تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التحيز النفسي للعقل المجرد



ثناء صالح
04-02-2016, 10:01 AM
معظم مشكلاتنا النفسية - إن لم تكن كلها _ تتلخص في عدم قدرتنا على الانقلاب الذاتي على أنفسنا ، لنقف ضد رغباتنا غير المنطقية ،ونطالب بإسقاطها والتخلص منها .
الانقلاب على الذات ليس بالأمر السهل ؛ فهو يتطلب شجاعة لا تتوفر إلا في القليل من الناس ؛لأن معظم الناس يفضلون تقبل ذواتهم على ما هي عليه من خلل واضطراب وأخطاء ، ويحاولون التعايش معها، و مجاملتها على حساب التحيز للعقل المجرد .
التحيز للعقل المجرد هو المطلوب؛ لأن العقل المجرد هو الذي يتخذ القرار الصحيح لصالح الحق .فإذا انتصر الحق ساد العدل، الذي يعني تحقيق التوازن النفسي ،بإعطاء الأولوية لما يستحق الأولوية من الدوافع النفسية، وذلك على حساب الدوافع العاطفية الأخرى، كالحب والجنس والأمومة وغيرها ، والتي تلبي احتياجات الغرائز .
لكن ورطة التحيز للعقل المجرد مكروهة من الإنسان نفسه تجاه ذاته لسببين :
أولهما :أن الوصول إليه متعب يتطلب الكثير من الضغط النفسي في بادئ الأمر. فهو يتطلب قهر النفس لإخضاعها للحق ، بإجبارها عن التخلي عن مخططاتها التي رسمتها سابقاً لتحقيق الإشباع العاطفي .
والثاني : العقل المجرد يعمل على إضعاف العواطف بتحليلها، لكشف الأخطاء التي تجبر الإنسان على ارتكابها، في سبيل تحقيق الإشباع العاطفي .وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد النفسي والتركيز، لقهر العاطفة وإيقافها عند حدها ،أو اجبارها على التراجع ،مع العلم أن الكثير من الناس لا يفضلون التعب، بل يتلذذون بالكسل والراحة ،فيتجنبون مشقة بذل الجهد لقهر العاطفة ،خوفاً من فقدان لذة الراحة،ولذة معطيات العاطفة .
لذا فنحن في معظم اوقاتنا متحيزون للعاطفة، التي تمثل شعورنا بحاجاتنا النفسية ومحاولة إشباعها . ولو حللنا معظم الجزئيات في سلوكياتنا وفق مبدأ السبب والنتيجة، لوجدناها كلها تقريبا ً تنحو نحو تلبية حاجاتنا النفسية ودوافعنا الغريزية وفق المتاح من معطيات الواقع ،دون الاحتكام إلى مقياس أو (ميزان) العقل المجرد .
وقد يستخدم الإنسان العقل لإيجاد التسويغات والتبريرات القريبة من المنطق ،والتي تخدم محاولة الإشباع العاطفي، فيمكن تسمية هذا العقل بالعقل التبعي لأنه يتبع العاطفة ،ويتوجه بأمرها ، وهو يفتقر إلى أهم ما يميز العقل المجرد ،وهو حرية النظر في المفاهيم. هذه الحرية التي تجعله مستقلاً عن تاثير العاطفة، ما يجعله يخرج خارج نطاق الذات، ليتبصر فيها وهو من خارجها ،فيتمكن من رؤية ما يخفى على العقل التبعي .
التبصر في المفاهيم من خارج الذات يمكن العقل المجرد من القيام بممارسة النقد الذاتي ،الذي يمثل بداية التحوّل في محاكمة المفاهيم التي تتظاهر في الوعي .هذا التحوّل الذي سيؤدي فعلاً إلى الانقلاب على الأخطاء الجسيمة التي أورثها العقل التبعي للشخصية ..
ولعل النفس اللوامة التي أقسم بها رب العزة، ليست سوى هذه المرحلة ،التي يتمكن فيها العقل المجرد من الوصول للحقيقة وتمثلها ،فيجبر النفس على اتخاذ القرارات التي تعدّل كافة السلوكيات بما يتناسب واعتقاد الحق والعدل في شأنها .
التحيز هو الأصل .نحن متحيزون لميولنا ورغباتنا ودوافعنا دائما ً .وحيال موضوع عاطفي متعلق بدوافعنا ليس هناك من موقف حيادي .الموقف الحيادي سكون .لكن مجرد وجود رأي خاص بنا ليس بسكون .فأما أن تكون في حالة انجذاب أو تكون في حالة نفور .وفي كلتا الحالتين انت متحرك ...
أنت خاضع لقوةٍ تحركك باتجاه ما .

