المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموتُ شوقاً



تيسير الغصين
31-05-2016, 01:39 PM
قصة قصيرة بقلم:
الكاتب القاص
تيسير الغصين
المَوْتُ شَوْقَاً


كَيفَ يمكنه دَفْعُ مَوْجَةَ الحُزنِ العَاتِيّة التي ألمَّتْ بِبيْتهِ الصَغيرِ حِينَ اختطفَ الموتُ على حِينِ غِرَّة زَوْجَهُ مُخلِفة طِفلاً في أمسِّ الحاجةِ لها؟! أيُّ الكلمات تلك التي يمكن أن تخفف من فاجعته بأمه؟!
حاول جاهداً مواساته ، اصطحبه إلى معرض لبيع الألعاب فاشترى له واحدة غالية الثمن، لم يأبه بها وتركها في ركن غرفته، منخرطاً في بكاءٍ مريرٍ ..كلمة واحدة لخَصتْ مطلبه "اريد ماما.. لا أريد ألعابا ولا أي شيء آخر"، كظم الأب حزنه، حاول مواراة ألمه رفقا به، ضمّه إلى صدره، أحس بحزنه بركاناً يُفجِّر جوانحه، همس في أذنه غدا نلقى الـ ماما في الجنة يا صغيري، سكن الطفل لحظة وسأل بشغف، كيف نلتقيها وقد رأيتهم يُهيلونَ عليها الترابَ يا بابا؟!
قال الأب :
-كلنا سنموت ذات يوم، وفي الجنة نلتقي.
غابت ملامحُ الحزنِ عن طفلهِ رويدا وقال بلهفة:
- وهل سنلتقي بماما هناك؟!
ربتَّ على كتف صغيره بألم، وقال وهو يمسح دمعة في عينه:
- نعم، نعم.
في المساء افتقد الأب طفله، كان البيت ساكناً موحشاً، بحث عنه في كل زاوية من زوايا المنزل دون أثر، هتف بأعلى صوته، بلا مجيب سوى رجع الصدى، اشتعلت الهواجس في جسده، تعالت خفقات قلبه، لعله هنا، لعله هناك، أين ذهب طفلي المسكين.. أعلم مدى تعلقه بوالدته، قلبي يتفطر حزناً عليهما ..
قادته قدماه إلى حديقة المنزل، كانت العتمةُ وشاحاً للمكان، أشعل الضوءَ، جالَ ببصره في الأنحاء، دقق النظر فلعله نائما بين أعشاب الحديقة، دون جدوى..
وحدها المأساة كانت معلّقة بغصن شجرة الجميز، ارتجَّ فؤاده بين الخافقين بقوة، ركض بدون وعي، جُنَّ جنونه، وهو يشاهد جثة طفله مُعلّقاً بحبل رُبِطَ في عنقه بأحد أغصان الشجرة العتيقة.

ناديه محمد الجابي
31-05-2016, 10:01 PM
الموت هو الألم الحقيقي للبشر ـ هو الجرح الذي يصعب أن يبرأ
وإذا كان الفقد صعب ومؤلم .. فأصعب الفقد هو فقد الأم ، وليس الأم كأحد.
قد نتحدث أحيانا لأطفالنا بكلمات لا نلقي لها بالا ، ولا نعرف إنها تحفر في عقولهم
وسيظل هذا الأب يشعر بالحزن طوال عمره وبالذنب ، فهو من قال لولده .. كيف يلتقي
بأمه التي يشتاق لها كثيرا.
سرد مميز، ووصف رائع، ونص موجع بقلم راقي سامق.
تحياتي ومودتي. :001:

تيسير الغصين
07-06-2016, 03:34 AM
سيظل هذا الأب يشعر بالحزن طوال عمره وبالذنب ، فهو من قال لولده .. كيف يلتقي
بأمه التي يشتاق لها كثيرا.

الأديبة نادية محمد الجابي وضعت اصبعكِ على مكمن الألم، ومحورالارتكاز -إذا صحَّ التعبير- ماذا يمكن أن نقول لأطفالنا في مثل هذه الحالة!!
لكِ تحياتي،،،

فاتن دراوشة
08-06-2016, 06:00 PM
أراد للّقاء أن يكون قريبا لكنّي لم أتفهّم أن يفكّر طفل بريء بالإقدام على الانتحار شنقا

قد يكرهون الحياة لكونها تخلو من الأمّ لكنّهم بتلك الأرواح البريئة والأذهان النقيّة لا يمكن أن يعانقوا الموت وهم يرون وجهه البشع هذا.

دمت مبدعا

تيسير الغصين
12-06-2016, 05:35 AM
أراد للّقاء أن يكون قريبا لكنّي لم أتفهّم أن يفكّر طفل بريء بالإقدام على الانتحار شنقا

قد يكرهون الحياة لكونها تخلو من الأمّ لكنّهم بتلك الأرواح البريئة والأذهان النقيّة لا يمكن أن يعانقوا الموت وهم يرون وجهه البشع هذا.

دمت مبدعاAyat Mohammad

سأنشر هنا تعليق الإعلامية آيات محمد الذي كتبته عن النص في مكانٍ آخر:
قالت آيات: "
"نهاية مفزعة وضعها الكاتب كنتيجةٍ للحوار الذي دار بين طفلٍ افتقد أمه وأفزعه مشهدها ميتةً والتراب ينهال عليها، وبين أبيه الذي حاول التخفيف عنه، فيتضح لي أن الكاتب يسلط الضوء على أمرٍ مهم (ماذا نقول للأطفال في هكذا حالات؟)
وأرى أن كلام الأب ليس الدافع الحقيقي لما فعله الطفل إنما كان التأثير الأكبر المرهق للطفل هو منظر أمه في قبرها، ولعل الطفل الذي اختار الموت بتلك الطريقة المرعبة، لعله اختزن في ذاكرته مشهدًا مشابهًا، فربما كانت ذات الطريقة التي ماتت فيها الأم..."

آمال المصري
13-07-2016, 05:35 PM
جاء تصرف الابن ترجمة لما فهمه هو, وليس ما قصده الوالد
وجاء اختيار النهاية بعيدا عما رآه من تراب ينهال على أمه وربما ليكون قريبا من الجنة التي قيلت له
ولكن اختيار الموت شنقا هو ما استوقفني ... وفيها رسالة موجهة لاختيار ما يطلع عليه الصغار والحيطة من المحظورات سواء مرئية أو مسموعة
النص جميل سردا وبيانا وحبكة وخاتمة
أحييك أديبنا الفاضل

تيسير الغصين
16-07-2016, 08:49 AM
جاء تصرف الابن ترجمة لما فهمه هو, وليس ما قصده الوالد
وجاء اختيار النهاية بعيدا عما رآه من تراب ينهال على أمه وربما ليكون قريبا من الجنة التي قيلت له
ولكن اختيار الموت شنقا هو ما استوقفني ... وفيها رسالة موجهة لاختيار ما يطلع عليه الصغار والحيطة من المحظورات سواء مرئية أو مسموعة
النص جميل سردا وبيانا وحبكة وخاتمة
أحييك أديبنا الفاضل

الكاتبة القديرة أستاذة آمال المصري سعدتُ بمرورك وقراءتك لنصي قراءة واعية بالهدف من القصة كما أردتها
تحياتي لك مع جزيل شكري لكِ