المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كبش الفداء



نزار ب. الزين
05-05-2005, 12:46 AM
كبش الفداء
قصة قصيرة بقلم : نزار ب. الزين*
-----------------------------


جواد في الخمسينيات من عمره ؛

جاد في عمله كمدير أعمال أحد كبار المقاولين ،

جاد في بيته ،

جاد في تعامله مع جيرانه ،

و جاد في محافظته على صحته في المأكل و المشرب ،

إضافة إلى ممارسته اليومية لرياضة المشي ...

صباح كل يوم يمشي على ( كورنيش ) الخليج لمدة ساعة أو تزيد قبل توجهه إلى عمله ،

و لكن ....

و لكن ، ذات يوم جمعة لم يعد جواد من رياضته إلى بيته ..

اشتعلت نار القلق في رأس زوجته و أبنائه ..

كانوا ثلاثة ،

توجهوا إلى (الكورنيش) ثم انفصلوا ليذهب كل منهم في اتجاه بحثا عن والدهم ،

عادوا بعد ساعة أو تزيد بخفي حنين ؛

إزداد القلق و التوتر ....

انتشر الخبر بين الجيران ...

كلهم يحبونه و يحبون أفراد أسرته ،

ركبوا سياراتهم و ابتدؤوا جولة جديدة من البحث ،

ثم عادوا بعد ساعة أو تزيد بخفي حنين ؛

بدأت الزوجة تلطم خديها و تستغيث ،

بدأ الجيران يهتفون إلى المستشفيات و مخافر الشرطة ...

لم تجدِ اتصالاتهم نفعا ....

ارتفعت وتيرة القلق في العمارة كلها ،

التفت النساء حول الزوجة يواسينها و يصبّرنها ،

و تجمع الرجال أمام مدخل العمارة يتساءلون و يتشاورون ؛

عندما توقفت سيارة مدنية ،

هبط منها رجلان بثيابهما الوطنية ،

سألا عن منزل جواد السيوفي ،

يقدمان لزوجته سرة ملابس غارقة بالدماء ...

يطلبون منها ملابس بديلة و أغطية ...

تتمسك بتلابيبهما و تبدأ بطرح أسئلتها الملتاعة :

<< أين جواد ؟ هل تعرض لحادث دهس ؟ هل هو حي أم ميت ؟! >>

يجيبها أحدهما بكل برود :

<< زوجك محتجز لدينا >>

يبدأ الجيران بدورهم بطرح الأسئلة ..

<< باي جريرة قبضتم عليه ، في أي مخفر هو ، و كيف تلوثت ثيابه بالدماء ؟! >>

ينظران إليهم شذرا ، يرفضان الإجابة ..

يلحف أحد أبنائه بطلبه معرفة مكان والده ،

يدفعانه فينسفح بطوله فوق الأرض ....

*****

يتطوع أحدهم باللحاق بهما عن بعد ،

يتعرف على المخفر ،

و يعود ليخبر الآخرين ،

يتطوع أحدهم بمصاحبة الزوجة إلى المخفر المذكور ...

يستشيط رئيس المخفر غضبا ،

فقد أزعجه صراخ الزوجة و عويلها ؛

يصيح في وجهها :

<< زوجك لص ، قبض عليه رجالنا متلبسا >>

يجيبه أبو سليم مستغربا :

<< لص ؟ جاري جواد من أنظف الناس ، و هو في مركز وظيفي محترم و ميسور الحال ماديا ، و من المستحيل أن يكون لصا ، لا بد أن في الأمر خطأ ما >>

يصيح رئيس المخفر في وجهه :

- ( بلا ربربة و كتر حكي ) لقد قبض عليه رجالنا متلبسا ، و تعرَّف عليه الكلب البوليسي (! )

ثم يضيف بصوت أعلى :

- إغرب عن وجهي أنت و هذه الشمطاء ، قبل أزج بكما إلى جوار المتهم ،

غدا سنحوله إلى النيابة العامة و القضاء سيفصل بأمره ، هيا إلى بيتيكما ...



*****

صباح اليوم التالي ،

يخبرون رئيس الشركة بالأمر ،

يتصل مباشرة بوكيل وزارة الداخلية ؛

خلال أقل من ساعة كان جواد السيوفي في بيته .

