المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عَقد



عبدالإله الزّاكي
18-05-2016, 12:36 AM
كان " جاك " يبلغ من العمر خمسة وستين سنة، وكان يحول بينه وبين حلمه - أن يشمّع مخبزته ويجول حول العالم بصحبة زوجته " ميري " بسيارة التخييم التي اقتناها منذ عشر سنين - عقد اجتماعي ضمني مع أهالي القرية الذين اعتادوا اقتناء الخبز وأنواع الفطائر،المعجنات، والحلويات التي تعدّها مخبزته الوحيدة في البلدة. كان العمل شاقا على " جاك " بعد أن تقدّمت به السنين ولم يعد قادرا على تحمّل عناء هذه الخدمة الشاقة إلا بعد جهد جهيد ومشقّة أنفس، خاصة أنه كان وحيدا يدير تجارته ولا أحد تقدم لشغل منصب مساعد الذي أعلنه منذ سنين على واجهة الباب الرئيسي.
اعتاد صاحب المخبزة بعد أن يحضّر منتوجاته ويفتح الأبواب للزبائن، أن يقدّم فنجان قهوة وحليب ولفّة لمتشرّد يجلس قرب مخبزته، وكان المتشرّد " بول " في مقتبل العمر، قليل الكلام والحركة، بعد أن يتناول وجبة الفطور المهداة، يشكر " جاك " ثم يغادر دون أن يزيد على ذلك أو أن يطلب شيئا آخر.
ذات صباح تأخر الفنجان واللفّة في الخروج، ساور الشكّ " بول " ، رصد الحركة داخل المخبزة من خلال النوافذ الأمامية: الأضواء مشتعلة ثم الخلفية: الأفران تشتغل ولا وجود لرب المخبزة في الداخل، هاله الأمر، فتح الباب الخلفي، بدأ يصيح، ويتفقّد " جاك " ، بعد فترة وجده ملقى مغميّا عليه من تأثير الغازات السامة التي كانت تتسرب من أحد الأفران البالية. رفع " بول " سماعة الهاتف، اتصل بالوقاية المدنية، حضرت بسرعة، نقلت " جاك " على الفور إلى مستشفى البلدة بعد أن قدّمت له الإسعافات الأولية، قام الأطباء بعملية غسل أمعاءه، ظل تحت المراقبة الطبية لمدة أسبوع.
تعافى " جاك " من وعكته الصحية، دعى " بول " ليتناول معه وجبة العشاء في منزله وبصحبة زوجته " ميري "، عرض عليه مساعدته في العمل بعد أن جدّد الأفران، وافق " بول " وتعلّم المهنة وأظهر تفانيه في العمل، سلمّه " جاك " كلّ أسرار المهنة ومفاتيح المخبزة دون مقابل ورحل.

ملحوظة: هذه قصّة واقعية حدثت في إحدى القرى النائية شمال شرق فرنسا، وكم كنت أود أن استبدل اسم " جاك " ب " كريم " واسم بول ب " سعيد " لكن شيئا كان يثنيني عن ذلك.

تحاياي وتقديري

عبد السلام دغمش
18-05-2016, 10:54 PM
الأستاذ عبد الإله الزاكي

هو عقد ليس للعمل .. بل عقد الحياة حين يمضي العمر وتسير عجلاته لتترك مكانها لقطار آخر ..
العبرة هنا بالفتى المشرد .. أصبح هو صاحب العمل بعدما كان يستجدي طعام إفطاره لا لشيء سوى أنه أتقن المهنة وقام بواجبه .. فهل في مجتمعاتنا من يتقبل ذلك .. هي العدالة بكل بساطة !
دمت أيها الحبيب .

ناديه محمد الجابي
18-05-2016, 10:54 PM
القصة جميلة جدا وأعجبتني .. وتسائلت وأنا أقرأ لما الأسماء أجنبية
وأحسست بواقعيتها .. ولكن أعذرني إن لم أفهم قصدك في النهاية
سأنتظر لأفهم .. دمت بألف خير. :002::002:

ناديه محمد الجابي
18-05-2016, 11:00 PM
نزل تعليق أ. عبد السلام في نفس اللحظة التي كتبت فيها
وكان فيها الأجابة على السؤال فشكرا له ولك
تحياتي وودي. :001:

خلود محمد جمعة
22-05-2016, 07:48 AM
من الجميل ان نستدرك حياتنا قبل فوات الأوان
أدرك جاك متأخرا بعد الاشارة الخفية سعادته فقرر ولحق بها
أدرك بول ذاته فبدأوقرر الامساك بسعادته
الحياة فرص قد لا تتكرر
جميلة لحقيقتها بحرفك المبدع
بوركت

