تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل النسيان (1): محاكم الأحلام



نور فارس
17-04-2016, 08:29 PM
.

صَبَاحُكَ إِنّ كَانَ صَبَاح ومَساؤكَ إنْ كانَ مَساء وَ لكنِ سَأخْتارُ الصَباحَ , لِأنَكَ كُنتَ صَبَاحِي الَذي مَا لَحِقَهُ مَساءْ.
فَ صَباحُكَ حَيثُ أنْتَ جَميلٌ ِبمقْدَارِ هَذَا الحُبِ المُتمَدِدِ عَلى أَسِرَةِ أَضْلُعِي , الَذِيْ لا يُنْقِصهُ غِيَابْ وَ لا يَقْرُبُهُ نِسيَانْ.
صَبَاحُكَ أَنَا كَمَا أَنَا مَا إخْتَلَفْتُ وَ مَا تَبَدْلتْ , لَكنِ أَظُنُنِي نَضِجْتُ عَلَى نَارِ لِهْفَةٍ هَادِئَة.
صَبَاحُكَ كَوثَرِيٌ كَهَذَا العَشْقِ الَذِي يَسَيلُ مِنْ خَافِقْي فَ يَرْوِي الوَرقَ , لِيُزْهِرَ لَكَ رَسَائِلٌ مِنْ نَارٍ تَخُطُهَا نُور.
صَبَاحُكَ مُتُفَجِرٌ بِالفَرَحِ بِقَدْرِ هَذَا الفَرَاغِ الذِيْ يَمْتَدُ فِي أَوْرِدَتِيْ كَأَنِهُ حَقْلُ أَلغَامْ.
صَبَاحُكَ يَقِينْ , أَيُهُا الوُهْمُ الكُبِيرْ, أَيُهَا الحُلمُ القُدَيم , بأنِّ مَازِلتُ لَكَ قَاِئمَةْ وَ بِكَ هَائِمَةْ.

أَنَا الَتِيْ كَانَتْ تَتَنَفَسُ مَعْ كُلِ عِنَاقٍ عَبَقَ الخِتَامِ , وَ كَمْ كُنْتَ تَكْرَهُ التَحَدُثَ عَنْ الخِتَامِ
كَ مَنْ يَحْلًمْ بِ حُلُمٍ جَمِيلٍ لا يَوَدُ أَنْ يَفِيقَ مِنْهُ , أَمَّا أَنَا.. لا تَرُوقُنِي الأَحْلَامُ الطَوِيلةْ
أَخْشَى مِن كَابُوسٍ يَغْتَالُنِي بَعْدَهَا , فَقدْ عَلَمتَنِيْ أنْ لا آمَنْ جَانِبَ الحَياةِ.

إِعْتَدَتَ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى شَعْرِيَّ عِنْدَ كُلِ وَجَلٍ بِ فُقدَاَنِكَ وَ تَقُصَ عَلى مَسْمَعِي أُقْصُوصَتكْ العَتِيدَةْ
التِي بَاتْتْ حَقِيقَةً لا تَقْبَلُ نِقَاشْ.
أَنِّ يَوْمَاً مَا سَيمْتَدُ بِ إذنِ الله عُمرِي و أُصْبِحُ عَجُوزَاً نَكِدَه وَ سَ تَخُطُ الحَياةُ تَجَاعِيدَهَا عَلَى وَجْهِي
وَ أَنِّ سَيُكْسَرُ أَنفُ ثِقَتِي وَ يَتَلاشَى ذَاكَ الضّوءُ الّذِي يّسْكُنُ أَحْداَقَ روحِي
وَ حِينها سَ أَكُونُ مُجَرَدَ عَجوزٍ تُقِيمُ عَلى قَارِعَةِ النِسْيان, وَ لَنْ أَجِدَ حِينَ يَشِيبُ عُمْرِي
أَي رَجُلٍ يَعْشَقُنِي سِوَاكَ , وَ يُغَنِجُنِي كَأنِي طِفلَةٌ إِلَاكَ.

