المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأمُّل /قصة قصيره



فائز حسن العوض
30-01-2016, 10:07 AM
القصة الفائزة بالجائزة الثانية (م) لمهرجان الثقافة السادس بالسودان 2016 م

تأمـُّـــــل

نظر الرجل المسن إلي الصورة ملياً ثم قال محدثاً نفسه :- هذا الرجل أعرفه جيداً ، رأيته كثيراً جداً لدرجـة أني حفظت تفاطيعه وأنا مغمض العينين ، لكني لا أذكر الآن أين رأيته ؟!!! ، ثمّ نظر للصورة مرة أخرى ، ثم أخرى وحكّ رأسه ، ثم أخرى وقال:- هاتين العينين الطيبتين ... الشعر الأبيض .. الأنف المعتدل الجميل .. ولكن أين رأيته أين .....؟!!، شارب رمادي بلونين أبيض وأسود يتماهى في لون رمادي ، ملامح طفولية بريئة ، العينان تبدوان اليفتين ، سمت وقور وشعور طيب بالرضا عن النفس بفيض ليغمـر محدّثة و من يجالسه .. يعتقد محدثة أنه لا يستمع إليه لكنه ينصت باهتمام كالأرض تبدو ساكنة في ظاهرها لكن باطنها يمور بالحممم البركانية، يبدو أنه كان وسيماً في شبابه هكذا تقول تقاطيعه ويبدو أن له معجبات كثر في شبابه ، .. لكن أين ... ؟! ..أين؟! ..أين؟! ظل يتأمل الصـورة طوال النهار ونهار اليوم التالي والأيام التالية دون جدوى !!!، ظل يخرج الصورة ويتأملها كلما سنحت الفرصـة لذلك ، لكن دون أن يهتدي لصاحبها حتى أعياه التفكير والتأمل دون أن يهتدي لشيء حتى نهاية الأسـبوع ، ثم نسي أمر الصورة ، لكنه حين أدخل يده تحت الوسادة اصطدمت فجأة بالصورة فأخرجها وجلس بمنتصف السرير يتأملها ، دقق النظر فاكتشف أن بها ندبة فوق الحاجب الأيمن ، قال في نفسه :- هذا أول خيط والبقية تأتي ، في اليوم التالي نظر إليها ملياً دون أن يكتشف حديداً فأعادها لمخدعها قائلاً لنفسـه لست عجلاً طالما اكتشفت أول الخيط . في مرة أخرى اكتشف بظهرها ختماً عليه تاريخ وحروف بلغة أجنبية فقال في نفسه :- هذا هو امتداد الخيط ، إنه تقدم لا بأس به وسأكتشف بقية التفاصيل لاحقاً فنام هنيئاً مرتاح البال . صبيحة اليوم التالي حين دخلت عليه الفتاة الشابة أخفى الصورة ورسم علي محياه ابتسامة طيبة والكثير من الهدوء والاطمئنان وقال :- كيف أصبحت ؟، ثمّ فرك يديه بانتظار إجابتها ليبدأ أسئلته لكنها قالت بهدوء وبرود صباح الخير ، .. سوّت الفراش دون أن تضيف أية كلمـة أو تنبس ببنت شفة فهبطت حماسته إلي أدنى مستوىً لها وقرر أن يتوقف عن متابعة ما فكّر فيه ، مسحت الأرضية والبلاط بممسحة رطبة ثم تبعتها بأخرى جافة وصبت بضع قطرات من فتيل به سائل أصفر اللون ففاحت في الغرفة رائحة الديتول النفاذة !! ، ثمّ نثرت في فضائها رذاذاً برائحة الورد الإنجليزي من بخاخ المعطّر مما أضفى عليهما شعوراً مفعماً بالإلفة وتقبّل الإثنين لبعضهما لمستوى أعلى فقرر الرجل أن يحاول مرة أخرى ، جلس علي