تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة نفسية في قصيدة (أنت القصيدة ) للشاعر د.سمير العمري



ثناء صالح
14-02-2016, 10:33 PM
عَلَى الدَّهْرِ نَجْمُكِ لَمْ يَأْفُلِ=وَمَا زِلْتِ فِي حُسْنِكِ الْمُذْهِلِ
وَفِيكِ الْنَوَاعِيرُ أَطْيَافَ سِحْرٍ=وَفِيكِ الْأَزَاهِيرُ لَمْ تَذْبُلِ
أَتَيْتِ إِلَىَّ بِأَسْمَالِ مُلْكٍ=وَشَعْثَاءَ مِنْ دَرْبِكِ الْمُهْملِ
فَآوَيْتُ صَمْتَكِ فِي حِضْنِ صَوْتِي=وَدَاوَيْتُ جَرْحَكِ بِالْأَمْثَلِ
تَجَلَّي لِرُوحِي صَدًى سَرْمَدِيًّا =وَعَرِّي فُؤَادَكِ لَا تَخْجَلِي
فَإِنِّي سَأَطْرَحُ ثَوْبَ السِّنِينَ=وَأَكْسُو شَبَابَكِ بِالْمُخْمَلِ
أُقَلِّدُ جِيدَكِ دُرَّ الْمَعَانِي=وَأُزْكِي عُيُونَكِ مِنْ مِكْحَلِي
تَعَالي كَمَا كُنْتِ يَوْمَ خُلِقْتِ=وَعُودِي إِلَى عَهْدِكِ الْأَوَّلِ
مَعِي أَنْتِ أَمْتَعُ مِنْ شَهْرَزَادَ=وَأَطْوَعُ مِنْ فَاطِمٍ مَعْ عَلِي
مَعِي أَنْتِ فِي الْعَرْشِ ذَاتُ الْجَلَالِ= وَذَاتُ الدَّلَالِ وَذَاتُ الْحُلِي
تَصُبُّ الأَصَالَةُ إِبْدَاعَ رَأْسِي=وَتَصْبُو الْحَدَاثَةُ لِلأَرْجُلِ
كَشَهْدٍ يَذُوبُ عَلَى شَفَتَيَّ=وَعِطْرٍ يُقَطَّرُ مِنْ أَنْمُلِي
أُجِلُّ ابْتِهَالِي عَلَى سَجْوِ رُوحٍ=وَأَجْلُو الَمْعَالِيَ لِلْمُعْتَلِي
وَأَهْمِسُ فِي الْكَوْنِ لَحْنَ الْخُلُودِ=بِقِيثَارِ نَهْجِ الْهُدَى العَنْدَلِي
فَتَشْذِينَ أَضُوعَ مِنْ دَوحِ فُلٍّ=وَتَشْدِينَ أَرْوَعَ مِنْ بُلْبُلِ
لِعُصْفُورَةِ الْقَلْبِ يَرْهُفُ حَرْفِي=وَلِلصَّقْرِ يَعْصِفُ بِالجَحْفَلِ
وَأُقْرِي النُّهَى وَالرُّؤَى خَيْرَ زَادٍ=بِلَا قَاتِ لَغْوٍ وَلَا حَنْظَلِ
تَوَلَّيْتِ قَبْلِي ثَلَاثِينَ رَبًّا=وَأَلْفَ نَبِيٍّ وَأَلْفَيْ وَلِي
وَلَكِنَّنِي رَبُّكِ الْحَقُّ وَحْدِي=وَلِي مَجْدُ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلِ
أَخُطُّ مِنْ النُّورِ أَلْوَاحَ وَحَيِي=وَغَيْرِي يَخُطُّ مِنْ الصَّلْصَلِ
فَهَلْ كَانَ إِلَّا أَبَارِيقُ نُصْحِي=تَحُثُّ إِلَى الْأَجْمَلِ الْأَنْبَلِ
وَهَلْ كَانَ إِلَّا قَوَارِيرُ بَوْحِي=مِنَ الْعُودِ وَالنَّدِّ وَالصَّنْدَلِ
فَلَا تَكْفُرِي بِي وَلَا تُشْرِكِي بِي=وَصَلِّي عَلَيَّ وَلَا تأْتَلِي
أَنَا الْمُسْتَقِرُّ عَلَى الشِّعْرِ عَرْشَي=سِرَاجًا يُرَى فِي الْمَدَى الْمُوغِلِ
أَطُوفُ النُّجُومَ خَيَالِي جَوَادِي=وَحِبْرِي السَّنَا وَالْعُلَا مَوْئِلِي
وَمَا عَابَ نُورِي سِوَى مُسْتَخِفٍّ=يُغَطِّي التَّجِلَّةَ بِالْمُنْخُلِ
وَيَحْسَبُ بِاللَّحْنِ فِي قَدْرِ شَمْسٍ=سَيَعْلُو إِلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ
وَمَا النَّهْرُ يَأْسَنُ مِنْ فَرْثِ حِقْدٍ=وَلا البَحْرُ يَأْبَهُ بِالجَدْوَلِ
وَمَا يَسْتَفِزُّ نَخِيلِي صَرِيرٌ=وَلَا مَنْ يُبَالِي بِمَنْ يَبْتَلِي
وَمَا كُنْتُ أَحْفَلُ إِلَّا بِنَجْوَى=فَرَاشَةِ طُهْرٍ بِهَا أَجتْلِي
فَيَا يَاسَمِينَ الرُّؤَى عَبِّقِينِي=وَضُمِّي إِلَيْكِ النَّدَى مِنْ عَلِ
فَأَنْتِ انْبِلَاجُ الْمَشَاعِرِ أُنْسًا=وَأَنْتِ ابْتِهَاجُ الْهَوَى المُثْمِلِ
وَأَنْتِ الْقَصِيدَةُ أَتْلُو عَلَيْهَا=تَرَاتِيلَ مِنْ شَاعِرٍ مُرْسَلِ
تَسَوَّرْتِ بِالْحُبِّ مِحْرَابَ قَلْبِي=فَطُوفِي بِكَعْبَةِ حَرْفٍ تُلِي
وَرِشْتِ سِهَامَكِ مِنْ طَيْرِ حُزْنِي=عَلَى قَابِ شَهْقَةِ قَلْبٍ خَلِي
أَصَبْتِ وَأَدْمَيْتِ حلْمِي الْمُعَنَّى=فَيَا لِلْهَوَى الْمُدْبِرِ الْمُقْبِلِ
يَتُوقُ الْفُؤَادُ إِلَى الذِّكْرَيَاتِ=كَتَوْقِ الْحَصَادِ إِلَى الْمِنْجَلِ
وَهَذِى حُقُولِي سَنَابِلُ شَوْقٍ=فَلَا تَحْطُمِي بِالنَّوَى سُنْبُلِي
أَكُلُّ ابْتِسَامٍ عَلَى جَرْفِ وَجْدٍ=وَكُلُّ احْتِشَامٍ عَلَى مِرْجَلِ
أَمَا فِي احْتِفَائِكِ بَلْسَمُ جُرْحٍ=يُعَافِي وَفِي الْمَقْتِ لِي مَقْتَلِي
أَمَا قَدْ وَهِبْتُكِ مِلْءَ السَّمَاءِ=فَفِيمَ الْعِتَابُ عَلَى الْخَرْدَلِ
أَصِيخِي إِلَى عَبْهَرِيِّ ابْتِهَالِي=يُرَدِّدُ بِالنَّبْضِ مَا قُلْتِ لِي
فَإِنْ شِئْتِ قَصْرَ الْأَسَى كَانَ قَصْرًا=وَإِنْ شِئْتِ كُوخَ الْهَنَا فَانْزِلِي
سَأُدْخِلُ قَلْبَكِ جَنَّاتِ عَدْنِي=وَأَحْمِي جَنَانَكِ أَنْ يَصْطَلِي
وأُورِيكِ جَمْرًا بِنَارِ الْغَرَامِ=وَأَرْوِيكِ مِنْ مَائِهِ السَّلْسَلِ
إِلَيْكِ وَمِنْكِ وَفِيكِ ارْتِحَالِي=وَإِنِّي أُعِيذُكِ أَنْ تَخْذُلِي





