حسين علي الهنداوي
23-05-2016, 10:41 AM
فن الكتابة الصحفية
أ-تعريف الفن الصحفي :
الفن الصحفي هو الإعلام ورواية الأحداث وتفسيرها، ثم توجيه الجماهير وإرشادها، فضلا عن امتاعها وتسليتها، وذلك باستخدام الأشكال والفنون الطباعية المختلفة. وأهم خصائص الفن الصحفي معالجة الأمور الصعبة بأسلوب سهل، وتفسير الانجازات العظيمة بعبارات سلسة بسيطة.
ب-ماهية الفن الصحفي
الفن الصحفي : فن حضاري يزكو ويزدهر في البيئة الحضرية ، حيث تسود الحضارة الشفوية، ويتصل بأسباب التحضر، وينتشر أكثر ما ينتشر في المدن ، والمجتمع الذي يزداد نموه، وتتنوع تخصصاته، وتتعقد مشكلاته، لا يلبث أن يجد وسيلة الفن الصحفي ضرورة حتمية، تبعد كل البعد عن الخبرة الفردية المباشرة. ثم لا يلبث هذا المجتمع المتحضر أن تظهر فيه علوم وفنون وتخصصات بالغة التجريد والتعقيد، فيصبح الفن الصحفي حلا لصياغة المعرفة بطريقة عملية واقعية. وهكذا يكون الصحفي وسيطا اجتماعيا بين الخبير المتخصص من ناحية ورجل الشارع أو الرجل العادي من ناحية أخرى.
ج-طبيعة الفن الصحفي وخصائصه :
الفن الصحفي يختص برواية أحداث هذا العالم بوسائل دورية. أهمها الطباعة، وتصدر الصحف يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية. فقد أصبحت قراءة الصحف يوميا شيئا معتادا للقراء، ولا يستطيعون الإقلاع عنه. فالفن الصحفي هو طريقة تفكير ورؤية خاصة متميزة للحياة، والصحفي ينظر دائما إلى جمهوره، ويقرر إذا ما كان قادرا على فهم ما يقول أو غير قادر على ذلك، وهو لذلك يضفي على عمله الفني أبعادا ما كان ليضفيها عليه لولا هذه النظرة العملية للجمهور. إن الفن الصحفي هو جعل الأحداث والمعلومات والثقافة بل والفلسفة والعلم في متناول الجميع، بطريقة واضحة مشوقة درامية. وقد فطنت الحكومات إلى خطورة هذا الفن، وأخذت تستغله لترويج المفاهيم الجديدة والمذاهب الحديثة بين الجماهير. فالفن الصحفي، بدوريته وعموميته وشموله واستمراره، يضفي على أحداث العالم اهتماما إنسانيا بطريقة تثير الجمهور، وتشحذ قواه، وتملك مشاعره. حقيقة إنه لا يمكن للفن الصحفي أن يكون له العمق والخلود اللذين يتصف بهما الفن بوجه عام ، ولكن الفن الصحفي الناجح هو الذي يستطيع أن يعدل قيمة العالم تعديلا مؤقتا على الأقل؛ لأن الصحافة الجيدة تتخذ إطارا لها عالم الافتراضات اليومية ، مؤكدة الوجه الدرامي، والاهتمام الإنساني، عن طريق أحداث عالم الحياة اليومية. فالفن الصحفي تعبير موضوعي، وابتعاد تام عن الذاتية التي يتصف بها الأديب مثلا، فالأديب يعنى بنفسه، ويقدم لنا ما يجول بخاطره، ويسجل ما يراه وفقا لرؤيته الخاصة، وبرموز تنم عن ثقافته وعقليته. وهو في هذا الصنيع إنما يصف النفس الإنسانية، ويتعمق أسرارها، ويكشف عن حسناتها وسوآتها، ويكون لأوصافه صدى في نفوس القراء من كل جنس، وفي كل عصر، ما داموا قادرين على قراءته
وفهمه، والاستفادة منه. فالأديب حر في اختيار ما يقول، والقراء أحرار في قراءة ما يكتب الأديب. والحق أن الفن الصحفي قد استطاع أن يطور لغته الخاصة، وأشكاله الفنية من خبر وتقرير
د-لغة الفن الصحفي
استطاع الكاتب الصحفي الإنجليزي دانيل ديفو الذي اشتهر بقصته الخيالية الطويلة (روبنصن كروزو ) أن يلمس بعبقريته خاصية الفن الصحفي، ولغته الفريدة، التي تتميز عن لغة العلم ولغة الأدب فقال: "إذا سألني سائل عن الأسلوب الذي أكتب به لقلت إنه الذي إذا تحدثت به إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافا عظيما في قواهم العقلية -عدا البله والمجانين- فإنهم جميعا يفهمون ما أقول". هذا مع ملاحظة أن الرقم "5000" كان هو الحد الأقصى لتوزيع الصحف في القرن الثامن عشر في إنجلترا، وهو العصر الذي عاش فيه –ديفو- ، وأنتج فيه إنتاجا صحفيا متنوع الفنون، حتى أطلق عليه أبو الصحافة الإنجليزية. ومن الطريف أن ديفو كان مغرما بالعناوين المثيرة، مجددا في ذلك كل التجديد، وفي رأيه أن الجماهير لا بد أن تثار بالآراء الجزيئة، مع استخدام الوسائل البصرية التي تحقق هذه الإثارة طباعيا. وهكذا كان فهم ديفو للصحافة إرهاصا وإدراكا لمبدأ الإثارة الذي يفتخر به صحفيو القرن العشرين، غير أنه استغل هذا المبدأ استغلالا فكريا ناضجا، ولم يهبط به إلى مجرد الإثارة الانفعالية الرخيصة. كما أن طريقة ديفو في كتابته الصحفية كانت مبتكرة واعية لوظيفة الصحافة، فهو يبدأ بالتخصيص لكي يتطرق منه إلى التعميم، ولا شك أن هذه الطريقة المتبعة في التدريس الحديث يمكن تطبيقها على الفن الصحفي الذي يتوجه إلى القارئ العام بذكائه المتوسط وثقافته العادية. وهكذا تكون رؤية العباقرة للخصائص الفنية سابقة لظهورها. ومن أهم مميزات الفن الصحفي عند ديفو أسلوب التهكم اللاذع، والسخرية المشرقة, وكانت طريقته في ذلك ما يسمى بمنطق التسخيف، فهو يسير مع الرأي الذي يسخر منه في مبالغة إلى آخر الشوط الذي لا بد وأن يؤدي إليه، وذلك لكي يظهر عيوبه ونقائصه، ويفضح سخفه وتناقضه.
ه-مستويات التعبير اللغوي والصحافة:
إن اللغة تتميز على غيرها من الرموز والنظم الإشارية بأنها في متناول الجميع، وبمعونتها نستطيع نمذجة العالم، وهذا يميزها عن العلم والفن أو الأدب اللذين يتطلبان تدريبا خاصا. فالفنان يستطيع خلق أسلوبه الخاص -"لغته" الفنية الخاصة- وأسلوبه الجمالي، ورموزه الشخصية. فقد سئل الشاعر العربي أبو تمام: لماذا لا تقول ما يفهم؟ فأجاب قائلا: ولماذا لا تفهمون ما أقول؟ وسئل الفنان الحديث بيكاسو: لماذا لا تصور ما يفهمه الناس؟ فأجاب : أن للفن رموزا تشبه اللغة الصينية وعليك أن تفهمها أولا. والعالم كذلك له رموزه وصيغه وأرقامه في علوم الطبيعة والرياضة والكيمياء والفلك والمنطق وغيرها. ولا يمكن فهم الرياضة إلا بعد إتقان هذه الرموز بتدرب خاص. أما اللغة العملية، اللغة اليومية، اللغة الاجتماعية، لغة الفن الصحفي فتمتاز بالشمول كما أنها لغة طبيعية منذ الطفولة، في حين أن لغة العلم ولغة الفن من اللغات المصطنعة التي لا يمكن اكتسابها إلا بعد سنوات من المران والتدريب. وهكذا توجد ثلاثة مستويات للتعبير اللغوي: أولها : هو المستوى التذوقي الفني والجمالي ويستعمل في الأدب والفن،
والثاني : هو المستوى العلمي النظري التجريدي، ويستعمل في العلوم، والثالث : هو المستوى العملي الاجتماعي العادي وهو الذي يستخدم في الصحافة والإعلام بوجه عام. وهذه المستويات الثلاثة كائنة في كل مجتمع إنساني .
و-لغة الأدب ولغة الصحافة:
إن العالم والفنان يعبران عن حقيقة واحدة بطريقتين مختلفتين:
الأول : يعبر بطريقة نظرية
والآخر: يعبر بطريقة جمالية،
وهذان المظهران من مظاهر الحقيقة ليسا مظهرا واحدا، فإذا عرجنا على المستوى الثالث للغة بعد المستوى الجمالي والمستوى النظري وهو مستوى لغة الحياة اليومية، فإننا نواجه المعبِّر الفعلي عن هذا المستوى، ألا وهو الفن الصحفي. والصحافة تضم أنواعا متباينة من اللغة كلغة التجارة، واللغة الرسمية، ولغة الدين، واللغة العامية الخاصة بالعمال والفلاحين، واللغة الدارجة ... إلخ ولكن لغة الفن الصحفي هي لغة جديدة، تقرب من لغة المحادثة المثقفة، وهي ليست لغة مباشرة كلغة الأدب، التي يصور بها الأديب ما يراه ويرسمه بقلمه؛ لأن لغة الفن الصحفي هي لغة المغزى والمعنى والأهمية. حقيقة إن "نقاء" لغة الأدب، حين يعبر الفنان عن اللون باللون، وعن النغمة بالنغمة وعن الشكل بالشكل، قد تظهر في الصحافة أحيانا، كما أن لغة العلم قد تظهر في بعض الصحف، ولكن لغة الفن الصحفي الأصيل، القائمة على الوظيفية الهادفة والوضوح والإشراق، اللغة العملية، تكاد تكون فنا تطبيقيا قائما بذاته. فالفن الصحفي تعبير اجتماعي شامل، ولغته ظاهرة مركبة خاضعة لكل مظاهر النشاط الثقافي من علم وفن وموسيقى وفن تشكيلي ... إلخ، هذا إلى جانب السياسة والتجارة والاقتصاد والموضوعات العامة. إن الفن الصحفي فن تطبيقي يهدف إلى الاتصال بالناس ونقل المعاني والأفكار إليهم، فهو أداة ووظيفية وليس فنا جماليا يقصد لذاته. وسنرى أن للفن الصحفي وظائف محدودة هي: ( الإعلام والتفسير والتوجيه والتشويق والإمتاع والتنشئة الاجتماعية) . ومع ذلك فلغة الفن الصحفي تختلف عن كل هذه جميعا لأنها تتضمنها كلها ولا تقتصر على أي منها؛ ذلك أن القراء ليسوا قطاعا واحدا من الناس ولكنهم في الغالب كل الناس، ولأن الصحفي يكتب لكل الناس في كل الأوقات -وليس لجزء من الناس في كل الأوقات أو لكل الناس بعضا من الوقت- فإنه يجب عليه أن يجاهد لتحقيق هدفه بوجه عام وهو جعل رسالته مفهومة لدى الجميع.