حافة السرير يرتشف كوب الشاي ويتلذّذ بمضغ كعكة الكاكاو وهي تذوب في فيه كما تذوب قطـعة حلوىً قطنية طيبة وغمرهما معاً شعور بالرضا والسعادة ، .... حاول أن يقرأ في عينها عبارة تفكّ الطلاسم عن الصورة اللّغز ، أو شيء يشي بأية تعبير يفك لغز الغموض عن هاتيك العينين الحلوتين ! ، صبّت له كوباً آخر من الشاي فشربه بتلذذ لم يتذوّقه في السابق ، أدخل يده تحت الوسادة وأخرج الصورة ، نقّل بصره بين الصورة والفتاة فاكتشف علاقـة ما بين الإثنين !!!، حين همّت الفتاة بمغادرة الغرفـة سألها :- من هذا الرجل ؟!، لكنها لم تجب ، فقط أغلقت الباب بهدوء وانصرفت فقرر ألاّ يسألها أو يسأل غيرها حتى يكتشف الحقيقة بنفسه ، حين رفع بصره وقعت عيناه علي الصورة المعلقة علي الجدار المقابل بخيط علي مشجب مربوط لمسمار بزاوية حادة لشاب في الثلاثينات بكامل أناقته يرتدي بذة سوداء لامعـة وقميص أبيض بربطـه عنق حمراء بدت الصورة كأنها لثور أسود مذبوح والدم يتدفّق من نحره !! ، هبّ من مرقده فأنزلها وجعل يتأمّلها ولاحظ الشبه بين الصورتين لولا أن الأخير يبدو أكثر نضارة وشباباً ، إذاً فلا بد من وجود صلة ما بينهما !! ، وربما هما أقرباء ، قال في نفسه هذا هو امتداد الخيط ولا بد من عدم تركه يفلت ، ولكن أين رأي ربطة العنف الحمراء تلك ؟ ,,, أين ومتى ؟!، في تلك الليلة حلم أحلاماً كثيرة كلها تدور حول الصورة ، بعضها مفرح وبعضها محزن وقال في نفسه :- أنني أقترب من الاكتشاف النهائي وفك الطلسم ، لكن كثرة التفكير والتأمل أرهقته لدرجـة أن لونه شحب وجسده نحل وإصابة الهزال لكثرة التفكير باستمرار ، كان قد حسم أمره بكشف الحقيقة بنفسـه ودون أن يسأل أحداً ، لكنه وللأسف فشل أيضاً رقم إمساكه برأس الخيط ، أخيراً جازف بالسؤال والشابة تطعمه بملعقه الأستيل الناصع في اليوم التالي وبينما الملعقة في طريقها لفمـه وبمنتصف المسافة تقريباً ، غامـر بسؤالها :- من صاحب الصورة ؟؟!! ، دون أن يفتح فمه فبقيت الملعقة معلّقة في الهواء ، كان قد قرر التوقف عن الأكل حتـى لو أدي ذلك لوفاته ما لم يعرف السـر !!! . أطرقت الفتاة منكسرة ولوت عنقها الجميل كسيرة كسيفة حسيفة، كان قد توقف عن الأكل بانتظار إجابة. لكنه بدلاً عن تلقي إجابة لحظ عبرة تبلل العينين الجميلتين، قال وهو يكمل المغامرة لآخر الشوط :- .. وحتى أنت ؟! ، ماذا فعلت لكم لتعاملوني بهذه الطريقة ؟! أردف هل هـو مريض ؟! أهو ميت ؟! ، وهل أعرفه ؟! ، وما هي صلته بي ؟! ، ... أهو صديق قديم ؟! ، كانت العبرات تترقرق علي محجريها فمسحتهما بطرف ثوبها الأبيض ثم وضعت الملعقة علي الطـاولة ونهضت واقفة ثمّ استدرت نحو باب الغرفة وصفعت باب الغرفة وهي تخرج - لأول مرة في حياتها- بتلك الطريقة وهي تقول له بصوت باكِ. حزين