أنت القصيدة
منذ بدء القصيدة يوظف الشاعر العنوان ليوجّه ذهن المتلقي نحو مزاوجة إبداعية يماهي فيها بين القصيدة والحبيبة,ليجعل القارئ في حالة حيرة مع كل بيت يقرؤه . فلا يكاد يستبين حدودا تميّز بينهما . ويعبر الشاعر من خلال هذه المزاوجة وهذا الدمج عن المكانة فوق الجسدية التي تحتلها المرأة في رؤيته الشاعرية والوجدانية. ومع البحث والاستقصاء في الناحية الأسلوبية لهذه القصيدة لن نعثر على أي وصف جسدي للحبيبة.
وسنكتشف أن الشاعر قد استغنى عن وصف الخصائص الجسدية تماما، واستغرق في الحالة الجمالية الوجدانية في تلمس (الأنوثة الإنسانية ) ويبدو هذا من الخصائص التي يتميز بها شاعرنا من دون الشعراء العرب (الرجال ) الذي تعاملوا دائما مع حالة الأنوثة عبر مفاتيح الخصائص الجسدية للأنثى ، ولم يستطع معظمهم ، وخاصة الشعراء( التقليديين) ،عبر تاريخ الشعر العربي التقليدي الطويل رؤية الأنثى الداخلية الناظرة من خلف المادة الجسدية والتعامل معها إلا عبر وصف الظاهر الجسدي ، وإن كان بعض شعراء "التفعيلة" يمثلون استثناء من هذا الحكم .
فـ ( أنت القصيدة) عنوان العلاقة الوجدانية التي يقيمها الشاعر مع المرأة بوصفها قطباً نفسياً مناظراً. لكن هذا العنوان يكشف أيضاً عن أن المرأة عنده هي المشروع الآخذ في التبدل والتبلور والتطور . فالقصيدة لا يمكن أن تكون كائناً ثابتاً محدد الملامح ، ولا يمكن أن تكون كائنا مغلقاً . وبقدر ما يؤدي الشاعر دوره في تشكيل القصيدة التي ترضيه سيفرض على نفسه تأدية دور مماثل في تشكيل المرأة التي ترضيه . لذا فإننا سنربط دائما بين ندائه للكائنة المؤنثة ( الحبيبة) وما يعرضه عليها من أعطيات وهبات ترفع من شأنها -ونحن في هذا نفترض أنه يشعر بأنه يمد لها يد المساعدة لكي يغنيها ويبنيها ويشكلها تشكيلاً يرضاه لها - مع أعطياته التي يقدمها للقصيدة .
و تعداد أعطيات شاعرنا يعد عاملاً مشتركاً في كل قصائده التي ينادي فيها الحبيبة باستخدام الفعل( تعالي ).
تَعَالي كَمَا كُنْتِ يَوْمَ خُلِقْتِ=وَعُودِي إِلَى عَهْدِكِ الْأَوَّلِ
مَعِي أَنْتِ أَمْتَعُ مِنْ شَهْرَزَادَ=وَأَطْوَعُ مِنْ فَاطِمٍ مَعْ عَلِي
مَعِي أَنْتِ فِي الْعَرْشِ ذَاتُ الْجَلَالِ= وَذَاتُ الدَّلَالِ وَذَاتُ الْحُلِي
فهو مصر على أن تجيء بنفسها مجيئاً فطرياً، استجابة لأعطياته وما ينتظرها من إعلاء شأن على يديه .
وإذا كان هذا ينم عن نفس سمحة كريمة في التعامل مع المرأة فإنه يشي أيضاً بنظرة تقييم عميقة نكتشف فيها أن الدكتور سمير مقتنع تماما بأن الكائنة الأنثوية ( الحبيبة ) ذات احتياج فطري للمساعدة كي تتمكن من الوصول إلى المقام الذي قد تصل إليه. فهو المعطي وهي الآخذة ، وليست قوة الآخذ كقوة المعطي ولا تمكن الآخذ كتمكن المعطي .
وفي هذه القصيدة نرى هذا المعنى واضحاً جداً في قول الشاعر
أَتَيْتِ إِلَىَّ بِأَسْمَالِ مُلْكٍ=وَشَعْثَاءَ مِنْ دَرْبِكِ الْمُهْملِ
فَآوَيْتُ صَمْتَكِ فِي حِضْنِ صَوْتِي=وَدَاوَيْتُ جَرْحَكِ بِالْأَمْثَلِ
وهذه الرؤية لضعف المرأة ومحاولة تقويتها من قبل الرجل ( الشاعر) لتكون في المكان الأمثل هي نفسها رؤية شاعرنا "للقصيدة" التي يراها الشاعر قد قويت وتألقت على يديه كما لم يحدث لها على يدي شاعر آخر
تَوَلَّيْتِ قَبْلِي ثَلَاثِينَ رَبًّا=وَأَلْفَ نَبِيٍّ وَأَلْفَيْ وَلِي
وَلَكِنَّنِي رَبُّكِ الْحَقُّ وَحْدِي=وَلِي مَجْدُ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلِ
أَخُطُّ مِنْ النُّورِ أَلْوَاحَ وَحَيِي=وَغَيْرِي يَخُطُّ مِنْ الصَّلْصَلِ
ومن ثم فإن الشخصية الفاعلة التي كرّس الشاعر نفسه لتمثلها بوصفه رجلاً أمام المرأة وبوصفه شاعراً أمام القصيدة ، هذه الشخصية تلح على مطلب القيادة والتوجيه ومطلب دور البطولة . وهذان الدوران يرتبطان بالترفع عن التصريح بالحاجات النفسية الصغيرة التي تأتي كردود أفعال مباشرة في السياق الغزلي الذي يسلكه الشعراء عند وصف المكونات الجسدية للمرأة .
ومن هنا سنجد أن الشاعر قد ابتعد عن ذلك الوصف واستغنى عنه بالوصف الجمالي الوجداني ليتيح المجال للإعلان عن الحاجات النفسية العامة التي لا تظهره خاضعاً لتأثير إغراءات الجسد الأنثوي كما هو الحال مع الشعراء عامة .

المبنى الفكري المعنوي للقصيدة :

تمايز في القصيدة محوران معنويان للخطاب الشعري
. هما: محور (الحبيبة - القصيدة) ومحور الفخر بالشعر ، ففي المحور الأول دمج الشاعر خطابه للحبييبة مع خطابه للقصيدة؛ فتداخلت الخصائص بينهما، حتى ما نكاد نستطيع الفصل بينهما، في كثير من الأبيات . لذلك سنقسّم القصيدة من حيث قدرة المتلقي على التمييز بينهما .إلى ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الأول: يمثل ميلاً أكبر باتجاه تشخيص الخصائص الإنسانية لتغدو الحبيبة(الكائنة البشرية ) هي المقصودة لكونها أكثر تلاؤما مع سمات الخطاب.
والاحتمال الثاني: يمثل الميل الأكبر باتجاه (القصيدة) لتلاؤمها بدورها مع سمات الخطاب أكثر .
أما الاحتمال الثالث: فهو الخطاب المتوازن بينهما والذي يصلح لهما معاً، مع عدم القدرة على التمييز بينهما من قبل المتلقي.

المبنى الفني للقصيدة

اعتمد الشاعر على فنون المجاز والبيان والبلاغة بأنواعها المختلفة ، فزخرف القصيدة بألوان المحسنات البديعية من طباق وجناس ومقابلة ، حتى قلّ أن يخلو منها بيت واحد . ثم رأينا التصوير الفني عنده أساسياً في أسلوب التعبير الذي خلا من التقريرية الجافة على الرغم من الأسلوب الخطابي المباشر الذي أُخرجت في القصيدة . فالصورة الشعرية كثفت المعاني ورسمتها ذات أبعاد منفرجة لتمكِّن المتلقي من االمشاركة في إتمام مجالاتها المفتوحة عبر تفاعله معها . وسنشير إلى مثل هذه الخصائص في أماكنها عند تحليل الصور الشعرية .
ومن الناحية البنيوية نلاحظ أن خاتمة القصيدة جاءت منسجمة تماما مع الأسلوب الخطابي الذي اشتغل على طول القصيدة بتوجيه الدعوة ( للحبيبة- القصيدة ) للمثول أمام الشاعر والامتثال له .
لأنه هو الأجدر بأن تُلبَّى دعوته الواثقة .

إِلَيْكِ وَمِنْكِ وَفِيكِ ارْتِحَالِي=وَإِنِّي أُعِيذُكِ أَنْ تَخْذُلِي

ولنبدأ الآن بتحليل هذه القصيدة


عَلَى الدَّهْرِ نَجْمُكِ لَمْ يَأْفُلِ = وَمَا زِلْتِ فِي حُسْنِكِ الْمُذْهِلِ
من المخاطبة في مطلع القصيدة ؟
في صدر البيت إشارة يقدمها الشاعر للقارئ في قوله ( على الدهر ) وهي ترشده إلى معنى "طول الزمن " فإن كانت المخاطبة حبيبة فهي إما حبيبة طال عليها الزمن لأن الشاعر يراقب نجمها طوال الزمن الذي مرت به . أو هي حبيبة حديثة العهد بالشاعر ولكنه يقرأ نتيجة وأثر مرور الزمن عليها، فيخبر أن مرور الزمن لم يؤدِ إلى أفول نجمها . فنجمها الذي هو كناية عن تألقها لم يأفل .وهي ما تزال حسناء ذات جمال مذهل .
أما إن كانت القصيدة هي المخاطبة فيصبح نجم القصيدة كناية عن استمرار الشاعر بكتابة القصائد الجميلة المميزة طوال عمره الشعري ، بحيث أنه لم يكتب يوماً قصيدة غير متألقة ، وهكذا فإن نجم قصيدته بقي متألقا ولم يأفل على مر الزمن .وبقيت قصائده حسناء مذهلة الجمال .و نحكم بصعوبة استقراء ميل الشاعر في المطلع . فنقول إنه أقام التوازن بين الحبيبة والقصيدة وتوجّه إليهما معا بخطاب واحد.

يتبع بإذن الله..

ثناء صالح
15-02-2016, 06:55 PM
وَفِــيــكِ الْـنَـوَاعِـيـرُ أَطْــيَــافَ سِــحْــرٍ
وَفِـــيــــكِ الْأَزَاهِـــيــــرُ لَــــــــمْ تَــــذْبُــــلِ
وزّع الشاعر اهتمامه بالعدل بين القصيدة والمرأة، في هذا البيت .
فأما الشطر الأول فهو للقصيدة . وأجزم بهذا لأن كلمة (النواعير) أنسب للمكان منها للإنسان (المرأة ) ، فما أبعد التناسب بين خصائص المرأة وأن يكنى عنها "بالنواعير" .إنها ستغدو كناية كاريكاتورية تصوّر "صوت" المرأة مثلاً وهو يئن كأصوات الناعورة، أو تصور نشاط حركاتها الدورانية . وهي تلف وتدور ولا تفتر كما تفعل الناعورة . وكل ذلك غير متوقع من شاعر مبتدئ فكيف بنا ونحن نقرأ "سفر القصيدة المحكم " للشاعر المخضرم د. سمير ؟ لا بل الشطر الأول للقصيدة . والقصيدة هي المكان الذي يستوعب النواعير ،وهي المساحة التي تستوعب أطياف السحر ..
وأما المرأة فلها الشطر الثاني قولاً واحدا . ودليلنا على ذلك أن الشاعر وصف فيه الأزاهير بأنها (لم تذبل) . فأمسك بهذا الوصف العصا من منتصفها . لأنه لم يشأ أن يصف أزاهير المرأة " بالنضارة " فوصفها بعدم الذبول . وعدم الذبول لا يعني النضارة بالضرورة . كما لو قلتَ لشخص ما :إنك " لا تكرهه " فعدم كرهك له لا يعني بالضرورة أنك تحبه . وهكذا استطاع الشاعر أن يقدّم لتلك المرأة دعما معنوياً على شكل مجاملة . يقول فيها " وفيك الأزاهير لم تذبل " .
وأما الجزم بأن الخطاب غير موجّه للقصيدة فسببه معرفتنا الدقيقة بشدة اعتداد الشاعر بقصيدته . فما كان له أن يقنع ويكتفي بوصف أزاهيرها بأنها "لم تذبل". بل الأنسب لشخصيته أن يصف أزاهير قصيدته بالينع والرونق والنضارة ،إلى درجة أن ينفي احتمال منافستها في نضارتها من قبل سواها .

عدنان الشبول
15-02-2016, 07:31 PM
أستأذن أستاذتنا ثناء صالح وأستأذن القرّاء بكتابة هذا التعليق قاطعا تسلسل هذا الجمال من الرؤية النقدية المميزة .

أريد أن أقول أن هذا الإسلوب من النقد هو من أروع ما يُسعد الشاعر والقارئ على حدّ سواء .

وأنا بتّ معجبا بشدة بإسلوبكم الرائع الحيوي المتألق الذي يبتعد عن النقد الجاف الذي لا يعرف غير المصطلحات والجمل المستهلكة والجمود والجفاف في الرؤية .

دمتم بخير وسعادة

إيمان ربيعة
15-02-2016, 11:55 PM
سلام الله عليك الغالية ثناء صالح
بارك الله فيك و نفع بك
متابعون بإذن المولى
و ننتظر جديدك
الله يكرمك

ثناء صالح
16-02-2016, 08:28 PM
أستأذن أستاذتنا ثناء صالح وأستأذن القرّاء بكتابة هذا التعليق قاطعا تسلسل هذا الجمال من الرؤية النقدية المميزة .