ز-وظائف الفن الصحفي:
رأينا أن الفن الصحفي فن تطبيقي وليس فنا تجريديا. والفن التطبيقي -على العكس من الفن الجميل- لا يقصد لذاته، وإنما يهدف إلى تحقيق غايات معينة، وأن يؤدي وظائف محددة. والفن الصحفي له ست وظائف رئيسية هي: (الإخبار والإعلام، التفسير أو الشرح، والتوجيه أو الإرشاد، والتسلية أو الإمتاع، والتسويق أو الإعلان، والتعليم أو التنشئة الاجتماعية) . وهذه الوظيفة (وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية) من أهم وظائف الصحافة ، فالإعلام هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها". بمعنى أننا إذا أخذنا صفحة من جريدة أو مجلة وأخضعناها للتحليل العلمي الدقيق لوجدنا أنها تنبض بما في الأمة التي صدرت عنها الجريدة أو المجلة من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد. وقد سخر البعض من هذه الوظيفة الصحفية وقال بلهجة تهكمية: "إن الكتاب والفلاسفة هم أولئك الناس الذين تستأجرهم السلطة الحاكمة ليشعروا الناس أن كل شيء يسير على ما يرام". والحقيقة أن الصحافة تقوم ببث الأفكار والمعلومات والقيم التي تحافظ على ثقافة المجتمع، وتساعد على تطبيع أفراده وتنشئتهم على المبادئ القويمة التي تسود في الحضارة. فوظيفة التنشئة الاجتماعية تتصل بخلق الجو الحضاري الملائم للتقدم والنهضة عن طريق التوعية الشاملة بأهداف المجتمع وخططه. فالفن الصحفي يسعى لتكامل المجتمع، بتنمية الاتفاق العام، ووحدة الفكر، بين أفراده وجماعاته، ويقوم بتثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات والعمل على صيانتها والمحافظة عليها، ويدخل في ذلك نوعية المواطنين بالسياسات والإجراءات، ودعم قوى الدفاع بإعلام المواطنين بالتهديدات الخارجية والداخلية على الأمن القومي، ويوسع مجال الحديث والمشاركة والمناقشة بترويج الاصطلاحات الجديدة المتعلقة بالنواحي التكنولوجية والثقافية، بطريقة التبسيط والتفسير. وإذا كان الصحافة تعمل على دعم العادات الاجتماعية السائدة، فإنها ترحب بالتعديلات والتغيرات التي يمكن للجماعة أن تطبقها وتقبلها. وهنا يكمن التفرق بين الفن التشكيلي وفن الأدب من جهة، والفن الصحفي من جهة أخرى . فالفن الصحفي مثلا ملتزم بقضايا الساعة، وبموضوعات المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن الأدب أو الفنان قد يتحرر من هذا الالتزام. وقد تكون رؤية الأديب أو الفنان للعالم وللقيم من خلال نظرته الذاتية، ولكن الصحفي ينظر إلى العالم نظرة موضوعية من خلال نظرة قرائه، ومن خلال قيم المجتمع ومبادئه. ويمكن النظر إلى الفن الصحفي على أنه ذلك الفن الذي يقوم ببث رسائل واقعية أو خيالية على أعداد كبيرة من الناس، يختلفون فيما بينهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ويقصد بالرسائل الواقعية مجموعة الأخبار والمعلومات التي تدور حول الأحداث، وكذلك القصص والتمثيليات التي قد ترتكن إلى الواقع وتنسج منه صورة فنية. وفي جميع الأحوال، تراعي الصحافة أن المواد المنشورة تتفق مع الثقافة الشائعة والمعتقدات الدينية والمذاهب السياسية والمعايير الأخلاقية. فالصحافة تقوم بالتثقيف، وتطبيع الناس على عادات الأمة وتقاليد الحضارة وطقوسها وأنماط سلوكها، مما يهيئ للفرد أساليب التعامل مع الناس، والتكيف مع البيئة. فقد ثبت الآن بعد دراسات علم النفس الارتقائي، وعلم الإنسان "الأنثروبولوجيا" وعلم الاجتماع، أن التثقيف له أثره الكبير في تشكيل الاتجاهات النفسية والرأي العام . وكثيرا ما يمثل الإنسان بالمادة الخام والمنظمات الاجتماعية بالخزاف الذي يشكل المادة في يده تشكيلا يتفق مع عادات الجماعة وقيمها وتقاليدها. ويؤكد أوديجارد أنه من المستحيل فهم الرأي العام في أمة من الأمم ما لم ندخل في اعتبارنا تللك القوى المادية والأدبية التي تشكل شخصية هذه الأمة. ولكي نتعرف على اتجاهاتها وآرائها، يجب علينا أن نهتم بإدراة المنظمات الاجتماعية التي تعطي للفرد معتقداته وتشكل اتجاهاته. فالإنسان في المجتمع يتأثر بالأسرة والدين والتقاليد ونظام الدولة والأصدقاء والأقران، والجماعات ذات النفوذ كالنقابات والأحزاب والهيئات والصحف وأجهزة الإعلام الأخرى. وقد فطن خبراء الحرب النفسية إلى أهمية الصحافة في شن الدعاية السوداء، فاتخذوا من الصحف المشهورة والمجلات المحبوبة ستارا تتخفى الدعاية وراءه، عندما تستعير من الصحف الاسم والعناوين والإخراج وشكل الغلاف وغيرها من المعالم الصحفية التي تعود عليها القارئ وأنس إليها، ثم أخذ من وراء هذا الستار تقطر سمومها لكي تصل إلى أغراضها. بل إن أسلوب الفن الصحفي في الكاريكاتور والنكتة والسخرية والترفيه، كثيرا ما يستخدم لتحقيق الأغراض الدعائية، وذلك على أساس ما للفن الصحفي من قوة في التأثير على الجماهير. إن وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية تنطوي على التوعية والإيقاظ والتنبيه، وبث روح المسؤولية، والإيمان بالقيم والمبادئ، والشعور بالولاء العميق للأمة. وهنا يقوم الفن الصحفي بتجسيم الأهداف، وشرح الخطط، وإعداد المواطن للعمل في الحرب والسلم على السواء. إن الصحافة تقدم العديد من القواعد السلوكية من خلال الخبر والتعليق والمقال والتفسير والنكتة والقصة والكاريكاتور، ومن خلال الردود على أسئلة القراء. ومن هذه القواعد السلوكية أن الحب هو مفتاح النصر، ويكفي للمرء أن يحب لكي يقهر كل شيء، وقاعدة أخرى هي أن العمل المتواصل لا بد وأن يؤدي إلى النجاح. هذا فضلا عن معاني الفضيلة والرذيلة، ومبادئ الثقة بالنفس والثقة بالجماعة والثقة بالله، والإيمان بالدين، والاعتقاد بالثواب والعقاب، ويرمز لها بالجنة والنار. وتلعب الأخبار نفسها هذا الدور عندما تتلقف الأحداث الإنسانية، وتصوغها وترويها بأسلوب صحفي جذاب.
