تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اليوم الأسود



الفرحان بوعزة
29-12-2015, 10:58 AM
صباحا، جاء يتجول بين دروب القرية وأزقتها بعدما غاب عنها مدة من الزمن، ناقوس صغير يتدلى من عنقه على صدره، ويده اليسرى تحمل مبخرة نحاسية يتصاعد منها دخان كثيف، يسير بخطى وئيدة وهو يترنم بتراتيل مبهمة. عندما يهيج تخرج صيحاته مبللة بلعاب يتشتت على لحيته البيضاء.
هب أطفال الحي يتبعونه وهم يصفقون بأيديهم، يتنطعون أمامه. عندما يتوقف يهربون بعيدا عنه، يسوي وقفته، يمد عنقه نحو السماء، تتمدد جلدة عنقه فتكشف عن عروق فارغة من الدم، يشير بعصاه، يسير وهو
يمررها على جدران البيوت. النساء تتجنبن طريقه، الأطفال يرمونه بالحجارة وهو لا يبالي.. حدق كثيرا في اللانهائي فصاح بأعلى صوته:
ـــ اسمعوا وافتحوا آذانكم يا عباد الله، الويل لكم يا بشر، إنه قادم، إنه قادم.
وقف الناس أمام أبواب منازلهم. عيون الرجال تتهامس في خفاء، شفاههم تتحاور في صمت.. ذهلوا. غرقوا في عمق حيرة مظلمة، انتفض أحدهم وصرخ في وجه الجماعة:
ـــ ماذا يقول هذا الدجال؟ هيا نقبض عليه ونحاكمه. لا نعرف... هل يتحامق أم يقول الصدق، ربما يخفي شيئا تحت لباسه الفضفاض.
حل فصل الصيف، اشتدت الحرارة، بحث سكان القرية عن الماء ليغتسلوا، لم يعد الماء يجري في الصنابير، جفت الآبار التي كانت تسقيهم. حبسوا قطعان ماشيتهم في الحظائر. يوما عن يوم ترفع الشمس من حرارتها،
غزا عرق كثير أجسامهم، تشابكوا مع ملابسهم، خرجوا يبحثون عن ظل يحتمون به. فما عادت الظلال تتمدد، وما عادت الأشجار تحتفظ بأوراقها.
ناموا على جوع، استيقظوا، برزت أشعة الشمس تلامس قمة الجبل المطل على قريتهم، رأوه أسود من بعيد. استغربوا ، تجمعوا يستطلعون، بحدسهم أحسوا أن حركة غريبة تجري في الأعلى، رؤوس أشباح تظهر
وتختفي خلف نتوءات الصخور. ذعرت الأطيار، هبطت تحلق فوق رؤوس القوم، كأنها تود اختطافهم.
فجأة بدأ قصف مباغت، رصاص مصبوب على دفعات. المنازل تتهاوى، الأتربة ترتطم بالأرض، الجدران تتلامس، زجاج النوافذ يتطاير، يحموم النيران يتصاعد، بسرعة يصنع سحائب ثقيلة لم تستطع الرياح أن تبدده بسرعة.
ارتبكوا، هرعوا مهطعين يسابقون خطواتهم، أحسوا أن حياتهم قد تمزقت بين أيديهم. لم يحملوا شيئا معهم، تحسسوا قلوبهم، تأكدوا أنها ما زالت تنبض في صدورهم. كلما ابتعدوا عن القرية همد القصف، كلما توقفوا تجدد من ورائهم. يعدون وأيديهم فوق رؤوسهم، الأطفال يتأخرون، تحاول الأمهات أن تساعدهم على الركض أكثر. تشتتوا، تاهوا، لم يعودوا ...
مرت بضع سنوات، عادوا... وجدوا مخلوقات غريبة تسكن قريتهم..

مصطفى الصالح
03-01-2016, 11:23 AM
..

كأني أمام منظر شعب من العصور الوسطى يعيش في هذا العصر
أو لكأنها قرية أفغانية تعرضت لقصف همجي من الروس والأمريكان فهاجروا لا يلوون على شيء
ولم نبتعد كثيرا!
أليس هذا ما يحصل في سوريا اليوم
قصف النظام والروس يشرد الناس في المعمورة بلا أمل للعودة، بلا مال، والبحر قاتل متآمر أيضا
هي مأساة هذا العصر
سلطت الضوء عليها بحرفية باهرة
كعادتك مبدع في اقتناص الفكرة وتوشيحها بأجمل لباس
سرني أني أول من يعلق
دمت والبهاء

كل التقدير

الفرحان بوعزة
04-01-2016, 10:48 AM
..

