تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بائعة الجميز ( قصة قصيرة )



عبدالله عيسى
08-01-2016, 08:11 PM
بائعة الجميز ( قصة قصيرة )

أسراب العصافير تعانق الغروب وهي عائدة من معايشها بطانا، تهبط مجهدة إلى مضاجعهـــــا
فوق أفنان شجرة الجميز الباسقة المثمرة .
رفعت عينيها صوب الغصون وهي تتمتم : "ربنا يقطعكم، هو انا ح ألقاها منين ولا منين ..."
وسرعان ما فركت كفيها بحفنة من التراب، وانحنت لتلملم الثمرات المتساقطة. ثم عادت تطين
خصها المترامي على أطراف القرية قبالة حقول الفلاحين .

ولمّـا فرغت من صنيعها جلست تنظر إلى قامــات مباني القرية، تصغى إلى دبيب العيش وهو
يغمر شوارعها، تتابع المصابيح وهي تتوهـج واحدة تلو الأخـرى، ترى الرعـاة وهـم عائدون
من أعمالهم وعلى أيديهم أحمال سعيهم ...
وتتأمل - حواليهـــــــا - ملامـح الدقائق الفاصلة بين الأنس وبين الوحـدة.. فتشاهـد الفلاحين
وأنعامهـم وهم يغـادرون المراعي، ترى الطريق الزراعـي منشغلٌ بالرجوع فقـط ؛ ولـم يكـن
عليه ذهابٌ قط .

وسرعان ماخلا الصمت بها، وحلَّ الليل بعتمته.. وتمضي الساعات وئيدة... وهي تنفرد مع
كل هذه الخلوة، إزاء الأدغال الشاسعة من الزروع والإخضرار.. فيقفز قلبهـا جراء توهمـات
ترأت على آثارها الأشجار وكأنها أشبـاح متربصة، وترأت القرية من خلفهـــا وكأنهـا روح
لقرية ميته .
لا ضوء سوى قنديل يحــاول خدش الظلمة، و رذاذات نـور متسربة من أعمـدة البلدة، بدت
على هيئة بقعة بيضاء شاحبة، يتربع عليها ظـل البنيان الشاهق فتزداد شحوبا، ويظهر من
خلالها الضفدع وهو يقفز متسكعا بصوته المزعج، بينمـا البعوض اللعين يجيء متسارعـا،
ليزاحم بقعة الضوء، ويشارك بصوته المزعج .

يـد تهش البعوض عن طفليها الخاملين على حجرهــــا، واليد الأخـرى تمسح رأسيهمـا في
تناوب، يزحف كفها على جسديهما النحيلين، وكأنها ترتل مع همساتها... ثم مالت برأسها
لتمنحهما قبلتي الغفو التي إعتادت عليهما.. و زادت للولد.. ثم جذبته وهي تتفرس ملامح
وجهه.. تكاد تلمح رجولته القادمة خلف قسماته الصغيرة. ففوجئت بصحوه قائلا :
- انت ليه ياماما مش بـ تشتري لنا حاجات حلوة كتير مثل بابا ؟
- حاضر ياحبيبي ح أشتري لكم كل حاجه ..
- هو بيتنا الجديد مش فيه سرير ... ليه ياماما، هو أحنا ح ننام على القش ده يا ماما ؟
- إن شاء الله ح يكون عندنا سرير ... وكل حاجه يا حبيبي
- هو بابا مش بيجي بسرعة من عند ربنا ليه ياماما ؟

فأجابت في صمتها هذه المرة... ودموعها تتسلل خفية.. وراحت تسرح، وتسرح... بين
الماضي الجميل.. وحاضرها المخيف.. والغـد المجهول.. ؟ حتى خطفها النعاس .
فاستيقظت على زقزقة العصافير، وهي تستعد لمعايشها. بينمــا هي الأخرى تتـأهب لمثل
ذلك . زادت كيل الثمرات هذه المرة، حتى كـاد المقطف أن يطفـح، وراحت تجوب شوارع
القرية،حتى فرغ المقطف. فجلست تحصي الدريهمات فوجدتها لم تكفي ثمنا لنصف كيلو
اللحم التي وعدت به طفليها .