ح-فن المقال الصحفي:
أصبح المقال الصحفي أحد أركان فن القول وهو الوعاء الذي نستخدمه في كتابة الموضوعات الأدبية . يقول الدكتور طه حسين : "لا بد للأديب أن يروض نفسه، ويسوسها حتى تألف الجهد والعناء والمشقة . ونرى أنها أيسر ما يجب لإنتاج الأدب الرفيع الذي يستحق أن يسمى أدبا. ولا على الأديب أن يغضب أصحاب المطبعة إن أبطأ به الإنتاج عما ضربوا له من موعد، فذلك كله خير له من أنه يتعجل، فيرضي الصحيفة والمطبعة، ويسخط الفن ويفسد معه ذوق كثير من القراء. وهنا تفكر الصحف وتثور فهي لا تستطيع أن تنتظر الأديب حتى يتقن إنتاجه، ويصبح نشره شيئا لا حرج فيه. فمن أراد أن يكتب لها على شرطها فليعمل، ومن أبى إلا أن يكتب إلا على شرط الأديب فليلتمس لنفسه مذهبا آخر من مذاهب النشر". " ( جريدة الجمهورية، عدد 5 فبراير سنة 1954) . قد ذهبت الصحافة بالفن الكتابي حتى أحالته إلى فن باهت اللون، لا حظَّ له من جمال الأصباغ التي تفتن العين. والسبب في ذلك أن الأديب يتاح له من الفراغ ما يجد له من أسباب التأنق والتحذق والتصنع والتفنن على حين أن الصحفي وراءه مطبعة تطالبه بغذائها كل يوم".(الدكتور عبد اللطيف حمزة، أدب المقالة الصحفية في مصر، جزء 2، ص225). إن المقال الأدبي يضع الصياغة في المكان الأول، أما المقال الصحفي فإنه يهتم بالمضمون والفكرة التي يرمي إلى إيضاحها في يسر وجلاء. والواقع أن السرعة -وهي أهم مميزات الكتابة الصحفية- ليست هي المسؤولية وحدها عن إخراج المقال الصحفي من حيز الأدب الخالد، إلى مجال الصحافة غير الخالدة ، بل السبب الأقوى هو أن المقال الأدبي يتصل بالأعماق البشرية، ومن هنا يمكن أن يكون أدبا عالميا يتجاوز الحدود المحلية والزمنية، في حين أن المقال الصحفي يرتبط بالأحداث الجارية والمشكلات الاجتماعية. فالمقال الصحفي هو ثمرة للتقدم الحضاري، فهو بطبيعته لا يزكو إلا في بيئة يتكون فيها الرأي العام، ويتقدم فيها العمل السياسي، وتتصارع بها الآراء والاتجاهات، وينتشر فيها التعليم، وينهض الفنون، ، وينتقل التفكير من الذاتية والأسطورية إلى الواقعية والموضوعية. فإذا نظرنا إلى فن المقال الأدبي نفسه لوجدنا أنه قد ظهر في بيئة ملائمة لنشأته، وجد فيها جوا صالحا للنمو والازدهار
ط-من الأدب إلى الصحافة:
إن الأدب فن ذاتي، يتصل بالنفس البشرية، أما الصحافة، فهي فن اجتماعي يتصل بحياة المجتمع، فالمقال الأدبي يتصل بأعماق النفس والعواطف الإنسانية "فهو يعبر قبل كل شيء عن تجربة معينة مست الأديب نفسه ، فأراد أن ينقل الأثر إلى نفوس قرائه، فالمقال الأدبي يغوص بالقارئ إلى أعماق نفس الكاتب أو الشاعر، ويتغلغل في ثنايا روحه حتى يعثر على ضميره المكنون، وأكثر ما يتصل المقال الصحفي بأحداث المجتمع الخارجي عامة، كما يفترض وجود رأي عام يخاطبه ويتحدث إليه، وبمعنى آخر، يمكن القول : إن المقال الأدبي يدخل في اعتباره عواطف الفرد ووجدانه، أما المقال الصحفي فيهتم بما يسمى "بالوجدان الجماعي". فالصحافة مرآة تنعكس عليها مشاعر الجماعة وآراؤها وخواطرها. ومن هنا جاء تعريف أوتوجروت لها بأنها تجسيد لروح الأمة. أما الأدب فمرآة تنعكس عليها مشاعر الأديب وآراؤه وخواطره. وإذا كان المقال الصحفي يهتم بتفاصيل ما يجري من الأحداث اليومية في المجتمع، وبتسجيل الإحصاءات والأرقام التي جمعت والكلمات التي قيلت، والأحداث التي وقعت، كأنه يثبت جسم الحقيقة، فإن المقال الأدبي ينفذ إلى روح تلك الإحصاءات والأرقام والكلمات والأحداث. فالمقال الصحفي يهتم بالواقع والتفاصيل، أما المقال الأدبي فإنه يهتم عادة بالقيم (دكتور زكي نجيب محمود، جنة العبيط، ص10). ولذلك فإن الفرق بين الأديب والصحفي في فن المقال هو في نزوع أحدهما إلى أعماق النفس البشرية ونزوع الثاني منزع الناقد الاجتماعي ، والمقال الأدبي قد يكون خياليا أو مثاليا أو واقعيا تبعا لميول الكاتب وأغراضه، ومزاجه الشخصي، أما المقال الصحفي فإنه ينبغي أن يكون عقليا واقعيا، يعتمد على المنطق والأسانيد الواقعية الحسية، دون تحليق في عالم الخيال أو المثل. فالأديب حر في اختيار الموضوع الذي يشاء، أما الصحفي فهو مقيد باختيار الموضوعات العامة التي تهم أكبر عدد ممكن من القراء، تدور حول مسائل ومشكلات تهم الدولة والمجتمع. وجمال المقال الأدبي يتحقق في ذاته لأنه لا يعتمد كثيراً على العناصر الخارجية كالظروف والمناسبات، ذلك أن الأديب يلتمس الجمال الحقيقي في العبارة عن طريق البراعة الفنية في الصياغة والأداء، أما الصحفي فعلى العكس من ذلك ترتبط كتابته دائما بالجو الاجتماعي، والظروف السياسية المحيطة به، حتى إننا لا نكاد نفهم هذه المقالات الصحفية في العصور الماضية دون الإحاطة التامة بالبيئة الاجتماعية، وخصائص العصر الذي كتبت فيه. ومن المعروف كذلك أن الآداب الخالدة، والمؤلفات الكبرى لا تتطلب في دراستها مثل ذلك العناء الذي تتطلبه القطع الأدبية التي يكتبها أدباء الطبقة الثانية؛ لأن الآداب العظمى الرفيعة تتصل بعواطف الإنسان الثابتة، وترتبط بعلاقات بشرية خالدة، أما الصحافة فإنها تدور حول أمور اجتماعية ومناسبات معينة، لذلك كانت كتابات الطبقة الثانية في الأدب والصحافة أيضا ذخيرة هامة للمؤرخ وعالم الاجتماع، تتفوق في قيمتها الاجتماعية ودلالتها التاريخية على الآداب الإنسانية الرفيعة التي يهتم بها الأدباء والنقاد وعلماء الجمال. فبينما نجد أن الأديب يكتب ما يشاء مهما كان الموضوع دقيقا أو خياليا أو غريبا، ويحاول أحيانا أن يكتشف ما خفي عن أنظار غيره من الأدباء مستعينا في ذلك بخلق الشخصيات الخيالية والمواقف الوهمية، إذا بالصحفي مقيد بالحاضر لا يستطيع الفرار منه، وما فيه من أحداث فهو لا يستطيع أن يرخي العنان للخيال كما يفعل الأديب، ولا يستطيع أن يهمل الشخصيات الواقعية من أجل شخصيات خيالية، ولا يستطيع أن يسبح في أجواء الماضي أو يطير في خيال المستقبل كما يفعل الأديب. فالصحفي مقيد بميول قرائه وسياسة صحيفته ورغبات المعلنين بل أوامر الحاكمين أيضا!.
والصحفي يعتمد على الواقع المحسوس، يشتق منه الدليل الذي يسوقه على صحة رأيه في مسألة من المسائل، ويتنكب طريق الأديب الذي يتسلق على كلام السابقين من مشاهير الشعر والحكمة والقصص. فالصحافة فن واقعي لصيق بالأحداث الجارية، والصحفي يشتق دليله من الحوادث، لا من بطون الكتب الأدبية أو الفلسفية، مع قدرته على الوصول إلى هذه الكتب والانتفاع بها والاستشهاد بكلام ذويها. وقد كان رفاعة رافع الطهطاوي منشئ فن المقال الصحفي في مصر مغرما بالرحلات، كلفا بالمشاهدات التي سجلها في "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" وكذلك في مقالاته ، ولا بد أن يكون لفن المقال الصحفي لغته الخاصة، فهو يتحدثت إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافا عظيما في قواهم العقلية ، وهذه اللغة لا تكون منمقة بمجازات واستعارات، ولا مزخرفة بتورية واستخدام، ولا مفتخرة بفخامة لفظ وبلاغة عبارة، ولا معربة عن غزارة علم وتوقد ذكاء، ولكن أحاديث تعودناها، ولغة ألفنا المسامرة بها، إن الكاتب الصحفي ينفذ إلى المغزى والدلالة، في حين أن الكاتب الأدبي يهتم بالتعبير الجمالي والوصف ونقل المدركات المحسوسة. فالأديب يحاول أن ينقل لك البحر نفسه في مقاله الأدبي، أما الصحفي فلا يهمه من البحر إلا مغزاه الاجتماعي ودلالته السياسية وأهميته الاقتصادية. والفنان الأصيل لا يجرد الحقيقة كما يجردها الصحفي، ولكنه يدرك اللون ويعبر عن اللون، ويحيا في هذه الحياة خبرات معينة ليعبر عنها مباشرة ويقدمها في إطار جمالي دون أن يحولها إلى معان سياسية واجتماعية كما يفعل الصحفي. والفرق بين الأدب والصحافة أو بين المستوى الجمالي والمستوى الاجتماعي للغة، يقابله كذلك فروق أخرى بين كل من المستوى الأدبي والعملي والعلمي. والأديب فنان يستعمل الألفاظ على النحو الذي يروقه أو يفضله على غيره، أما الصحفي فإنه يلتزم طريقة بعينها، قائمة على البساطة والوضوح، وتيسير الفهم على القارئ العادي، ولما كان الصحفي يعرض أفكارا وآراء، ويفسر اتجاهات ويشرح بيانات، فإن واجبه أن يتجنب أسلوب الأديب الذي يكون غالبا أسلوبا منمقا بالمحسنات اللفظية، موشى بالحيل البديعية، أو أن الصور البيانية تتلاحق فيه وفقا لذوق الكاتب وإدراكه لمعاني الجمال، الذي هو هدف المقال الأدبي. أما المقال الصحفي فلا يمكن أن يكون منمقا في لغته أو موشى في عباراته، ولا يجب أن تتراكم فيه الصور البيانية؛ لأنها ربما تعوق القارئ في فهمه لفكرة الكاتب في سرعة ووضوح ويسر. فالصحفي يرى الأشياء من ناحية دلالتها العملية وتفسيرها الاجتماعي، حتى إن فوائد المدركات ونفعها أهم عنده من إدراكها لذاتها إدراكا فنيا خالصا كما يفعل الأديب والفنان. فالفرد العادي "ويمثله الصحفي بمستواه اللغوي العملي وبأسلوبه السريع" لا يرى الأشياء بعينه وإنما يدركها بعقله في سرعة من خلال ما تحدده له تربيته وخبرته وبيئته. أما الأديب أو الفنان فإنه يدرك الأشياء نقية خالصة.