أريد أن أقول أن هذا الإسلوب من النقد هو من أروع ما يُسعد الشاعر والقارئ على حدّ سواء .

وأنا بتّ معجبا بشدة بإسلوبكم الرائع الحيوي المتألق الذي يبتعد عن النقد الجاف الذي لا يعرف غير المصطلحات والجمل المستهلكة والجمود والجفاف في الرؤية .

دمتم بخير وسعادة

أشكرك أستاذي الشاعر القدير عدنان الشبول
شكراً لك . بارك الله فيك
ودمت بخير

ثناء صالح
16-02-2016, 08:33 PM
سلام الله عليك الغالية ثناء صالح
بارك الله فيك و نفع بك
متابعون بإذن المولى
و ننتظر جديدك
الله يكرمك

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
شكراً لك ، وفيك بارك الله
تسرني متابعتك .

وأهلا بالغالية (إيمان ربيعة )

ثناء صالح
18-02-2016, 07:27 PM
أَتَيْتِ إِلَىَّ بِأَسْمَالِ مُلْكٍ=وَشَعْثَاءَ مِنْ دَرْبِكِ الْمُهْملِ
فَآوَيْتُ صَمْتَكِ فِي حِضْنِ صَوْتِي=وَدَاوَيْتُ جَرْحَكِ بِالْأَمْثَلِ
"الأسمال " جمع "سمَل" تدل على ما بليَ واهترأ من اللباس ، ولكن الشاعر يصف الآتية إليه بأنها قد ارتدت أسمال ملك كان لها. فهي قادمة من عهد آخر سبق عهد الشاعر ، وقد عانت مشقةً بمسيرتها في طريق لم تتلقَ فيه ما يفيها حاجتها من العناية والرعاية ، لذا فقد وصلت إليه وهي "شعثاء " ، بتأثير الإهمال الذي انعكس على مظهرها بعدم التناسق وعدم الترتيب . فلمّا وصلت إلى الشاعر آوى صمتها بحضن صوته. والمعنى أنه استوعب سر صمتها وعدم تعبيرها.وهذا بحد ذاته يعتبر مداواة لجرحها . وما الدواء الأمثل للجرح الذي خلفه الصمت ، إلا إسعافه بالصوت الذي يحتاجه.. فمن المخاطبة ها هنا ؟
طالما أن الشاعر قد قدّم صوته ، فهي القصيدة .
لأنها هي من يحتاج صوته. وما أسمال ملكها البالي إلا كناية عن مجدها التاريخي التليد أيام كان للشعر مجده في الجاهلية ، وما معاناتها في طريقها المهمل إلإ كناية عما يراه الشاعر من ضعف لحق بالقصيدة خلال المراحل المتعاقبة وقبل الوصول إلى عهده . .
إذا كانت هذه قناعة الشاعر ، فهي توجب قناعة أخرى لديه مفادها أن الشعر يمر الآن بمرحلة انعطاف تاريخي ، تنقلب فيها القصيدة من حال الضعف إلى حال القوة على يديه هو بالذات . ولا بد أن الشاعر يشعر بالحاجة إلى اعتراف الآخرين بهذه الحقيقة . ولابد أنه يؤرقه عدم الإنصاف الناجم عن عدم العناية بما أضافه هو بشعره إلى القصيدة ، فهو يجد دافعاً نفسياً قوياً يدفعه للفت الانتباه إلى ما يستحقه شعره من ذلك الاعتراف المنصف . فلذلك تزخر قصائد الشاعر الدكتور سمير العمري بالفخر بشعره . كما تزخر بالتحدي الاستفزازي الذي قد يكون الهدف منه اختلاق قضية تدفع بشعره ليمثل بين يدي العدالة طالباً للإنصاف في حقيقة الانعطاف التاريخي المفصلي الذي تشهده القصيدة على يدي الشاعر.

ثناء صالح
20-02-2016, 01:30 AM
تَجَلَّي لِرُوحِي صَدًى سَرْمَدِيًّا =وَعَرِّي فُؤَادَكِ لَا تَخْجَلِي
هنا تورية .
أراد الشاعر المرأة وخاطب بدلاً عنها القصيدة في الصدر .
"تَجَلَّي لِرُوحِي صَدًى سَرْمَدِيًّا " أيّ سرٍّ يجعل الشاعر شغوفاً هكذا بلحظة التجلي ؟ وأي عمق وقف عليه الشاعر عندما قال: تجلي لروحي ؟! التجلّي بحدّ ذاته انكشاف، وتيقظ للقدرة الواعية في الإنسان . لكن هذا التجلّي يريده الشاعر مخصصا لروحه ، فالروح في التجلّي تشهد ما تجلّى على شكل صدىً سرمديٍ مفتوح مجال الوجود . الصدى انعكاس لصوت ما، لحقيقة ما . وإذا كان الصدى سرمدياً فالصوت والحقيقة التي تبثّ ذلك الصوت كلاهما سرمدي أيضاً . إذن عمَ يتحدث الشاعر بهذا التكثيف اللغوي المرمّز ؟ يتحدث عن ظاهرة حقيقة ما . وهذا ما يريده لروحه أن تشهده .
إنه مطلب المكاشفة.
مطلب نفسي تغذيه طبيعة الكائن الذكي المتعطش والمتلهّف لاستجلاء حقيقة الكينونة أياً كانت صورتها الظاهرة . فالشاعر لا ينظر للظاهر ، بل ينشد الداخل المعرّى من مظهره .ينشد الكنهَ والطبيعة الجوهرية . لذلك يخاطب المرأة في العجز قائلاً
وَعَرِّي فُؤَادَكِ لَا تَخْجَلِي
هذا الخطاب مؤكد أنه لكائن عاقل مكبّل بالخجل . فالقصيدة تتجلّى ، لأنها تنكشف ببساطة انكشافاً تلقائياً، استجابة لرغبة الشاعر ودعوته . ثم هي تتجلّى لروحه ، والروح مرآة الكون المطلق من غير تمييز . لكن أن يدعو الشاعر إلى تعرية الفؤاد مع مقاومة الخجل فالمرأة هي المخاطبة .
الفؤاد جزء من كائن مقيَّد غير مطلق ، والخجل قيد المرأة الذي يحجبها ويمنع رؤية حقيقتها الكونية . والشاعر الآن قلق من انحجاب جزء من حقيقة الكون في فؤاد المرأة المغلَّف بالخجل . لقد تلمّس فراغاً وثغرة في محل الحقيقة المحجوبة .فبدأ بنفسه مبادرة الكشف ، وكي يلوذ بالفرار من اتهامه بالتمادي لجأ إلى التورية مرة أخرى

فَإِنِّي سَأَطْرَحُ ثَوْبَ السِّنِينَ=وَأَكْسُو شَبَابَكِ بِالْمُخْمَلِ
أُقَلِّدُ جِيدَكِ دُرَّ الْمَعَانِي=وَأُزْكِي عُيُونَكِ مِنْ مِكْحَلِي
ونكاد لا نستبين حدوداً فاصلة بين المرأة والقصيدة في هذين البيتين . لأنهما كلاهما يمرّان (المرأة والقصيدة ) عبر الزمن، بالتحوّلات التي تغطي الداخلي الجوهري (ثوب السنين ) ، فإذا طرح الشاعر أغلفة الزمن، فسيصل للنضارة الداخلية ،التي هي الحقيقة المطلقة ،التي لا تتأثر بالزمن (الشباب)، فعند ذلك سيكسو الشاعر ذلك الشباب (بالمخمل ) وهي استعارة مكنية عن الفخامة التي تعني التقدير . ومن هذا التقدير أن يقلّد الشاعر جيد ( الحبيبة – القصيدة ) بدرر المعاني ، وأن يوقد جذوة النور في عينيها من مكحلته التي تعني أنه يركّز على أسرار جمالها فيضيئها هو .
وعلينا أن نلاحظ هنا أن هذا الجمال متوقف عن التوقد في عينيها ما لم يزكِه الشاعر بنفسه . فعيناها ليستا مشعّتين لو لم يذكِ الشاعر جذوتهما من مواده الخاصة ( مكحلته).
إنه هو الذي يصنع الجمال ويبلوره ويزكي جذوته . وأما الموديل الذي يعمل عليه فعليه أن يكون مجرّدا أصلاً، كي يتقبل كل ما يحدثه فيه الشاعر من تشكيل وتخليق .

تَعَالي كَمَا كُنْتِ يَوْمَ خُلِقْتِ=وَعُودِي إِلَى عَهْدِكِ الْأَوَّلِ
المادة الخام للجمال صلصال طري بين أصابع الفنان الشاعر؛ وستنطق القصيدة بما هو أمتع مما ابتدعته شهرزاد على مسامع شهريار، وهي معلقة أملها بالحياة على استمتاعه بما ابتدعت . وستكون الحبيبة أكثر طواعية له من مثال الطاعة (أطوع من فاطم مع علي ) . لأنه قد شكّلها بنفسه على هواه وكما يشاء . أو على هواها وكما تشاء هي . إذ لم يدع لها حلماً إلا وحقّقه لها

مَعِي أَنْتِ أَمْتَعُ مِنْ شَهْرَزَادَ=وَأَطْوَعُ مِنْ فَاطِمٍ مَعْ عَلِي
مَعِي أَنْتِ فِي الْعَرْشِ ذَاتُ الْجَلَالِ= وَذَاتُ الدَّلَالِ وَذَاتُ الْحُلِي
فهي معه في العرش ملكة. ولولاه لن تكون ملكة. لأن العرش له، وهو الذي يقدمه لها بمشاركتها فيه . كل ذلك لأنه كرّسها للدلال وللبس الحلي وتقلّد الجمال .
وأيا كانت مصداقية هذه الوعود فعلينا أن نتلمس فيها سمات مخاطَبة (الأنثى المرأة ) التي حتى وإن توارت بغلالة القصيدة ،فإن الشاعر يكشف عن تألقها من تحت تلك الغلالة، وهي تلبس حليها المكرسة لمتعة النظر .
إننا نكتشف الآن المرأة التي هي حلم سرمدي ولا يمكن لشيء أن يليق بمواراته سوى القصيدة المثال والحلم أيضاً .
ونكتشف أن الربط بين المرأة والقصيدة يلغي ثقل الواقع الذي يختلف كثيراً عن الرؤية الشاعرية . فالقصيدة عند الشاعر تمثل وسيلة منفصلة عن الواقع الثقيل .إنها أكثر رهافة وشفافية من الواقع . وإنها وسيلة الروح في مطلب الاستشفاف والاكتشاف الذي يمت في النهاية إلى جوهر الحقيقة وسر الفكر .