عبدالله عيسى
18 / 12 / 2015

ناديه محمد الجابي
09-01-2016, 03:38 PM
لا تتوقف الدنيا بموت إنسان ـ ولكن بالنسبة لأمرأة فقيرة
يكون فقد الزوج كابوس ثقيل ـ وبداية مسيرة كفاح، ومسئؤلية
ومعاناة لتأمين شظف العيش لأطفالها الصغارـ عندما تجد نفسها
وحيدة في الحياة تعاني الخوف والفقد والقلة.
قصة قوية الفكرة موفقة الطرح بحرف جميل وقص بارع.
فقط ألوم عليك بإدراج جمل باللغة العامية كان ممكن الإستعاضة
عنها بكلمات تقع بين العربية والعامية، ولن يغلبك هذا وقد
جمعت في لغتك السردية دقة التصوير، وأداء المعنى وجمال الكلمة.
تحياتي وتقديري. :001:

عبدالله عيسى
12-01-2016, 04:43 PM
الأخت الفاضلة الأديبة / ناديــة الجابي . سلام الله عليكم
سرني حضورك كالعادة .. وأضيف لكِ وأمثالك - عن دونكم - كل تقدير واحترام ، للسعي المتواصل للجميع .
فهذا - والله - لخصال طيب لاعتباره داعم للروح .. ومن أهم فاتحات شهية الإبداع ؛ وخصوصا أن الواحـة
حاليا تفتقد المداخلات بشكل ملحوظ جدا .

القصد هنا في نص " بائعة الجميز " لا سبيل له بالميت ؛ وإنمـا يوضح من الدرجة الأولى : حياة الطبقة المعدومـة ...
وما ذهب بها الانعدام إلى مثل هذه الخاتمة ؛ بل والله لأشد . ومن الدرجة الثانية يوضح : قيمة الزوج في حياة الزوجة
من كل الاتجاهات ... وخصوصا هذه الطبقة ... كل شكر وتقدير إلى النادية

عبد السلام دغمش
12-01-2016, 09:01 PM
الأستاذ عبد الله عيسى

نص جميل ووصف جميل لأبعاد المشهد .. حيث حياة الفقير الفلاح ، وكيف إذا أضيف اليتم إلى الفقر ..

أشار النص للبنيان الشاهق .. فهل هي إشارة لزحف العمران ؟ .. مع انني لم ألمح لذلك دور في النص ..

الخص - البيت من القصب ربما لا يترامى فهو ضيق ..
بوركت اديبنا الفاضل .

تحياتي .

" تراءت"

خلود محمد جمعة
14-01-2016, 09:14 AM
تبيع الجميز وتشتري الصبر الذي يكاد يضمحل مع الفقر والذي لم يعد يسد جوعها للحنين
طرح طيب لقضية اجتماعية هامة بسلاسة وجمال وفكر نبيل
بوركت وكل التقدير

عبدالله عيسى
14-01-2016, 05:12 PM
أردت العودة إلى حيث موضع في مداخلة الأخت الفاضلة / نــادية الجابي
بخصوص استخدام ألفاظ العامية ، أو جُمل العامية مثلما جـاءت في النص .

الذي يهمني في هذا الأمر هو : تداخل الأعضاء ومعرفة رأيهم في هذا الشأن ؛ وأيضـا معرفتهم لوجهة نظري .
فقد استخدمت هذه الجمل كونها جمل حوارية ، فارتأيت أن تُكتب على طبيعتها ، حتى يبدو النص أكثر حيوية ،
ويستشعر ه المتلقي ما يقابل حياتنا العملية ... أتمنى التفاعل . أفادكم الله

نوال البردويل
14-01-2016, 05:38 PM
قصة واقعية حكت معاناة امرأة وحيدة فقيرة ليس لها من يسندها في هذه الحياة
هي المعاناة الحقيقية لهذه الطبقة الكادحة الفقيرة في ظل حكومات لا تعنى بهم ولا يعنيها
أمرهم رغم أنهم أفراد في المجتمع يجب توجيه الاهتمام لهم فقد يصبحون أفراداً منتجين في مجتمعاتهم
تناول جميل لمشكلة اجتماعية من الواجب تسليط الضوء عليها
تحياتي الفاضل عبد الله

عبدالله عيسى
14-01-2016, 06:17 PM
والله ليس جميلا في حياتنا غير مكارم الأخلاق . ورأيتك أهلا لذلك أستاذي الأديب / عبدالسلام دغمش .
فالنص " بائعة الجميز " الذي شُرِف بقراءتكم، يحكي طبقة معدومة تعيش في أوساط الريف المصري ؛ وليس الريف بجملته
يعيش هذا الانحطاط . الريف الأن ينافس الحضر في خزائنه .. وفي تحضره .. وأضيف وأقول : ليس في النص ما يدعو إلى
الزحف العمراني ؛ فنظرة البائعة المسكينة للمباني الشاهقة ، وللمصابيح التي تتوهج واحدة تلو الأخرى ، وللرعاة وهـم
عائدون من أعمالهم وعلى أيديهم أحمال سعيهم : كان نظرة حرمان ... مقارنة بمـا هي فيه من خص في حجم قبر ، لبناته
الطين ، وسقفه القصب ، وظلمة قاسية تساسيها بقنديل يشحذ إجهاض ضوء ليعطيها . فكانت هذه النظرة ماهي إلا نظرة
حرمان لها تفاسير عميقة ومؤلمة ...

