المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زفرة تأبى الخروج- قصة



أحمد العكيدي
02-03-2016, 02:51 PM
مرضت زوجته فجأة وذهب بها إلى المستشفى حيت خيروه بين الانتظار لشهرين أو الرحيل بها إلى مصحة خاصة، حدثهم عن فاقته وعن شح دراهم يومه التي بالكاد تسد لقمة عيشه رفقة أسرته، احتقروه وتفننوا في إذلاله، طالبوه بشهادة الفقر متناسين أنه هو الشهادة بعينها، تم تركوه يطرق أبواب مكاتب عديدة ليخرج منها مهانا ذليلا.

بعد معاناة وبإصرار شديد أتى بالوثيقة المشؤومة، تم أدخلت زوجته إلى غرفة الفحص ودعاء الأمل لا يفارق لسانه، انتظر خلف الباب حتى خرج الطبيب فعلم أنها بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة يعجز المستشفى عن القيام بها. قبل يده واستعطفه لعله يرأف بحاله، بلطف لم يعهده من قبل في مثل هذه الأمكنة، أجابه الطبيب ربما مشفقا عنه لبؤسه أو لجهله: العملية تحتاج إلى أجهزة متطورة لا تتوفر لدينا، تم نصحه بإحدى المصحات الخاصة.

ذهب على وجه السرعة مترجلا إلى حيث أرشده، وصل بعد ساعة من الزمن مرهقا والعرق يتصبب من جبينه ومن أطرافه، أخبروه عن الكلفة فأدرك على الفور أنها تتجاوز طاقته. عاد بخفي حنين محبطا جريح القلب والأمل، تَراءى له من بعيد شاب متوسط القامة، أبيض البشرة، كان قد لمحه يتحدث إلى موظفة الاستقبال في المصحة أو هكذا تصور، قدم له نفسه على أنه ناشط جمعوي فتبادلا الحديث عن أسرتيهما وعن حكايته فاطمأن له أو هكذا توهم.

رمى بحجارة إلى النهر فأيقظني من كابوس مستمر، نظر إلي مليا وصمت قليلا تم تابع: انفرج صدري للحظات، قلت في أعماق نفسي لازال هناك طيبون في دنياي، أخد بيدي وتوجهنا نحو سيارة فارهة ركنت بجانب الطريق، خرج منها شخص رفقة زوجته الأربعينية يتحدثان لغة أجنبية، ربما الفرنسية، سرد عليهم الشاب حكايتي أو هكذا فهمت. همس بعضهم لبعض تم ربت الشاب على كتفي برفق وحنان، وحدثني عن حبهما للأطفال وعن سبب عقمها وأشياء أخرى لم أعد أتذكرها. انتابني شعور غريب وأحسست ان الأمر ينطوي على شيء خبيث لم أستطيع أن أفهم مغزاه ومبتغاه.
نظر برهة إلى حقيبة الطعم التي كانت بجانبي بين الصخور وتنهد بحرقة وتحسر: ذلك الشاب الذي حسبته من المحسنين ساومني على ابنتي على ان يضمن لها الزوجان حياة سعيدة وأن يأتياني بها في كل السنة مرة. لم أتمالك نفسي وأخدت برقبته وصرخت في وجهه بغضب شديد: اسمع يا هذا لا اريد منكم نفعا وإحسانا...

انهمرت الدموع وحفرت لها أخاديد فوق لحيته البيضاء، حاولت تهدئته: لا عليك سيدي هكذا اصبحنا وهذا هو حالنا مند سنين، مسح لحيته المبللة تم واصل متحاملا على نفسه : استجديت مدير المستشفى والأطباء والأقارب وكل معارفي لكن بدون فائدة فعدت بزوجتي إلى منزلي المتواضع...
تسللت العبرات من جديد وانسكبت على خده وتدحرجت حتى اختلطت بغمغمة التقطت منها بعض الكلمات...

- هون عليك سيدي، إنا لله وإنا له راجعون، لقد فعلت الصواب واخترت طفلتك وتركت المال...
- يا ليتني لم أفعل !
- لماذا يا سيدي؟
- بعدما قضت زوجتي صعب علي إعالة بناتي الأربعة، أشفقت علي أكبرهن فاشتغلت خادمة في بيت أحد كبار مسؤولي الدولة، أدلنا عليه أحدهم، باب رزق لم يكد يفتح حتى أغلق بعدما فقدنا الاتصال بها بعد وقت قصير ولم نعتر لها على أثر إلا مند أيام، أنها...