الانجذاب قد يخف تدريجياً حتى ينعدم .وذلك عندما تتوجه بعكس اتجاه القوة التي تجذبك .فهنا أنت حر .وقادر على التملص من قيودك . قادر على التحرك بكل حريتك،وفي كل الاتجاهات .فاترك العقل المجرد يرى وينظر حوله، ثم دعه يقرر لك اتجاهاً جديداً .
لكن الانجذاب قد يكون قوياً ،فتزداد شدة القوة التي تجذبك كلما اقتربت منها . فقوتك في مقاومة الانجذاب الآن في طريقها إلى التلاشي .وستتلاشى تماما عندما تفقد قدرتك على التحكم بحركتك ،وتجد نفسك غير قادر على اختيار اتجاهك . فذلك يعني استسلامك للعقل التبعي الخاضع للرغبات والعواطف والدوافع الغريزية .
أما النفور بمعاندة الانجذاب والتغلب عليه، فهو طريق تحررك من الحقل الجاذب الذي يثبط حركتك، وهو ابتعادك السريع عما يعيقك .وهو تحيّزك للعقل المجرد .فاترك العقل المجرد يخرجك من حقل الجاذبية .وكن حراً في قرارك وفي رؤيتك وسلوكك.

بهجت عبدالغني
05-02-2016, 03:20 PM
يقول الدكتور عمرو شريف في كتابه ( خرافة الالحاد، ص24) : ( إن عقول البشر لا تعمل بالطريقة التي يقول بها المناطقة، فإذا كان اقناع رجلٍ بفكرة معينة (أ) يستتبعه منطقياً إقتناعه بالفكرة (ب)، فإن الواقع يخبرنا أن هذا الانتقال المنطقي هو الاستثناء وليس القاعدة! فالأعم الأغلب الانتقال بين الأفكار يتم عن طريق التداعي النفسي والايحاء، إذن فهي انتقالات نفسية وليست منطقية ).

مقالٌ مهمٌ يفتح النافذة أمام مراجعة النفس وممارسة النقد الذاتي
وهذا يحتاج نفساً طموحاً وهمةً عالية..

تحياتي الخالصة أستاذتنا العزيزة ثناء
وخالص دعواتي

ايهاب الشباطات
06-02-2016, 09:09 AM
موضوع مهم و ذكرني بمقدمة موضوع كتبته بعنوان الإسلام و العقل (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=70588) طرحت فيها نحو ما ذكرته بخصوص الأهواء و العاطفة , لكن أتمنى لو تزويدينا بدراسات و تجارب نفسية علمية متعلقة بهذا الموضوع , كحرية الإختيار عند البشر و التحكم بالأهواء و العواطف ....إلخ , لا بد أن علماء النفس أجروا تجارب كهذه ..............

ثناء صالح
06-02-2016, 08:25 PM
يقول الدكتور عمرو شريف في كتابه ( خرافة الالحاد، ص24) : ( إن عقول البشر لا تعمل بالطريقة التي يقول بها المناطقة، فإذا كان اقناع رجلٍ بفكرة معينة (أ) يستتبعه منطقياً إقتناعه بالفكرة (ب)، فإن الواقع يخبرنا أن هذا الانتقال المنطقي هو الاستثناء وليس القاعدة! فالأعم الأغلب الانتقال بين الأفكار يتم عن طريق التداعي النفسي والايحاء، إذن فهي انتقالات نفسية وليست منطقية ).

مقالٌ مهمٌ يفتح النافذة أمام مراجعة النفس وممارسة النقد الذاتي
وهذا يحتاج نفساً طموحاً وهمةً عالية..

