المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشكلته مع الهندام..!!



صالح اهضير
08-03-2016, 09:59 PM
http://www.7fth.com/img/145746921691.jpg


البدلة الجديدة إهداء له من زوجته بمناسبة عيد ميلاده..هي الآن رهن إشارته.. أعدتها له فوق كرسي خشبي بمحاذاة المرآة الممتدة أمامه بعرض الحائط من أجل ارتدائها على الفور..يرمقها بنظرات اشمئزاز وتلكؤ..كيف لا،وهو الذي يمقت البدلات وربطات العنق والجلابيب والبرانس وما شابه ذلك من الأردية ..!!
زوجته المهووسة بالطرز والمطروزات والأزياء وأصناف من الأقمشة،كانت تنتقي له من الألبسة ما يناسب قامته القصيرة وجسده البدين..كانت تنفض عن أثوابه،حين وقوفه أمام المرآة، ما علق بها من بقايا ذرات الغبار وشعيرات دقيقة قد لا يلحظها لاحظ ثم تعمد إلى رشه بنوع من العطورالرجالية المناسبة بالرغم من محاولاته الانفلات من قبضتها..دوما كانت حريصة على أناقته وحسن مظهره، وخاصة بعد أن أصبح قبل أيام معدودات موظفا في منصب حكومي هام،لكنه كان يمانع ويقدم أعذارا فتصر هي على موقفها بكل الوسائل والطرق..

****
اللحظة يشعر باستياء كبير..يتردد في ارتداء البدلة الماثلة أمامه..تتراءى له النظرات الحادة والصوت الصارخ لزوجته فيستسلم في نهاية المطاف..محشوا بداخل شمْلته،يتطلع الى المرآة مستعينا بكرسي صغير، يصعد فوقه متفحصا بإمعان هذا الهندام الجديد من كل الزوايا والأبعاد..يبدو من خلال المرآة وقد تدلت كرشه من فوق حزامه كقربة تمتلئ ماء..داهمته ابتسامة هازئة يطبعها قنوط لا يوصف..عض شفتيه ماقتا وتساءل في غور ذاته :" من هذا الذي أراه أمامي..؟؟..تفو..الله يلعنها سلعة..!! ".

****
زوجته تسلّم له ربطة العنق المناسبة للبدلة والتي أعدتها بنفسها :
- عليك بارتدائها على الفور..
قالت ذلك وهي تطوق عنقه معدّلة من وضعية ربطة العنق..
- يا امرأة دعيني لحالي..أبعدي عني هذه " المِخْنقة "..!!
- اتق الله يارجل..منصبك الحكومي الجديد لا يسمح لك بارتداء ما تشاء..
تردد قليلا ثم أذعن لمصيره ..تناهى إلى بؤرة مخيلته، وقد انعكست صورته في الإطار الزجاجي،كما لو أنه من فصيلة آدمية لا تحتمل أو مخلوق من كوكب آخر :
- عزيزتي..انظري ..انظري..كيف أبدو..ألستُ كما برميل محشو بداخل كيس من الأكياس ..؟ أنت مطمئنة الآن ؟
- أنت..عزيزي.. مرغم باتباع كل البروتوكولات المفروضة عليك من الآن..
لم يبال..هز رأسه الى المرآة من جديد ..كاد أن ينزع عنه البدلة ويتخلص من "مخنقته" كما أسماها..لكن الزوجة كانت له بالمرصاد..انتابه احساس بعدم الرضى ..قال في دخيلته وقد عكست المرآة قامته القصيرة : " تفو..الله يلعنها سلعة"..