محمد صافي
20-02-2016, 02:48 AM
سلام الله
دخلت وإذ وجدت نفسي في حديقة مليئة بالأزهار
كم هو راق وجميل هذا الجهد الكبير الذي يدل قدرة بديعة في التحليل والتصوير والتحليق في فضاء الألق
أختي العزيزة الشاعرة القديرة ثناء صالح
بارك الله جهودكِ السامقة الوارقة
قوافل ود

ثناء صالح
21-02-2016, 12:13 PM
سلام الله
دخلت وإذ وجدت نفسي في حديقة مليئة بالأزهار
كم هو راق وجميل هذا الجهد الكبير الذي يدل قدرة بديعة في التحليل والتصوير والتحليق في فضاء الألق
أختي العزيزة الشاعرة القديرة ثناء صالح
بارك الله جهودكِ السامقة الوارقة
قوافل ود

وعليك السلام ورحمة الله وبركات الله
الأخ الكريم الشاعر محمد صافي
حللت أهلاً ووطئت سهلاً
سُعدت بحضورك وقراءتك
بارك الله فيك
ودمت في حفظ الله

ثناء صالح
21-02-2016, 08:34 PM
تَــصُـــبُّ الأَصَــالَـــةُ إِبْـــــدَاعَ رَأْسِـــــي
وَتَـــصْـــبُــــو الْـــحَـــدَاثَــــةُ لِـــــلأَرْجُـــــلِ
بهذا البيت يفتتح الشاعر معرض الفخر بشعره . وبأول لوحة شعرية يرسمها يطالعنا الشاعر ببلاغة الجناس الناقص بين (تصبّ ) و( تصبو) وبلاغة الطباق والمقابلة معاً ، "فالأصالة" تصبّ إبداع الشاعر لأن الأصالة كناية عن اتباع الأسلوب التقليدي( قالب الشعر العمودي ) عموما، فهي القالب الذي يستوعب ما فيه من إبداع ،كما يستوعب الكأس ما فيه من شراب، فالأصالة وعاء أو كأس ، والمصبوب (الإبداع الشعري) سائل قابل للصب ، فهو منساب سلس سائغ . وهذا الإبداع من رأس الشاعر يمثل الطارف الحديث،لأن موقع الرأس يشبه موقع ما تفرع من قمم الأشجار، مقارنة مع الأرجل التي تمثل ما رسخ من جذورها .
وقد احتوى البيت طباقين اثنين بمعنى واحد ؛ فالعلاقة بين ثنائي الأصالة والحداثة، كالعلاقة بين ثنائي الرأس والأرجل . غير أن الشاعر يربط بين كلا الطباقين بعلاقة تكامل وتواصل، بعلاقة الجناس ( تصبّ وتصبو ) ،فالأصالة تصب الحداثة "الإبداع من الرأس "، والحداثة تصبو للأصالة في الأرجل .
كَــشَــهْــدٍ يَــــــذُوبُ عَـــلَـــى شَــفَــتَــيَّ
وَعِــــطْــــرٍ يُــقَـــطَّـــرُ مِــــــــنْ أَنْـــمُـــلِـــي
ويتابع الشاعر صورة الإبداع المصبوب ، بتشبيهه بالشهد الذائب ، ومن خصائص الشهد الحلاوة والعذوبة، وذوبانه على شفتيه (استعارة مكنية ) من (الكلام المقول شعراً )والذي تتولاه الشفتان ، هذا في الصدر .
وأما متابعة المصبوب الإبداعي في العجز، فتظهره سائلا يتقاطر كالعطر من أنامل الشاعر؛ وهي (استعارة مكنية) من (الكلام الشعري المكتوب كتابة ) والذي تتولى الأنامل كتابته .
إن تركيز الشاعر على خاصية "السيولة" ومتابعتها هكذا، تدّل على أن الشاعر يعي ما يقول، ويعي وظيفة التسلسل المعنوي في مناطق الربط المنطقي بين خصائص الصور الفنية . لذا فإننا نتلمس الانسجام والتكامل بين تفاصيل أجزاء الصور الشعرية.
أُجِــــلُّ ابْـتِـهَـالِـي عَــلَــى سَــجْــوِ رُوحٍ
وَأَجْـــــلُـــــو الَــمْــعَـــالِـــيَ لِـلْـمُــعْــتَــلِــي
البلاغة في البيت تقوم على الجناس الناقص بين (أُجلّ) و( أجلو ) . فالشاعر يجِلّ ابتهاله أي: يرفع ابتهاله ، في هدأة من الروح وسكونها ( السجو : السكون ) ، فشعره هو الابتهال المرفوع من روحٍ يسكِّنها ويثبّتها اليقين. والشاعر يجلو المعالي للمعتلي، أي : يوضحها ويكشفها، وهي المعالي من الأخلاق والقيَم التي يدلّ عليها بشعره.
وَأَهْمِـسُ فِـي الْكَـوْنِ لَحْـنَ الْخُـلُـودِ
بِـقِـيـثَــارِ نَــهْـــجِ الْــهُـــدَى الـعَـنْــدَلِــي
ذلك الشعر هو الهمس الذي يهمسه الشاعر في الكون، على شكل لحن "موسيقا" الخلود، بأداة (قيثار نهج) الهدى ؛
فالمستمد من "النهج "يكون متكاملاً و منسجماً ومتسقاً. وهذه خصائص "النهج" الذي هو نهج الهدى الإلهي، والهدى يتعلق بالمهديِّ إليه ،وهي المعاني الخالدة من حقائق الكون ومعاني الفكرالإنساني الثابت الخالد والتي تهدي في النهاية إلى الحق. على أن قيثار نهج الهدى هو قيثار عندلي يشبه صوته صوت طيور العنادل برخامته وجماله ، وبهذا يصف الشاعر موسيقا شعره.
فَـتَـشْـذِيـنَ أَضُــــوعَ مِــــنْ دَوحِ فُـــــلٍّ
وَتَـــشْـــدِيــــنَ أَرْوَعَ مِـــــــــــنْ بُـــلْــــبُــــلِ
والخطاب الآن للقصيدة التي يعدها الشاعر بعد كل تلك الإغراءات بأن تتحوّل إلى مصدر للشذى والعطور فتفوق دوح الفل في شذاها المنبعث. ويعدها بأن تفوق في جمال موسيقاها شدو البلابل .والبلاغة في البيت تقوم على الجناس الناقص بين (تشذين وتشدين ) .
غير أن المعنى الذي رسمته الصورتان الشعريتان هو من المعاني المكررة و المستهلكة .ويندر أن نعثر على مثل هذا التكرار عند شاعرنا.
لِعُـصْـفُـورَةِ الْـقَـلْـبِ يَـرْهُــفُ حَــرْفِــي
وَلِـلــصَّــقْــرِ يَــعْــصِـــفُ بِـالـجَــحْــفَــلِ
وعصفورة القلب تقابل الصقر ، فلها يرهف حرف الشاعر وترق ألفاظه وتعذب . وأما مع الصقر، فحروفه تقوى وتشتد، لتعصف كالعاصفة المتقدمة بتقدم جيش جرار مهاجم لا طائل ولا أمل بصده . والمعنى أن الشاعر يقيم علاقة التناسب بين المعاني التي يتناولها وبين جرس ألفاظها في الموسيقا الداخلية لشعره.
غير أن اللافت في هذه المبالغة التصويرية هو ظرافة المقارنة بين العصفورة والصقر. وما استتبع ذلك من الفرق في وقع حروف الشاعر، فهنا تدعونا المقارنة للابتسام ، وإن كانت ذات معنى رزين.
وَأُقْـــرِي الـنُّـهَـى وَالـــرُّؤَى خَـيْــرَ زَادٍ
بِـــــــلَا قَـــــــاتِ لَــــغْــــوٍ وَلَا حَــنْـــظَـــلِ
الشاعر يقري العقل والبصيرة خير زاد من الفكرالذي يقدمه لهما في شعره؛ فهو يكرم العقل ويعتني به ويمدّه بمادة الفكر، التي تستحق التأمل والتفكير، وتصلح لتكون زاداً، يشتغل بها العقل في وقت لاحق، لعمقها وأهمية وخطورة مضمونها ، فهي كالزاد الثمين بقيمته الغذائية . إنها ليست كمادة تشغل العقل من غير طائل، كما يفعل اللغو من الكلام الذي يخدِّر العقل (القات) ويلهيه عن الوعي الحقيقي . كما أنها ليست مادة مرة المذاق ( الحنظل) بما تعالجه من معاني قد تكون مرفوضة وغير مقبولة وغير مستساغة للذوق .

ربيحة الرفاعي
21-02-2016, 10:20 PM
مهارة تحليلية لافتة على مستوى اللغة والمضمون، وقدرة عالية على تأمل أدق تفاصيل النص بعين نقدية متمكنة وذكاء تتبع لمواطن جماله بلاغة وبديعا وتصويرا فنيا ورسالة حرف
قراءة راقية في نص مبهر يحملان للمتلقي متعة التنقل بين الشعر ورؤية الناقدة فيه معنى ومبنى

لا أجد تعليقا يليق بهذا الجمال الذي تفيأت زيزفونه

دمت بروعتك أديبتنا الراعة
تحياتي

سامية الحربي
22-02-2016, 05:13 PM
هذه القراءة الجادة التحليلية التي تركز في المقام الاول على البعد النفسي للشاعر ومن ثم محبوبته لتصل آخر المطاف تأثيرها على المتلقي هي وهج أدبي برؤيته علمية تشكرين عليها .دمتي بخير.

ثناء صالح
22-02-2016, 08:48 PM
مهارة تحليلية لافتة على مستوى اللغة والمضمون، وقدرة عالية على تأمل أدق تفاصيل النص بعين نقدية متمكنة وذكاء تتبع لمواطن جماله بلاغة وبديعا وتصويرا فنيا ورسالة حرف
قراءة راقية في نص مبهر يحملان للمتلقي متعة التنقل بين الشعر ورؤية الناقدة فيه معنى ومبنى

لا أجد تعليقا يليق بهذا الجمال الذي تفيأت زيزفونه

دمت بروعتك أديبتنا الرائعة
تحياتي

الأستاذة الشاعرة الرائعة والمبدعة ربيحة الرفاعي
حضورك العزيز سبب سروري
وتعقيبك السخي سبب سعادتي
بارك الله فيك وأكرمك
ولك المحبة والاحترام

ثناء صالح
22-02-2016, 09:05 PM
هذه القراءة الجادة التحليلية التي تركز في المقام الاول على البعد النفسي للشاعر ومن ثم محبوبته لتصل آخر المطاف تأثيرها على المتلقي هي وهج أدبي برؤية علمية تشكرين عليها .دمت بخير.