ي-المقال الصحفي بين التقليد والتجديد:
يعتبر المقال الصحفي الافتتاحي أهم فنون المقال الصحفي، وهو فن خاص يعتمد على الشرح والتفسير والإيضاح، معتمدا على الحجج والبراهين، والإحصاءات والبيانات، للوصول في نهاية الأمر إلى إقناع القارئ وكسب تأييده. وكاتب المقال الافتتاحي ينبغي أن يكون ملما بالموضوع الذي يكتب فيه، وأن يقرأ عنه في الكتب والمجلات المصرية والأجنبية. وليس المقال الافتتاحي تعبيرا عن الرأي الشخصي لصاحبه، وإنما هو في حقيقة الأمر تعبير عن سياسة الصحيفة. ولذلك فكثيرا ما يكون المقال الافتتاحي غفلا من التوقيع؛ لأنه منسوب إلى الصحيفة كهيئة إعلامية أكثر منه إلى الشخص نفسه. وفي الصحافة الحديثة، يختار مجلس التحرير موضوع المقال الافتتاحي، ويعهد بكتابته إلى المتخصص في ذلك الموضوع. ولم يعد المقال الافتتاحي مجرد تعبير عن الرأي بصورة قاطعة حاسمة، بل لقد أصبح هذا المقال نوعا من التحليل الدقيق المتوازن، الذي يسوق فيه الكاتب الحجج والبراهين لإثباته، في هدوء وروية. غير أن هذا التعبير "اللاشخصي" ليس معناه الجفاف في التعبير أو الجفاء في موقف الكاتب من القارئ؛ إذ إن خاصية التبسيط في الحديث والإيناس في السرد، لا تزال أهم مميزات فن المقال الصحفي. فالكاتب يسعى لإثارة الانتباه، واجتذاب القراء، والتحدث إليهم حديث الند للند دون استعلاء. ذلك أن المقال الافتتاحي يهدف إلى الإقناع لا مجرد الاستمالة العاطفية. فالشواهد والأدلة والبراهين، سواء بالنصوص أو الإحصاءات أو المقارنات ضرورة لازمة للتعليق على الأخبار والمجريات. وقد كان المقال الافتتاحي في القرن الماضي يشغل الصفحة الأولى وبعض أجزاء من الصفحات الأخرى وينهض بمهمة القيادة والزعامة، وكان وسيلة التوجيه والإرشاد والتنشئة الاجتماعية، كما كان الوسيلة المؤثرة لتكوين الرأي العام. ولا يزال المقال الافتتاحي يلعب دورا رئيسيا في الصحافة الرفيعة أو صحافة الرأي العام المستنير غير أن هذا المقال التقليدي الطويل الذي قد يصل إلى أربعة آلاف كلمة ، قد أصبح اليوم مقالا قصيرا لا يزيد -بشكل عام- عن ستمائة كلمة على الأكثر. بل إن الصحف الحديثة قد درجت على تناول موضوعات متعددة في المقال الافتتاحي الواحد الذي يتخذ شكل ثلاثة أو أربعة مقالات افتتاحية قصيرة، ولا شك أن تنوع الموضوعات يؤدي خدمة جليلة للصحافة الحديثة، واسعة الانتشار، والتي يختلف قراؤها اختلافا كبيرا في الأذواق والأمزجة. فهناك مقالات حول الرياضة وأخرى حول الفن بالإضافة إلى السياسة والاقتصاد والشئون العامة. فكاتب المقال الافتتاحي يدرك تمام الإدراك أن صياغته للمقال ليست صياغة أدبية، ولا هي صياغة غير ملتزمة، وإنما هي صياغة ترتبط بسياسة الجريدة من ناحية، واهتمام القراء وميولهم من ناحية أخرى. لهذا نجد أن افتتاحيات الصحف الكبرى تحتوي على تعليق سياسي، وآخر اقتصادي، وثالث اجتماعي، ولا تهمل التعليق الطريف أو الخفيف الذي يقوم بالتسلية والنقد والسخرية في وقت معا.
ك-فن العمود الصحفي:
نشأ فن الأعمدة الصحفية حديثاً ، ووجدت هذه الأعمدة صدى لدى القراء، تتوخى الحديث إلى القارئ كصديق، كما ظهرت وكالات متخصصة في نشر الأعمدة مثل وكالات الأنباء . ومقال العمود حديث شخصي يومي أو أسبوعي لكاتب معين يوقعه باسمه وتحت عنوان ثابت ، ويتخذ العمود شكل سؤال وجواب، فيعرض الكاتب لسؤال القارئ، وقد يذكر اسمه أو يشير إليه بالأحرف الأولى، وفقا لرغبة صاحب السؤال، ثم يجيب على ذلك السؤال بما يرى ، على أن اختيار كاتب العمود للأسئلة التي يوردها للقراء والإجابة عليها ينبغي أن يراعى فيها أن تكون ذات صفة عامة غالبا، أو إنسانية حتى يجد القارئ أنها ذات فائدة له، أو قد يكون العمود عرضا تحليليا لرسالة وردت إلى محرر العمود، وفي ذلك ما يجعله موضعا للنقد من القراء أنفسهم إذا لم يوفق إلى عرض تحليلي للرسالة أو الإجابة عن الأسئلة إجابة صحيحة. وكثيرا ما يتضمن الرسائل الواردة موضوعات يمكن أن تكون ذات صبغة إنسانية، ومثل هذه الموضوعات ينبغي أن تبذل لها عناية أكبر من المشاكل ؛ ويصور العمود شخصية الكاتب وأفكاره وأحاسيسه وتأملاته، والكاتب يعتبر القراء بمثابة أصدقائه حين يفضي إليهم بكل ما خطر على باله أو ما يجيش في صدره من أفكار دون تكلف، ولا يضع كاتب العمود نفسه موضع المعلم أو الناصح أو المؤدب أو المترفع أو المتعالي، وإنما يخاطبهم مخاطبة الزميل لزميله أو الند للند. وكاتب العمود لا يتعمق في البحث كما يفعل المتخصصون، وإنما هو يكتب على سجيته كمواطن صالح مندمج في حياة الناس، وشاعر بآمالهم وآلامهم ومحاسنهم وعيوبهم، وعارف بمقاييس الخير والشر، كما أنه عارف بموازين الحق والباطل وبمعايير القبح والجمال، يستطيع أن يتهكم ويسخر في موضع التهكم والسخرية، ولكن بعبارات غير جارحة وإن كانت لاذعة. ويمتاز العمود الصحفي بخفة الظل وسهولة الأسلوب، واستخدام الصيغ الاستفهامية والاستنكارية والتعجبية، كما أنه يمزج التعبير بالتهكم والسخرية مع الحكم والأمثال المتداولة، والنكات اللاذعة والاقتباسات الدالة، والنقد البناء. وبالرغم من أن العمود لا يتسع لأكثر من الكلام عن فكرة واحدة، أو خاطر واحد، فإن كاتبه مضطر كذلك -بحكم الحيز الذي خصصته الصحيفة للعمود- أن يوجز في عبارته، وألا يجنح إلى الإسهاب في هذه العبارة..
ل-فن اليوميات الصحفية:
مقالات "اليوميات الصحفية " مقالات قريبة الشبه جداً من روح فن العمود من حيث التعبير الشخصي الذي ينم عن تفكير صاحبه، وروح المذهب الذي يعتنقه، ونظرته إلى الحياة، سواء كانت روحه ساخرة أو متواضعة أو مغرورة أو متكبرة. وقد تتناول اليوميات نقدا سياسيا أو اجتماعيا، والكاتب هنا يعبر عن وجهة نظره هو لا وجهة نظر الصحيفة. ويرى بعض علماء الصحافة أن المحرر الصحفي ينبغي أن يترك آراءه الخاصة ، فاليوميات الصحفية أشبه بالمقال الأدبي من حيث العناية باختيار الألفاظ، والاحتفاظ بطلاوة الأسلوب، بل لعلها أقرب إلى مقالات الاعترافات، بصفة خاصة، فهي تقدم صورا نابضة بالحياة، زاخرة بالمعاني. وهي تتطلب سيطرة تامة على اللغة والتعبير بالأسلوب السهل الممتنع، ولا شك أن طواعية اللغة لا تتيسر إلا للعارفين بها، والقادرين عليها. ولعل الطريقة الجاحظية في الكتابة بخصائصها المعروفة من حيث الإسهاب والاستطراد واتساع العبارة وجذب القارئ وسحبه بلطف ومهارة، والقدرة على أن تؤدي أفخم المعاني بأيسر الألفاظ، والعناية بجرس اللفظ وموسيقى العبارة -كل هذه الخصائص تنطبق على فن اليوميات الحديثة. ومن مميزات "اليوميات" تنوع موضوعاتها التي تصور الحياة الإنسانية بمعناها الواسع بخيرها وشرها، وتخلب العقل البشري والوجدان الإنساني، إلى جانب أنها قد تعالج السياسة والاقتصاد والمال والشئون الاجتماعية والعائلية. ويشترط في كاتب اليوميات أن يكون معروفا للناس من قبل بمؤلفاته أو بتقاريره الصحفية أو باتصالاته أو بأحاديثه في الإذاعة والتليفزيون أو بإنتاجه الأدبي، فكاتب "اليوميات" لا بد وأن يكون معروفا لدى القراء، الذين يتهافتون على قراءة يومياته لما تتصف به من خصائص الصدق في التعبير، والقدرة على التحليل النفسي. ويلاحظ أن كاتب اليوميات الناجح لا يكون منطويا على نفسه، بل كثيرا ما يكون منبسط النفس ، غير معقد، يستطيع أن يرفع التكلف بينه وبين القارئ، ويعرض أفكاره في بساطه ويسر.