:- لم لا تتـرك هذه المــرآة اللعينة يا أبـــي ؟!!!.

ناديه محمد الجابي
30-01-2016, 05:10 PM
هى حالة من حالات ألزهايمر ـ عبرت عنها بأسلوب رائع
حالة من الضياع يفقد فيها الإنسان القدرة على التركيز
فيفقد ذاكرته لضمور في خلايا المخ ـ ويتطور إلى فقدان
تام للذاكرة . وقد أجدت التعبير عن هذه الحالة بإقتدار
بحرفيتك المعهودة ، وبألقك القصصي في نص مبدع
حمل دموعنا على الإنهمار .
قصة جمعت بين فنية الأداء وإنسانية الرؤية بقص
معبر مؤثر .
أسجل إعجابي العميق بقلمك. :001:

فائز حسن العوض
03-02-2016, 10:45 AM
الأستاذة المبدعة المثقفة /
أستاذه / نادية الجابي
لك الإحترام والتقدير والشكر بلا حدود.
عن جد أسعدتني كلماتك المعبرات بصدق
لا حدود له ورهافة حسّك ولعزيز دموعك
الإعتذار حتى ترضي . لك صدق ورهافة
إحساس أدامهما الله عليك في زمن عزّت فيه
مثل تلك الهبات .شكراً للإعجاب
شكراً للمعلومة العلمية ، ألف شكر .
ولك زهرة نرجس تتفتح ليلاً لحيائها الجم .

عبد السلام دغمش
03-02-2016, 12:47 PM
الأستاذ فائز حسن

نبارك لك الفوز .. والاسم يحكي عن صاحبه.
أسلوب متميز في الحكاية يشد القارئ ..
ربما أميل الى تأويل الأخت الأديبة نادية .. وربما كان للمرآة في الخاتمة ما أشار الى صدمة تعرض لها الأب المسكين سواءً لهرم أو غيره ..
بعض الهنات الكيبوردية :" ليغمر محدثه..أين رأى ربطة العنق .. رغم إمساكه.."

تقبل تقديري واعجابي

كاملة بدارنه
05-02-2016, 09:12 AM
فقدان للذّاكرة مؤلم، وسرد أمسك بأنفاس القارئ حتّى القفلة المباغتة الرّائعة!
بوركت
تقديري وتحيّتي
وددت المراجعة اللّغويّة
(تقاطيعه
هاتان العينان الطّيبتان
معجباتٍ كثرًا
الاثنتين
وقميصا أبيض
قريبان )

فائز حسن العوض
06-02-2016, 11:56 AM
الأخ والأستاذ المبدع / الأستاذ المثقف
عبد السلام دغمش
أشكرك على التهنئة والفوز أهديه لكل الأعضاء بالرابطة
....تأويل الأخت ناديه هو جوهر القصة والعقدة بعينها .
.. فالرجل مسن ومصاب بزهايمر لأن مااعتقدها صورة شخص
هي صورته هو، التي يراها في المرآة ، والصورة للرجل بالبذلة
وربطة العنق المعلقة على الجدار هي صورته وهو شاب لذا فهناك
شبه بينهما وهو الخيط الذي يربط بين الصورة وانعكاس المرآة
كذلك هناك شبه بين الصورة والفتاة فهي ابنته التي تطعمه
أما الهنات الكيبوردية فأنا أكرر أسفي وللمرة الألف ولكل القراء
وسأبذل جهدي مااستطعت لتلافيها ولكم العذر . لذا ولأجل مايكتب
من ملاحظات هنا... أنا عضو ملتزم بالرابطة وفخور جداً بذلك .
إعزازي وتقديري لكم جميعاً ولكل الرابطة والجميع
باقة أزهار ندية .

محمد النعمة بيروك
06-02-2016, 09:16 PM
قفلة قوية.. بعد أن استدرجنا الكاتب مع وهم البطل..

أحييك.

فائز حسن العوض
10-02-2016, 10:55 AM
الأستاذة والأديبة (أستاذتنا والجميع)
الأستاذة / كاملة بدرانه
أشكر لك كلماتك الرائعة بحق القصة وهن بجد فخر لي
أشكر ملاحظاتك التي أسعى حثيثاً لأن ادقق وأسعى جاهداً
لتلافيها مستقبلاً ، وبصدق كنت أتساءل لم لم تحصل القصة
على الجائزة الأولى والآن أصبحت مقتنعاً أن ملاحظات الإخوة
والأخوات بصّرتني بالسبب .
شكراً لكم إخوتي على الملاحظات ولأستاذتي الشكر والتقدير .

فائز حسن العوض
15-02-2016, 05:24 PM
الأخ والأستاذ المبدع
محمد النعمة بيروك
أحيي حضورك الأنيق المثقف
أشكر كلماتك المعبرة بصدق
وشفافية والتي تدل على ثقافة
وفهم عميقين بفن القص .
سلمت من كل بلاء وباقة أزهار
ندية ,
لاحظت تغييب وحجب القصة أكثر من
أربعة مرات وشكوت بذلك لإدارة
الملتقى !!!! لكم الشكر جميعاً .

