ في الدَّسَمِ
والنفسُ إن تُرِكَتْ أَودَتْ بصاحِبِها=سُبْلَ الهَلاكِ وإن ألجمتَها تَجِمِ
وليسَ يُلجِمُها إلا الخبيرُ بها=فالزمْ حِماهُ تكنْ معْ خيرِ ملتَزَمِ
وبادِرَنْ توبةً صحت عزيمتُها=فاللهُ يقبلُ من قد تابَ في ندم
ولا تَغُرَّكَ أعمالٌ تطولُ ولا=حسنُ الشبابِ ولا ممطولةُ الهِمَمِ
ولا تُسَوِّفْ فإنَّ الموتَ يأتي بلا=إذنٍ فيفترسُ المفجوءَ بالنِّقَمِ
والجأ لجودِ رسولِ الله إن له=من العِنايَةِ حِجْرًا كاملَ النِّعَمِ
يختارُ من سعِدتْ بالوصلِ مُهجتُهُ=فيصطفيهِ حبيبُ اللهِ بالكرَمِ
ومن تكن من رسولِ الله قُربَتُهُ=نال المعاليَ واستولى على العِظَمِ
فمن كطه اكتمالا في محاسِنِهِ=كأنه الحُسْنُ في خَلْقٍ وفي شِيَمِ
فأحورُ العينِ مَكحُولٌ به دَعَجٌ=أَزَجُّ أَقرنُ مربُوعٌ بلا تُهَمِ
إذا تَرشَّحَ ضاعَ المسكُ وانحدرت=قطرُ الجُمانِ لمشتاقٍ ومُغتَنِمِ
كالسَّيلِ يمشي إذا ما جَدَّ في طَلَبٍ=أو الهُوَينى مع الأطفالِ في كرمِ
يا أبلجَ الوجه يُستسقى الغمامُ بهِ=أوتيتَ حُسنَ الوَرى مِن دونِ مُقتَسِمِ
فمِن جلالكَ هاب الناظرونَ لكم=وفي جمالكَ أمسَوا أعشقَ الخَدَمِ
يرجون نيل رضاكم .. لا يَقِرُّ لهم=حتى اللقا خاطرٌ في الصحوِ والحُلُمِ
يا عاشق المصطفى أهدِ الصلاةَ لهُ=عساكَ تُبصرهُ يومًا بلا غَسَمِ
وإن سُئِلتَ فمن في الكونِ قاطبةً=مِنَ الخلائقِ لم يُدرك ولم يُرَمِ
فقُلْ بكلِّ يقينٍ غيرَ مُلتَبِسٍ=مُحَمَّدٌ خيرُ خلقِ اللهِ كُلِّهِمِ
مُحَمَّدٌ لا يُدانى في شمائلِهِ=ولا يُقارَنُ بل يعلو على الأُمَمِ
مُحَمَّدٌ سيد السادات ، ما طلعت=شمسٌ على مثلِهِ .. كلا ولم تَنَمِ
ولا تقرَّبَ للمعبودِ يَشهَدُهُ=مثلُ الحبيبِ ولا جبريلُ ذو العِظَمِ
فلو تجاوزَ بعدَ الحدِّ أحرقَهُ=أما محمدُ فاستدناهُ ذو النِّعَمِ
يا أكرَمَ الخلقِ عند اللهِ مَنزِلَةً=سبحانَ من بِكُمُ أَسرى إلى حَرَمِ
في ليلةٍ عطَّرَ الأكوانَ سيدُها=وفاضَ أنوارُها في الأربُعِ الدُّهُمِ
صليتَ بالرُّسْلِ تأكيدًا لمَنزلةٍ=أُوليتَها فوقهم يا خيرَ مؤتَمَمِ
وخَصَّكَ الله بالمعراجِ مُرتقيًا=فاجتزتَ مخترقَ الأطباقِ والقِمَمِ
لِكلِّ مُقتربٍ حَدٌّ يُحَدُّ بهِ=وأنتَ يا سيدي تعلو بلا جَشَمِ
حتى بلغت مقام القُرب وانكشفت=لك الستورُ فلم تُصعَق ولم تُضَمِ