*****
الصبيحة،صبيحة يوم عيد من الأعياد الدينية.في الشارع المجاور دبيب غير عاد للرائحين والغادين..وجوههم تطفح بالبِشْر..بعضهم يتبادلون تحيات العيد وآخرون يتأبطون سجاداتهم في اتجاه المصلى..
فور انتهائه من حلق ذقنه، تسمرت زوجته على مقربة منه ..عانقته بحرارة وحيّته بتحية العيد ثم ناولته جلبابا ناصع البياض :
- لقد حان وقت ذهابك لصلاة العيد ..عزيزي..
- يا امراة ..أنا لم أرتد قط جلبابا ..وانت أعلم مني بذلك..
- هل جننت يا رجل..؟ ألم تدرك بعد أنك مطالب بهذا ؟
- مالي وللجلابيب يا امرأة ..دعيني..!!
- جرّبه أولا.. إنه على مقاسك..لا خوف عليك..
تردد طويلا،غير آبه، غير أن زوجته حدقت إليه بنظرات صارمة مرعبة،منبّهة إياه إلى أن وظيفته الحكومية تحتم عليه ذلك شاء أم أبى..
شرع في ارتداء الجلباب على مضض وهي تراقبه ..صعد فوق الكرسي المعتاد لاستجلاء شامل لأجزاء من هندامه..طفق يلوي عنقه يمينا ويسارا وفي كل الاتجاهات..
- انظري يا امرأة..ألم أقل لك..ألا أبدو لك مثل رُجيْل وسط هذا القماط السخيف..؟؟
تتابعت ضحكات الزوجة :
- كفاك احتقارا لذاتك..بل أنت رجل يا أحمق..!!
انصاع لمصيره المحتوم..وردد في عقر نفسه : " تفو ..الله يلعنها سلعة..!!"...وفي خطوة غير محسوبة العواقب، حاول النزول من الكرسي، إلا أن طرفا من الجلباب التوى حول ساقه فأفقده توازنه ثم كبا كبوة ليخر إلى الأرض بجسده الممتلئ متهاويا على قنة رأسه..انهارت زوجته فوق الجسد المحموم وأطلقت صرخة مدوية تردد صداها في أرجاء المكان...

****
حُمل الرجل على التو إلى مشفى المدينة..أجريت له فحوص طبية دقيقة ولبث هناك لبضعة أيام..وفي آخر يوم،حاوره الطبيب :
- الحمد لله..لقد كانت العاقبة سليمة..
- هذا من أفضالكم يا دكتور..
- عليك أن تدرك أن الإيحاء الذاتي في النفس الإنسانية قوة سحرية لتحقيق الأهداف ..لكنها بالنسبة إليك مع الأسف تستعمل في الاتجاه المعاكس..
- كيف ذلك يا دكتور ؟
- أنت توحي لنفسك بالدونية ..بل بما هو أسوأ..!!
- لم أفهم سيدي..
- أنت رَجُل ولست رُجيْلا..!!
" رجل..؟؟ " رددها مع نفسه لمرات..لم يسمعها قط إلا من زوجته..وهاهو ذا الطبيب يعيدها على مرأى من مسمعه..كاد أن يقبّل رأس الطبيب، لولا أن زوجته التى جاءت لمرافقته أبطلت مفعول مبادرته التي عدتها صبيانية بعد أن أدركت قصده ..شعر بابتهاج لايوصف..ابتسم ضاحكا مطمئنا ثم انصرف لحاله وقد جللت كيانه فرحة عارمة غير معهودة...

خلود محمد جمعة
09-03-2016, 06:23 AM
ربما هو الهندام الداخلي الذي يحتاج تعديلا بأيدي رغباتنا وما نريده نحن
حين يمسك الآخر ريشته ويلون ايامنا لن تكون اللوحة مكتملة يوما وسيبقى هناك نحن نبحث عنا بين تفاصيلها
قصة جميلة بفكرة عميقة وعرض طيب ومشوق سرد بسلاسة وجمال
بوركت وكل التقدير

صالح اهضير
09-03-2016, 12:16 PM
ربما هو الهندام الداخلي الذي يحتاج تعديلا بأيدي رغباتنا وما نريده نحن
حين يمسك الآخر ريشته ويلون ايامنا لن تكون اللوحة مكتملة يوما وسيبقى هناك نحن نبحث عنا بين تفاصيلها
قصة جميلة بفكرة عميقة وعرض طيب ومشوق سرد بسلاسة وجمال
بوركت وكل التقدير


***************


امتناني كبير سيدتي خلود حوال انطباعك ..

مودتي...

عبد السلام دغمش
09-03-2016, 03:19 PM
الأستاذ صالح اهضير

نصّ ماتع .. وأسلوب متمكن..
مشكلته في رجولته وضعفه امام زوجته وليس في هندامه ..

أنت كاتبٌ انيق .. ونتمنى منك المزيد من المواضيع والتفاعل في هذا الملتقى ..
واهلا بك دوما ..

تحياتي

دبيبٌ غير عاديّ

صالح اهضير
09-03-2016, 06:57 PM
الأستاذ صالح اهضير

نصّ ماتع .. وأسلوب متمكن..
مشكلته في رجولته وضعفه امام زوجته وليس في هندامه ..

أنت كاتبٌ انيق .. ونتمنى منك المزيد من المواضيع والتفاعل في هذا الملتقى ..
واهلا بك دوما ..

تحياتي

دبيبٌ غير عاديّ


***************************
الاستاذ عبد السلام دغمش

مشكلة الرجولة على مستوى المظهروربما الجوهر ، كان البطل دائم الانتقاذ لها..أما قضيته مع زوجته فتلك قضية أخرى تحتاج لنص آخر في نظري..
شكرا على اشرافكم وملاحظاتكم القيمة ..