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)
أ-تعريف الفن الصحفي :
الفن الصحفي هو الإعلام ورواية الأحداث وتفسيرها، ثم توجيه الجماهير وإرشادها، فضلا عن امتاعها وتسليتها، وذلك باستخدام الأشكال والفنون الطباعية المختلفة. وأهم خصائص الفن الصحفي معالجة الأمور الصعبة بأسلوب سهل، وتفسير الانجازات العظيمة بعبارات سلسة بسيطة.
ب-ماهية الفن الصحفي
الفن الصحفي : فن حضاري يزكو ويزدهر في البيئة الحضرية ، حيث تسود الحضارة الشفوية، ويتصل بأسباب التحضر، وينتشر أكثر ما ينتشر في المدن ، والمجتمع الذي يزداد نموه، وتتنوع تخصصاته، وتتعقد مشكلاته، لا يلبث أن يجد وسيلة الفن الصحفي ضرورة حتمية، تبعد كل البعد عن الخبرة الفردية المباشرة. ثم لا يلبث هذا المجتمع المتحضر أن تظهر فيه علوم وفنون وتخصصات بالغة التجريد والتعقيد، فيصبح الفن الصحفي حلا لصياغة المعرفة بطريقة عملية واقعية. وهكذا يكون الصحفي وسيطا اجتماعيا بين الخبير المتخصص من ناحية ورجل الشارع أو الرجل العادي من ناحية أخرى.
ج-طبيعة الفن الصحفي وخصائصه :
الفن الصحفي يختص برواية أحداث هذا العالم بوسائل دورية. أهمها الطباعة، وتصدر الصحف يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية. فقد أصبحت قراءة الصحف يوميا شيئا معتادا للقراء، ولا يستطيعون الإقلاع عنه. فالفن الصحفي هو طريقة تفكير ورؤية خاصة متميزة للحياة، والصحفي ينظر دائما إلى جمهوره، ويقرر إذا ما كان قادرا على فهم ما يقول أو غير قادر على ذلك، وهو لذلك يضفي على عمله الفني أبعادا ما كان ليضفيها عليه لولا هذه النظرة العملية للجمهور. إن الفن الصحفي هو جعل الأحداث والمعلومات والثقافة بل والفلسفة والعلم في متناول الجميع، بطريقة واضحة مشوقة درامية. وقد فطنت الحكومات إلى خطورة هذا الفن، وأخذت تستغله لترويج المفاهيم الجديدة والمذاهب الحديثة بين الجماهير. فالفن الصحفي، بدوريته وعموميته وشموله واستمراره، يضفي على أحداث العالم اهتماما إنسانيا بطريقة تثير الجمهور، وتشحذ قواه، وتملك مشاعره. حقيقة إنه لا يمكن للفن الصحفي أن يكون له العمق والخلود اللذين يتصف بهما الفن بوجه عام ، ولكن الفن الصحفي الناجح هو الذي يستطيع أن يعدل قيمة العالم تعديلا مؤقتا على الأقل؛ لأن الصحافة الجيدة تتخذ إطارا لها عالم الافتراضات اليومية ، مؤكدة الوجه الدرامي، والاهتمام الإنساني، عن طريق أحداث عالم الحياة اليومية. فالفن الصحفي تعبير موضوعي، وابتعاد تام عن الذاتية التي يتصف بها الأديب مثلا، فالأديب يعنى بنفسه، ويقدم لنا ما يجول بخاطره، ويسجل ما يراه وفقا لرؤيته الخاصة، وبرموز تنم عن ثقافته وعقليته. وهو في هذا الصنيع إنما يصف النفس الإنسانية، ويتعمق أسرارها، ويكشف عن حسناتها وسوآتها، ويكون لأوصافه صدى في نفوس القراء من كل جنس، وفي كل عصر، ما داموا قادرين على قراءته
وفهمه، والاستفادة منه. فالأديب حر في اختيار ما يقول، والقراء أحرار في قراءة ما يكتب الأديب. والحق أن الفن الصحفي قد استطاع أن يطور لغته الخاصة، وأشكاله الفنية من خبر وتقرير
د-لغة الفن الصحفي
استطاع الكاتب الصحفي الإنجليزي دانيل ديفو الذي اشتهر بقصته الخيالية الطويلة (روبنصن كروزو ) أن يلمس بعبقريته خاصية الفن الصحفي، ولغته الفريدة، التي تتميز عن لغة العلم ولغة الأدب فقال: "إذا سألني سائل عن الأسلوب الذي أكتب به لقلت إنه الذي إذا تحدثت به إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافا عظيما في قواهم العقلية -عدا البله والمجانين- فإنهم جميعا يفهمون ما أقول". هذا مع ملاحظة أن الرقم "5000" كان هو الحد الأقصى لتوزيع الصحف في القرن الثامن عشر في إنجلترا، وهو العصر الذي عاش فيه –ديفو- ، وأنتج فيه إنتاجا صحفيا متنوع الفنون، حتى أطلق عليه أبو الصحافة الإنجليزية. ومن الطريف أن ديفو كان مغرما بالعناوين المثيرة، مجددا في ذلك كل التجديد، وفي رأيه أن الجماهير لا بد أن تثار بالآراء الجزيئة، مع استخدام الوسائل البصرية التي تحقق هذه الإثارة طباعيا. وهكذا كان فهم ديفو للصحافة إرهاصا وإدراكا لمبدأ الإثارة الذي يفتخر به صحفيو القرن العشرين، غير أنه استغل هذا المبدأ استغلالا فكريا ناضجا، ولم يهبط به إلى مجرد الإثارة الانفعالية الرخيصة. كما أن طريقة ديفو في كتابته الصحفية كانت مبتكرة واعية لوظيفة الصحافة، فهو يبدأ بالتخصيص لكي يتطرق منه إلى التعميم، ولا شك أن هذه الطريقة المتبعة في التدريس الحديث يمكن تطبيقها على الفن الصحفي الذي يتوجه إلى القارئ العام بذكائه المتوسط وثقافته العادية. وهكذا تكون رؤية العباقرة للخصائص الفنية سابقة لظهورها. ومن أهم مميزات الفن الصحفي عند ديفو أسلوب التهكم اللاذع، والسخرية المشرقة, وكانت طريقته في ذلك ما يسمى بمنطق التسخيف، فهو يسير مع الرأي الذي يسخر منه في مبالغة إلى آخر الشوط الذي لا بد وأن يؤدي إليه، وذلك لكي يظهر عيوبه ونقائصه، ويفضح سخفه وتناقضه.
ه-مستويات التعبير اللغوي والصحافة:
إن اللغة تتميز على غيرها من الرموز والنظم الإشارية بأنها في متناول الجميع، وبمعونتها نستطيع نمذجة العالم، وهذا يميزها عن العلم والفن أو الأدب اللذين يتطلبان تدريبا خاصا. فالفنان يستطيع خلق أسلوبه الخاص -"لغته" الفنية الخاصة- وأسلوبه الجمالي، ورموزه الشخصية. فقد سئل الشاعر العربي أبو تمام: لماذا لا تقول ما يفهم؟ فأجاب قائلا: ولماذا لا تفهمون ما أقول؟ وسئل الفنان الحديث بيكاسو: لماذا لا تصور ما يفهمه الناس؟ فأجاب : أن للفن رموزا تشبه اللغة الصينية وعليك أن تفهمها أولا. والعالم كذلك له رموزه وصيغه وأرقامه في علوم الطبيعة والرياضة والكيمياء والفلك والمنطق وغيرها. ولا يمكن فهم الرياضة إلا بعد إتقان هذه الرموز بتدرب خاص. أما اللغة العملية، اللغة اليومية، اللغة الاجتماعية، لغة الفن الصحفي فتمتاز بالشمول كما أنها لغة طبيعية منذ الطفولة، في حين أن لغة العلم ولغة الفن من اللغات المصطنعة التي لا يمكن اكتسابها إلا بعد سنوات من المران والتدريب. وهكذا توجد ثلاثة مستويات للتعبير اللغوي: أولها : هو المستوى التذوقي الفني والجمالي ويستعمل في الأدب والفن،
والثاني : هو المستوى العلمي النظري التجريدي، ويستعمل في العلوم، والثالث : هو المستوى العملي الاجتماعي العادي وهو الذي يستخدم في الصحافة والإعلام بوجه عام. وهذه المستويات الثلاثة كائنة في كل مجتمع إنساني .
و-لغة الأدب ولغة الصحافة:
إن العالم والفنان يعبران عن حقيقة واحدة بطريقتين مختلفتين:
الأول : يعبر بطريقة نظرية
والآخر: يعبر بطريقة جمالية،
وهذان المظهران من مظاهر الحقيقة ليسا مظهرا واحدا، فإذا عرجنا على المستوى الثالث للغة بعد المستوى الجمالي والمستوى النظري وهو مستوى لغة الحياة اليومية، فإننا نواجه المعبِّر الفعلي عن هذا المستوى، ألا وهو الفن الصحفي. والصحافة تضم أنواعا متباينة من اللغة كلغة التجارة، واللغة الرسمية، ولغة الدين، واللغة العامية الخاصة بالعمال والفلاحين، واللغة الدارجة ... إلخ ولكن لغة الفن الصحفي هي لغة جديدة، تقرب من لغة المحادثة المثقفة، وهي ليست لغة مباشرة كلغة الأدب، التي يصور بها الأديب ما يراه ويرسمه بقلمه؛ لأن لغة الفن الصحفي هي لغة المغزى والمعنى والأهمية. حقيقة إن "نقاء" لغة الأدب، حين يعبر الفنان عن اللون باللون، وعن النغمة بالنغمة وعن الشكل بالشكل، قد تظهر في الصحافة أحيانا، كما أن لغة العلم قد تظهر في بعض الصحف، ولكن لغة الفن الصحفي الأصيل، القائمة على الوظيفية الهادفة والوضوح والإشراق، اللغة العملية، تكاد تكون فنا تطبيقيا قائما بذاته. فالفن الصحفي تعبير اجتماعي شامل، ولغته ظاهرة مركبة خاضعة لكل مظاهر النشاط الثقافي من علم وفن وموسيقى وفن تشكيلي ... إلخ، هذا إلى جانب السياسة والتجارة والاقتصاد والموضوعات العامة. إن الفن الصحفي فن تطبيقي يهدف إلى الاتصال بالناس ونقل المعاني والأفكار إليهم، فهو أداة ووظيفية وليس فنا جماليا يقصد لذاته. وسنرى أن للفن الصحفي وظائف محدودة هي: ( الإعلام والتفسير والتوجيه والتشويق والإمتاع والتنشئة الاجتماعية) . ومع ذلك فلغة الفن الصحفي تختلف عن كل هذه جميعا لأنها تتضمنها كلها ولا تقتصر على أي منها؛ ذلك أن القراء ليسوا قطاعا واحدا من الناس ولكنهم في الغالب كل الناس، ولأن الصحفي يكتب لكل الناس في كل الأوقات -وليس لجزء من الناس في كل الأوقات أو لكل الناس بعضا من الوقت- فإنه يجب عليه أن يجاهد لتحقيق هدفه بوجه عام وهو جعل رسالته مفهومة لدى الجميع.