تحياتي الخالصة أستاذتنا العزيزة ثناء
وخالص دعواتي





السلام عليكم
أهلا بك أستاذنا بهجت رشيد
لقد قرأت هذا القول للدكتور عمرو شريف في كتابه ( خرافة الإلحاد ) وقد ذكره في هامش كتابه ودون مناقشة، ودون ذكر حجج مقبولة تؤيده ، وأراه قد ابتعد فيه عن التفسير الصحيح لطريقة عمل العقل . هو يريد أن يبرهن على أن الملاحدة يتبعون دوافعهم النفسية في مواقفهم العقلية التي تسوّغ لهم الإلحاد ، لا شك أن الميول النفسية والعاطفية توجّه العقل باتجاهها ولصالح إشباع الدوافع المتعلقة بها عند معظم الناس . ولكن علينا أن ننتبه إلى أن ذلك يتم بطريقة تسويغية ؛ أي أن الفكرة (ب) التي تنسجم مع الأهواء نفسها، تكون قريبة من المنطق وقابلة للتصديق ،ويمكنها أن تكون مقنعة مع بعض غض النظر عن هوامشها . لكن تبقى هي الفكرة المطلوبة .و لا تخالف الطريقة التي يقول بها المناطقة - في رأيي- مطلقاً . وستبقى قاعدة التسلسل العقلي في ربط الفكرة ( أ ) بالفكرة (ب) صحيحة ،وليس لها استثناء حتى في التداعي النفسي والإيحاء .
سررت بالحوار معكم
مع أطيب تحية

ثناء صالح
10-02-2016, 07:20 PM
موضوع مهم و ذكرني بمقدمة موضوع كتبته بعنوان الإسلام و العقل (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=70588) طرحت فيها نحو ما ذكرته بخصوص الأهواء و العاطفة , لكن أتمنى لو تزويدينا بدراسات و تجارب نفسية علمية متعلقة بهذا الموضوع , كحرية الإختيار عند البشر و التحكم بالأهواء و العواطف ....إلخ , لا بد أن علماء النفس أجروا تجارب كهذه ..............

أهلا بك أستاذ إيهاب وأشكر لك حضورك الكريم
تجارب علم النفس فيما يتعلق بحرية الاختيار عند البشر ، يختلف العلماء في تفسير نتائجها باختلاف مدارس علم النفس ومذاهبه .
فعلم النفس بوصفه علماً إنسانياً ،مازال يفتقر حتى الآن إلى صياغة قوانينه صياغة علمية صارمة وشاملة، توحّد جميع المذاهب، وتوفق بينها ،بشكل لا يقبل أن يدحض بعضها بعضها الآخر ، كما هو حالها في واقع الأمر .
لذا فإن الجانب التنظيري مازال يطغى على تحليل الجانب التجريبي في علم النفس وفقاً للمدرسة التي ينتمي إليها العلماء الذين يديرون تلك التجارب .
والموضوع يستحق البحث والاستقصاء في المقارنة بين تلك المذاهب وطرائق تحليلها لسلوك الإنسان في موضوع حرية الاختيار أو التحكم بالأهواء، وفرصة العودة لمتابعته قائمة .
تحيتي والتقدير

خليل حلاوجي
10-02-2016, 11:47 PM
ظاهرة التحيز تدرس من الناحية الطبية ... حول المخ البشري ...

فمنذ أن ظهر جيل العلماء المتخصصين في مبحث الأعصاب وجراحة الدماغ، من أمثال (شرنغتون) و(أكلس) و(سبري) و(بنفيلد) وقفوا حياتهم كلها على دراسة جسم الإنسان، فانتهت بهم أبحاثهم إلى الإقرار بأن الإنسان مكون من عنصرين جوهريين: جسد فانٍ وروح لا يعتريها الفناء، وبأن الإدراك الحسّي -وإن كان يتوقف على عمليات فيزيائية وكيميائية- ليس شيئاً مادياً بحدّ ذاته، وخلصوا كذلك إلى ما يفيد بأن العقل والدماغ شيئان مختلفان تمام الاختلاف، وأن الإرادة والأفكار ليستا من صنع المادة، ولا من إفرازاتها، بل هي على العكس من ذلك تؤثر تأثيراً مباشراً في العمليات الفسيولوجية ذاتها.



تقديري.

السعيد شويل
13-02-2016, 03:44 PM
*****************


التبصر في المفاهيم من خارج الذات يمكن العقل المجرد من القيام بممارسة النقد الذاتي ،الذي يمثل بداية التحوّل في محاكمة المفاهيم التي تتظاهر في الوعي .هذا التحوّل الذي سيؤدي فعلاً إلى الانقلاب على الأخطاء الجسيمة التي أورثها العقل التبعي للشخصية ..

....

{ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ }

من كفروا بدين الله كانوا وما زالوا لا يريدون أن يؤمنوا إلا بما يصل إليه فكرهم من ماديات .. ولايريدون أن يوقنوا إلا بما يدركوه ويلمسوه من محسوسات ..

ولهذا كفروا وأشركوا ولم يوقنوا بما أنزل الله .

.....