الأستاذة الأديبة الراقية سامية الحربي
ما تركته هنا من كلمات واصفة دلّني على طبعك الكريم وشخصيتك الأنيقة .
مرورك وتعقيبك غاليان
فلك التقدير وأجمل تحية

براءة الجودي
23-02-2016, 12:30 PM
مميزة قرائتك أختي ثناء
أذهلتني مقدرتك النقدية الواضحة للقصيدة
متابعة لك
بوركتِ

ثناء صالح
24-02-2016, 07:11 PM
مميزة قراءتك أختي ثناء
أذهلتني مقدرتك النقدية الواضحة للقصيدة
متابعة لك
بوركتِ

الأستاذة الشاعرة براءة الجودي
أشكرك على جمال تعبيرك
وتسرّني متابعتك كما حضورك الكريم
بارك الله فيك ودمت بخير

ثناء صالح
02-03-2016, 12:09 PM
تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا
وَأَلْـــــــــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــــــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي
وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ
يهيم الشاعر في وديان التصوير والتخييل الشعري . وليس من شاعر إلا وتستهويه مغامرة الهيام في هذه الوديان. بل كلما أصرّ الشاعر على الأخذ بلباب قارئه كلما اضطّر لتطوير مهارته في مكاملة التشكيل الخيالي ليكون خالياً من الثغرات التصويرية . فالصور الشعرية الجزئية عنده تتكامل فينضم بعضها إلى بعضها ،ويتجاوب بعضها مع بعضها ،وهكذا تترابط التفاصيل فتتمدد لتتحوّل إلى مشهد متكامل في بنيته الفنية .
لكننا في قراءتنا النفسية لطبيعة العملية الإبداعية من خلال المثال الذي هو بين أيدينا، نقف على معاناة الشاعر وقلقه ، في اتخاذ قراره، بين التوجه باتجاه اكتمال التخييل واكتمال الفعل الإبداعي اكتمالا جمالياً وبنيويا، وبين احتمالية تجاوز الخطوط الحمراء المحظور تجاوزها في ثقافة الشاعر وقارئه معا.
وحريٌّ بمثل هذا التجاوز أن يضع الشاعر في حالة نفسية يتشبث فيها بمحاولة التأويل الإبداعي والتبرير الفني، لينجو أمام نفسه وأمام قارئه من تهمة الخوض في المحظور .
تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا
وَأَلْـــــــــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــــــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي
وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ

يخاطب الشاعر القصيدة . مفاخراً بكونه هو ربّها الحق وهي التي قد تولّاها قبله ثلاثون ربّاً- لماذا ثلاثون ؟ - وألف نبيّ وألفا وليّ . فيستخدم الشاعر ثلاث مفردات ذات اصطلاح ثقافي ديني تاريخي شائع ومعروف بترتيبها القداسي (ربّاً )ثم(نبيّا) ثم (وليا) .ويستهويه الاستغراق في استخدام خصائص التشبيهات المكوّنة للصور الشعرية، لتكوين المشهد الشعري الأوسع بالاعتماد على هذه الأركان الثلاثة التي حوّلت القصيدة إلى (أمّة ) عابدة . وعلى الرغم من إمكانية استخدام لفظة " الربّ" بمعنى ( ولي الأمر) في حال كونها مفردة مستقلّة ،إلا أن الحضور الديني للمفردتين الأخريين في الجوار وهما " النبي والولي " يجبر القارئ على الانزياح نفسياً وذهنياً باتجاه المعنى الديني لكلمة " الربّ" لتغليبه على المعنى اللغوي المعجمي الآخر. وذلك من مقتضيات إكمال النقص الصغير في اللوحة الكبيرة التي تحتويه . فترابط إيحاءات اللوحة وضرورة ترابط عناصرها ترابطا عضوياً أمر يفرضه الإحساس بوجود ثغرة فنية تنجم عن الاستغناء عن المعنى الديني لكلمة واحدة من ثلاث كلمات ذات نسق واحد في سياقها الذي قدّمها متقاربة و متوالية في ترتيبها القداسي وإيحاءاتها الدينية .
والشاعر يعتمد على الإيحاء الديني في هذه السياقية .وسيتابع الاعتماد على الإيحاء الديني في أربعة أبيات تالية .إلا أن تشبثه بوصف نفسه " ربّا للقصيدة " في ظل الإيحاء الديني بدا مرحلياً وعرضياً بعدما نقضه بلجوئه إلى تقمص خصائص "النبي" بقوله
وَأَنْـــــتِ الْـقَـصِـيــدَةُ أَتْـــلُـــو عَـلَـيْــهَــا
تَــرَاتِــيـــلَ مِــــــــنْ شَــــاعِــــرٍ مُــــرْسَــــلِ
ثم أكد هذه الخصائص في أبيات لاحقة .

أَخُــــطُّ مِــــنْ الــنُّــورِ أَلْــــوَاحَ وَحَــيِــي
وَغَــيْـــرِي يَــخُـــطُّ مِــــــنْ الـصَّـلْــصَــلِ

إن خطّ الألواح تناص مع مضمون الآية الكريمة {وكتبنا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ/﴿١٤٥﴾ ألأعراف.
الشاعر متردد بين تقمّص خصائص الربّ وفق الإيحاء الديني وخصائص النبي . فالشاعر يخطّ ألواح وحيه من النور ! فهل وحيه يوحي إليه بوصف متمثلاً لدور النبي في تلقي الوحي وكتابته ؟ أم أنه يخط وحيه من حيث أنه هو الموحي والوحي (النور ) رسالته التي يخطها على الألواح تناصاً مع جزئية الآية الكريمة السابقة ({وكتبنا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ) فهنا الكاتب في الألواح هو الموحي ربّ العالمين والمكتوب هو وحيه . والشاعر يخطّ من النور ألواح وحيه نفسها فمادة الألواح وما خُطَّ عليها هي النور . في حين أن غيره يخط ما يوحى إليه على ألواح من الصلصال فالألواح عند غيره مصنوعة من مادة الصلصال. وقد قابل الشاعر النور بالصلصال واضطر إلى حذف الألف من لفظة الصلصال لتتلاءم مع القافية ( الصلصل ). إلا أنه ابتعد بهذا الاستخدام عن المعنى اللغوي المعجمي للفظة الصلصل والتي تعني (ناصِيَة الفَرَسَ) .وهو معنى لا ينسجم مع سياق النص ولا يناسبه. و بسبب اعتراف الشاعر بوجود غيره ترك لنا في بيته دلالة لغوية تمكننا من الفصل بين هذين التفسيرين في نسبة الوحي إليه ( وحيي) .فهو يقرّ بوجود غيره الذي يخط من الصلصال،فهو يعترف بوجود الشريك المماثل في أصل فعل الخط والكتابة وبذلك يكون قد ردّ عن نفسه تهمة دور " الرب" الذي لا يقبل الشريك بالمعنى الديني في هذا البيت بعدما حام حول حمى المعنى وأوشك أن يقع فيه.
غير أنه سيقع في بيت آخر في المعنى المحظوراستجابة لمعطيات التشكيل الفني والمعنوي عندما يقول
فَــلَا تَكْـفُـرِي بِـــي وَلَا تُـشْـرِكِـي بِـــي
وَصَــــــلِّــــــي عَــــــلَــــــيَّ وَلَا تــــأْتَــــلِـــي
فإذا قبلنا أن قوليه (فَــلَا تَكْـفُـرِي بِـــي ) وقوله (وَصَــــــلِّــــــي عَــــــلَــــــيَّ ) وهما يشيران إلى خصائص النبي، فإننا لن نقبل قوله (وَلَا تُـشْـرِكِـي بِـــي) إلا بوصفه من خصائص الربّ وفق المعنى الديني . وبهذا القلق المعنوي وبهذا التردد بين تمثّل خصائص الربّ وخصائص النبي، يوجهنا الشاعر لنقرأ الحالة النفسية، التي وصل إليها في ضوء لجاجه في الفخر بشعره،إلى درجة جعلته يقوم يتردد بتوجيه بوصلة المعنى باتجاهات متعددة ،الهدف منها بالدرجة الأولى إكمال المبنى الفني وإشادة الفعل الإبداعي التخييلي في أدق تفاصيله الفنية بالاستفادة ما أمكن من معطيات التشبيهات الجزئية المكونة للصور الشعرية .
إن هذه المنزلقات المعنوية الخطيرة التي تورّط شاعرنا بالانجرار إليها، تحت ضغوط نفسية تعرّض لها أثناء ممارسة الفعل الإبداعي، قد انزلق فيها الكثير من الشعراء المشهود لهم بالتميَز والتفوّق الإبداعي، من أمثال أدونيس ونزار قباني وغيرهما . إلا أن هؤلاء الشعراء قد انساقوا في تيار الاستسلام للفعل التخييلي المبهر في فنية صورته الشعرية، على حساب الحذر والاحتياط مما يجاوز الخطوط الحمراء وما يليها من المحظور المعنوي، حتى أصبح انزلاقهم ظاهرة شعرية واضحة طالتها أقلام النقاد بالدراسة والتحليل .غير أنها عند شاعرنا لا تتعدى كونها عرَضاً جانبياً طارئاً ، نجم عن الإفراط في حالة نفسية غير مأمونة هي حالة اللجاج في الفخر بشعره.

محمد صافي
05-03-2016, 06:14 PM
يسعدني القراءة والمتابعة لهذا التحليل التفصيلي
كم أنتِ رائعة وكم هو جميل المكوث طويلاً في حديقتكِ المزهرة المبهرة
ثم إنه
أرجو إفراغ القليل من الرسائل كي أتمكن من الرد
مودتي واحترامي

الدكتور ضياء الدين الجماس
24-03-2016, 05:33 AM
إلى الشاعرة الناقدة ثناء الصالح حفظها الله تعالى
فوجئت بنقدك للقصيدة على خلاف ما يريده الشاعر نفسه من القصيدة وأسباب نزول القصيدة الذي وضحه على الرابط
https://www.rabitat-alwaha.net/showpost.php?p=1049666&postcount=74
فهل توافقين على نقدك السابق أم تعيدين النظر في ما كتبت ؟.
ففي شرحك للأبيات

تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا = وَأَلْـــــــــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــــــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي = وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ
لا يوافقك الشاعر أنه يريد من كلمة الرب معنى الإله بل يريد معناها اللغوي العام المستعمل بمعنى السيد أو ولي الأمر ، في حين أنت تقولين أن اقترانها بالنبي والولي يجر إلى معناها في الربوبية الإلهية... كما أن الشطر الثالث لا يقبل إلأ معنى الرب الإله... (الربّ الحقّ الواحد) ثلاثة أسماء متتالية تخص الله تعالى وحده.

