حسين علي الهنداوي
02-06-2016, 05:54 PM
ما هو القرآن الكريم؟
أولاً-القرآن الكريم :
أ-هو اسم لكلام الله تعالى المنزّل على عبده ، ورسوله محمد بوساطة جبريل الأمين المتعبد بتلاوته -وحيًا -، المعجز بكل سورة منه ، المنقول من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى السماء الدنيا المنزل منجماً ، ومتفرقاً بعد ذلك ليس بمخلوق ، ككلام البرية، { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت 41 - 42] .
ب- وهو اسم لكتاب الله -خاصة-، ولا يسمى به شيء من سائر الكتب. وقد تكلم به الله تعالى حقيقة لا مجازًا ، من باب إضافة الكلام إلى قائله ، ليكون للعالمين نذيرًا ، وإضافته إلى محمد صلى الله عليه ، وسلم إضافة تبليغ، وأداء ؛ لا إنشاء ، وابتداء ؛ وآيات القرآن الكريم في غاية الدقة ، والإحكام ، والوضوح ، والبيان ، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا الكتاب معجزًا من الناحية البلاغية ، والتشريعية ، والعلمية ، والتاريخية ، وغيرها إلى أن يرث الله الأرض ، ومن عليها
ج-لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف ؛ تحقيقا لقوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9] . فالدنيا كلها لم تظفر بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم ، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية ، من هذا القرآن المجيد الذي قال الله فيه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء:9] .
د-أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [إبراهيم:1] . فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وضمن للمسلمين ، وللإنسانية الأمن، والسعادة في دنياهم ، وأخراهم ، إذا هم تَلَوْه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره ، وآياته ، وتفقهوا جمله ، وكلماته ، ووقفوا عند حدوده ، وَأْتمروا بأوامره ، وانتهوا بنواهيه ، وتخلقوا بما شرع ، وطبقوا مبادئه ، ومُثُله ، وقيمه على أنفسهم ، وأهليهم ، ومجتمعاتهم . قال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [البقرة: 121] . قال ابن عباس: "يتَّبعونه حق اتباعه، يحلون حلاله ، ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه عن مواضعه".
ه- تأثر به الجن ساعة سمعوه ، وامتلأت قلوبهم بمحبته ، وتقديره ، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه فَقَالُوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } [الجن -1 - 3] . وقد حكى الله في القرآن الكريم عنهم أنهم قَالُوا : { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف 30 - 31] .
و-فاق هذا الكتاب المبارك كل ما تقدمه من الكتب السماوية ، وكانت منزلته فوق منزلتها، قال تعالى: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] ؛ وقال -سبحانه-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48] . إنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، نزل به الروح الأمين على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مقسطاً في ثلاث وعشرين سنة، حتى تستعد القوى البشرية لتلقي هذا الفيض الإلهي، وهو معجزة الإسلام الكبرى، إذ لم يبلغ أي كتاب ديني ، أو دنيوي ما بلغه من روعة البيان والبلاغة، ومس المشاعر ، وأسر القلوب، سواء حين يتحدث عن عظمة الله ، وجلاله ، أو حين يشرع للناس ما به صلاح معاشهم ، وآخرتهم ، أو يصور لهم الثواب ، والعقاب، والفردوس ، والجحيم، أو يقص عليهم من أنباء الرسل الأولين ما فيه عبرة ، ومزدجر للمؤمنين . فقد نزل في أسلوب لا يبارى في قوة إقناعه ، وبلاغة تركيبه ، حتى ليقول الوليد بن المغيرة أحد خصوم الرسول صلى الله عليه ، وسلم ، وقد سمعه يتلو من آياته: "والله لقد سمعت من محمد كلاماً، ما هو من كلام الإنس والجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق" ، ويلاحظ الوليد ملاحظة صادقة ، هي أن القرآن الكريم لا يماثل كلام الإنس ، ولا كلام الجن ؛ ويلاحظ الذي كان يجري على ألسنة كهانهم ، فهو طراز وحده، له سحره البياني، بل له إعجازه الذي انقطعت آمال العرب دونه في محاكاته، أو الإتيان بشيء على مثاله في السيطرة على الألباب والقلوب، وقد تحداهم جل وعز أن يجمعوا أمرهم وكيدهم، فيأتوا بسورة من مثله أو بسور تحاكيه، فعجزوا وذلوا، يقول سبحانه: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ ]، ويقول تبارك وتعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ ] ، ويشرح ذلك الجاحظ فيقول: "بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام في زمن أكثر ما كانت العرب فيه شاعرا وخطيبا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، دعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى، والحمية دون الجهل والحيرة نصبوا له الحرب ونصب لهم الخير... وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعهم صباح مساء إلى معارضته إن كان كاذبا بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديا لهم بها، وتقريعا لهم بعجزهم عنها قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوا ولو مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولو طمع فيه لتكلفه، ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيد ويحامي عليه، ويكابر فيه، ويزعم أنه قد عارض وناقض، فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم، وعارض الشعراء من أصحابه والخطباء من أمته؛ لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه عن بذل النفوس، والخروج عن الأوطان وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والفضل بطبقات، ولهم القصيد العجيب والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة والقصائد الموجزة، ولهم الأسجاع واللفظ المنثور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم، فمحال -أرشدك الله- أن يجتمع هؤلاء كلهم في الأمر الظاهر والخطاب المكشوف البين مع التقريع بالتقصير والتوقيف على العجز، وهم أشد الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد أعمالهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، كذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه، ويجدون السبيل وهم يبذلون أكثر منه". وكان طبيعيا أن يستكين العرب أمام هذه الذروة الرفيعة من البلاغة والبيان، وهي ذروة ليس لها في اللغة العربية سابقة ولا لاحقة، ذروة جعلت العرب حين يستمعون إلى آية تعنو وجوهم لربهم، ويخرون ركعا وسجدا مشدوهين بجماله مبهورين ببلاغته، وفي ذلك يقول جل وعز: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [ ] ويقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [ ] . ولا يزال هذا الشعور الذي كان يختلج في قلوب العرب الأولين تخفق به القلوب في كل عصر لما يفتح من آفاق العالم العلوي، ولما يؤثر به في صميم الوجدان الروحي، وهو يمتاز بأسلوب خاص به ليس شعرا، ولا نثرا مسجوعا، وإنما هو نظم بديع، فصلت آياته بفواصل تنتهي بها، وتطمئن النفس إلى الوقوف عندها. وتتنوع الفواصل بين طوال، وقصار ومتوسطة بتنوع موضوعاته وتنوع المخاطبين، فقد كان يغلب عليه الإيجاز والإشارة في بدء الدعوة قبل الهجرة، حين كان يدعو إلى عبادة الله ونبذ الديانة الوثنية، والإيمان بالبعث والنشور، فلما انتقل الرسول عليه الصلاة ، والسلام إلى المدينة المنورة غلب عليه البسط، والإطناب لبيان نظم الشريعة، وما ينبغي أن يكون عليه نظام الحياة الاجتماعية، مما تقتضيه مصالح البشر في حياتهم على اختلاف الأزمنة والأمكنة. وقد أثر هذا الكتاب العظيم آثارا بعيدة في اللغة العربية، فقد حول أدبها من قصائد في الغزل والحماسة، والأخذ بالثأر والفخر ووصف الإبل، والخيل والسيوف والرماح، ومن حكم متناثرة لا ضابط لها ولا نظام، إلى أدب عالمي يخوض في مشاكل الحياة والجماعة، وينظم أمورها الدينية والدنيوية. فارتقى الأدب العربي رقيا لم يكن يحلم به العرب، واتسعت آفاقه. وعادة يشير مؤرخو هذا الأدب إلى بعض ألفاظه التي ابتدأها ابتداء مثل ( القرآن، والفرقان والكافر والمشرك والمنافق، والصوم والصلاة والزكاة ) ، فمدلولات هذه الألفاظ لم تكن حتى كان، والحق أنه جميعه بألفاظه ومعانيه المختلفة يعد ابتداء، بما علم العرب من أسس الإسلام ومبادئه، وبما بين لهم من ماهية الحياة بعد الموت ومن البعث، والنشور ورسالة الرسل، وعبادة الله الواحد الأحد، وبما نظم لهم البشرى والسعادة في الدارين، وعلى نحو ما جمع العرب على دين واحد جمعهم على لهجة واحدة من لهجات اللغة العربية، هي لهجة قريش، وكانت قد سادت في الجاهلية على لهجات القبائل العدنانية الشمالية، فأتم لها هذه السيادة على لهجات القبائل اليمنية الجنوبية، وكانت هي التي حملها العرب معهم في فتوحاتهم، فانتشرت في العالم الإسلامي جميعه من الصين والهند إلى المحيط الأطلسي، وجبال البرانس، إذ كانت تلاوته فرضا مكتوبا على المسلمين، قال جل شأنه: { وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا } [ ]، وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [ ] ، وبذلك كان للقرآن الكريم الفضل العظيم في حفظ اللغة العربية، وذيوعها وانتشارها بين ملايين الناس مدى أجيال متعاقبة، بل مدى قرون مترادفة إلى اليوم. فالقرآن هو الذي حفظ اللغة العربية القرون المتطاولة السابقة، وقد حول العربي من إنسان جاهل يؤمن بالخرافات إلى إنسان محب للعلم مشغوف بالمعرفة، يطلبها أينما كانت، ولم يلبث أن فتح له الأرض، فدخلت إلى العربية أمم شاركت في لسانها وأدبها، وتعاونت في تلك النهضة الروحية والاجتماعية والأدبية والعلمية، ومن الحق أن كل ما كسبته لغتنا من آداب في الشعر والنثر، ومن علوم شرعية ولسانية وعقلية فلسفية، إنما كان بفضل القرآن، بل لقد تعدت آثاره لغته العربية إلى لغات الأمم الإسلامية التي لا تنطق بلغته، ولنتصور العرب لم يرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل فيهم الذكر الحكيم إذن لما فارقت لغتهم جزيرتهم، ولظلوا وثنيين في تنابذ وشقاق، وحروب طاحنة، بل لعل لغتهم كانت قد اندثرت كما اندثرت لغات قديمة كثيرة، فالقرآن الكريم هو الذي نفخ في روحها، وهو الذي أتاح لها الحياة على توالي القرون، وهو الذي نقلها من لغة بداوة إلى لغة مدنية، حتى أصبحت لغة عالمية لأمم كثيرة اتخذتها لسان ثقافتها وآدابها، ولا يوجد في تاريخ البشرية كتاب له هذه الآثار العظيمة في لغته، وتغيير أحوال من آمنوا به، بل هو يقف وحده في هذا الباب، إنه مفخرة العرب ومعجزة الإسلام، وآيته الباهرة.