قَدْ كُنْتَ تُحَولُ كُلَ حَدِيثٍ عَنْ النِهَايَةِ إلَى طُرْفَةٍ أَوْ بَعْضُ فُكَاهْه.
أَنْتَ الذِي مَا اعْتَادَ قَولَ الطُرَفِ أو الضَحِكِ إِلا فِي مَوَاقِفَ بَسِيطَةْ.
رُبَمَا إَنْ إِعْتَصَرْتُ ذَاكِرَتِيْ المُكْتَظَةِ بِكَ قَدْ أَتَمَكَنْ مِنْ تِعْدَادِ كَمْ مَرَةٍ ضَحِكْتَ فِيهَا خِلالَ
أَعْوَامِنَا الطَوِيلَةِ بِعُمرِ السِنِينِ ,القِصِيرَةِ بِعُمْرِ الحُبْ, بَل أنِّ أَظُنُها لِفَرطِ جَمَالها رِوايةٌ كُنْتُ أَقْرائُها
و أَبَى مُؤلِفُها إلا أَنْ يَخلِط الخَيال بِ الوَقِعْ وَ كَأنْ مَرارةَ الوَقِعِ لَا تَكْفِي يَجبْ أنْ نَتَجَرعَها أَيْضاٍ حِينْ إنْفِصَمِنا عَنه .
و لَكنْ رُغْمَ فُكَاهَتِكَ المُسْتَفِزَةِ وَ طَرَائِفِكَ التَي كَانتْ تُثِيرُ بَرَاكِينَ غَضَبِيْ
لا تُفَارقُ مَحْياكَ تِلكَ البَسمةِ المَبتورَةِ الفَرحْ , فَ تَفْضَحُ عَيْنَيكَ مَا تُسِرهُ نَفْسُكَ , هَذَا الحُلمُ نِهَايَتُهُ إِفَاقَةْ
وَ هَذَا العِشْقُ مَصِيرهُ المَوْتُ فُرَاقَاً , دَعِيني فِي غَيْبُوبَتِي عَلَّ الحُلُمَ يَطُولْ.

الآنْ وَقَدْ عَلِمتَ أَنْ مَنْ تَطُولُ غَيْبُوبَتُهُ يَضَعُونَهُ تَحْتَ وَ طْأَةِ المَوْتِ الرَحِيمِ , وَ يَكْتُبوُنَهُ فِي تَقَارِيرهمْ مَيْتٌ إكْلِينِكياً
يُزِيلونَ عَنْهُ أَجْهِزَةَ التَنَفُسِ لِيَلْفُظَ أَنْفَاسَ أَحْلَامِه,

إِنَّها يَا عَزِيزي فَلْسَفَةُ أَوْطانْ
جَمِيعُنا عَلَى قَيْدِ المَوْتِ اكْلِينِيكِياً لِذَلكَ تُنْتَزَعُ عَنَا ألأَحْلاَمْ.
لِنَموْتَ عَلَى قَوَارِعِ الأَيَامِ أَجْسَادٌ هَزِيلَةٌ مِنْ الأَمَانِيْ وَعُقُولٌ خَاوِيَةٌ مِنْ المَنْطِقِ وَ الرُؤى و الأَهْدَافْ.
نَكْتَفِيْ بِ اللَحْظَةِ الرَاهِنْه, فَإِنْ نَحْنْ فَكَرْنَا أَو إجْتَهدْنَا , سَيعْتَبِرونَنَا طَاعُونْ وَ يَنْفُونَنَا فِي جُبِ السُجُونْ.

أَيقْنتُ أَنَّ فِي مَدَائِننا مَحاكُمُ الأَحلامِ قَائِمةٌ لِتُقيمَ الحَدَ عَلى مَنْ يَخْتَلِسُ مِنْ خَزَئِنِها فَوقَ المُقَدَرِ لهُ مِنها
فَينْصُبُونَ لَهُ المِنصَاتْ , فَالحُكمُ عَلى ذاكَ الحَالمِ دَوماُ إعْدامْ.

عَلَيْكَ أَنْ تَمُدَ أَقْدَامكَ عَلَى مَقَاسِ لِحَافِكَ هَكَذَا قَالَ القُدَمَاءْ.
وَ لَمْ يَقْصِدُوا هُنَا الأَقْدَامَ بَلْ إَنْ المَقْصِدَ كَانَ الأَحْلاَمْ.