وطالما أنك ناقدة أدبية وشاعرة ومؤمنة في الوقت نفسه. هل ترين أن الشاعر وقع هنا في المحظور الشرعي أم لا ؟
أرجو إعادة النظر في الأبيات التي تمس المصطلحات الدينية ، وكنت قد استفسرت عنها في القصيدة قبل الحوار حولها لنتعلم الكثير عما يظنه الشاعر وما يصل إلى القارئ وقدرته البلاغية في إيصال المعنى. وهل أدت القصيدة غرضها الذي يتوخاه الشاعر؟ أم وقع في الشَّرَك؟
ولكنني لم أجد من الشاعر جواباً عليها ‘ فهل يمكن متابعة الحوار عنها هنا؟
تساؤلاتي على الرابط https://www.rabitat-alwaha.net/showpost.php?p=1050132&postcount=90


========
مذكراً بالحديث الشريف الصحيح
حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بيِّنٌ , وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمىً , ألا وإن حمى الله محارمُه , ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله , وإذا فسَدت فسَد الجسد كله : ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم .

وقال الله تعالى { تلك حدود الله فلا تقربوها } (البقرة 187)

عدنان الشبول
24-03-2016, 09:21 AM
مع قلة متابعتي لما يكتبه النقّاد إلا أني أجد في نقدكم ما يجذبني للمتابعة فيما تكتبون

يعجبني فكركم وطريقتكم وإسلوبكم وعدلكم النقدي إن جاز التعبير



حفظكم الله

محمد حمود الحميري
24-03-2016, 06:35 PM
فيما يخص البيت القائل
تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا = وَأَلْــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي = وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ

سبق للدكتور ــ سمير العمري أن وضح في أحد ردوده قائلًا :
الجميع يعلم بأن لفظة رب ليس مختصة كلفظة إله ولذا يقال رب الأرباب ولا يقال إله الآلهة. ولفظة الرب موجودة حتى في القرآن في أكثر من موضع ومعنى وموجودة في الصحيح من الحديث كذلك. وأنا استخدمت لفظة رب بالإضافة كما ينص الشرع بل والأهم من هذا كله وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه جيدا هو العنوان "أنت القصيدة" ألا وهو أنني إنما أخاطب القصيدة وأقول أنا رب القصيدة وحدي لا شريك لي. وهنا يبرز السؤال حينها ... إن كان هذا الكلام شطط شرعي ولا يصح أن أكون أنا رب القصيدة فهل يعني هذا أن الله سبحانه وتعالى عن ذلك هو رب القصيدة والشاعر الذي لا مثيل له؟؟ وهل يعني أن كلامه الذي أنزله على حبيبه محمد شعرا وهو الذي نفاه تعالى ويحاول المغروضون أن يشبهوا القرآن بالشعر ليقولوا بأن الإنسان قادر على أن يقول ما يقول رب العالمين؟؟

أما قولي فلا تكفري بي ولا تشركي بي فقد أوضحته في ثنايا الرد ولكن أعيد التركيز عليه بأنني طبعا تعمدت هذه الألفاظ وهي بمعناها اللغوي لا شيء فيها ولا حرج من استخدامها ومن شاكلتها كفران العشير والإشراك بالشيء وغير ذلك ، ولكن إنما أردت به أن أوضح الفرق بين من يحوم حول الحمى ومن يقع فيه. وأنا هنا تعمدت واعيا أن أحوم حول الحمى دون أن أقع فيه لأوصل الرسالة لهم ولأحقق الغرض الذي شرحته أعلاه وهذا الأمر أفعله للمرة الأولى والأخيرة بنية الخير والتوجيه للخير وللحق والله أعلم بالنوايا فإن أصبت فمن توفيق الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله.


تقديري

الدكتور ضياء الدين الجماس
24-03-2016, 11:15 PM
فيما يخص البيت القائل
تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا = وَأَلْــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي = وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ

سبق للدكتور ــ سمير العمري أن وضح في أحد ردوده قائلًا :
الجميع يعلم بأن لفظة رب ليس مختصة كلفظة إله ولذا يقال رب الأرباب ولا يقال إله الآلهة. ولفظة الرب موجودة حتى في القرآن في أكثر من موضع ومعنى وموجودة في الصحيح من الحديث كذلك. وأنا استخدمت لفظة رب بالإضافة كما ينص الشرع بل والأهم من هذا كله وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه جيدا هو العنوان "أنت القصيدة" ألا وهو أنني إنما أخاطب القصيدة وأقول أنا رب القصيدة وحدي لا شريك لي. وهنا يبرز السؤال حينها ... إن كان هذا الكلام شطط شرعي ولا يصح أن أكون أنا رب القصيدة فهل يعني هذا أن الله سبحانه وتعالى عن ذلك هو رب القصيدة والشاعر الذي لا مثيل له؟؟ وهل يعني أن كلامه الذي أنزله على حبيبه محمد شعرا وهو الذي نفاه تعالى ويحاول المغروضون أن يشبهوا القرآن بالشعر ليقولوا بأن الإنسان قادر على أن يقول ما يقول رب العالمين؟؟

أما قولي فلا تكفري بي ولا تشركي بي فقد أوضحته في ثنايا الرد ولكن أعيد التركيز عليه بأنني طبعا تعمدت هذه الألفاظ وهي بمعناها اللغوي لا شيء فيها ولا حرج من استخدامها ومن شاكلتها كفران العشير والإشراك بالشيء وغير ذلك ، ولكن إنما أردت به أن أوضح الفرق بين من يحوم حول الحمى ومن يقع فيه. وأنا هنا تعمدت واعيا أن أحوم حول الحمى دون أن أقع فيه لأوصل الرسالة لهم ولأحقق الغرض الذي شرحته أعلاه وهذا الأمر أفعله للمرة الأولى والأخيرة بنية الخير والتوجيه للخير وللحق والله أعلم بالنوايا فإن أصبت فمن توفيق الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله.


تقديري

أخي الشاعر الكريم محمد حمود الحميري حفظه الله تعالى
لا بأس من الحوار معك عن الدكتور سمير حفظه الله تعالى فأنت أهل للثقة في الحوار.
إن القول بأن الله تعالى ليس رباً للقصيدة يتنافي مع ظاهر نص القرآن الكريم ، والقول بان الله تعالى رب القصيدة لايعني بأن الله تعالى يوصف بالشاعر بل هو من خلق فطرة الشعر عند بعض الناس ويربي هذه المواهب الفطرية لهم فالله تعالى رب كل شيء بصريح القرآن
(قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 164 الأنعام)
كما لا يعني ذلك أن القرآن شعر لأنه كلام الله المنزل على رسوله. وهو الذي أنطق كل شيء (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 21 فصلت)
ولذلك من ينصب نفسه رباً للقصيدة من دون الله تعالى يخالف ظاهر صريح القرآن بأن الله تعالى رب كل شيء والقصيدة شيء وستأتي كل قصيدة تكتبها يوم القيامة شاهدة عليك أو لك على حسب مضمونها.وقد نظمت قصيدة بهذا المفهوم(شكوى القصيدة)
ثم إن اسم الله (الحق) لا ينافسه فيه أحد فإذا اجتمعت صفات (الرب الحق الواحد) فإن الذهن لا ينصرف إلا إلى الله تعالى، ولذلك فإنَّ القول (وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي ) فيه درجة عالية من التأليه.. بدليل اشتبه على البعض فجعلوه إله الحرف . ومن حقهم فهم ذلك المعنى لأن النص يحتمله، ويطرح السؤال أيهما الصادق الشاعر الذي قال هذا الكلام أم الله الذي يقول أنه رب كل شيء؟
وأما القول :تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا = وَأَلْــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــي
فتحتمل على حسب فهمي أحد تأويلين :
المعنى الذي يتناسب مع الفخر أن تكون بمعنى الربوبية الإلهية والنبوة المعهودة والأولياء المعهودين
وفي هذا المعنى جسارة على الربوبية لانظير لها لإشراك ثلاثين رباً في المسألة وجسارة على الأنبياء واتهامهم بقول الشعر وأما الأولياء فمنهم من يقول الشعر ولكن حرفاً واحداً من أشعارهم يعدل كل قصائد الشعراء غير المؤمنين لأن غرض كل منهم مختلف. ثم إن الأرقام توليفية للوزن والمبالغة وسيسأل القائل عن الثلاثين رباً من هم وكذلك الألف نبي الذين يقولون الشعر والألفي ولي ..ولا يظن أحد أن الأمر مزاح ( وقالوا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
وإذا كان المقصود من الرب والنبي والولي مجازي بمعنى السيد والعلم وولي القصيدة لم يعد للفخر معنى وانقلب الفخر ذماً فما قيمة الثلاثين سيداً من بين عشرات الألوف والألف علم من بين ملايين الأعلام وكذلك الأولياء فيكون الشاعر يذم نفسه ولا يمدحها بهذا لمعنى.
هذا فهمي المتواضع لظاهر النصوص ولعل القراء الاخرين سيفهمونها بشكل مختلف ، ولذلك يبقى السؤال لماذا نلقي كلاماً يثير الشبهات ، ونص الحديث الشريف ( فمن وقع في الشبهة فقد وقع في الحرام) فقد وقع في الحرام ولا يحوم حوله وكلمة يوشك الواردة عند التشبيه بالراعي زائدة ومن يحوم جول الحمى يقع فيه. ولذلك قال العلماء في شرح هذا الحديث أن التقي لا يقرب الحرمات ولا الشبهات ولا الحمى ولذلك قال الله تعالى ( تلك حدود الله فلا تقربوها) أي النهي حتى عن مقاربتها وهومعنى حول الحمى وتحريم النظرة الحرام من هذا القبيل,,,
الكلام طويل والتقوى مطلوبة.
ثم إنني أريد أن أسأل سؤالا : لو قال لي شخص أنت لاتستطيع أن تشرب الخمر ، لكنني أريد أن أثبت له أنني قادر على شرب الخمر وسأفعل ذلك لمرة واحدة لأثبت له ذلك فهل هذا يجوز...
أسئلة وأفكار تؤرق المتأمل المؤمن عندما يقرأ مثل هذه النصوص.
المسألة تحتاج إلى تقوى فقط.
أدليت بفهمي المحدود حول ما ذكرته من أبيات وأرجو المعذرة:v1::001::0014:.

الدكتور ضياء الدين الجماس
25-03-2016, 12:28 AM
أخي الشاعر محمد حمود الحميري
السلام عليكم
بناء على قول أستاذنا د. العمري
(وسأرد على كل نقطة متى طرحها مستفسر في سياق النص بالأدلة الشرعية قبل الأدبية)
لقد طرحت أسئلة عن أبيات أخرى ولم أتلق عليها إجابة على الرابط
https://www.rabitat-alwaha.net/showpost.php?p=1050132&postcount=90
فأرجو الإجابة عليها ؛ طالما أحببت الحوار في الموضوع لاستجلاء خفاياه:v1::v1:
والحوار هناك لكي لا نفسد على ناقدتنا وشاعرتنا ثناء صالح صفحتها.

الدكتور ضياء الدين الجماس
25-03-2016, 07:34 AM
الخلاصة :
إن لم يقصد الشاعر معاني التأليه في العبارات المستخدمة في القصيدة فلا معنى للفخر بها وينقلب الفخر ذماً للشاعرلأن أرباب القصائد أصبحوا بالملايين وكل من ينتج قصائد هو رب من أرباب القصائد قد يكون متمكناً وقد لايكون ، وإن كان يقصد لا نظير له من البشر فإنه يعارض قول الله تعالى ( وفوق كل ذي علمٍ عليم).
فالقصيدة في كل أحوالها تعارض نصاً من نصوص القرآن الكريم كما نفهمها وهي:
(وهو رب كل شيء) أي الله تعالى وحده سبحانه هو رب كل شيء وبالتالي فهو رب القصائد كلها عند كل شاعر لأن الله تعالى هو من أذن لهم بنطقها.
(قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلَّ شيء) فالدكتور سمير رب قصائده الأدنى فقط وأما ربها الأعلى فهو الله تعالى الذي أنطقه بها.
(وفوق كل ذي علم عليم) من يعتقد أنه لانظير له بين البشر فهو يعارض نص هذه الآية ولا يأخذ الدرجة الأولى على البشر في منزلة القرب من الله تعالى إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهذه المنزلة ثابتة بنصوص القرآن والسنة الشريفة.
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ) لا يجوز لأي إنسان يخشى الله تعالى أن يقارب حدود الله تعالى ، وفيها نهي قاطع عن كل ما يثير الشبهات.
ولذلك أرى وجود تعارض بين النصوص المذكورة وما ذهب إليه الشاعر في تحليله . وإذا كانت الكلمات محل الريبة لاتعني التأليه فإن معانيها تنقلب ذماً عليه من حيث درى أم لم يدر.
والأولى لكل شاعر تقي الابتعاد عن مواضع الشبهات ويوظف أغراضه الشعرية في ما يرضي الله عز وجل.
والله أعلم .
قصيدة تتعلق بالموضوع ( من حام حول الحمى) على الرابط
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=82718
قصيدة شكوى القصيدة على الرابط
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=82695
نسأل الله تعالى التوفيق والسداد

ثناء صالح
27-03-2016, 12:01 AM
السلام عليكم
الاستاذ الشاعر الكريم د. ضياء* شكرا لك
أنا لا أحكم على الشاعر هنا حكما شرعيا. والحكم الشرعي يعني الفتوى بالتحليل والتحريم .والفتوى لا تبنى على المجاز اللغوي في الشعر.
أنا قمت بنقد القصيدة بوصفي قارئة متلقية . وحاولت قراءة الحالة النفسية للشاعر كما تبدت لي من خلال تحليل ظاهر قوله فقط . فإذا قلت : (إن الشاعر وقع في المحظور ) فليس هذا القول بالحكم الشرعي .بل هو استقراء لحالته النفسية كما وصلت إلي . وأعلم ان الشاعر يمكن أن يعتمد على الإيهام في بناء صورة شعرية يفهمها القارئ كما يحب له الشاعر أن يفهمها ،دون ان يكون الشاعر نفسه مؤمنا بها ومصدقا لها .وإنما يستهوي الشاعر أن يبني ويشيد من عوالم الخيال في ذهن قارئه لحظة الكتابة ما لم يخطر على باله قبلها قط.وكل ذلك يبنى بالإيهام وبالتورية وبالمجاز . وقد يكون للألفاظ معنى ظاهر للقارئ وباطن في نية الشاعر وقصده.
فلا يحق لي كناقدة أن أحكم بوقوع الشاعر في المحظور من الناحية الشرعية. ﻷن حكمي يعتمد على ظاهر القول في الشعر الذي ترجح مخالفته حقيقة الأمر في نية الشاعر وقصده*كما هو معلوم .
وإن ظاهر القول في الشعر لا يصلح لبناء حكم شرعي عادل بسبب اعتماد الشعر على الدلالة اللغوية المجازية .بينما يحتاج تأسيس بناء الحكم الشرعي إلى الاعتماد على الدلالة اللغوية الحقيقية الصرفة الخالية من المجاز .
ويمكن القياس في عدم جواز الاعتماد على المجاز اللغوي لبناء الحكم الشرعي على مسألة الطلاق ؛ .فإذا قال الرجل لزوجته : أنت طالق هكذا بلفظ صريح .فالحكم الشرعي بناء على ظاهر القول* أنها طالق . لكن إذا عاد الرجل وادعى أنه لم يقصد الطلاق الشرعي وإنما قصد الإخبار بأن زوجته حرة غير مقيدة . فلا يجوز الحكم بطلاق الزوجة شرعيا.
وهكذا يبنى الحكم الشرعي عموما على اليقين وهو البينة في القول والفعل* . لا على الشك والاحتمال وما يقبل التأويلات المختلفة من مجاز القول.
وعلى سبيل المثال : لو قال شاعر بأنه زنى في شعره. فلا يتوجب شرعا إقامة الحد الشرعي عليه . لماذا ؟ ﻷن القول في الشعر مادام قابلا للتاويل المجازي، لا يعد دليلا شرعيا صالحا لبناء حكم شرعي أو قضائي. وهو ليس من البينة الشرعية المطلوبة والمعول عليها .
إذن ، فالحكم الشرعي بناء على ظاهر القول في الشعر غير صحيح وغير جائز . فإذا صرح الشاعر بأنه يقصد المعاني المجازية في اقواله الشعرية فيصبح الحكم الشرعي المبني على ظاهر قوله الشعري حكما باطلا ومخالفا للشرع هو نفسه .

هذا رأيي.
مع التحية والتقدير

أحمد رامي
27-03-2016, 12:58 AM
متابع لكم
و إذا وجدت حاجة لإدلاء برأيي فعلت , لكن و حالكم هذه من التناول الجميل للأبيات فأنا ساكت ..

محبتي للجميع .

أحمد رامي
27-03-2016, 01:24 AM
السلام عليكم
الاستاذ الشاعر الكريم د. ضياء* شكرا لك
أنا لا أحكم على الشاعر هنا حكما شرعيا. والحكم الشرعي يعني الفتوى بالتحليل والتحريم .والفتوى لا تبنى على المجاز اللغوي في الشعر.
أنا قمت بنقد القصيدة بوصفي قارئة متلقية . وحاولت قراءة الحالة النفسية للشاعر كما تبدت لي من خلال تحليل ظاهر قوله فقط . فإذا قلت : (إن الشاعر وقع في المحظور ) فليس هذا القول بالحكم الشرعي .بل هو استقراء لحالته النفسية كما وصلت إلي . وأعلم ان الشاعر يمكن أن يعتمد على الإيهام في بناء صورة شعرية يفهمها القارئ كما يحب له الشاعر أن يفهمها ،دون ان يكون الشاعر نفسه مؤمنا بها ومصدقا لها .وإنما يستهوي الشاعر أن يبني ويشيد من عوالم الخيال في ذهن قارئه لحظة الكتابة ما لم يخطر على باله قبلها قط.وكل ذلك يبنى بالإيهام وبالتورية وبالمجاز . وقد يكون للألفاظ معنى ظاهر للقارئ وباطن في نية الشاعر وقصده.
فلا يحق لي كناقدة أن أحكم بوقوع الشاعر في المحظور من الناحية الشرعية. ﻷن حكمي يعتمد على ظاهر القول في الشعر الذي ترجح مخالفته حقيقة الأمر في نية الشاعر وقصده*كما هو معلوم .
وإن ظاهر القول في الشعر لا يصلح لبناء حكم شرعي عادل بسبب اعتماد الشعر على الدلالة اللغوية المجازية .بينما يحتاج تأسيس بناء الحكم الشرعي إلى الاعتماد على الدلالة اللغوية الحقيقية الصرفة الخالية من المجاز .
ويمكن القياس في عدم جواز الاعتماد على المجاز اللغوي لبناء الحكم الشرعي على مسألة الطلاق ؛ .فإذا قال الرجل لزوجته : أنت طالق هكذا بلفظ صريح .فالحكم الشرعي بناء على ظاهر القول* أنها طالق . لكن إذا عاد الرجل وادعى أنه لم يقصد الطلاق الشرعي وإنما قصد الإخبار بأن زوجته حرة غير مقيدة . فلا يجوز الحكم بطلاق الزوجة شرعيا.
وهكذا يبنى الحكم الشرعي عموما على اليقين وهو البينة في القول والفعل* . لا على الشك والاحتمال وما يقبل التأويلات المختلفة من مجاز القول.
وعلى سبيل المثال : لو قال شاعر بأنه زنى في شعره. فلا يتوجب شرعا إقامة الحد الشرعي عليه . لماذا ؟ ﻷن القول في الشعر مادام قابلا للتاويل المجازي، لا يعد دليلا شرعيا صالحا لبناء حكم شرعي أو قضائي. وهو ليس من البينة الشرعية المطلوبة والمعول عليها .
إذن ، فالحكم الشرعي بناء على ظاهر القول في الشعر غير صحيح وغير جائز . فإذا صرح الشاعر بأنه يقصد المعاني المجازية في اقواله الشعرية فيصبح الحكم الشرعي المبني على ظاهر قوله الشعري حكما باطلا ومخالفا للشرع هو نفسه .

هذا رأيي.
مع التحية والتقدير



بوركت من ناقدة , و يوركت من عادلة ..

لافض فوك ..
لقد نزلت مشاركتي السابقة قبل أن أرى مشاركتك هذه , لأن قراءة كل ماسبق استغرق مني وقتا ,
و قد أعجبني تناولك للأبيات و فهمك الرفيع لما ورد فيها.....
يبقى أن لنا ظاهر القول من القائل , و ربما حكمنا عليه من خلاله , و يحكم الله بالنوايا و السرائر ,
و قد نبحث فيما وراء الكلمات , و هذا لا يتأتى إلا للقلة , و هذا قد يوقع المرء في الشبهة ,
فلو رأينا شيخا ذا عمة و لحية في مكان يبيع الخمور , و وجدنا أمامه كأس لبن مشنون أو كأس زهورات , فلن نقول إلا إنه يشرب الخمر ,
فإن قال قائل بل هو يشرب زهورات , فإن الرد الوحيد يكون : لم دخل المكان أصلا و أوقع نفسه في الشبهة ؟
ربما يكون د. سمير ألحن منا في تبرير قوله , لكن يبقى لرأي محبيه مكانته , و ما نقول ذلك إلا من فرط خشيتنا عليه ,
و الرأي عندي ألا نترك مجالا لمن يصطاد في الماء العكر ..



محبتي و تقديري .