ناديه محمد الجابي
10-03-2016, 01:12 PM
أسهبت في وصف الرجل فحاكى وصفك شخصية أعرفها تمام المعرفة
كان الرجل الذي أعرفه قصيرا جدا ـ سمينا جدا حتى إنه عندما يسير
تحسبه كرة تدحرج على الأرض. وبالرغم من إنه كان مدرسا للغة الفرنسية
قديرا في مهنته ـ إلا إنه في منزله عبارة عن قطة وديعة ، تنكسر عينيه
عند أول زغرة ناهرة من عيني زوجته ليخر مطيعا مجيبا لأوامرها.
يشابه بطل قصتك في إنه رغم امتلاءه باللحم ، إلا إنه من الداخل فارغ
كبالون منفوخ بالهواء ـ شخصية ضعيفة هزيلة مهزوزة.
ولقد أحبت زوجة بطلك زوجها ، فهى تحاول جاهدة أن تعزز له ثقته
بنفسه، وأن تجعله يبدو للعيان في أبهى مظهر وأحسن هندام..
وهذا بطبيعة الأمر شيء إيجابي ـ ولكن ليس المهم كيف يرانا الآخرون
وما يريدوه لنا ـ المهم أن تنبع الثقة من دواخلنا لتنعكس على أفعالنا
وشخصياتنا.
لوحة قصية صورت بريشة مميزة ، وزينها دقة الوصف والتعبير
ثرية بالجمال، سلسة اللغة وتشد القارئ للنهاية بمضمونها الفكري
والحدثي والجمالي.
دمت ودام ألق قلمك. :001:

صالح اهضير
11-03-2016, 11:57 AM
أسهبت في وصف الرجل فحاكى وصفك شخصية أعرفها تمام المعرفة
كان الرجل الذي أعرفه قصيرا جدا ـ سمينا جدا حتى إنه عندما يسير
تحسبه كرة تدحرج على الأرض. وبالرغم من إنه كان مدرسا للغة الفرنسية
قديرا في مهنته ـ إلا إنه في منزله عبارة عن قطة وديعة ، تنكسر عينيه
عند أول زغرة ناهرة من عيني زوجته ليخر مطيعا مجيبا لأوامرها.
يشابه بطل قصتك في إنه رغم امتلاءه باللحم ، إلا إنه من الداخل فارغ
كبالون منفوخ بالهواء ـ شخصية ضعيفة هزيلة مهزوزة.
ولقد أحبت زوجة بطلك زوجها ، فهى تحاول جاهدة أن تعزز له ثقته
بنفسه، وأن تجعله يبدو للعيان في أبهى مظهر وأحسن هندام..
وهذا بطبيعة الأمر شيء إيجابي ـ ولكن ليس المهم كيف يرانا الآخرون
وما يريدوه لنا ـ المهم أن تنبع الثقة من دواخلنا لتنعكس على أفعالنا
وشخصياتنا.
لوحة قصية صورت بريشة مميزة ، وزينها دقة الوصف والتعبير
ثرية بالجمال، سلسة اللغة وتشد القارئ للنهاية بمضمونها الفكري
والحدثي والجمالي.
دمت ودام ألق قلمك. :001:

******************
تحية للأديبة ناديه محمد الجابي ..
امتناني كبير على هذا التحليل المسهب والقيم للنص على مستوى بعده الدلالي ..
الحقيقة أن في النص صورتين تسيران في خط متواز :
-الموظف الذي لايهتم بهندامه على الوجه اللائق ويروم الى ارتداء مايحلو له ..
- الرجل المطيع لزوجته -ولكن ليس خوفا أو عجزا- وإنما استجابة للواجب المفروض عليه ،وهو الدافع الحقيقي للخوف (الخوف على وظيفته)..
ولكن مازاد الطين بلة هو ما كان يستوحيه من افكار ذاتية سالبة تجعله دائم الاحتقار لذاته..وهو مايسمى في الطب النفسي : الايحاء الذاتي...
مودتي وابتهاجي بارتساماتك الغالية..

سحر أحمد سمير
11-03-2016, 12:05 PM
زمهرير النفس أقسى من مشكلة الهندام ..
هل سيكون فاعلا في منصبه الحكومي مع اهمال مشكلاته الحقيقية ؟؟

نص راق لي كثيرا ..

بوركت و كل التقدير

صالح اهضير
11-03-2016, 01:40 PM
زمهرير النفس أقسى من مشكلة الهندام ..
هل سيكون فاعلا في منصبه الحكومي مع اهمال مشكلاته الحقيقية ؟؟

نص راق لي كثيرا ..