يعود الجيران من أعمالهم مساء ،

يحاولون الاطمئنان عنه ،

يرفض مقابلتهم ؛

يرفض الحديث كذلك مع زوجته و أبنائه ،

يرفض الذهاب إلى عمله ،

يرفض الطعام ،

يرسل له رئيس الشركة من يحاول إقناعه بالعودة إلى عمله ،

يرفض استقباله ،

يتقوقع في زاوية غرفة الجلوس في منزله كتمثال شمعي ...

بعد عدة أيام تسوء حالته ،

ينقلونه إلى المستشفى بين الحياة و الموت !.



*****



يحصل رئيس الشركة بطريقة ما على تقرير النيابة العامة :

يقول التقرير :

" تكاثرت الشكاوي في منطقة (الكورنيش) حول فتح سيارات المواطنين عنوة و سرقة ما بداخلها من أجهزة كالمذياعات و المسجلات ، يزداد الضغط على المخبرين و رجال المباحث ، يشاهدون جواد السيوفي يتمشى في الصباح الباكر ، يلقون القبض عليه ، و في المخفر يوسعونه ضربا لانتزاع اعتراف منه ، ثم يدخلون الكلب البوليسي إلى زنزانته ليبدأ بنهش لحمه ، ثم يسجلون أن الكلب قد تعرف عليه !

و يرى التقرير أن المتهم كان كبش فداء ، و عليه يقترح توجيه توبيخ ( ! ) للمسؤولين عن هذه الفرية . "

----------------------------------------

* نزار بهاء الدين الزين

مغترب في الولايات المتحدة من أصل سوري

البريد : nizarzain@adelphia.net

الموقع : www.FreeArabi.com

سلطان زمن
05-05-2005, 10:09 AM
الأخ الحبيب نزار الزين .

للأسف أخي الحبيب كل الأسعار في ارتفاع عدا الإنسان ...

فهو الشيء الوحيد الذي يزداد رخصا يوما بعد يوم .

مازلت تمتعنا بأبداعاتك أيها المغترب الوفي .

تحياتي لك ،،،،

نزار ب. الزين
03-06-2005, 02:02 AM
أخي الدكتور سلطان
و أنت لا زلت تمتعني بتعقيباتك المشجعة
دمت متقدما
نزار

عدنان أحمد البحيصي
18-06-2005, 02:03 AM
أخي

حقيقة تأسرنا بمشاهدك اليومية التي حدثت وتحدث وقد تحدث مستقبلا


شكرا لك اخي

نزار ب. الزين
27-06-2005, 10:46 PM
أخي

حقيقة تأسرنا بمشاهدك اليومية التي حدثت وتحدث وقد تحدث مستقبلا


شكرا لك اخي


وأنت بدورك تأسرني - يا أخي عدنان - بتعليقاتك الهادفة
مع تقديري و اعتزازي
نزار

حوراء آل بورنو
16-03-2006, 11:59 PM
أثمن تلويث السمعة و تمزيق اللحم و تمريغ الجبين في التراب " توبيخ " مسؤول !!!
سبحان ربي !!!
و لكنها حقيقة مرة يشربها من ساء حظه و ساء موطنه ... و ما أكثرهم .

تعلم يا أديبنا مدى إعجابي بما يخط بنانك ، ليس لبراعتك في القص و الفريدة ، بل للفكر و الحس و الحرص لديك و عندك .

ركبوا سياراتهم و ابتدؤوا جولة جديدة من البحث
ألا نقول بدؤوا ؟

كبير تقديري .

نزار ب. الزين
19-03-2006, 09:25 PM
أثمن تلويث السمعة و تمزيق اللحم و تمريغ الجبين في التراب " توبيخ " مسؤول !!!
سبحان ربي !!!
و لكنها حقيقة مرة يشربها من ساء حظه و ساء موطنه ... و ما أكثرهم .
تعلم يا أديبنا مدى إعجابي بما يخط بنانك ، ليس لبراعتك في القص و الفريدة ، بل للفكر و الحس و الحرص لديك و عندك .
ركبوا سياراتهم و ابتدؤوا جولة جديدة من البحث
ألا نقول بدؤوا ؟
كبير تقديري .
---------------------------------
شكرا لك يا حرة ، فالتعليق بغاية الحرفية و الإطراء في غاية الدفء
و شكرا لملاحظتك
و دمت ناقدة مبدعة
نزار ب. الزين