عبدالإله الزّاكي
25-05-2016, 01:16 PM
الأستاذ عبد الإله الزاكي

هو عقد ليس للعمل .. بل عقد الحياة حين يمضي العمر وتسير عجلاته لتترك مكانها لقطار آخر ..
العبرة هنا بالفتى المشرد .. أصبح هو صاحب العمل بعدما كان يستجدي طعام إفطاره لا لشيء سوى أنه أتقن المهنة وقام بواجبه .. فهل في مجتمعاتنا من يتقبل ذلك .. هي العدالة بكل بساطة !
دمت أيها الحبيب .

عندما ترى الجانب الإنساني والاجتماعي في أوربا وتنظر إلى واقع الحال في بلادنا، ينقلب إليك البصر وهو حسير.

شكرا لما أضفته للنص من بهاء ورقي بحضورك المتميّز أخي العزيز والفاضل عبد السلام دغمش.

تحاياي وتقديري وإنك منا بمكان.

عبدالإله الزّاكي
25-05-2016, 01:18 PM
القصة جميلة جدا وأعجبتني .. وتسائلت وأنا أقرأ لما الأسماء أجنبية
وأحسست بواقعيتها .. ولكن أعذرني إن لم أفهم قصدك في النهاية
سأنتظر لأفهم .. دمت بألف خير. :002::002:

الجمال في حضورك وحسك وذوقك الأدبي الرفيع أستاذتي وأديبتنا الراقية نادية الجابي.

تقديري الكبير.

أحمد العكيدي
25-05-2016, 03:09 PM
هي قصة جميلة تلقي النور على جانب إنساني كامن في كل منا. يكاد يخبو خلف المادة أحيانا لكنه ينتفض في لحظة قد تفاجئنا.
تحياتي وتقديري.

بشار عبد الهادي العاني
26-05-2016, 04:32 AM
لو استبدلت جاك ب(كريم) وبول ب(سعيد) لسارت مجريات القصة وباعتقادي كالتالي:
كريم يتأفف دوماً من سؤال سعيد , ويطرده باستمرار,وسعيد يغبط أولئك الأطفال القصر الذين وظفهم كريم بشكل غير قانوني , في مخبزته , لإدارة عمله بعد تقدمه في السن.
وكريم يموت ذات ليلة في فراشه بسبب التخمة والبطر . بينما يهاجر سعيد إلى قرية أخرى عله يجد مخبزة أخرى يمتلكها رجل كريم ..
نص جميل , وقلم رشيق , واعذر خيالي الخصب المتشائم ,لكنه أبى إلا أن يصور واقعنا المؤلم وما نعيشه فيه من عشق للمادة والهوى.
تحيتي وتقديري...

محمد ذيب سليمان
26-05-2016, 12:03 PM
وهل جزاء الاحسشان الا الاحسان؟؟

جاك كان رحيما ب بول
وبول كان مواظبا لهدفه الخاص ولكنه اصبح منقذا للعجوز
والعجوز جاك يحاول ان يتخلص من هذه المهنة ولكن عقدا ادبيا مع اهل القرية الزمه بالاستمرار
بول كان من يستحق ان يكون صاحب المكان بعد ان امتنع الجميع عن مساعدة جاك والعمل معه
قصة جميلة وكما قال اخي لا اظنها تصلح في مجتمعاتنا على نفس السياق الا قليلا
مودتي

عبدالإله الزّاكي
31-05-2016, 01:50 AM
من الجميل ان نستدرك حياتنا قبل فوات الأوان
أدرك جاك متأخرا بعد الاشارة الخفية سعادته فقرر ولحق بها
أدرك بول ذاته فبدأوقرر الامساك بسعادته
الحياة فرص قد لا تتكرر
جميلة لحقيقتها بحرفك المبدع
بوركت

قراءة أكثر من رائعة لأديبة كبيرة تملك كل أدوات الأدب: إبداعا ونقدا.

تقديري الكبير لشخصك أختي الفاضلة خلود جمعة ولدعمك المتواصل لكل الأعضاء.

آمال المصري
07-10-2016, 08:15 PM
إنسانية يفتقدها شبابنا البئيس أن يجد من يأخذ بيده ويرشده ويغنيه عن التشرد والمذلة
وجاءت الأسماء مقنعة لم أستغربها وأنا أقرأك هنا أديبنا الفاضل
شكرا لك هذا الجمال
تحية وتقدير