ز-وظائف الفن الصحفي:
رأينا أن الفن الصحفي فن تطبيقي وليس فنا تجريديا. والفن التطبيقي -على العكس من الفن الجميل- لا يقصد لذاته، وإنما يهدف إلى تحقيق غايات معينة، وأن يؤدي وظائف محددة. والفن الصحفي له ست وظائف رئيسية هي: (الإخبار والإعلام، التفسير أو الشرح، والتوجيه أو الإرشاد، والتسلية أو الإمتاع، والتسويق أو الإعلان، والتعليم أو التنشئة الاجتماعية) . وهذه الوظيفة (وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية) من أهم وظائف الصحافة ، فالإعلام هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها". بمعنى أننا إذا أخذنا صفحة من جريدة أو مجلة وأخضعناها للتحليل العلمي الدقيق لوجدنا أنها تنبض بما في الأمة التي صدرت عنها الجريدة أو المجلة من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد. وقد سخر البعض من هذه الوظيفة الصحفية وقال بلهجة تهكمية: "إن الكتاب والفلاسفة هم أولئك الناس الذين تستأجرهم السلطة الحاكمة ليشعروا الناس أن كل شيء يسير على ما يرام". والحقيقة أن الصحافة تقوم ببث الأفكار والمعلومات والقيم التي تحافظ على ثقافة المجتمع، وتساعد على تطبيع أفراده وتنشئتهم على المبادئ القويمة التي تسود في الحضارة. فوظيفة التنشئة الاجتماعية تتصل بخلق الجو الحضاري الملائم للتقدم والنهضة عن طريق التوعية الشاملة بأهداف المجتمع وخططه. فالفن الصحفي يسعى لتكامل المجتمع، بتنمية الاتفاق العام، ووحدة الفكر، بين أفراده وجماعاته، ويقوم بتثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات والعمل على صيانتها والمحافظة عليها، ويدخل في ذلك نوعية المواطنين بالسياسات والإجراءات، ودعم قوى الدفاع بإعلام المواطنين بالتهديدات الخارجية والداخلية على الأمن القومي، ويوسع مجال الحديث والمشاركة والمناقشة بترويج الاصطلاحات الجديدة المتعلقة بالنواحي التكنولوجية والثقافية، بطريقة التبسيط والتفسير. وإذا كان الصحافة تعمل على دعم العادات الاجتماعية السائدة، فإنها ترحب بالتعديلات والتغيرات التي يمكن للجماعة أن تطبقها وتقبلها. وهنا يكمن التفرق بين الفن التشكيلي وفن الأدب من جهة، والفن الصحفي من جهة أخرى . فالفن الصحفي مثلا ملتزم بقضايا الساعة، وبموضوعات المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن الأدب أو الفنان قد يتحرر من هذا الالتزام. وقد تكون رؤية الأديب أو الفنان للعالم وللقيم من خلال نظرته الذاتية، ولكن الصحفي ينظر إلى العالم نظرة موضوعية من خلال نظرة قرائه، ومن خلال قيم المجتمع ومبادئه. ويمكن النظر إلى الفن الصحفي على أنه ذلك الفن الذي يقوم ببث رسائل واقعية أو خيالية على أعداد كبيرة من الناس، يختلفون فيما بينهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ويقصد بالرسائل الواقعية مجموعة الأخبار والمعلومات التي تدور حول الأحداث، وكذلك القصص والتمثيليات التي قد ترتكن إلى الواقع وتنسج منه صورة فنية. وفي جميع الأحوال، تراعي الصحافة أن المواد المنشورة تتفق مع الثقافة الشائعة والمعتقدات الدينية والمذاهب السياسية والمعايير الأخلاقية. فالصحافة تقوم بالتثقيف، وتطبيع الناس على عادات الأمة وتقاليد الحضارة وطقوسها وأنماط سلوكها، مما يهيئ للفرد أساليب التعامل مع الناس، والتكيف مع البيئة. فقد ثبت الآن بعد دراسات علم النفس الارتقائي، وعلم الإنسان "الأنثروبولوجيا" وعلم الاجتماع، أن التثقيف له أثره الكبير في تشكيل الاتجاهات النفسية والرأي العام . وكثيرا ما يمثل الإنسان بالمادة الخام والمنظمات الاجتماعية بالخزاف الذي يشكل المادة في يده تشكيلا يتفق مع عادات الجماعة وقيمها وتقاليدها. ويؤكد أوديجارد أنه من المستحيل فهم الرأي العام في أمة من الأمم ما لم ندخل في اعتبارنا تللك القوى المادية والأدبية التي تشكل شخصية هذه الأمة. ولكي نتعرف على اتجاهاتها وآرائها، يجب علينا أن نهتم بإدراة المنظمات الاجتماعية التي تعطي للفرد معتقداته وتشكل اتجاهاته. فالإنسان في المجتمع يتأثر بالأسرة والدين والتقاليد ونظام الدولة والأصدقاء والأقران، والجماعات ذات النفوذ كالنقابات والأحزاب والهيئات والصحف وأجهزة الإعلام الأخرى. وقد فطن خبراء الحرب النفسية إلى أهمية الصحافة في شن الدعاية السوداء، فاتخذوا من الصحف المشهورة والمجلات المحبوبة ستارا تتخفى الدعاية وراءه، عندما تستعير من الصحف الاسم والعناوين والإخراج وشكل الغلاف وغيرها من المعالم الصحفية التي تعود عليها القارئ وأنس إليها، ثم أخذ من وراء هذا الستار تقطر سمومها لكي تصل إلى أغراضها. بل إن أسلوب الفن الصحفي في الكاريكاتور والنكتة والسخرية والترفيه، كثيرا ما يستخدم لتحقيق الأغراض الدعائية، وذلك على أساس ما للفن الصحفي من قوة في التأثير على الجماهير. إن وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية تنطوي على التوعية والإيقاظ والتنبيه، وبث روح المسؤولية، والإيمان بالقيم والمبادئ، والشعور بالولاء العميق للأمة. وهنا يقوم الفن الصحفي بتجسيم الأهداف، وشرح الخطط، وإعداد المواطن للعمل في الحرب والسلم على السواء. إن الصحافة تقدم العديد من القواعد السلوكية من خلال الخبر والتعليق والمقال والتفسير والنكتة والقصة والكاريكاتور، ومن خلال الردود على أسئلة القراء. ومن هذه القواعد السلوكية أن الحب هو مفتاح النصر، ويكفي للمرء أن يحب لكي يقهر كل شيء، وقاعدة أخرى هي أن العمل المتواصل لا بد وأن يؤدي إلى النجاح. هذا فضلا عن معاني الفضيلة والرذيلة، ومبادئ الثقة بالنفس والثقة بالجماعة والثقة بالله، والإيمان بالدين، والاعتقاد بالثواب والعقاب، ويرمز لها بالجنة والنار. وتلعب الأخبار نفسها هذا الدور عندما تتلقف الأحداث الإنسانية، وتصوغها وترويها بأسلوب صحفي جذاب.