ثم انتقلت من نظرتهـا اﻷولى إلى النظر حواليها وهي تتأمل ملامح الدقائق الفاصلة بين الأنس وبين الوحدة ، لترى الفلاحين
وأنعامهم وهم يغادرون المراعي و ... إذن فهي تترقب بعينيها الأنس وهو ينسحب من حواليها ، وتترقب من داخلها الخوف
القادم في دقائق ليلعب بإنوثتهاالضعيفة خلال ساعات الليل القاسية.. ثم يمضي النص حتى ينتهي بحلم الطفلين الذي لم يتحقق .
عذرا مني إن كنت عمدت تشريح بعض من النص دون أن أترك لغيري ، فعمدت لذلك كي يثّبت القارئ أمام النص ويراني
ليناقشني كتلميذ جئت إلى هذه الواحة كي أتعلم فنون القص ...

عبدالله عيسى
16-01-2016, 03:20 PM
أسعد الله حياتك - أديبتنا / خلـــود - وأدام اِشراقتك التي لم أرها تغرب عن سماء كل بياض هنا .
" تبيع الجميز وتشتري الصبر الذي يكاد يضمحل مع الفقر..." وكأنك كنتِ - هنا - على مجلس من
فكري وأنا أود أن أجعلها صابرة، بأن لاتنظر إلى المباني الشاهقة، وأضواء المصابيح ، وما تحمله سواعد
الرعاه .. ولكن من يملك قوى الإيمان في زمن محشو بالزهو والرغد والغوى ؛ إلا ضحايا ما لهم نصيب
غير إيمانات فطرية .. فربما كان التطلع لها بمثابة الترويح ...

عبدالله عيسى
18-01-2016, 08:45 PM
سلام الله عليكِ أختي الأديبة / نــوال البردويري
توا شرفت بمعرفة جلية، فلا يسعني الأن إلا الترحيب بكِ ... فأهلا بك أخية ، طبت ، وطاب لكِ لمقام هنا .
يسعدني أن أشرُف بكم دوما ، وأنول من أنس حضوركم ، ومن جود كلماتكم البيضاء . أدام الله سعيكم .

ملفت جدا - لكل مسؤول - ما جاء في ردكم، عن قلة هذه الطبقة؛ وهذا ما يشجع النظر في أمرهم، دون
أدنى إفراط في الميزانية العامة . ولكن لا خير في أمة ملئت بطونها وتنعمت ، وبطون غيرها تقرقر وهي تتجلد
على الحضيض . وافر سلامي

ربيحة الرفاعي
24-02-2016, 07:29 PM
هو بابا مش بيجي بسرعة من عند ربنا ليه ياماما
جملة اشتعلت نارا في القلب، وجاءت قويّة مؤثرة رغم أنها نطقت بالمحكيّة

سرد جميل ونص طيب الفكرة والأداء
عازته المراجعة لضبط بعض خطأ شابه لغة ورسم كلم من مثل:
ترى الطريق الزراعـي منشغلٌ بالرجوع فقـط
منشغلا

ترأت على آثارها الأشجار
تراءت

دمت بخير أديبنا
تحيتي

عبدالله عيسى
24-02-2016, 09:53 PM
تمت بعض التعديلات في هذا النص؛ وكان من أهمها رفض اللغة العامية .
فأرجو - فضلا - من السادة القائمين على الإشراف، وضع هذا النص بمحاذاة سابقه .
وأتمنى من السادة المُكْرِمين بمداخلتهم إبْدَاءُ الرَّأْيِ من حيث المقارنة بين هذا وسابقـه .
ــــــــــــــــــــــــ


بائعة الجميز ( قصة قصيرة )

أسراب العصافير تعانق الغروب وهي عائدة من معايشها بطانا، تهبط مجهدة إلى مضاجعهــــــا
فوق أفنان شجرة الجميز الباسقة المثمرة .
رفعت عينيها صوب الغصون وهي تتمتم غاضبة... وسرعان ما فركت كفيها بحفنة من التراب،
وانحنت لتلملم الثمرات المتساقطة. ثم عادت تطين خصهـــا المطروح على أطراف القرية قبالة
حقول الفلاحين .

