المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظيفة الأدب-حسين علي الهنداوي



حسين علي الهنداوي
06-05-2016, 06:17 PM
وظيفة الأدب
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
صاحب الموسوعة الأدبية (النرصدالأدبي )
حجم الموسوعة( خس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا

ما يزال دارسو الأدب مختلفين في تحديد وظيفة الأدب على مر العصور مستلهمين آراءهم من خلال طبيعة العصر وتنوع القضايا التي يطرحها وتعدد المشارب الثقافية والمعرفية التي ينهل منها الأديب ، ويحق لنا منذ البداية أن نطرح السؤال التالي : ما المنفعة التي نجنيها من الأدب ؟ وبالتالي ما الوظيفة التي يؤديها تجاه الحياة ؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نشير إلى عدة حقائق تتعلق بالأدب والحياة والإنسان.
1- طبيعة الأدب تنتج عن استعماله كما أن استعمال الأدب ينتج عن طبيعته كما
قال ( رينيه ويليك و أوستن وارين ) .
2-الأدب ذو طبيعة خالدة لأنه ليس من المخلفات البالية .
3 - الحقيقة خارج الأدب هي الحقيقة نفسها داخل الأدب.
4- ليست الحقيقة من اختصاص المفكرين المنهجيين .
لقد مثل الأدب منذ أقدم العصور على المستويات العالمية الحياة الدينية والعقلية الاجتماعية والسياسية بتصويره الفني للقضايا التي عاشها الإنسان في كل عصر والتي عبر عنها أدباؤه شعرا أو نثرا . ولقد تغيرت المفاهيم المتعلقة بوظيفة الأدب عبر عصور التاريخ ؛ ففي زمن من الأزمان لم يكن هناك أي تفريق بين الأدب و التاريخ و الفلسفة فقد كان الشعر ديوان العرب يجمع أخبارهم ووقائعهم وهمومهم و آلامهم وآمالهم حتى إنه يمكننا القول : إن هذا الأدب قد أدى وظيفته بشكل دقيق فقد كان الشاعر الجاهلي لسان قبيلته يدافع عنها ويرفع مكانتها بين القبائل الأخرى ، ولم تـتغير هذه الصورة للشاعر في العصور التالية بشكل كبير، فهذا أبو فراس الحمْداني يحدد وظيفة الأدب من خلال قوله :
يدافع عن أعراضكم بلسانه ويضرب عنكم بالحسام المهند
ولو عدنا إلى النثر العباسي على سبيل المثال ، لوجدنا الكاتب الفذ أبا عثمان عمرو ابن بحر الجاحظ يمهد في تأليف أكثر من كتاب دفاعا عن العرب و العروبة كقضية أملتها شعوبية العناصر الفارسية الداخلة في خضم الحضارة العربية الإسلامية الجديدة وما كتاباه ( البيان و التبيين) و ( البخلاء) سوى صورتين واقعيتين دافع بهما عن أصالة العرب أمام هذه الهجمات التي تحاول النيل منه . لقد أرسى القرآن الكريم بشكل فعلي وظيفة الأدب من خلال دعوته الشعراء إلى الالتزام بقضايا الإنسان الخالدة المتمثلة بالدفاع عن المظلومين . وإذا كان بعض النقاد يحس بالعجز المرعب أمام ما يطلبه بعضهم من وظائف نفعية للأدب حيث يطالبون الأدب بالتدخل من أجل إيجاد حلول لأزمات الديمقراطية والجوع و القهر والعدالة فإن شعورهم هذا ناتج عن عدم فهمهم لماهية الأدب الذي يعتبر طائرا ذا جناحين هما النفعية والجمال . لقد تحدث أفلاطون في مدينته الفاضلة عن المشاجرة التي وقعت بين الشعراء و الفلاسفة واعتبر الشعراء عناصر غير مرغوب بها بل أصر على ضرورة عدم تعلم الناشئة للشعر لأنه على حد