بوركت و كل التقدير


***************
الاستاذة سحر أحمد سمير
من يدري ربما استطاع تجاوز مشاكله الحقيقية في عمله بعد ان احس بنوع من الاطمئنان و التفاؤل،ولاولمرة في حياته،عقب الحادثة و زيارته للطبيب..
احييك على ملاحظتك الدقيقة وعلى هذا الاشراف القيم..

كاملة بدارنه
13-03-2016, 06:58 PM
أنت توحي لنفسك بالدونية ..بل بما هو أسوأ..!!
النّظرة الدّونيّة عن الذّات قاتلة للطموح ومحطّمة للآمال
قصّة هادفة وناجحة في معالجتها للمشكلة المطروحة
بوركت
تقديري وتحيّتي

صالح اهضير
14-03-2016, 01:07 PM
النّظرة الدّونيّة عن الذّات قاتلة للطموح ومحطّمة للآمال
قصّة هادفة وناجحة في معالجتها للمشكلة المطروحة
بوركت
تقديري وتحيّتي



******************************

الاستاذة بدرانة
أجل الدونية والحقارة كلها أفات في النفس الانسانية ..والايحاء بها للذات تزيد الطين بلة..بحيث يتضاعف مفعولها في اتجاه الانطوائية والاكتئاب..
الشكر موصول لك على ارتساماتك حول النص...

عدنان الشبول
16-03-2016, 11:50 AM
قصة جميلة ولكن خفت التشويق عندي في أجزاء منها ، ولكن تبقى الفكرة والرسالة حلوة



دمتم بدعين

صالح اهضير
18-03-2016, 11:57 AM
قصة جميلة ولكن خفت التشويق عندي في أجزاء منها ، ولكن تبقى الفكرة والرسالة حلوة



دمتم بدعين


*************************
الاخ عدنان

رغم خفوت هذا التشويق لديك فقد قراتها حتى النهاية واصدرت عليها حكما : خفوت التشويق وجمالية النص..
وكان بودك لواوضحت بادلة هذا الحكم..
شكرا على ملاحظتك اخي....مودتي

ربيحة الرفاعي
09-04-2016, 10:28 PM
الذين يسلمون القياد لآخر يقولب حياتهم ويشكلها بالكيفية التي يرى، يعيشون جثثا متحركة مهما كان هذا الآخر محبا لهم حريصا على خيرهم في اختياراته، لأن ذواتهم تظل دفينة قوالب لم تخترها وأحلامهم معبأة في صناديق القمع وإن أنكروه

قص جميل بفكرة قويّة وتوظيف شائق للحوار والموقف

دمت بخير أديبنا الرائع
تحيتي

آمال المصري
24-04-2016, 10:18 PM
فقدان الثقة بالنفس هنا كان يلزمه داعم خارجي ليتقبل ذاته ويشعر بهندامها ..
وكثيرا ما يشعر البعض بالاختناق وعدم الانصياع للطرف الآخر إذا ما ضاقت النفس بالالتزام والاهتمام الزائد
كان هنا الوصف فائضا دقيقا استمتعت من خلاله بالنص والمتابعة حتى التتمة
شكرا لك أديبنا الفاضل

صالح اهضير
03-05-2016, 02:10 PM
الذين يسلمون القياد لآخر يقولب حياتهم ويشكلها بالكيفية التي يرى، يعيشون جثثا متحركة مهما كان هذا الآخر محبا لهم حريصا على خيرهم في اختياراته، لأن ذواتهم تظل دفينة قوالب لم تخترها وأحلامهم معبأة في صناديق القمع وإن أنكروه

قص جميل بفكرة قويّة وتوظيف شائق للحوار والموقف

دمت بخير أديبنا الرائع
تحيتي


-----------------------
الاستاذة ربيحة الرفاعي

تحياتي لك وامتناني كبير على تقييمك الرائع..مع الاعتذار عن التاخر في الرد...

صالح اهضير
03-05-2016, 02:14 PM
فقدان الثقة بالنفس هنا كان يلزمه داعم خارجي ليتقبل ذاته ويشعر بهندامها ..
وكثيرا ما يشعر البعض بالاختناق وعدم الانصياع للطرف الآخر إذا ما ضاقت النفس بالالتزام والاهتمام الزائد
كان هنا الوصف فائضا دقيقا استمتعت من خلاله بالنص والمتابعة حتى التتمة
شكرا لك أديبنا الفاضل


-------------------
شكرا على حسن الاطراء الاستاذة امال..ومعذرة عن التاخر في الرد...