ولمّـا فرغت من صنيعها جلست تنظر إلى قامـــات مباني القرية، تصغى إلى دبيب العيش وهو
يغمر شوارعها، تتابع المصابيح وهي تتوهج واحدة تلو الأخـرى، ترى الرعـاة وهـم عائدون
من أعمالهم وعلى أيديهم أحمال سعيهم ...
وتتأمل - حواليهـــــــا - ملامـح الدقائق الفاصلة بين الأنس وبين الوحـدة.. فتشاهـد الفلاحين
وأنعامهـم وهم يغـادرون المراعي، ترى الطريق الزراعـي منشغلا بالرجوع فقـط ؛ ولـم يكـن
عليه ذهابٌ قط .

وسرعان ماخلا الصمت بها، وحلَّ الليل بعتمته.. وتمضي الساعات وئيدة... وهي تنفرد مع
كل هذه الخلوة، إزاء الأدغال الشاسعة من الزروع والإخضرار.. فيقفز قلبهـا جراء توهمات
تراءت على آثارها الأشجار وكأنها أشباح متربصة، وتراءت القرية من خلفها وكأنها روح
لقرية ميته .
لا ضوء سوى قنديل يحــاول خدش الظلمة، و رذاذات نـور متسربة من أعمـدة البلدة، بدت
على هيئة بقعة بيضاء شاحبة، يتربع عليها ظل البنيان الشاهق فتزداد شحوبا، ويظهر من
خلالها الضفدع وهو يقفز متسكعا بصوته المزعج، بينمـا البعوض اللعين يجيء متسارعـا،
ليزاحم بقعة الضوء، ويشارك بصوته المزعج .

يـد تهش البعوض عن طفليها الخاملين على حجرهـــا، واليد الأخـرى تمسح رأسيهمـا في
تناوب، يزحف كفها على جسديهما النحيلين، وكأنها ترتل مع همساتها... ثم مالت برأسها
لتمنحهما قبلتي الغفو التي إعتادت عليهما.. و زادت للولد.. ثم جذبته وهي تتفرس ملامح
وجهه.. تكاد تلمح رجولته القادمة خلف قسماته الصغيرة. ففوجئت بصحوه مؤكدا لها مـا
طُلِبَ منها مرارا
- أبشر ياحبيبي سأشري لكما - غدا - ماطلبتما
- متى يعود أبي من الجنة يا أمي ؟
فابتلعت سُؤّاله صامتـة، وراحت تخترق الصباحـات الماضية، لتـراه مثقوبـا برصاصـات
حرب الوطن على الوطـن، وفي حوزته كيس خبز الإفطار مازال عالقـــــــا بين أصابعة .
وتمادت تسرح وتسرح ... ثـم أسلمت خدهـا لأشباح النوم .
فاستيقظت على زقزقـة العصافير، وهي تستعد لمعايشها. بينمـــــــا هي الأخرى تتأهب
لمثل ذلك .
زادت كيل الثمرات هذه المرة، حتى كـاد المقطف أن يطفــــــح، وراحت تجوب شوارع
القرية، حتى فرغ المقطف. فجلست تحصي الدريهمات، فوجدتها لم تكفي ثمنـا لنصف
كيلو اللحم التي وعدت به طفليها .

عبدالله عيسى

18 / 12 / 2015

آمال المصري
21-10-2016, 12:59 AM
قرأتها بداية وأعدت قراءتها بعد التعديل ... كلاهما رائع وله مذاق أدبي مائز
الفقر المدقع والعوز والفقد .. والحرمان والتمني كلها رسمت واحدة من معالم الريف بوصف دقيق وبيان ناطق فشكرا لك أديبنا الفاضل
ودمت مبدعا
تحية وتقدير

عبدالله عيسى
23-10-2016, 03:09 PM
الفاضلة الأديبة/ ربيحة الرفاعي
أشكر لك - دائما - هطولك وتعليماتك التي أباهي بها ضعف خبرتي الكتابية

عبدالله عيسى
23-10-2016, 03:15 PM
الوقورة الأديبة/ آمال المصري
حضورك - دائما - له نكهة إنسانية أعتز بها
أدام الله في اِشراقتك وأنت على أحسن خير . وافر التحايا