كأني أمام منظر شعب من العصور الوسطى يعيش في هذا العصر
أو لكأنها قرية أفغانية تعرضت لقصف همجي من الروس والأمريكان فهاجروا لا يلوون على شيء
ولم نبتعد كثيرا!
أليس هذا ما يحصل في سوريا اليوم
قصف النظام والروس يشرد الناس في المعمورة بلا أمل للعودة، بلا مال، والبحر قاتل متآمر أيضا
هي مأساة هذا العصر
سلطت الضوء عليها بحرفية باهرة
كعادتك مبدع في اقتناص الفكرة وتوشيحها بأجمل لباس
سرني أني أول من يعلق
دمت والبهاء
كل التقدير

شكرا لك أخي المبدع المتألق مصطفى على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ..
شكرا على تواصلك الدائم .. اهتمام أعتز به ..
مودتي وتقديري

خلود محمد جمعة
04-01-2016, 11:15 AM
كل المؤشرات تدل على ان اليوم الاسود قادم
هل كان مهلهل العقل كما ثيابه
أم أنه أدرك الحقيقة فاختل فكره
هل كان عاقلا حد الجنون ام مجنونا حد عقلانيتهم
هل لعنته طالتهم
الغرباء عششوا بعد أن نعقوا
سرد ماتع بفكرة جادة ورمز عميق
متجدد في الروعة
بوركت وتقديري

ناديه محمد الجابي
04-01-2016, 11:50 AM
صاحبنا( درويش) ـ والدرويش هو شخص بسيط زاهد صوفي
ولكنه في درجة من درجات التطور الروحي ـ أو كما نقول في
العامية : رجل مكشوف عنه الحجاب . وقد تنبأ الدرويش ..
بأن خطرا ما جليل قادم ــ وقد تحققت نبؤته بداية بالجفاف الذي
أصاب البلدة ـ ثم بالغزو الذي أجلاهم من قريتهم ـ ولما حاولوا
العودة كانت قريتهم قد أحتلت من قبيل الغزاة.
وما أقرب هذا بما يحدث في بلادنا العربية في كل مكان..
حفظ الله أوطاننا وأرجع كل نازح إلى بلاده وأبعد عنا شر
هذا اليوم الأسود.
للحرف في يديك حلاوة تنسينا مرارة المعنى
دمت وبهاء قلمك وفكرك. :0014:

الفرحان بوعزة
04-01-2016, 05:01 PM
كل المؤشرات تدل على ان اليوم الاسود قادم
هل كان مهلهل العقل كما ثيابه
أم أنه أدرك الحقيقة فاختل فكره
هل كان عاقلا حد الجنون ام مجنونا حد عقلانيتهم
هل لعنته طالتهم
الغرباء عششوا بعد أن نعقوا
سرد ماتع بفكرة جادة ورمز عميق
متجدد في الروعة
بوركت وتقديري

فكم من غرباء استولوا على قرى الناس بعدما تسللوا إليها عن طريق الإشاعات المغرضة ،
والهدف هو التخويف والجلاء .. شكرا على قراءتك القيمة التي فتحت النص على رؤية جديدة ..
شكرا على تواصلك الدائم ومتابعة نصوصي المتواضعة أختي المبدعة خلود..
مودتي وتقديري

الفرحان بوعزة
04-01-2016, 05:04 PM
صاحبنا( درويش) ـ والدرويش هو شخص بسيط زاهد صوفي
ولكنه في درجة من درجات التطور الروحي ـ أو كما نقول في
العامية : رجل مكشوف عنه الحجاب . وقد تنبأ الدرويش ..
بأن خطرا ما جليل قادم ــ وقد تحققت نبؤته بداية بالجفاف الذي
أصاب البلدة ـ ثم بالغزو الذي أجلاهم من قريتهم ـ ولما حاولوا
العودة كانت قريتهم قد أحتلت من قبيل الغزاة.
وما أقرب هذا بما يحدث في بلادنا العربية في كل مكان..
حفظ الله أوطاننا وأرجع كل نازح إلى بلاده وأبعد عنا شر
هذا اليوم الأسود.
للحرف في يديك حلاوة تنسينا مرارة المعنى
دمت وبهاء قلمك وفكرك. :0014:

شكرا على قراءتك القيمة التي أعطت نفسا جديدا للنص ..
شكرا على تواصلك الدائم أختي المبدعة نادية.. اهتمام أعتز به ..
مودتي وتقديري

عبد السلام دغمش
07-01-2016, 07:04 PM
نص رسم حالة الحرب والدمار بحرفية عالية ..
ربما كان القوم هم المستهدفون فلم يكن ليتوقف القصف حتى يبتعدوا عن قريتهم ..
لكنها عودة محتومة لا بد منها لمواجهة الوجوه الغريبة ...

تحياتي أستاذ الفرحان .