لعلكم اهتديتم إلى سبيلها؟
يا ليتني لم أعثر لها على سبيل؟

تم أشار بيده إلى الضفة المقابلة من النهر حيت الأضواء والسيارات وبائعات هوى وغرام وعشق وأشياء أخرى. أحزنني هذا أشد الحزن ولم أشاء أن أستمر في نبش جروحه التي لن تندمل.

أخرج صنارته من الماء خالية من دون طعم ولا صيد، سافر ببصره المتثاقل خلف الصخور الضخمة حيث عشاق متعة لحظية وسارقو بهجة أبدية وقال بصوت خفيت : لم يكن ذلك المسؤول صاحب المنزل الفاخر والسيارة الفارهة الذي اغتصب ابنتي سوى الطبيب الذي تاجر في الالم والأطفال والسياسة. تم استنشق الهواء بصعوبة وأتبعه بزفرة مجلجلة تأبى الخروج.

عبد السلام دغمش
14-03-2016, 09:09 PM
الأستاذ أحمد العكيدي

أهلا و مرحباً بكم في رحاب الواحة ..

سرد جميل يحكي ثنائية الفقر والاستغلال في غياب الضمير .. مع أن العلاج من أبسط حقوق المواطن ..

أحييك أخي وأهلاً بكم.

تحياتي.

خلود محمد جمعة
15-03-2016, 09:16 AM
بعض القصص أمنى ان تكون مجرد خيال لبشاعة حقيقتها
المادة زحفت الى المشاعر لتصبح القلوب اسمنتية تخلو من نبض الرحمة
سرد ماتع باسلوب شائق وحرف جميل
بوركت

ناديه محمد الجابي
15-03-2016, 09:13 PM
في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية يجد الفقراء أنفسهم
في وسط غابة يتحكم فيها الفاسدين ـ بعد أن ضاعت الرحمة
والإنسانية وماتت الضمائر.
موجع ما رسمت من لوحة بائسة في قصتك التي هزت المشاعر
فلك تحياتي وأهلا بك وبقلمك في واحتك . :001:

كاملة بدارنه
20-03-2016, 01:15 PM
سرد مؤثّر وقصّة مضمونها مؤلم بوصفها لحالة المعاناة والبؤس تلك
بوركت
تقديري وتحيّتي

أحمد العكيدي
21-03-2016, 02:49 PM
أعتز بهذه التعليقات القيمة وشكرا لكم جميعا.

آمال المصري
01-05-2016, 04:13 PM
كل الحلول قاسية صنعها الفقر والعوز ودعمها معدومي الضمير
قص موجع بسرد سلس ولغة طيعة وحبكة قوية ... وجاءت الخاتمة صفعة على وجه الانسانية
شكرا لك أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أحمد العكيدي
11-05-2016, 09:59 AM
شكرا لك الأديبة المتألقة آمال المصري

محسن العافي
20-02-2017, 10:53 PM
قرأت هذا النص وعاودت قراءته هنا ،وقد وفقت في تقريبنا من المعاناة التي يحتضنها عالم البؤساء ،ككل مرة أجد جمالا وإحساسا صادقا في ما تكتب أديبنا أحمد العكيدي.

أحمد العكيدي
23-02-2017, 10:10 AM
قرأت هذا النص وعاودت قراءته هنا ،وقد وفقت في تقريبنا من المعاناة التي يحتضنها عالم البؤساء ،ككل مرة أجد جمالا وإحساسا صادقا في ما تكتب أديبنا أحمد العكيدي.

بدوري أشكرك أديبنا محسن العافي وأسعدني رأيك في نص كما أسرني مرورك الطيب.
مع أجمل التحايا

مصطفى الصالح
23-02-2017, 01:40 PM
فكرة سامية وسرد شجي مؤثر
أبدعت
تقديري

أحمد العكيدي
24-02-2017, 10:01 AM
فكرة سامية وسرد شجي مؤثر
أبدعت
تقديري

شكرا لك أستاذي مصطفى الصالح على تعليقك الجميل وسعدت كثيرا بمرورك الطيب.
مع التحية والتقدير

المختار محمد الدرعي
09-06-2017, 05:34 AM
المأساة لم تمنع القارئ من الاستمتاع بالسرد الشيق للقصة
قلت الواقع بأمانة ..ندعو الله أن يحفظ الأمة
تحياتي أخي الكريم

أحمد العكيدي
19-06-2017, 11:48 AM
المأساة لم تمنع القارئ من الاستمتاع بالسرد الشيق للقصة
قلت الواقع بأمانة ..ندعو الله أن يحفظ الأمة
تحياتي أخي الكريم

شكرا لك الأستاذ المختار محمد الدرعي ومرحبا بمرورك الكريم.
مع أجمل التحايا