ثناء صالح
11-04-2016, 10:17 PM
يسعدني القراءة والمتابعة لهذا التحليل التفصيلي
كم أنتِ رائعة وكم هو جميل المكوث طويلاً في حديقتكِ المزهرة المبهرة
ثم إنه
أرجو إفراغ القليل من الرسائل كي أتمكن من الرد
مودتي واحترامي

بارك الله فيك أخي الكريم الشاعر محمد صافي
شكرا لك على حضورك وقراءتك وكلماتك الطيبة
ودمت بخير

ثناء صالح
11-04-2016, 10:27 PM
مع قلة متابعتي لما يكتبه النقّاد إلا أني أجد في نقدكم ما يجذبني للمتابعة فيما تكتبون

يعجبني فكركم وطريقتكم وإسلوبكم وعدلكم النقدي إن جاز التعبير



حفظكم الله

شكرا لهذا الإطراء الجميل أستاذنا الشاعر الكريم عدنان الشبول

أعتز بشهادتكم وهي شهادة شاعر مرهف قدير واسع الأفق. فأنا الأسعد بمتابعتكم وحضوركم .
كل التقدير مع التحية

ثناء صالح
11-04-2016, 10:33 PM
فيما يخص البيت القائل
تَــوَلَّـــيْـــتِ قَــبْـــلِـــي ثَــلَاثِـــيـــنَ رَبًّــــــــا = وَأَلْــفَ نَــــبِـــــيٍّ وَأَلْــــفَـــــيْ وَلِــــي
وَلَـكِـنَّـنِــي رَبُّـــــكِ الْـــحَـــقُّ وَحْــــــدِي = وَلِــــــي مَـــجْـــدُ مَــــــاضٍ وَمُـسْـتَـقْـبَــلِ

سبق للدكتور ــ سمير العمري أن وضح في أحد ردوده قائلًا :
الجميع يعلم بأن لفظة رب ليس مختصة كلفظة إله ولذا يقال رب الأرباب ولا يقال إله الآلهة. ولفظة الرب موجودة حتى في القرآن في أكثر من موضع ومعنى وموجودة في الصحيح من الحديث كذلك. وأنا استخدمت لفظة رب بالإضافة كما ينص الشرع بل والأهم من هذا كله وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه جيدا هو العنوان "أنت القصيدة" ألا وهو أنني إنما أخاطب القصيدة وأقول أنا رب القصيدة وحدي لا شريك لي. وهنا يبرز السؤال حينها ... إن كان هذا الكلام شطط شرعي ولا يصح أن أكون أنا رب القصيدة فهل يعني هذا أن الله سبحانه وتعالى عن ذلك هو رب القصيدة والشاعر الذي لا مثيل له؟؟ وهل يعني أن كلامه الذي أنزله على حبيبه محمد شعرا وهو الذي نفاه تعالى ويحاول المغروضون أن يشبهوا القرآن بالشعر ليقولوا بأن الإنسان قادر على أن يقول ما يقول رب العالمين؟؟

أما قولي فلا تكفري بي ولا تشركي بي فقد أوضحته في ثنايا الرد ولكن أعيد التركيز عليه بأنني طبعا تعمدت هذه الألفاظ وهي بمعناها اللغوي لا شيء فيها ولا حرج من استخدامها ومن شاكلتها كفران العشير والإشراك بالشيء وغير ذلك ، ولكن إنما أردت به أن أوضح الفرق بين من يحوم حول الحمى ومن يقع فيه. وأنا هنا تعمدت واعيا أن أحوم حول الحمى دون أن أقع فيه لأوصل الرسالة لهم ولأحقق الغرض الذي شرحته أعلاه وهذا الأمر أفعله للمرة الأولى والأخيرة بنية الخير والتوجيه للخير وللحق والله أعلم بالنوايا فإن أصبت فمن توفيق الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله.


تقديري

الاستاذ الكريم محمد حمود الحميري
أشكر لكم حضوركم الطيب وهذه المشاركة الثمينة.
بوركتم
مع التحية والتقدير

ثناء صالح
11-04-2016, 10:40 PM
متابع لكم
و إذا وجدت حاجة لإدلاء برأيي فعلت , لكن و حالكم هذه من التناول الجميل للأبيات فأنا ساكت ..

محبتي للجميع .

الأستاذ الكريم أحمد رامي
متابعتكم مدعاة لسرورنا
لكم الشكر الجزيل على الحضور والتعقيب
مع التحية والتقدير

ناديه محمد الجابي
28-02-2018, 04:25 PM
متعة لا تعادلها متعة قراءة نقدك التحليلي لهذه القصيدة الرائعة للدكتور سمير العمري
وقد أدمنت القراءة لك ـ أجلس كالطفلة الصغيرة لأفهم واتعلم كيف أتذوق المعاني
بعد ان تمري عليها بعصاتك السحرية فتجلي ما غمض، وتوضحي وتحللي
ما بين السطوربمهارة ومقدرة على الوصول إلى مواطن الجمال والروعة
أما بالنسبة إلى الأبيات التي وقعت في المحظور فالله اعلم بالنوايا والسرائر
ولك عزيزتي كل الشكر والتقدير.
:011::011::0014:

ثناء صالح
14-03-2018, 12:46 PM
متعة لا تعادلها متعة قراءة نقدك التحليلي لهذه القصيدة الرائعة للدكتور سمير العمري
وقد أدمنت القراءة لك ـ أجلس كالطفلة الصغيرة لأفهم واتعلم كيف أتذوق المعاني
بعد ان تمري عليها بعصاتك السحرية فتجلي ما غمض، وتوضحي وتحللي
ما بين السطوربمهارة ومقدرة على الوصول إلى مواطن الجمال والروعة
أما بالنسبة إلى الأبيات التي وقعت في المحظور فالله اعلم بالنوايا والسرائر
ولك عزيزتي كل الشكر والتقدير.
:011::011::0014:




صديقتي الأديبة الراقية الأستاذة نادية محمد الجابي
شرف لسطوري أن تمر عليها عيناك الجميلتان اللتان تجيدان قراءة الجمال وتجيدان ملاحظته .
وأنني أعتز بشهادة أديبة كبيرة ذات ذائقة مميزة مثل جنابك الكريم .
وما أنا إلا تلميذة في حضورك الوارف اللطيف
لا حرمنا الله من حسك ولباقتك وذوقك أيتها الغالية

وتقبلي حبي الدائم وشكري الدائم لإطلالتك الجميلة

براءة الجودي
03-11-2019, 08:14 PM
أَتَيْتِ إِلَىَّ بِأَسْمَالِ مُلْكٍ=وَشَعْثَاءَ مِنْ دَرْبِكِ الْمُهْملِ
فَآوَيْتُ صَمْتَكِ فِي حِضْنِ صَوْتِي=وَدَاوَيْتُ جَرْحَكِ بِالْأَمْثَلِ

"الأسمال " جمع "سمَل" تدل على ما بليَ واهترأ من اللباس ، ولكن الشاعر يصف الآتية إليه بأنها قد ارتدت أسمال ملك كان لها. فهي قادمة من عهد آخر سبق عهد الشاعر ، وقد عانت مشقةً بمسيرتها في طريق لم تتلقَ فيه ما يفيها حاجتها من العناية والرعاية ، لذا فقد وصلت إليه وهي "شعثاء " ، بتأثير الإهمال الذي انعكس على مظهرها بعدم التناسق وعدم الترتيب . فلمّا وصلت إلى الشاعر آوى صمتها بحضن صوته. والمعنى أنه استوعب سر صمتها وعدم تعبيرها.وهذا بحد ذاته يعتبر مداواة لجرحها . وما الدواء الأمثل للجرح الذي خلفه الصمت ، إلا إسعافه بالصوت الذي يحتاجه.. فمن المخاطبة ها هنا ؟
طالما أن الشاعر قد قدّم صوته ، فهي القصيدة .
لأنها هي من يحتاج صوته. وما أسمال ملكها البالي إلا كناية عن مجدها التاريخي التليد أيام كان للشعر مجده في الجاهلية ، وما معاناتها في طريقها المهمل إلإ كناية عما يراه الشاعر من ضعف لحق بالقصيدة خلال المراحل المتعاقبة وقبل الوصول إلى عهده . .
إذا كانت هذه قناعة الشاعر ، فهي توجب قناعة أخرى لديه مفادها أن الشعر يمر الآن بمرحلة انعطاف تاريخي ، تنقلب فيها القصيدة من حال الضعف إلى حال القوة على يديه هو بالذات . ولا بد أن الشاعر يشعر بالحاجة إلى اعتراف الآخرين بهذه الحقيقة . ولابد أنه يؤرقه عدم الإنصاف الناجم عن عدم العناية بما أضافه هو بشعره إلى القصيدة ، فهو يجد دافعاً نفسياً قوياً يدفعه للفت الانتباه إلى ما يستحقه شعره من ذلك الاعتراف المنصف . فلذلك تزخر قصائد الشاعر الدكتور سمير العمري بالفخر بشعره . كما تزخر بالتحدي الاستفزازي الذي قد يكون الهدف منه اختلاق قضية تدفع بشعره ليمثل بين يدي العدالة طالباً للإنصاف في حقيقة الانعطاف التاريخي المفصلي الذي تشهده القصيدة على يدي الشاعر.



تحليل خطير وراائع ياثناء
بوركت من ناقدة مميزة ومبدعة
نفتخر بك وتفخر بك الواحة ويفخر بك كل مكان تلجين إليه
بارك الله في علمك وأدبك ايتها الشاعرة والناقدة البارعة



فَـتَـشْـذِيـنَ أَضُــــوعَ مِــــنْ دَوحِ فُـــــلٍّ
وَتَـــشْـــدِيــــنَ أَرْوَعَ مِـــــــــــنْ بُـــلْــــبُــــلِ


والخطاب الآن للقصيدة التي يعدها الشاعر بعد كل تلك الإغراءات بأن تتحوّل إلى مصدر للشذى والعطور فتفوق دوح الفل في شذاها المنبعث. ويعدها بأن تفوق في جمال موسيقاها شدو البلابل .والبلاغة في البيت تقوم على الجناس الناقص بين (تشذين وتشدين ) .
غير أن المعنى الذي رسمته الصورتان الشعريتان هو من المعاني المكررة و المستهلكة .ويندر أن نعثر على مثل هذا التكرار عند شاعرنا.

هي فعلا معنى مكرر عند الشعراء ولكن أسلوب عرضها وجمع الاثنتين مع المحسنات البديعية جعلها في صورة مختلفة مطوّرة
فليس شرط أن يأتي الشاعر دوما بمعاني جديدة ومبتكرة ، أحيانا تكون فكرة مطروقة ومكرورة ولكن طريقة عرضها وتغيير شيئ منها مذهل وكأنك تقرأه لأول مرة
وهنا الشاعر جمع بين صورتين مع التفضيل والجناس وكأنك في بستان فعلي ، بينما أغلب الشعراء يأتون بأحد هذه الصورتين منفردة كل واحدة منهما في بيت مستقل عن الآخر وإن جمعها أحدهما فلم يجمعها بهذه الطريقة الجميلة


كل الشكر لقرائتك الرائعة الواعية التي نستفيد منها
زادك الله علما ورفع قدرك استاذة ثناء