ح-فن المقال الصحفي:
أصبح المقال الصحفي أحد أركان فن القول وهو الوعاء الذي نستخدمه في كتابة الموضوعات الأدبية . يقول الدكتور طه حسين : "لا بد للأديب أن يروض نفسه، ويسوسها حتى تألف الجهد والعناء والمشقة . ونرى أنها أيسر ما يجب لإنتاج الأدب الرفيع الذي يستحق أن يسمى أدبا. ولا على الأديب أن يغضب أصحاب المطبعة إن أبطأ به الإنتاج عما ضربوا له من موعد، فذلك كله خير له من أنه يتعجل، فيرضي الصحيفة والمطبعة، ويسخط الفن ويفسد معه ذوق كثير من القراء. وهنا تفكر الصحف وتثور فهي لا تستطيع أن تنتظر الأديب حتى يتقن إنتاجه، ويصبح نشره شيئا لا حرج فيه. فمن أراد أن يكتب لها على شرطها فليعمل، ومن أبى إلا أن يكتب إلا على شرط الأديب فليلتمس لنفسه مذهبا آخر من مذاهب النشر". " ( جريدة الجمهورية، عدد 5 فبراير سنة 1954) . قد ذهبت الصحافة بالفن الكتابي حتى أحالته إلى فن باهت اللون، لا حظَّ له من جمال الأصباغ التي تفتن العين. والسبب في ذلك أن الأديب يتاح له من الفراغ ما يجد له من أسباب التأنق والتحذق والتصنع والتفنن على حين أن الصحفي وراءه مطبعة تطالبه بغذائها كل يوم".(الدكتور عبد اللطيف حمزة، أدب المقالة الصحفية في مصر، جزء 2، ص225). إن المقال الأدبي يضع الصياغة في المكان الأول، أما المقال الصحفي فإنه يهتم بالمضمون والفكرة التي يرمي إلى إيضاحها في يسر وجلاء. والواقع أن السرعة -وهي أهم مميزات الكتابة الصحفية- ليست هي المسؤولية وحدها عن إخراج المقال الصحفي من حيز الأدب الخالد، إلى مجال الصحافة غير الخالدة ، بل السبب الأقوى هو أن المقال الأدبي يتصل بالأعماق البشرية، ومن هنا يمكن أن يكون أدبا عالميا يتجاوز الحدود المحلية والزمنية، في حين أن المقال الصحفي يرتبط بالأحداث الجارية والمشكلات الاجتماعية. فالمقال الصحفي هو ثمرة للتقدم الحضاري، فهو بطبيعته لا يزكو إلا في بيئة يتكون فيها الرأي العام، ويتقدم فيها العمل السياسي، وتتصارع بها الآراء والاتجاهات، وينتشر فيها التعليم، وينهض الفنون، ، وينتقل التفكير من الذاتية والأسطورية إلى الواقعية والموضوعية. فإذا نظرنا إلى فن المقال الأدبي نفسه لوجدنا أنه قد ظهر في بيئة ملائمة لنشأته، وجد فيها جوا صالحا للنمو والازدهار
ط-من الأدب إلى الصحافة:
إن الأدب فن ذاتي، يتصل بالنفس البشرية، أما الصحافة، فهي فن اجتماعي يتصل بحياة المجتمع، فالمقال الأدبي يتصل بأعماق النفس والعواطف الإنسانية "فهو يعبر قبل كل شيء عن تجربة معينة مست الأديب نفسه ، فأراد أن ينقل الأثر إلى نفوس قرائه، فالمقال الأدبي يغوص بالقارئ إلى أعماق نفس الكاتب أو الشاعر، ويتغلغل في ثنايا روحه حتى يعثر على ضميره المكنون، وأكثر ما يتصل المقال الصحفي بأحداث المجتمع الخارجي عامة، كما يفترض وجود رأي عام يخاطبه ويتحدث إليه، وبمعنى آخر، يمكن القول : إن المقال الأدبي يدخل في اعتباره عواطف الفرد ووجدانه، أما المقال الصحفي فيهتم بما يسمى "بالوجدان الجماعي". فالصحافة مرآة تنعكس عليها مشاعر الجماعة وآراؤها وخواطرها. ومن هنا جاء تعريف أوتوجروت لها بأنها تجسيد لروح الأمة. أما الأدب فمرآة تنعكس عليها مشاعر الأديب وآراؤه وخواطره. وإذا كان المقال الصحفي يهتم بتفاصيل ما يجري من الأحداث اليومية في المجتمع، وبتسجيل الإحصاءات والأرقام التي جمعت والكلمات التي قيلت، والأحداث التي وقعت، كأنه يثبت جسم الحقيقة، فإن المقال الأدبي ينفذ إلى روح تلك الإحصاءات والأرقام والكلمات والأحداث. فالمقال الصحفي يهتم بالواقع والتفاصيل، أما المقال الأدبي فإنه يهتم عادة بالقيم (دكتور زكي نجيب محمود، جنة العبيط، ص10). ولذلك فإن الفرق بين الأديب والصحفي في فن المقال هو في نزوع أحدهما إلى أعماق النفس البشرية ونزوع الثاني منزع الناقد الاجتماعي ، والمقال الأدبي قد يكون خياليا أو مثاليا أو واقعيا تبعا لميول الكاتب وأغراضه، ومزاجه الشخصي، أما المقال الصحفي فإنه ينبغي أن يكون عقليا واقعيا، يعتمد على المنطق والأسانيد الواقعية الحسية، دون تحليق في عالم الخيال أو المثل. فالأديب حر في اختيار الموضوع الذي يشاء، أما الصحفي فهو مقيد باختيار الموضوعات العامة التي تهم أكبر عدد ممكن من القراء، تدور حول مسائل ومشكلات تهم الدولة والمجتمع. وجمال المقال الأدبي يتحقق في ذاته لأنه لا يعتمد كثيراً على العناصر الخارجية كالظروف والمناسبات، ذلك أن الأديب يلتمس الجمال الحقيقي في العبارة عن طريق البراعة الفنية في الصياغة والأداء، أما الصحفي فعلى العكس من ذلك ترتبط كتابته دائما بالجو الاجتماعي، والظروف السياسية المحيطة به، حتى إننا لا نكاد نفهم هذه المقالات الصحفية في العصور الماضية دون الإحاطة التامة بالبيئة الاجتماعية، وخصائص العصر الذي كتبت فيه. ومن المعروف كذلك أن الآداب الخالدة، والمؤلفات الكبرى لا تتطلب في دراستها مثل ذلك العناء الذي تتطلبه القطع الأدبية التي يكتبها أدباء الطبقة الثانية؛ لأن الآداب العظمى الرفيعة تتصل بعواطف الإنسان الثابتة، وترتبط بعلاقات بشرية خالدة، أما الصحافة فإنها تدور حول أمور اجتماعية ومناسبات معينة، لذلك كانت كتابات الطبقة الثانية في الأدب والصحافة أيضا ذخيرة هامة للمؤرخ وعالم الاجتماع، تتفوق في قيمتها الاجتماعية ودلالتها التاريخية على الآداب الإنسانية الرفيعة التي يهتم بها الأدباء والنقاد وعلماء الجمال. فبينما نجد أن الأديب يكتب ما يشاء مهما كان الموضوع دقيقا أو خياليا أو غريبا، ويحاول أحيانا أن يكتشف ما خفي عن أنظار غيره من الأدباء مستعينا في ذلك بخلق الشخصيات الخيالية والمواقف الوهمية، إذا بالصحفي مقيد بالحاضر لا يستطيع الفرار منه، وما فيه من أحداث فهو لا يستطيع أن يرخي العنان للخيال كما يفعل الأديب، ولا يستطيع أن يهمل الشخصيات الواقعية من أجل شخصيات خيالية، ولا يستطيع أن يسبح في أجواء الماضي أو يطير في خيال المستقبل كما يفعل الأديب. فالصحفي مقيد بميول قرائه وسياسة صحيفته ورغبات المعلنين بل أوامر الحاكمين أيضا!.
والصحفي يعتمد على الواقع المحسوس، يشتق منه الدليل الذي يسوقه على صحة رأيه في مسألة من المسائل، ويتنكب طريق الأديب الذي يتسلق على كلام السابقين من مشاهير الشعر والحكمة والقصص. فالصحافة فن واقعي لصيق بالأحداث الجارية، والصحفي يشتق دليله من الحوادث، لا من بطون الكتب الأدبية أو الفلسفية، مع قدرته على الوصول إلى هذه الكتب والانتفاع بها والاستشهاد بكلام ذويها. وقد كان رفاعة رافع الطهطاوي منشئ فن المقال الصحفي في مصر مغرما بالرحلات، كلفا بالمشاهدات التي سجلها في "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" وكذلك في مقالاته ، ولا بد أن يكون لفن المقال الصحفي لغته الخاصة، فهو يتحدثت إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافا عظيما في قواهم العقلية ، وهذه اللغة لا تكون منمقة بمجازات واستعارات، ولا مزخرفة بتورية واستخدام، ولا مفتخرة بفخامة لفظ وبلاغة عبارة، ولا معربة عن غزارة علم وتوقد ذكاء، ولكن أحاديث تعودناها، ولغة ألفنا المسامرة بها، إن الكاتب الصحفي ينفذ إلى المغزى والدلالة، في حين أن الكاتب الأدبي يهتم بالتعبير الجمالي والوصف ونقل المدركات المحسوسة. فالأديب يحاول أن ينقل لك البحر نفسه في مقاله الأدبي، أما الصحفي فلا يهمه من البحر إلا مغزاه الاجتماعي ودلالته السياسية وأهميته الاقتصادية. والفنان الأصيل لا يجرد الحقيقة كما يجردها الصحفي، ولكنه يدرك اللون ويعبر عن اللون، ويحيا في هذه الحياة خبرات معينة ليعبر عنها مباشرة ويقدمها في إطار جمالي دون أن يحولها إلى معان سياسية واجتماعية كما يفعل الصحفي. والفرق بين الأدب والصحافة أو بين المستوى الجمالي والمستوى الاجتماعي للغة، يقابله كذلك فروق أخرى بين كل من المستوى الأدبي والعملي والعلمي. والأديب فنان يستعمل الألفاظ على النحو الذي يروقه أو يفضله على غيره، أما الصحفي فإنه يلتزم طريقة بعينها، قائمة على البساطة والوضوح، وتيسير الفهم على القارئ العادي، ولما كان الصحفي يعرض أفكارا وآراء، ويفسر اتجاهات ويشرح بيانات، فإن واجبه أن يتجنب أسلوب الأديب الذي يكون غالبا أسلوبا منمقا بالمحسنات اللفظية، موشى بالحيل البديعية، أو أن الصور البيانية تتلاحق فيه وفقا لذوق الكاتب وإدراكه لمعاني الجمال، الذي هو هدف المقال الأدبي. أما المقال الصحفي فلا يمكن أن يكون منمقا في لغته أو موشى في عباراته، ولا يجب أن تتراكم فيه الصور البيانية؛ لأنها ربما تعوق القارئ في فهمه لفكرة الكاتب في سرعة ووضوح ويسر. فالصحفي يرى الأشياء من ناحية دلالتها العملية وتفسيرها الاجتماعي، حتى إن فوائد المدركات ونفعها أهم عنده من إدراكها لذاتها إدراكا فنيا خالصا كما يفعل الأديب والفنان. فالفرد العادي "ويمثله الصحفي بمستواه اللغوي العملي وبأسلوبه السريع" لا يرى الأشياء بعينه وإنما يدركها بعقله في سرعة من خلال ما تحدده له تربيته وخبرته وبيئته. أما الأديب أو الفنان فإنه يدرك الأشياء نقية خالصة.