ونِلتَ مَنزلةً ما نالها أحدٌ=من خالِقِ الكونِ والإيجادِ والعَدَمِ
فمن كأحمدَ يومَ الحشرِ ينفعُنا=إذا فزعنا ولم نظفر بمُعتَصَمِ
هو الشفيعُ الذي يقولُ هأنذا=إذا الجميعُ توارَوا دون مُقتحِمِ
بهِ الخلائقُ لاذت يومَ مَحشرها=فقال إني لها .. غوثٌ من الغُمَمِ
فأمَّتي أُمَّتي .. في الحَشرِ يُرسِلُها=حتى يُجابَ بما يُرضيهِ من نِعَمِ
" سل تُعطَ ، واشفعْ تُشَفَّعْ " تلك مَنزِلَةٌ =ليست لغيرِ أبي الزهراءِ في الأمَمِ
فيحمدُ اللهَ كنزًا من مَحامِدِهِ=فيُستَجابُ لهُ .. يا فرحَةَ النَّسَمِ
هو الرؤوفُ الرحيمُ ليس يترُكُنا=حتى نجوزَ من الأهوالِ والقُحَمِ
فالمصطفى كان في الدنيا هدايتنا=وفي القيامة منجاةٌ من الحُمَمِ
قد أسعد الأرضَ والأفلاكَ مولِدُهُ=فعَمَّتِ الكونَ أنوارٌ بلا سُدُمِ
فاليوم يولد أعلى الخلق منزلةً=وأطهرُ الناس من عُربٍ ومن عَجَمِ
واليوم يُكسى جبـيــنُ الأرضِ دُرَّتَهُ=ويعبَقُ العطرُ في الوديانِ والأَكَمِ
ويشرقُ الصدقُ في الآفاق مبتسمًا=ويُنذَرُ الكفرُ بالإزهاقِ والثَّرَمِ
شُرْفاتُ إيوانِ كسرى أذعنت فهوت=لله ساجدةً تبكي من النَّدمِ
وماءُ ساوةَ غاض اليوم مبتهلا=واستحيتِ النارُ رغمَ السَّجْرِ والضَّرَمِ
وفرَّ كل قعيدِ السمعِ مرتجفًا=من حارقِ الشُّهبِ أو من دامِغِ الرُّجُمِ
فيوضُ أنوارِ طهَ منذ مولدِهِ=إلى القيامةِ تُنجي كُلَّ مُعتصِمِ
نفسي فِداهُ فكم ضُرٍّ تَحمَّلَهُ=حتى يُبَلِّغَنا الإسلامَ في أَمَمِ
أبكي دمًا قبلَ دمعِ العينِ من أَسَفٍ=لِما أصابَ رسولَ اللهِ من وَصَمِ
كم كَذَّبوهُ وكم آذَوهُ ويحَهُمُ=بَل قاتَلُوهُ وأَدْمَوا غُرَّة العَلَمِ
وعذبوا صحبَهُ حتى ارتقت وعلت=سُمَيَّةُ الحقِّ صبرًا دونَ مُنتَقِمِ
وياسرٌ زوجُها أكرمْ بموعِدِهِمْ =في جنةِ الخُـلدِ قد فازوا بمُختَتَمِ
وحاصروهُ سنينًا معْ أقارِبِهِ=وصَحبِهِ دونَ إشفاقٍ على رَحِمِ
حتى إذا أكلوا الأشجارَ من سَغَبٍ=واستَنهَكَ الظُّلمُ فيهِم كُلَّ ذي شَمَمِ
وأسلَمتْ روحَها قُربًا لبارئِها=خديجَةُ الحُسنِ من سادَتْ على الأمَمِ
وماتَ من كانَ مأواهُ ونصرتَهُ=ولم يُسلِّمْهُ يومًا عابدي الصنمِ
شاء القديرُ بأن يُنهي ابتلاءَهُمُ=بدودةٍ أكلت وثيقةَ الظُّلُمِ
فباسمكَ اللهُ تبقى خيرَ شاهدةٍ=على المهيمنِ أخزى كُلَّ مُحتَكِمِ
يا ليتَ لي مثلَهُمْ وعدًا بصُحبَتِهِ=إذن لدامَ سروري وانتهى ألمي
وليتني معهُ في يومِ هجرَتِهِ=أحمي حِماهُ وأفدي روحَهُ بِدَمي
إذ فارقَ الأرض والأحبابَ في أَلَمٍ=لينشُرَ النورَ رغمَ القهرِ والظُّلَمِ
واستصحَبَ الصادقُ الصِّدِّيقَ يُؤنِسُهُ=في هِجرَةٍ صانَها الرحمنُ من قِدَمِ
واسأل سراقةَ إذ ساخت سنابِـكُهُ=حتى استجار ثلاثًا مُظهرَ النَّدَمِ
وزاده سيدي من فضله كرما=سوار كسرى بوعدٍ غيرِ مُنخَرِمِ
واسأل قريشًا ببابِ الغارِ إذ وقفوا=يرجون إفكًا فنالوا شرَّ مُنهَزَمِ
عن عنكبوتٍ أضلَّتهُمْ بأوْهَنِها=وعن حَمامٍ حَمى المعصومَ من طُغَمِ
فيمكرون بليلٍ لا نهارَ لَهُ=والله يمكرُ .. ما الإصباح كالغَسَمِ
يمضي الحبيبانِ أسماءٌ تُمِدُّهما=ذاتُ النطاقين أكرمْ بابنةِ الكرمِ
حتى إذا أشرقت أرجاء طيبةَ بالــ=أنوارِ وانتشرت مِسكًا بغيرِ دَمِ
فاضت بأنصارها من كُلِّ ناحيةٍ=يستبشرون بما حازوهُ من نِعَمِ
ويشكرون طلوع البدر بينهمُ=من بَعد ليلٍ بهيمِ الشرِّ مُضطرمِ
فآثروا إخوة الإسلام واقتسموا=أموالهم بل أرادوا قسمة الحُرَمِ
وبايعوا المصطفى ما سَرَّ خاطرَهُ=ببيعة الصدق في حربٍ وفي سَلَمِ
كانوا رجالا وأوفوا كُلَّ عهدهمُ=ثم ارتضوا أحمدًا في كُلِّ مُقتَسَمِ
منهم قضى نحبه .. وثَــمَّ منتظِرٌ=فلم يُبَدِّلْ عهود الصدقِ والذِّممِ
في كل موقعة للحق تُبصرهم=أُسودَهُ تَنهشُ الأوباشَ كالغنمِ
وإن أتى مَغنَمٌ عفُّوا وقد قنعوا=بالمصطفى في حماهم خيرَ مغتَنَمِ
يا سعدهم إذ دعا الرحمن يرحمهم=وكُلَّ أبنائهم طُرّا بلا سَدَم
وقال لو خالف الأنصار غيرهمُ=لاختار شِعْبَكُمُ – لا غيرَهُ – قدمي
في مَنْعَةٍ مِنهمُ لاقى أعاديَهُ=فاحتزَّ أعناقهم في كُلِّ مُصطَدَمِ
واسأل ببدرٍ قليب الكفرِ كم جمعت=من كُلِّ جائفَ مقطوعِ الوتينِ عمي
كم عذبوا من ضعيف في ديارِهُمُ=حتى اعتلاهم بمُجتَـزٍّ ومُصطَلِمِ
وجَرَّ رأسًا أَذَلَّ الكفرُ عِزَّتَها=مَن كانَ أمسًا يُنادى راعيَ الغَنَمِ
وعدٌ من اللهِ أوفاهُ لمن صَبروا=من يصدقِ اللهَ يَصدُقْهُ وينتَقِمِ
حتى إذا فُتحت أمُّ القرى لهُمُ=نصرًا من الملكِ الجبارِ ذي القلمِ
قال اذهبوا وعفا عنهم وأطلقهُم=برحمةٍ مُزجَت بالفضلِ والكرمِ
العز بالدين لا بالجاه والذهبِ=متى ارتقينا به سُدنا على الأممِ
والدينُ علمٌ وأخلاقٌ ومُعتَقَدٌ=فاتبَعْ رسولكَ فيهم تُهدَ للحِكَمِ
واحذر هواكَ فما والاهُ ذو غَفَلٍ=إلا هوى هالكًا في كُلِّ مُلتَطَمِ
ما ضل من كان خيرُ الخلق قدوتَهُ=في القولِ والفعلِ والأحوالِ والشِّيَمِ
حُبًا وصدقًا وإجلالًا ومكرمةً=لمن أظلَّتهُ حُبًا أشرفُ الغِيَمِ
وللذي لَبَّتِ الأشجارُ دعوتَهُ=وحنَّ شوقًا إليهِ الجِذعُ في ألمِ
وانشقَّ بدرُ الدجى كيما يُصَدِّقَهُ=من أعرضوا ثم قالوا: ساحرُ الحَرَمِ
كم من مريضٍ شكا من طولِ عِلَّتِهِ=حتى شفتهُ يدُ المحبوبِ من سَقَمِ
واسأل قتادةَ عن عَينٍ براحتِهِ=يومَ افتدى من سهامِ الكفر خيرَ فَمِ
فردها بيمينٍ لا يُرَدُّ لها=من صاحبٍ الأمرِ أمرٌ مُكرَمُ الذِّمَمِ
فليتني كنتُ أفدي وجهَهُ بدمي ..=وليتَ عينيَّ ذاقا نظرةَ الرُّحُمِ
لما اشتكى جيشهُ في الحَرِّ من عطشٍ ..=ولاذ بالمصطفى كالزرعِ بالدِّيَمِ
تفجر الماءُ يجري من أصابِعِهِ=حتى ارتوى وتوضا كُلُّ مستلِمِ
لو لم يكن لرسولِ اللهِ معجزةٌ=إلا الكريمُ الذي أوحاهُ ذو الكرمِ
لأذعنت لكتابِ اللهِ خاشعةً=عقولُ أهلِ النُّهى والعلمِ والحِكَمِ
نورٌ من اللهِ لا تفنى عجائبُهُ=وليس يَخلَقُ من ردٍّ ومن قِدَمِ
من ابتغى في سواهُ الهَديَ أُضلِلَهُ=وذاق من حاد عنهُ بأسَ مُنتقِمِ
وقولُهُ الفصلُ صدقٌ غيرُ ذي عِوَجٍ=وحكمهُ العدلُ حقٌ غير مُنقَصِمِ
وأهلُهُ أهلُ ربِّ الكونِ خصَّهُمُ=بالقرب والنور والإكرام والعِظَمِ
هو اصطفاهم فَوفَّاهُمْ وزادَهُمُ=نعمَ الشكورُ بلا مَنٍّ ولا نَدَمِ
يا رب فاقبل مُحِبًّا في رحابهِمُ=يرجو عطاءكَ يا ذا الجودِ والكرمِ
يا رب صل على المختار سيدنا=في كل حينٍ وسلم دون مُختَتَمِ
وآله الكُمَّلِ الأطهارِ سادتنا=منابعِ النورِ والإحسانِ والنِّعَمِ
وخُصَّ منهم عليا زوجَ فاطمةٍ=ربيبةِ الطهرِ أم السادةِ العِظَمِ
سِبطَيْ رسولِ الورى أكرم بنسلهما=فرعِ الحبيبِ إلى الأصلِ الكريمِ نُمي
أفدي حُسينًا شهيدَ الظلمِ مُحتَـسِبًا=وصاحب الصُّلحِ سادَ القومَ بالحِكَمِ
يا رب وارضَ عن الأحباب كُلِّهِم=صحبِ الرسولِ ذوي الأنوارِ والهِمَمِ
وعن أبي بكر ثاني اثنينِ ضمَّهُما=غارُ المحبةِ والإخلاصِ والعِصَمِ
وعن أبي حفص مولانا وسيدِنا=رمزِ العدالة من يخشاهُ كُلُّ كَمي
وعن شهيدِ كتاب الله تٓـندُبُهُ=دماءُ مصحفِ ذي النورينِ والكرمِ
وعن أبي حسنٍ زوج البتولِ أُفٓــد=يــهِ بروحيَ والأموالِ والخُذُمِ
وارحم من امتدحوا خيرَ الورى مِقَةً=وارزقهُمُ النورَ في الإصباحِ والعَتَمِ
حسّانَ وابنَ زُهَيرٍ من صحابتِهِ=والقائدَ ابنَ رواحةٍ أبا الحُزُمِ
وصاحبَ البُردةِ الميمونُ سيرتُهُ=ومن على نهجها قد جادَ بالدِّيَمِ
واغفر لشيخي فكم للخيرِ أرشدني=حتى تسامى لطه مادحًا قلمي
وارحم أبي صاحبَ الأفضال علَّمَني=حُبَّ القريضِ وحُبَّ المصطفى العَلَمِ
فكُلُّنا لرسولِ اللهِ مُلتجئٌ=عساهُ يقبلُنا يومًا من الخَدَمِ
يا رب هذي ذنوبي لستُ أُنكِرها=وأنتَ تعلم ما يخفى من الجُرُمِ
ذنبي عظيمٌ وظني فيكَ تغفرُهُ=وترحمُ الضعف يا ذا الفضلِ والكرمِ
بل تُبدِلُ الذنب إحسانًا وتُضعِفُهُ=بلا حسابٍ ولا حدٍّ ولا ألمِ
فإن حُبَّ رسولِ اللهِ في كبدي=والشوق يلهبني في كل مُنتَسَمِ
في جيرةِ المصطفى نُشِّئتُ مِن صغري=وفي هواهُ تهاوت أدمعي بدمي
وباسمهِ شَرُفَ اسمي وازدهى فرحًا=" وكيفَ لا يتسامى بالنبيِّ سمي "
لعلني حينَ يبكي الناسُ من فَزَعٍ=يضمني في حِماهُ غيرَ منصَرِمِ
ما ضيمَ من ضَمَّهُ المأمولُ شافعُنا=دنيا وأخرى وفي محياهُ في الرَّجَمِ
فابسط عليَّ جَناحَ الحُبِّ يا أملي=ويا شفيعيَ في الدارينِ والدُّهُمِ
يا سيدي وأجرني كُلَّ ضائقةٍ=ما خابَ مَن بكمُ قد لاذ في القُحَمِ
ما أَمَّكُمْ عاشقٌ يرجو محبَّتَكم=بالصدقِ إلا وكنتم خيرَ مُؤتَمَمِ
ولا استجارَ بكم في ضِيقِهِ وَصِبٌ=إلا أَجَرتُمْ وكنتمْ قلعَةَ الكَرَمِ
وإنني مُدْنَفٌ لا شيء يُسعِفُني=إلا رضاكم أيا بُرئي ويا سَقَمي
فامنن عليَّ بوصلٍ لا يفارقني=ولو بجنة عدنٍ فاللقا نِعَمي
صِلْني حبيبي ولا تَحجُب أسيرَ هوًى=عنِ اللقاءِ شهودًا غيرَ مُنكَتِمِ
وأذن لقبري يكنْ في قُربِ ساحَتِكُمْ=قد عشتُ فيها فهلا كان مُختَتَمي
عسايَ أُبعَثُ يومَ الحشرِ من جَدَثي=مُؤَمَّنًا بجوارٍ غيرِ منخَرِمِ
عليكَ مني صلاةٌ لا انقطاعَ لها=في كُلِّ حِينٍ تُرَوِّي قلبَ كُلِّ ظمي
-----------
أحمد السيد يوسف
الإسكندرية - المدينة المنورة - القاهرة – قبيل مغرب يوم عرفة الجمعة 9 / ذو الحجة / 1435 هـ الموافق 3 / 10 / 2014 م