ثاتياً- أسماء كتاب الله
ولقد سمى الله ما أنزله على رسوله ( قرآنا، وكتابا، وكلاما، وفرقانا، وذكرا، وقولا) . وقد أنهاها بعضهم إلى نيف وتسعين اسما، وجعلها بعضهم خمسة وخمسين اسما، وأكثر ما ذكروه يعد من قبيل الصفات، من ذلك: (الهادى، والقيم) . وأكثر هذه الأسماء دورانا هو لفظ القرآن الكريم ، فقد جاء فى نحو من سبعين آية، وكان فى كلها صريحا فى اسميته ومدلوله الخاص، من أجل ذلك كتبت لهذه اللفظ الغلبة على غيره، وكان هذا الاسم الغالب لكتاب الله الذى جاء به محمد وحفظه عنه المسلمون. ويؤثر عن الشافعى أنه قال: القرآن الكريم اسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهو غير مهموز، لم يؤخذ من قراءة، لكنه اسم لكتاب الله، مثل: التوراة والإنجيل . ويقول الزجاج: إن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمز إلى الساكن الصحيح قبلها. والقائلون بالهمز مختلفون، وأوجه ما فى خلافهم رأيان: أولهما: أنه مصدر لقرأت، مثل: الرجحان، والغفران، سمى به الكتاب المقروء، من باب تسمية المفعول بالمصدر. والرأي الثاني: أنه وصف على فعلان، مشتق من القرء، بمعنى الجمع. وأما تسميته بالمصحف فكانت تسمية متأخرة جاءت بعد جمع القرآن وكتابته، وكانت من وضع الناس، فإنهم يحكون أن عثمان حين كتب المصحف التمس له اسما فانتهى الناس إلى هذا الاسم. غير أن هذا يكاد يكون مردودا، فلقد سبق أن علمت أن ثمة مصاحف كانت موجودة قبل جمع عثمان، هى: ( مصحف على، ومصحف أبى، ومصحف ابن مسعود، ومصحف ابن عباس) . والمصحف: هو الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين. ويقال فيه: مصحف، ومصحف، بضم الميم وكسرها مع فتح الحاء، والضمة هى الأصل، والكسرة لاستثقال الضمة، فمن ضم جاء به على أصله، ومن كسر فلاستثقال الضمة.
ثالثاً-القرآن الكريم وأمية الرسول
صلى الله عليه وسلم
لقد كان محمد صلوات الله عليه أميّا لا يعرف أن يقرأ ولا يعرف أن يكتب، ما فى ذلك شك، يدلك على ذلك اتخاذه بعد أن أوحى إليه كتّابا يكتبون عنه الوحى، منهم: ( أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلىّ بن أبى طالب، والزّبير بن العوام، وأبىّ بن كعب بن قيس، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبى سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبى الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد بن سعيد، وثابت بن قيس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن لوليد، وعبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل بن حسنة ) . وكان أكثرهم كتابة عنه: زيد بن ثابت، ومعاوية . كما يدلك على ذلك أيضا ما ذكره المؤرخون عند الكلام على غزوة «أحد» أن العباس وهو بمكة كتب إلى النبى كتابا يخبره فيه بتجمّع قريش وخروجهم، وأن العباس أرسل هذا الكتاب مع رجل من بنى غفار، وأن النبيَّ حين جاءه الغفاري بكتاب العبّاس استدعى أبىّ بن كعب- وكان كاتبه- ودفع إليه الكتاب يقرؤه عليه، وحين انتهى «أبىّ» من قراءة الكتاب استكتمه النبيَّ. ولو كان النبي غير أمي لكفى نفسه دعوة «أبىّ» لقراءة كتاب العبّاس في أمر ذي بال. وثمة ثالثة يذكرها المؤرخون أيضا عند قدوم وفد ثقيف على النبي، فلقد سألوا النبي حين أسلموا أن يكتب لهم كتابا فيه شروط، فقال لهم: اكتبوا ما بدا لكم ثم ائتوني به. فسألوه في كتابهم أن يحل لهم الرّبا والزّنا. فأبى علىّ بن أبى طالب أن يكتب لهم. فسألوا خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب لهم. فقال له على: تدرى ما تكتب؟ قال: أكتب ما قالوا ورسول الله أولى بأمره. فذهبوا بالكتاب إلى رسول الله فقال للقارىء: اقرأ. فلما انتهى إلى الرّبا، قال له الرسول: ضع يدى عليها. فوضع يده. فقال: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا } [ ] ، ثم محاها. فلما بلغ الزّنا وضع يده ثم قال: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى } [ ] ، ثم محاها، وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا . ولقد عثر الباحثون على الكتابين المرسلين من النبي إلى المقوقس وإلى المنذر بن ساوى، والكتاب الأول محفوظ فى دار الآثار النبوية في الآستانة، وكان قد عثر عليه عالم فرنسي فى دير بمصر قرب أخميم، والكتاب الثاني محفوظ بمكتبة فينا. ومن قبل هذه الأدلة يقول تعالى في الرسول: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ } [ ] . ويقول تعالى فى الرسول أيضا: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ ] ، ولم تكن البيئة العربية على هذا بيئة كاتبة قارئة، بل كان ذلك فيها شيئا يعد ويحصى، وكان حظّ المدينة المنورة من ذلك دون حظ مكة المكرمة ، ولم يكن في المدينة حين هاجر إليها الرسول غير بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة، منهم: ( سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمر، وأبى بن وهب، وزيد بن ثابت، ورافع بن مالك، وأوس بن خولى ) . ولقد أحس الرسول ذلك بعد هجرته إلى المدينة، فكان أول ما فعله بعد انتصاره فى «بدر» وأسره من أسر من رجال قريش القارئين الكاتبين، أن جعل فدية هؤلاء أن يعلّم كلّ رجل منهم عشرة من صبيان المسلمين، وبهذا بدأت الكتابة تروج سوقها في المدينة. حتى إذا كان عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمر بجمع الصّبيان في المكتب، وأمر عبد عامر بن عبد الخزاعي أن يتعهدّهم بالتعليم، وجعل له رزقا على ذلك يتقاضاه من بيت المال. وكان المعلّم يجلس للصبيان بعد صلاة الصّبح إلى أن يرتفع الضحى، ومن بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر. وحين خرج عمر إلى الشام وغاب عن المدينة شهرا استوحش إليه الناس، وخرج صبيان المكتب للقائه على مسيرة يوم من المدينة، وكان ذلك يوم الخميس، ورجعوا معه إلى المدينة المنورة يوم الجمعة، وقد انقطعوا عن المكتب يومين أجازهما لهم عمر، وكانت بعد ذلك عادة متبعة . وحين اختار الله لرسالته «محمدا» اختار فيه صفات حسّية وصفات معنوية. أمدّهما به وطبعه عليهما، فوهبه من الأولى نفسا قوية، وروحا عالية، وقلبا كبيرا، وذهنا وقّادا، وبصيرة نفاذة، ولسانا مبينا، وفكرا واعيا، ووهبه من الثانية صدق لسان، وطهارة ذيل، وعفة بصر، وأمانة يد، ورحمة قلب، ورقّة وجدان، ونبل عاطفة، ومضاء عزيمة، ورحمة للناس جميعا. وكان اختيار الله نعالى له أميّا لا يقرأ ولا يكتب يضيف إلى إذعان الناس له وإيمانهم برسالته سببا يفسره تعالى في قوله: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ . ويبيّنه } [ ] صدور هذا الوحى على لسانه يتلوه على قومه بكرة وعشيّا، ولا تبديل فيه ولا تغيير، وما يقوى على مثلها إلا من يملك أسفارا يعود إليها ليستظهر ما فيها. وليس في منطق الرسالات أن تكون الحجّة للناس عليها، بل لا تطالع الناس إلا والحجّة لها عليهم، كما لا تطالعهم إلا وفى صفحاتها الجواب على كل ما يصوّره لهم تصوّرهم، تحوط السماء رسالاتها بهذا كله لكيلا يكون للناس على الله تعالى حجة، وليكون منطق الرسالات من منطق الناس، لا تلتوى عليهم الرسالة فيلتووا هم عليها. ولم يكن اختيار محمد صلى الله عليه وسلم قارئا وكاتبا شيئا يعزّ على السماء، ولكنه كان شيئا إن تمّ يهوّن من حجّة السماء فى نفوس الناس، وكانوا عندها يملكون أن يقولوا باطلا ما حرص القرآن على ألا يقولوه: من أن هذا الذى جاء به الرسول قد أخذه من أسفار سابقة. وهذه التي ألزمتها حجة السماء السلف من قبل، فأذعنوا لها عن وعى وبصر- وأعنى بها أمية الرسول صلى الله عليه وسلم - أراد أن يثيرها نفر من الخلف من بعد ليخرجوا على حجة السماء عن غير وعى ولا بصر. غير أننا نفيد من هذا الذى يريد الخلف أن يثيروه تأكيد المعنى الذى قدّمناه من أن حجة السماء تجيء أشمل ما تكون بشكوك العقول، محيطة بكل ما يصدر عنها، يستوى في ذلك أولهم وآخرهم. وقد ننسى، مع هؤلاء المخالفين الطاعنين، تقرير القرآن الكريم الصادق عن أميَّة محمد والادلّة القائمة في ظلّ القرآن لبكريم على ذلك، قد ننسى هذا وذاك لنسائلهم: أى جديد يفيدهم هذا- إن صح- وقد مضى على رسالة محمد ما يقرب من أربعة عشر قرنا خطا فيها العلم والبحث خطوات سريعة، وما وجدنا شيئا ينال من هذه الرسالة من قرب أو من بعد، جهر به أو أسرّ من يريدون أن يجعلوا محمدا قارئا كاتبا، وأن يجعلوا من هذا سببا إلى أنه نقل عن أسفار سابقة.
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)
أولاً-القرآن الكريم :
أ-هو اسم لكلام الله تعالى المنزّل على عبده ، ورسوله محمد بوساطة جبريل الأمين المتعبد بتلاوته -وحيًا -، المعجز بكل سورة منه ، المنقول من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى السماء الدنيا المنزل منجماً ، ومتفرقاً بعد ذلك ليس بمخلوق ، ككلام البرية، { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت 41 - 42] .
ب- وهو اسم لكتاب الله -خاصة-، ولا يسمى به شيء من سائر الكتب. وقد تكلم به الله تعالى حقيقة لا مجازًا ، من باب إضافة الكلام إلى قائله ، ليكون للعالمين نذيرًا ، وإضافته إلى محمد صلى الله عليه ، وسلم إضافة تبليغ، وأداء ؛ لا إنشاء ، وابتداء ؛ وآيات القرآن الكريم في غاية الدقة ، والإحكام ، والوضوح ، والبيان ، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا الكتاب معجزًا من الناحية البلاغية ، والتشريعية ، والعلمية ، والتاريخية ، وغيرها إلى أن يرث الله الأرض ، ومن عليها
ج-لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف ؛ تحقيقا لقوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9] . فالدنيا كلها لم تظفر بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم ، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية ، من هذا القرآن المجيد الذي قال الله فيه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء:9] .
د-أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [إبراهيم:1] . فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وضمن للمسلمين ، وللإنسانية الأمن، والسعادة في دنياهم ، وأخراهم ، إذا هم تَلَوْه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره ، وآياته ، وتفقهوا جمله ، وكلماته ، ووقفوا عند حدوده ، وَأْتمروا بأوامره ، وانتهوا بنواهيه ، وتخلقوا بما شرع ، وطبقوا مبادئه ، ومُثُله ، وقيمه على أنفسهم ، وأهليهم ، ومجتمعاتهم . قال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [البقرة: 121] . قال ابن عباس: "يتَّبعونه حق اتباعه، يحلون حلاله ، ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه عن مواضعه".
ه- تأثر به الجن ساعة سمعوه ، وامتلأت قلوبهم بمحبته ، وتقديره ، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه فَقَالُوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } [الجن -1 - 3] . وقد حكى الله في القرآن الكريم عنهم أنهم قَالُوا : { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف 30 - 31] .
و-فاق هذا الكتاب المبارك كل ما تقدمه من الكتب السماوية ، وكانت منزلته فوق منزلتها، قال تعالى: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] ؛ وقال -سبحانه-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48] . إنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، نزل به الروح الأمين على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مقسطاً في ثلاث وعشرين سنة، حتى تستعد القوى البشرية لتلقي هذا الفيض الإلهي، وهو معجزة الإسلام الكبرى، إذ لم يبلغ أي كتاب ديني ، أو دنيوي ما بلغه من روعة البيان والبلاغة، ومس المشاعر ، وأسر القلوب، سواء حين يتحدث عن عظمة الله ، وجلاله ، أو حين يشرع للناس ما به صلاح معاشهم ، وآخرتهم ، أو يصور لهم الثواب ، والعقاب، والفردوس ، والجحيم، أو يقص عليهم من أنباء الرسل الأولين ما فيه عبرة ، ومزدجر للمؤمنين . فقد نزل في أسلوب لا يبارى في قوة إقناعه ، وبلاغة تركيبه ، حتى ليقول الوليد بن المغيرة أحد خصوم الرسول صلى الله عليه ، وسلم ، وقد سمعه يتلو من آياته: "والله لقد سمعت من محمد كلاماً، ما هو من كلام الإنس والجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق" ، ويلاحظ الوليد ملاحظة صادقة ، هي أن القرآن الكريم لا يماثل كلام الإنس ، ولا كلام الجن ؛ ويلاحظ الذي كان يجري على ألسنة كهانهم ، فهو طراز وحده، له سحره البياني، بل له إعجازه الذي انقطعت آمال العرب دونه في محاكاته، أو الإتيان بشيء على مثاله في السيطرة على الألباب والقلوب، وقد تحداهم جل وعز أن يجمعوا أمرهم وكيدهم، فيأتوا بسورة من مثله أو بسور تحاكيه، فعجزوا وذلوا، يقول سبحانه: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ ]، ويقول تبارك وتعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ ] ، ويشرح ذلك الجاحظ فيقول: "بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام في زمن أكثر ما كانت العرب فيه شاعرا وخطيبا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، دعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى، والحمية دون الجهل والحيرة نصبوا له الحرب ونصب لهم الخير... وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعهم صباح مساء إلى معارضته إن كان كاذبا بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديا لهم بها، وتقريعا لهم بعجزهم عنها قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوا ولو مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولو طمع فيه لتكلفه، ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيد ويحامي عليه، ويكابر فيه، ويزعم أنه قد عارض وناقض، فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم، وعارض الشعراء من أصحابه والخطباء من أمته؛ لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه عن بذل النفوس، والخروج عن الأوطان وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والفضل بطبقات، ولهم القصيد العجيب والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة والقصائد الموجزة، ولهم الأسجاع واللفظ المنثور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم، فمحال -أرشدك الله- أن يجتمع هؤلاء كلهم في الأمر الظاهر والخطاب المكشوف البين مع التقريع بالتقصير والتوقيف على العجز، وهم أشد الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد أعمالهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، كذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه، ويجدون السبيل وهم يبذلون أكثر منه". وكان طبيعيا أن يستكين العرب أمام هذه الذروة الرفيعة من البلاغة والبيان، وهي ذروة ليس لها في اللغة العربية سابقة ولا لاحقة، ذروة جعلت العرب حين يستمعون إلى آية تعنو وجوهم لربهم، ويخرون ركعا وسجدا مشدوهين بجماله مبهورين ببلاغته، وفي ذلك يقول جل وعز: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [ ] ويقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [ ] . ولا يزال هذا الشعور الذي كان يختلج في قلوب العرب الأولين تخفق به القلوب في كل عصر لما يفتح من آفاق العالم العلوي، ولما يؤثر به في صميم الوجدان الروحي، وهو يمتاز بأسلوب خاص به ليس شعرا، ولا نثرا مسجوعا، وإنما هو نظم بديع، فصلت آياته بفواصل تنتهي بها، وتطمئن النفس إلى الوقوف عندها. وتتنوع الفواصل بين طوال، وقصار ومتوسطة بتنوع موضوعاته وتنوع المخاطبين، فقد كان يغلب عليه الإيجاز والإشارة في بدء الدعوة قبل الهجرة، حين كان يدعو إلى عبادة الله ونبذ الديانة الوثنية، والإيمان بالبعث والنشور، فلما انتقل الرسول عليه الصلاة ، والسلام إلى المدينة المنورة غلب عليه البسط، والإطناب لبيان نظم الشريعة، وما ينبغي أن يكون عليه نظام الحياة الاجتماعية، مما تقتضيه مصالح البشر في حياتهم على اختلاف الأزمنة والأمكنة. وقد أثر هذا الكتاب العظيم آثارا بعيدة في اللغة العربية، فقد حول أدبها من قصائد في الغزل والحماسة، والأخذ بالثأر والفخر ووصف الإبل، والخيل والسيوف والرماح، ومن حكم متناثرة لا ضابط لها ولا نظام، إلى أدب عالمي يخوض في مشاكل الحياة والجماعة، وينظم أمورها الدينية والدنيوية. فارتقى الأدب العربي رقيا لم يكن يحلم به العرب، واتسعت آفاقه. وعادة يشير مؤرخو هذا الأدب إلى بعض ألفاظه التي ابتدأها ابتداء مثل ( القرآن، والفرقان والكافر والمشرك والمنافق، والصوم والصلاة والزكاة ) ، فمدلولات هذه الألفاظ لم تكن حتى كان، والحق أنه جميعه بألفاظه ومعانيه المختلفة يعد ابتداء، بما علم العرب من أسس الإسلام ومبادئه، وبما بين لهم من ماهية الحياة بعد الموت ومن البعث، والنشور ورسالة الرسل، وعبادة الله الواحد الأحد، وبما نظم لهم البشرى والسعادة في الدارين، وعلى نحو ما جمع العرب على دين واحد جمعهم على لهجة واحدة من لهجات اللغة العربية، هي لهجة قريش، وكانت قد سادت في الجاهلية على لهجات القبائل العدنانية الشمالية، فأتم لها هذه السيادة على لهجات القبائل اليمنية الجنوبية، وكانت هي التي حملها العرب معهم في فتوحاتهم، فانتشرت في العالم الإسلامي جميعه من الصين والهند إلى المحيط الأطلسي، وجبال البرانس، إذ كانت تلاوته فرضا مكتوبا على المسلمين، قال جل شأنه: { وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا } [ ]، وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [ ] ، وبذلك كان للقرآن الكريم الفضل العظيم في حفظ اللغة العربية، وذيوعها وانتشارها بين ملايين الناس مدى أجيال متعاقبة، بل مدى قرون مترادفة إلى اليوم. فالقرآن هو الذي حفظ اللغة العربية القرون المتطاولة السابقة، وقد حول العربي من إنسان جاهل يؤمن بالخرافات إلى إنسان محب للعلم مشغوف بالمعرفة، يطلبها أينما كانت، ولم يلبث أن فتح له الأرض، فدخلت إلى العربية أمم شاركت في لسانها وأدبها، وتعاونت في تلك النهضة الروحية والاجتماعية والأدبية والعلمية، ومن الحق أن كل ما كسبته لغتنا من آداب في الشعر والنثر، ومن علوم شرعية ولسانية وعقلية فلسفية، إنما كان بفضل القرآن، بل لقد تعدت آثاره لغته العربية إلى لغات الأمم الإسلامية التي لا تنطق بلغته، ولنتصور العرب لم يرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل فيهم الذكر الحكيم إذن لما فارقت لغتهم جزيرتهم، ولظلوا وثنيين في تنابذ وشقاق، وحروب طاحنة، بل لعل لغتهم كانت قد اندثرت كما اندثرت لغات قديمة كثيرة، فالقرآن الكريم هو الذي نفخ في روحها، وهو الذي أتاح لها الحياة على توالي القرون، وهو الذي نقلها من لغة بداوة إلى لغة مدنية، حتى أصبحت لغة عالمية لأمم كثيرة اتخذتها لسان ثقافتها وآدابها، ولا يوجد في تاريخ البشرية كتاب له هذه الآثار العظيمة في لغته، وتغيير أحوال من آمنوا به، بل هو يقف وحده في هذا الباب، إنه مفخرة العرب ومعجزة الإسلام، وآيته الباهرة.
ثاتياً- أسماء كتاب الله
ولقد سمى الله ما أنزله على رسوله ( قرآنا، وكتابا، وكلاما، وفرقانا، وذكرا، وقولا) . وقد أنهاها بعضهم إلى نيف وتسعين اسما، وجعلها بعضهم خمسة وخمسين اسما، وأكثر ما ذكروه يعد من قبيل الصفات، من ذلك: (الهادى، والقيم) . وأكثر هذه الأسماء دورانا هو لفظ القرآن الكريم ، فقد جاء فى نحو من سبعين آية، وكان فى كلها صريحا فى اسميته ومدلوله الخاص، من أجل ذلك كتبت لهذه اللفظ الغلبة على غيره، وكان هذا الاسم الغالب لكتاب الله الذى جاء به محمد وحفظه عنه المسلمون. ويؤثر عن الشافعى أنه قال: القرآن الكريم اسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهو غير مهموز، لم يؤخذ من قراءة، لكنه اسم لكتاب الله، مثل: التوراة والإنجيل . ويقول الزجاج: إن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمز إلى الساكن الصحيح قبلها. والقائلون بالهمز مختلفون، وأوجه ما فى خلافهم رأيان: أولهما: أنه مصدر لقرأت، مثل: الرجحان، والغفران، سمى به الكتاب المقروء، من باب تسمية المفعول بالمصدر. والرأي الثاني: أنه وصف على فعلان، مشتق من القرء، بمعنى الجمع. وأما تسميته بالمصحف فكانت تسمية متأخرة جاءت بعد جمع القرآن وكتابته، وكانت من وضع الناس، فإنهم يحكون أن عثمان حين كتب المصحف التمس له اسما فانتهى الناس إلى هذا الاسم. غير أن هذا يكاد يكون مردودا، فلقد سبق أن علمت أن ثمة مصاحف كانت موجودة قبل جمع عثمان، هى: ( مصحف على، ومصحف أبى، ومصحف ابن مسعود، ومصحف ابن عباس) . والمصحف: هو الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين. ويقال فيه: مصحف، ومصحف، بضم الميم وكسرها مع فتح الحاء، والضمة هى الأصل، والكسرة لاستثقال الضمة، فمن ضم جاء به على أصله، ومن كسر فلاستثقال الضمة.
ثالثاً-القرآن الكريم وأمية الرسول
صلى الله عليه وسلم
لقد كان محمد صلوات الله عليه أميّا لا يعرف أن يقرأ ولا يعرف أن يكتب، ما فى ذلك شك، يدلك على ذلك اتخاذه بعد أن أوحى إليه كتّابا يكتبون عنه الوحى، منهم: ( أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلىّ بن أبى طالب، والزّبير بن العوام، وأبىّ بن كعب بن قيس، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبى سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبى الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد بن سعيد، وثابت بن قيس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن لوليد، وعبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل بن حسنة ) . وكان أكثرهم كتابة عنه: زيد بن ثابت، ومعاوية . كما يدلك على ذلك أيضا ما ذكره المؤرخون عند الكلام على غزوة «أحد» أن العباس وهو بمكة كتب إلى النبى كتابا يخبره فيه بتجمّع قريش وخروجهم، وأن العباس أرسل هذا الكتاب مع رجل من بنى غفار، وأن النبيَّ حين جاءه الغفاري بكتاب العبّاس استدعى أبىّ بن كعب- وكان كاتبه- ودفع إليه الكتاب يقرؤه عليه، وحين انتهى «أبىّ» من قراءة الكتاب استكتمه النبيَّ. ولو كان النبي غير أمي لكفى نفسه دعوة «أبىّ» لقراءة كتاب العبّاس في أمر ذي بال. وثمة ثالثة يذكرها المؤرخون أيضا عند قدوم وفد ثقيف على النبي، فلقد سألوا النبي حين أسلموا أن يكتب لهم كتابا فيه شروط، فقال لهم: اكتبوا ما بدا لكم ثم ائتوني به. فسألوه في كتابهم أن يحل لهم الرّبا والزّنا. فأبى علىّ بن أبى طالب أن يكتب لهم. فسألوا خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب لهم. فقال له على: تدرى ما تكتب؟ قال: أكتب ما قالوا ورسول الله أولى بأمره. فذهبوا بالكتاب إلى رسول الله فقال للقارىء: اقرأ. فلما انتهى إلى الرّبا، قال له الرسول: ضع يدى عليها. فوضع يده. فقال: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا } [ ] ، ثم محاها. فلما بلغ الزّنا وضع يده ثم قال: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى } [ ] ، ثم محاها، وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا . ولقد عثر الباحثون على الكتابين المرسلين من النبي إلى المقوقس وإلى المنذر بن ساوى، والكتاب الأول محفوظ فى دار الآثار النبوية في الآستانة، وكان قد عثر عليه عالم فرنسي فى دير بمصر قرب أخميم، والكتاب الثاني محفوظ بمكتبة فينا. ومن قبل هذه الأدلة يقول تعالى في الرسول: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ } [ ] . ويقول تعالى فى الرسول أيضا: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ ] ، ولم تكن البيئة العربية على هذا بيئة كاتبة قارئة، بل كان ذلك فيها شيئا يعد ويحصى، وكان حظّ المدينة المنورة من ذلك دون حظ مكة المكرمة ، ولم يكن في المدينة حين هاجر إليها الرسول غير بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة، منهم: ( سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمر، وأبى بن وهب، وزيد بن ثابت، ورافع بن مالك، وأوس بن خولى ) . ولقد أحس الرسول ذلك بعد هجرته إلى المدينة، فكان أول ما فعله بعد انتصاره فى «بدر» وأسره من أسر من رجال قريش القارئين الكاتبين، أن جعل فدية هؤلاء أن يعلّم كلّ رجل منهم عشرة من صبيان المسلمين، وبهذا بدأت الكتابة تروج سوقها في المدينة. حتى إذا كان عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمر بجمع الصّبيان في المكتب، وأمر عبد عامر بن عبد الخزاعي أن يتعهدّهم بالتعليم، وجعل له رزقا على ذلك يتقاضاه من بيت المال. وكان المعلّم يجلس للصبيان بعد صلاة الصّبح إلى أن يرتفع الضحى، ومن بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر. وحين خرج عمر إلى الشام وغاب عن المدينة شهرا استوحش إليه الناس، وخرج صبيان المكتب للقائه على مسيرة يوم من المدينة، وكان ذلك يوم الخميس، ورجعوا معه إلى المدينة المنورة يوم الجمعة، وقد انقطعوا عن المكتب يومين أجازهما لهم عمر، وكانت بعد ذلك عادة متبعة . وحين اختار الله لرسالته «محمدا» اختار فيه صفات حسّية وصفات معنوية. أمدّهما به وطبعه عليهما، فوهبه من الأولى نفسا قوية، وروحا عالية، وقلبا كبيرا، وذهنا وقّادا، وبصيرة نفاذة، ولسانا مبينا، وفكرا واعيا، ووهبه من الثانية صدق لسان، وطهارة ذيل، وعفة بصر، وأمانة يد، ورحمة قلب، ورقّة وجدان، ونبل عاطفة، ومضاء عزيمة، ورحمة للناس جميعا. وكان اختيار الله نعالى له أميّا لا يقرأ ولا يكتب يضيف إلى إذعان الناس له وإيمانهم برسالته سببا يفسره تعالى في قوله: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ . ويبيّنه } [ ] صدور هذا الوحى على لسانه يتلوه على قومه بكرة وعشيّا، ولا تبديل فيه ولا تغيير، وما يقوى على مثلها إلا من يملك أسفارا يعود إليها ليستظهر ما فيها. وليس في منطق الرسالات أن تكون الحجّة للناس عليها، بل لا تطالع الناس إلا والحجّة لها عليهم، كما لا تطالعهم إلا وفى صفحاتها الجواب على كل ما يصوّره لهم تصوّرهم، تحوط السماء رسالاتها بهذا كله لكيلا يكون للناس على الله تعالى حجة، وليكون منطق الرسالات من منطق الناس، لا تلتوى عليهم الرسالة فيلتووا هم عليها. ولم يكن اختيار محمد صلى الله عليه وسلم قارئا وكاتبا شيئا يعزّ على السماء، ولكنه كان شيئا إن تمّ يهوّن من حجّة السماء فى نفوس الناس، وكانوا عندها يملكون أن يقولوا باطلا ما حرص القرآن على ألا يقولوه: من أن هذا الذى جاء به الرسول قد أخذه من أسفار سابقة. وهذه التي ألزمتها حجة السماء السلف من قبل، فأذعنوا لها عن وعى وبصر- وأعنى بها أمية الرسول صلى الله عليه وسلم - أراد أن يثيرها نفر من الخلف من بعد ليخرجوا على حجة السماء عن غير وعى ولا بصر. غير أننا نفيد من هذا الذى يريد الخلف أن يثيروه تأكيد المعنى الذى قدّمناه من أن حجة السماء تجيء أشمل ما تكون بشكوك العقول، محيطة بكل ما يصدر عنها، يستوى في ذلك أولهم وآخرهم. وقد ننسى، مع هؤلاء المخالفين الطاعنين، تقرير القرآن الكريم الصادق عن أميَّة محمد والادلّة القائمة في ظلّ القرآن لبكريم على ذلك، قد ننسى هذا وذاك لنسائلهم: أى جديد يفيدهم هذا- إن صح- وقد مضى على رسالة محمد ما يقرب من أربعة عشر قرنا خطا فيها العلم والبحث خطوات سريعة، وما وجدنا شيئا ينال من هذه الرسالة من قرب أو من بعد، جهر به أو أسرّ من يريدون أن يجعلوا محمدا قارئا كاتبا، وأن يجعلوا من هذا سببا إلى أنه نقل عن أسفار سابقة.
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)