الفرحان بوعزة
08-01-2016, 08:56 PM
نص رسم حالة الحرب والدمار بحرفية عالية ..
ربما كان القوم هم المستهدفون فلم يكن ليتوقف القصف حتى يبتعدوا عن قريتهم ..
لكنها عودة محتومة لا بد منها لمواجهة الوجوه الغريبة ...

تحياتي أستاذ الفرحان .


شكرا لك أخي المبدع المتألق عبد السلام على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ..
شكرا على تواصلك الدائم .. اهتمام أعتز به ..
مودتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
30-01-2016, 09:17 PM
تسربل البله وأشاع الرعب استباقا فهيئهم نفسيا للرضى بالدنية أمام الغزو القادم
فهل كان أبله حقا!

تمتلك يراعة مكينة في تطويع الحرف ليحكي التاريخ في مشهد صغير
ولغة قوية تمنح السرد شائقية وتميزا

دمت بروعتك
تحاياي

الفرحان بوعزة
31-01-2016, 05:43 PM
تسربل البله وأشاع الرعب استباقا فهيئهم نفسيا للرضى بالدنية أمام الغزو القادم
فهل كان أبله حقا!
تمتلك يراعة مكينة في تطويع الحرف ليحكي التاريخ في مشهد صغير
ولغة قوية تمنح السرد شائقية وتميزا
دمت بروعتك
تحاياي

تحية طيبة ، المبدعة المتألقة ربيحة ..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ،
شكرا على كلمتك الطيبة واهتمامك النبيل ..
مودتي وتقديري ..

كاملة بدارنه
05-02-2016, 08:51 AM
من غزت قلبه القسوة والأنانيّة، وسيطر الجشع على تفكيره لن يتورّع عن غزو أوطان الناس وتشريد أهلها!
تصوّر لنا المشاهد بحرفيّة وإتقان كاتبنا المبدع
بوركت
تقديري وتحيّتي

الفرحان بوعزة
06-02-2016, 05:10 PM
من غزت قلبه القسوة والأنانيّة، وسيطر الجشع على تفكيره لن يتورّع عن غزو أوطان الناس وتشريد أهلها!
تصوّر لنا المشاهد بحرفيّة وإتقان كاتبنا المبدع
بوركت
تقديري وتحيّتي

شكرا على قراءتك القيمة التي أعطت نفسا جديدا للنص ..
شكرا على تواصلك الدائم أختي المبدعة كاملة.. اهتمام أعتز به ..
مودتي وتقديري

آمال المصري
14-10-2016, 03:18 PM
وصف دقيق لما يدور على الساحة العربية جاء ببيان ساحر وأسلوب أكرمه تعودناه من أديبنا الكبير وخاتمة لخصت ما وصلت إليه وما ستصل إليه بلادنا جراء الحروب والدمار
دام ألقك
تحية وتقدير

عباس العكري
15-10-2016, 01:47 PM
اليوم الأسود

https://2.bp.blogspot.com/-JyV5sWr-7v8/WAIXKW4Ws4I/AAAAAAAAE2o/qPpt_CSbzPMQmJVyo1z8CXLkNYwrGI_0gCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2585 %2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25B3%25D9%2 588%25D8%25AF.png

الفرحان بوعزة
15-10-2016, 06:08 PM
وصف دقيق لما يدور على الساحة العربية جاء ببيان ساحر وأسلوب أكرمه تعودناه من أديبنا الكبير
وخاتمة لخصت ما وصلت إليه وما ستصل إليه بلادنا جراء الحروب والدمار
دام ألقك
تحية وتقدير

تحية طيبة ، المبدعة المتألقة آمال..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ،
شكرا على كلمتك الطيبة واهتمامك النبيل .. اهتمام أعتز به.
مودتي وتقديري ..

الفرحان بوعزة
15-10-2016, 06:19 PM
اليوم الأسود

https://2.bp.blogspot.com/-JyV5sWr-7v8/WAIXKW4Ws4I/AAAAAAAAE2o/qPpt_CSbzPMQmJVyo1z8CXLkNYwrGI_0gCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2585 %2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25B3%25D9%2 588%25D8%25AF.png


تحية طيبة ، المبدع المتألق عباس..
شكرا على قراءتك القيمة لهذا النص المتواضع ، قراءة فنية تعتمد على تجسيد الحالات والمشاهد /اعتمادا على الرؤية البصرية ،
فكلما اقتربنا من الصورة كل ما اقتربنا من دلالتها التاريخية /الأرض /الزمن / المكان/ التزامن مع الحالة التي تجري في الأحداث/
فالقارئ يكون قريبا من الفهم والتاويل أكثر من التجول بين السطور.
شكرا على اهتمامك النبيل .. اهتمام أعتزبه.
مودتي وتقديري ..