قوله مفسد ووظيفته هدامة لقد كثر الحديث عن (عدم وجود غاية للأدب ) على اعتبار أن الأدب عامة والشعر خاصة تسلية لا غاية لها إلا اللعب أو أن الأدب صوت صاف على صورة زخرفة لا شأن لعالم الانفعالات البشرية بها . لقد أكد على ذلك الفيلسوف المثالي (كنت) ومع أنه يمكن اعتبار بعض الأشعار والقصص و الروايات لا غاية لها إلا اللعب بالألفاظ وإظهار البراعة في الصياغة إلا أنه لا يمكننا أن نطبق ذلك على كل ما قيل في الأدب إن الأدب كما يقول أصحاب علماء النهضة يمتع ويعلم والشعر عذب ومفيد كما يقول ( هوراس) ولكن عذوبته وفائدته تنتج عن القدرة على إجادة استعماله و لقد أصر (إليوت) على تنوع الأشياء التي تعلمها أنواع من الشعر في أوقات متعددة وليس من الصحة بمكان القول: إن الشعر يستطيع أن يحل محل الفلسفة والدين كما يقول (أرنولد ) ومن السخف أن نقول : إن الشعر يستطيع أن يحل محل الدين وأنى له ذلك فلكل واحد منهما وظيفة يختص بها . لقد شدد أصحاب الاتجاهات المعاصرة على فائدة الأدب وخطره انطلاقا من أن الأدب يوصل المعرفة لأنه شكل من أشكالها يمنحنا إلماما بخصوصيات لا تدخل في نطاق العلم والفلسفة إذ بإمكان الروائي أن يعلمنا الكثير عن الطبيعة البشرية والسلوك البشري أكثر من علماء النفس لأن الرواية تكشف عن الحياة الباطنية للشخصيات بشكل دقيق ، والروايات العظيمة مراجع لعلماء النفس يستمدون منها الكثير من القضايا النفسية ، وما الدراسات التي خرج بها فرويد عن ( النفس والشعور واللاشعور والوعي واللاوعي) إلا نتيجة اطلاعه على الأدب المعايش له إن الأدب يجعلنا ندرك ما نرى ، ونتخيل ما سبق أن عرفناه . فهو تحقيق لمعطى و استبصار فني لكينونة مستقبلية وقع ما يشابهها في الماضي . والشاعر بين الأدباء عرّاف قومه ومتنبئ بقضايا أمته فالفن إحساس وشعور بالمسؤولية يكرس القيم الصالحة للحياة . وهذا ما أشار إليه الشاعر خالد الشواف في قصيدته القلم حين قال :
لا تحسبوه يراعا قد من قصب هذا فم وفؤاد ناطق ويــــــــــــــــــــد
ومشعل لسواد الشعب مشتعل لا كوكب في سماء الفرد يتقد
ولعل الإنسانية لم تنس قط ما ذكره أرسطو فالمعركة التي نشبت حول المسـرح ولا تزال حتى اليوم ناشبة هي: أوظيفة المسرح نفسية فحسب أم له رسالة أخلاقية اجتماعية قومية يؤديها ؟ وإذا كان أرسطو يشير إلى (( تطهير النفس من شهواتها )) . فإنه من الواجب علينا أن نشير إلى أن لكل عمل أدبي وظيفة خاصة به تتناسب مع ما يطرحه صاحب العمل الأدبي بالإضافة للوظيفة الجمالية لهذا العمل، فالأدب لا يحقق وظيفته الحياتية إلا من خلال وظيفته الجمالية ، لأن الجمال جسر يعبر فوقه الإنسان إلى حاجاته و إذا كانت الوظيفة الجمالية وجه أول لوظيفة الأدب ، فإن ضرورته الحياتية هي الوجه الآخر له . إن تعبير الأدب عن حاجات الفرد ومشكلاته و المجتمع الذي يعيش فيه هو الثمرة التي تجعل من هذا الأدب أدب حياة لا أدب لهو وتسلية . لقد أسهم الأدب والأدباء بشكل فذ في كثير من الثورات كالثورة الفرنسية والروسية والثورة العربية الكبرى وساعدوا في نشر الوعي بين الجماهير حتى إنه أصبح للأديب صوت خاص به يحسب له السلطان ألف حساب