عبدالكريم الساعدي
15-02-2016, 08:48 PM
رائعةجداً...قرأتها أكثر من مرة... مخيلة جامحة وقفلة مدهشة...دمت عطاء

فائز حسن العوض
16-02-2016, 04:11 PM
الرائعون دوماً السادة إدارة وأعضاء ملتقانا
أشكر كل من قرأ وكتب وإستمتع بما قرأ
ولكني كل مرة أزور فيها المنتدى والقص
لا أجدها بين صفحات ملتقى القصة وإضطر
للدخول من الباب الخلفي (مشاركاتي)
أرجو من الإخوة في الإدارة معالجة الأمر
ودائماً أسائل نفسي لماذا تحارب هذه القصة ؟
!!!!!!!!!!!!!؟

خلود محمد جمعة
18-02-2016, 10:23 AM
تشويق بأسلوب مائز وسرد ماتع امسكنا حتى آخرنقطة
طرح جميل للفكرة بحرف أتحفنا بجمالة
اسجل اعجابي
ومبارك الفوز أخي فأنت تستحقه
تقديري

فائز حسن العوض
20-02-2016, 09:24 AM
الأستاذ المبدع والمثقف الأريب /
عبد الكريم الساعدي ......
أشكر كل حرف كتبته بحق قصتي وكل كلمة
وكل عبارة تنضح بالصدق ، سعدت أيما سعادة
بعبارات (رائعة جداً) و (قرأتها أكثر من مرة )
سعادتي تكتمل أنها أعجبتك يازول يارائع
لك الشكر وباقة أزهار ندية .
تسلم ...........

فائز حسن العوض
22-02-2016, 05:55 PM
الأستاذة المبدعة والمثقفة /
الأخت خلود محمد جمعه
لك من اسمك معناه يااااااااا
...... ذائقة المنتدى ، أنيقة الفكر والعبارة .
أشكر حروفك التي كتبتها بحق القصة ألف شكر .
شكراً للإعجاب بالقصة ، وشكراً للتهنئة بالفوز الذي
هو مهدىً لكل أعضاء رابطتنا الرائعة وكل من هو عضو
أو في منصب ولكل معجبي ومحبي الرابطة والجميع
بلا إستثناء .... شكراً للجميع ولك أختي باقة أزهار
وقطرات المطر .

ربيحة الرفاعي
08-04-2016, 10:43 PM
القصة بديعة بفكرتها عرضها
والأسلوب جذاب شائق واللغة جميلة وأظن كاتبنا كان ليتلافاه ببعض مراجعة قبيل النشر

أهنئك بالجائزة لتي تستحقها القصة وأكثر منها أيضا
دمت بروعتك وألق حرفك

تحيتي

فائز حسن العوض
10-04-2016, 12:39 PM
القصة بديعة بفكرتها عرضها
والأسلوب جذاب شائق واللغة جميلة وأظن كاتبنا كان ليتلافاه ببعض مراجعة قبيل النشر

أهنئك بالجائزة لتي تستحقها القصة وأكثر منها أيضا
دمت بروعتك وألق حرفك

تحيتي


أستاذتي الفضلى / أستاذة الأجيال
الأخت / ربيحة الرفاعي
أولاً أحيي مرورك الأنيق الذي يزيدني
فخراً بكل حرف كتبته وهو ملهم لي
لبذل المزيد من الجهد بإذن الله وسأحاول
أن أكون عند حسن ظنّك بي .
سلمت من كل بلاء .
باقة أزهار ندية وحقل ياسمين

ناديه محمد الجابي
26-12-2019, 08:03 PM
أحببت أن أعيد هذه القصة للواجهة
قصة لا تمل ـ أحسنت السرد والحبكة، خبرة وفكرة وإمتاع
متينة الصياغة ـ شيقة الحكي
لغة شاعرية رائعة، وتصويرية بديعة
خاتمة صافعة للمتلقي لم يكن يتوقعها
جميلة حقا ـ سلمت يداك.
:002::004::002:

أسيل أحمد
03-01-2020, 08:06 PM
فكرة جميلة ـ وقصة ماتعة بداية من العنوان وحتى
القفلة المباغتة بمهارة وحذق.
حبكة متينة وسرد شائق
أبدعت ـ دام ألقك.