ي-المقال الصحفي بين التقليد والتجديد:
يعتبر المقال الصحفي الافتتاحي أهم فنون المقال الصحفي، وهو فن خاص يعتمد على الشرح والتفسير والإيضاح، معتمدا على الحجج والبراهين، والإحصاءات والبيانات، للوصول في نهاية الأمر إلى إقناع القارئ وكسب تأييده. وكاتب المقال الافتتاحي ينبغي أن يكون ملما بالموضوع الذي يكتب فيه، وأن يقرأ عنه في الكتب والمجلات المصرية والأجنبية. وليس المقال الافتتاحي تعبيرا عن الرأي الشخصي لصاحبه، وإنما هو في حقيقة الأمر تعبير عن سياسة الصحيفة. ولذلك فكثيرا ما يكون المقال الافتتاحي غفلا من التوقيع؛ لأنه منسوب إلى الصحيفة كهيئة إعلامية أكثر منه إلى الشخص نفسه. وفي الصحافة الحديثة، يختار مجلس التحرير موضوع المقال الافتتاحي، ويعهد بكتابته إلى المتخصص في ذلك الموضوع. ولم يعد المقال الافتتاحي مجرد تعبير عن الرأي بصورة قاطعة حاسمة، بل لقد أصبح هذا المقال نوعا من التحليل الدقيق المتوازن، الذي يسوق فيه الكاتب الحجج والبراهين لإثباته، في هدوء وروية. غير أن هذا التعبير "اللاشخصي" ليس معناه الجفاف في التعبير أو الجفاء في موقف الكاتب من القارئ؛ إذ إن خاصية التبسيط في الحديث والإيناس في السرد، لا تزال أهم مميزات فن المقال الصحفي. فالكاتب يسعى لإثارة الانتباه، واجتذاب القراء، والتحدث إليهم حديث الند للند دون استعلاء. ذلك أن المقال الافتتاحي يهدف إلى الإقناع لا مجرد الاستمالة العاطفية. فالشواهد والأدلة والبراهين، سواء بالنصوص أو الإحصاءات أو المقارنات ضرورة لازمة للتعليق على الأخبار والمجريات. وقد كان المقال الافتتاحي في القرن الماضي يشغل الصفحة الأولى وبعض أجزاء من الصفحات الأخرى وينهض بمهمة القيادة والزعامة، وكان وسيلة التوجيه والإرشاد والتنشئة الاجتماعية، كما كان الوسيلة المؤثرة لتكوين الرأي العام. ولا يزال المقال الافتتاحي يلعب دورا رئيسيا في الصحافة الرفيعة أو صحافة الرأي العام المستنير غير أن هذا المقال التقليدي الطويل الذي قد يصل إلى أربعة آلاف كلمة ، قد أصبح اليوم مقالا قصيرا لا يزيد -بشكل عام- عن ستمائة كلمة على الأكثر. بل إن الصحف الحديثة قد درجت على تناول موضوعات متعددة في المقال الافتتاحي الواحد الذي يتخذ شكل ثلاثة أو أربعة مقالات افتتاحية قصيرة، ولا شك أن تنوع الموضوعات يؤدي خدمة جليلة للصحافة الحديثة، واسعة الانتشار، والتي يختلف قراؤها اختلافا كبيرا في الأذواق والأمزجة. فهناك مقالات حول الرياضة وأخرى حول الفن بالإضافة إلى السياسة والاقتصاد والشئون العامة. فكاتب المقال الافتتاحي يدرك تمام الإدراك أن صياغته للمقال ليست صياغة أدبية، ولا هي صياغة غير ملتزمة، وإنما هي صياغة ترتبط بسياسة الجريدة من ناحية، واهتمام القراء وميولهم من ناحية أخرى. لهذا نجد أن افتتاحيات الصحف الكبرى تحتوي على تعليق سياسي، وآخر اقتصادي، وثالث اجتماعي، ولا تهمل التعليق الطريف أو الخفيف الذي يقوم بالتسلية والنقد والسخرية في وقت معا.
ك-فن العمود الصحفي:
نشأ فن الأعمدة الصحفية حديثاً ، ووجدت هذه الأعمدة صدى لدى القراء، تتوخى الحديث إلى القارئ كصديق، كما ظهرت وكالات متخصصة في نشر الأعمدة مثل وكالات الأنباء . ومقال العمود حديث شخصي يومي أو أسبوعي لكاتب معين يوقعه باسمه وتحت عنوان ثابت ، ويتخذ العمود شكل سؤال وجواب، فيعرض الكاتب لسؤال القارئ، وقد يذكر اسمه أو يشير إليه بالأحرف الأولى، وفقا لرغبة صاحب السؤال، ثم يجيب على ذلك السؤال بما يرى ، على أن اختيار كاتب العمود للأسئلة التي يوردها للقراء والإجابة عليها ينبغي أن يراعى فيها أن تكون ذات صفة عامة غالبا، أو إنسانية حتى يجد القارئ أنها ذات فائدة له، أو قد يكون العمود عرضا تحليليا لرسالة وردت إلى محرر العمود، وفي ذلك ما يجعله موضعا للنقد من القراء أنفسهم إذا لم يوفق إلى عرض تحليلي للرسالة أو الإجابة عن الأسئلة إجابة صحيحة. وكثيرا ما يتضمن الرسائل الواردة موضوعات يمكن أن تكون ذات صبغة إنسانية، ومثل هذه الموضوعات ينبغي أن تبذل لها عناية أكبر من المشاكل ؛ ويصور العمود شخصية الكاتب وأفكاره وأحاسيسه وتأملاته، والكاتب يعتبر القراء بمثابة أصدقائه حين يفضي إليهم بكل ما خطر على باله أو ما يجيش في صدره من أفكار دون تكلف، ولا يضع كاتب العمود نفسه موضع المعلم أو الناصح أو المؤدب أو المترفع أو المتعالي، وإنما يخاطبهم مخاطبة الزميل لزميله أو الند للند. وكاتب العمود لا يتعمق في البحث كما يفعل المتخصصون، وإنما هو يكتب على سجيته كمواطن صالح مندمج في حياة الناس، وشاعر بآمالهم وآلامهم ومحاسنهم وعيوبهم، وعارف بمقاييس الخير والشر، كما أنه عارف بموازين الحق والباطل وبمعايير القبح والجمال، يستطيع أن يتهكم ويسخر في موضع التهكم والسخرية، ولكن بعبارات غير جارحة وإن كانت لاذعة. ويمتاز العمود الصحفي بخفة الظل وسهولة الأسلوب، واستخدام الصيغ الاستفهامية والاستنكارية والتعجبية، كما أنه يمزج التعبير بالتهكم والسخرية مع الحكم والأمثال المتداولة، والنكات اللاذعة والاقتباسات الدالة، والنقد البناء. وبالرغم من أن العمود لا يتسع لأكثر من الكلام عن فكرة واحدة، أو خاطر واحد، فإن كاتبه مضطر كذلك -بحكم الحيز الذي خصصته الصحيفة للعمود- أن يوجز في عبارته، وألا يجنح إلى الإسهاب في هذه العبارة..
ل-فن اليوميات الصحفية:
مقالات "اليوميات الصحفية " مقالات قريبة الشبه جداً من روح فن العمود من حيث التعبير الشخصي الذي ينم عن تفكير صاحبه، وروح المذهب الذي يعتنقه، ونظرته إلى الحياة، سواء كانت روحه ساخرة أو متواضعة أو مغرورة أو متكبرة. وقد تتناول اليوميات نقدا سياسيا أو اجتماعيا، والكاتب هنا يعبر عن وجهة نظره هو لا وجهة نظر الصحيفة. ويرى بعض علماء الصحافة أن المحرر الصحفي ينبغي أن يترك آراءه الخاصة ، فاليوميات الصحفية أشبه بالمقال الأدبي من حيث العناية باختيار الألفاظ، والاحتفاظ بطلاوة الأسلوب، بل لعلها أقرب إلى مقالات الاعترافات، بصفة خاصة، فهي تقدم صورا نابضة بالحياة، زاخرة بالمعاني. وهي تتطلب سيطرة تامة على اللغة والتعبير بالأسلوب السهل الممتنع، ولا شك أن طواعية اللغة لا تتيسر إلا للعارفين بها، والقادرين عليها. ولعل الطريقة الجاحظية في الكتابة بخصائصها المعروفة من حيث الإسهاب والاستطراد واتساع العبارة وجذب القارئ وسحبه بلطف ومهارة، والقدرة على أن تؤدي أفخم المعاني بأيسر الألفاظ، والعناية بجرس اللفظ وموسيقى العبارة -كل هذه الخصائص تنطبق على فن اليوميات الحديثة. ومن مميزات "اليوميات" تنوع موضوعاتها التي تصور الحياة الإنسانية بمعناها الواسع بخيرها وشرها، وتخلب العقل البشري والوجدان الإنساني، إلى جانب أنها قد تعالج السياسة والاقتصاد والمال والشئون الاجتماعية والعائلية. ويشترط في كاتب اليوميات أن يكون معروفا للناس من قبل بمؤلفاته أو بتقاريره الصحفية أو باتصالاته أو بأحاديثه في الإذاعة والتليفزيون أو بإنتاجه الأدبي، فكاتب "اليوميات" لا بد وأن يكون معروفا لدى القراء، الذين يتهافتون على قراءة يومياته لما تتصف به من خصائص الصدق في التعبير، والقدرة على التحليل النفسي. ويلاحظ أن كاتب اليوميات الناجح لا يكون منطويا على نفسه، بل كثيرا ما يكون منبسط النفس ، غير معقد، يستطيع أن يرفع التكلف بينه وبين القارئ، ويعرض أفكاره في بساطه ويسر.
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)