وَ أَنْتَ أَيُها الرَاحِلُ نَسَجْتَ حُلُماً أَكْبَرُ مَنْ لِحَافِ الوَاقِعِ
فَتَجَمَدْنَا بَرْدَاً حِينَ فَصْلِ شَتَاتْ.

هَذِهِ رِسَالَةُ النِسْيَانِ الأولَى , أَبْعَثُهَا إلَيْكَ مَعْ كَامِلِ الشَوْقِ وَ مَعْ سَبْقِ الحَنِينِ وَ إكْتِمَالِ اللَهْفَةِ
وَعَلِّ سَأُبْلِغُكَ فِي رَسَائِلِي إَنْ كَانَ فِي عُمْرِي بَقِيَةٌ مِنْ حَياةْ , عَنْ سَبَبِ تَدْثِيريهَا مِعْطَفَ النِسْيَانِ.
وَ لا أَنْتَظِرُ مَنْكَ رَدَاً وَ عَلِّ أُبْلِغُكَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ أَيْضَاً فِي القَادِمِ مِنْ مَكَاتِيبْ.
فَرِسَالَتِي هَذِهِ اسْتِنْزِفِتْ طَاقَتِي , وَ أَجْهَدَتْ قَلْبِي وَنَفْسِي.
فِي الخِتَامِ يَا مَنْ تَمْقُتُ الخِتَامْ . على رُوحكَ مِنْ الله سَلام

نُورْ فَارِسْ.


مصافحة حرف أولى .. أتمنى أن ترقى سماء الذائقة

عبد السلام دغمش
19-04-2016, 02:33 PM
الأخت نور فارس

نثرية جميلة تناولت الحلم الذي قد يأخذه المرض والقعود .. وقد تنتهي الظروف بموته ..

والحياة بدون امل او حلم خاوية من الروح .. وليس كل ما نصبو إليه بالضرورة نراه .
اعجبني الحرف بإسهابه وخوضه في أعماق الحس .

ربما جاءت بعض الحروف الاستئنافية مقطوعة عن الكلمات لخطا " كيبوردي "
" علِّ" : لعلّي أو علّني ..

تحياتي و تقديري .

خلود محمد جمعة
27-04-2016, 07:30 AM
غزلت من الحرف وشاحا من الجمال تلون برهافة الحس وعمق المعنى
بوح غاص في العمق وحلق فوق السحب
بورك النبض
كل التقدير

عصام إبراهيم فقيري
27-04-2016, 04:31 PM
جميل جميل هذا النص النثري العميق والذي يتغلل في الصميم

أعجبني جدا وراقني ما وجدته هنا

دام لك الإبداع

تقديري .

سحر أحمد سمير
27-04-2016, 04:46 PM
نثرية موشاة بجمال الوصف و رهافة الحس ..

ننتظر بقية الرسائل ..متابعة بشغف ..

دمت بخير و عافية ..

عمر الصالح
29-04-2016, 11:12 PM
قرأتها كاملة من أول لأخر حرف..

أدهشتنى الدقة فى كل شئ وكأنها بالميزان .. التنسيق والمفردات والتشكيل وإنسياب الفكرة والصور ,, والبساطة تغلفها بلاغة..

لغة راقية ليس فى مفرداتها إفتعال..

كنت أتمناها مختصرة ,, مكثفة , كنت اتمناها رسائل قصيرة , ربما جائت أكثر رومانسية ..


تحية تقدير وود

عمر

ربيحة الرفاعي
10-09-2016, 12:10 AM
نثيرة متقنة البناء محملة بالفكرة تتباعت بجمالية والصور تسايرها فتزيدها جمالا
ولعل قليل تكثيف للنص كان ليجعله يأتلق

حرف جدير بالمتابعة

دمت بخير أديبتنا
تحيتي

ناديه محمد الجابي
10-09-2016, 10:13 AM
تظل الحياة بدون حلم حياة بلا معنى لا تستحق أن تعاش
نص ارتدى ثوب النقاء، وبوح ازدانت أزاهير اللغة به فأثمل الذائقة
نص شدني بجماله وسحرني ببهاءه وألهمني بشاعريته
دام لك الألق. :001: