تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حبٌ ..هذيانٌ.. وإيمان!



فوزي الشلبي
28-06-2016, 04:45 PM
حبٌ ..هذيانٌ..
وإيمان!


..لقدْ كانَ وقعُ الحادثِ عليهِ أليماً إذْ ذهبتْ ساقاهُ في حادثِ سيارةٍ. ورُكِّبتْ لهُ ساقانِ اصطناعيتانِ. كانَ يقضي معظمَ وقتهِ ملقىً على السَّريرِ في المستشفى فترةَ النَّقاهةِ. وكانَ في ساعاتِ خلوته تروي منهُ عينانِ تسِّحانِ الدَّمعَ منْ طرفيْ عينيهِ الوسادةَ، أو تقلِّبانِ السَّقفَ الأبيضَ يمنةً ويسرةً كمنْ يقلِّبُ ورقاتٍ بيضاءَ في دفترٍٍ خالٍ منَ السُّطورِ. فهل أصبح قلبُهُ حقّاً خالياً منَ السُّطور؟!

زرتُهُ مراتٍ عديدةٍ في المستشفى..بعدَ انْ أُجريتْ عمليةُ البترِ لساقيهِ.. وكُنتُ أطيلُ الجلوسَ في المقعدِ المجاورِ عندَ رأسهِ.. فكانَ يصحو أو تأخذهُ سِنةٌ من نومٍ.
وكان إذا استيقظَ يبادلُني الابتسامَ. لكنَّهُ إذا عادَ ونامَ...تعاودُهُ الأحلامُ ويهذي..فيردِّدُ أسمَها " إيمان..إيمان.." بصوتٍ يكادُ يكونُ مسموعاً.. فإذا انتبهَ من غفلةِ الحُلمِِ إلى الشَّخصِ الجالسِ عندَ رأسِهِ...قالَ وقد علتْ علامةُ الخجلِ التي أعهدُها فيهِ دائماً: أعلمُ أنَّكَ قدْ سمعتَ هذياني..

قلتُ : لقدْ سمعتُ يا صاحبي لحنَ هذيانٍ جميلٍ لطالما ردَّدتَهُ على مسامعي’ ثمَّ بصوتٍ هامسٍ قلتُ:..إيمان...إيمان!"..لولا أنْ تفنِّدون!
فضحكَ وانفرجتْ أساريرُهُ قائلا:يا أخي.. لا تأخذِ الأمرَ على محملِ الجِدِّ..إنْ هوَ إلاّ هروبٌ من الواقعِ ..وإنْ هيَ إلاّ أضغاثُ أحلامٍ!..ٍ

قلتُ: لطالما كانَ حبُّكَ يا صاحبي حباً أفلاطونياً..أتذكرُ عندَما كنتَ تقولُ : لو قُدِّرَ لي أنْ أتزوجَ منْ أحبُّ..لانتهى الحبُّ، ولنْ يكونََ حبِّيَ إلاّ جسدياً...وإنَّما الحبُّ هوَ تلاقي روحينِ..وكأنِّي بكَ تريدُ أنْ تضعَ حبيبتَك في قفصٍ زجاجيٍ..فلا تصلُ إليها ولا تصلُ إليكْ..!!

قالَ: ألا ترى صدقَ ما أقولُ...فلو كانَ الحبُّ جسديّاً...لكانَ عليَّ أنْ أستبدلَ هاتينِ السّاقينِ الاصطناعيتينِ..بساقينِ بشريتينِ كاملتينِ -ولا يقدرُعلى ذلكَ إلاّ الله، أما أنا فلا -...ليتحققَ التَّكافُؤُ معْ منْ تُحبُّ...
قلتُ: لكنَّكَ عندما أخبرتَها بفلسفةِ حبِّكَ ..فرَّت إلى حبٍّ ...بطولِهِ وعرضِهِ تعرفُهُ هيَ حقَّ المعرفةِ ..إلى شابٍّ آخرَ يقدِّرُ ذلكَ فتركتكَ.. ثمّ تزوجتْهُ..

قالَ بهدوءٍ: لنفترضْ جدلاً أنَّ ذلكَ الشّابََّ حصلَ معهُ مثلَ ما حصلَ معي..طبعاً وإنِّي لا أتمنى ذلكَ!

قاطعتُه: إذنْ!

قالَ بحدةٍ: إذنْ كيفَ سيتكافأُ حبّانِ جسديّانِ!
قلتُ بحدَّة مماثلةٍ: الوفاءُ...صمت هنيهةً ثمَّ ووبسمةٍ فاترةٍ قاطعني: الوفاءُ.. لمَ لا تقولُ الشَّفقةَ!...فصمت قليلاً ثمَّ تابع: أقتلُ نفسي إنْ نظرَ إليَّ طفلٌ بعينِ شَّفقةِ!...فكيفَ إذا الحبيبُ..فاغرورقتْ عيناهُ!

قلتُ : الزواجُ ميثاقُ شرفٍ...يتعاهدُ فيهِ الطَّرفانِ على التَّضحيةِ والإيثارِ!

قال: ربَّما أنتَ تحتملُ ذلكَ!...فوقعَ قولُه عليَّ كالصّاعقةِ..فرددتُ على الفور: "قدرُ اللهِِ يا أخي ولا قدرُكَ"...فامتقعَ وجهُهُ ..فاستدركتُ : عفواً ..لم اقصدْ ذلكَ...ثمَّ سادَ صمتٌ طويلٌ ...فودَّعتُهُ على ان أعودُهُ في اليومِ التّالي...

في اليومِ التّالي عدتُ إليهِ..وكانَ نائماً...تنفرجُ أساريرُهُ بينَ الحينِ والآخرِ..منَ ابتسامٍٍ إلى ابتسامٍ...ومنْ ابتسامٍ إلى ضحكٍ خافتٍ... ثمَّ لفتَ نظري باقةُ َوردٍ أبيضَ على النُّضُدِ المجاورِ للسَّريرِ...فاقتربتُ وقرأتُ البطاقةَ الملصقة َبالطاقةِ .." أتمنى لكَ شفاءً عاجلاً ...وحياةًً سعيدةً...
إمضاء: إيمانً "...
فهمست في نفسي " أظنُّ أن هذا يكفيكََ من أمرِ حبِّك من زادٍ في سفركَ الطَّويلِ!"

فاستخرجت قصاصةَ ورقٍ منْ جيبي وقلماً وكتبتُ".. لم أشأْ أنْ أوقِظَكَ..أو أقطعَ عليكَ حبلَ إيمانِكَ!..أتمنى لكَ السَّعادة!
توقيع "..

ناديه محمد الجابي
29-06-2016, 10:41 AM
تتحكم فينا الأقدار وترسم مصائرنا لنجد أنفسنا سجناء بين جدران ما كتب علينا
ولنا أن نصنع لأنفسنا خيطا من شعاع الشمس، وخيطا من بريق الأمل
لتحدي ما كتبه القدر وليصل بنا إلى بر الأمان ـ وليكن الأيمان والرضا
بما كتبه الله علينا مركبا للنجاة من ألم الواقع وطريقا لمجابهة المستقبل.

بسرد تصويري تعبيري قدمت لنا قصة مؤثرة معبرة ونص جاذب بلغة شيقة
وواقعية في نص هادف بلغة مميزة.
تحية لك ولقلمك البارع. :001:

عبد السلام دغمش
29-06-2016, 11:33 AM
الظروف والأقدار تجنح بالعواطف وتغير كثيراً من المسارات ..
ويبقى حب الأرواح ولقاؤها ليسمو على لغة الجسد ويتغاضى عن عيب هنا و هناك في جسد المحب ..
وهنا يكون امتحان تعلق الأرواح ويكون الامتحان شاقاً على النفوس بقدر الابتلاء ..

نص جميل يلامس الوجدان ..
دمت شاعرنا بكل خير .
تحياتي.

فاتن دراوشة
01-07-2016, 05:03 PM
إن لم يكن الحبّ قادرا على خلق التّكافؤ بين الطّرفين بغضّ النّظر عن عدم التّكافؤ الجسدي فما فائدة هذا الحبّ

الحبّ الحقيقيّ هو انسجام روحيّ قبل أيّ شيء آخر

قصّة رائعة بأسلوبها ومغزاها وما تطرّقت إليه من جوانب هامّة في حياة فئة لطالما حمّلها المجتمع فوق طاقتها بسبب نظرته السّلبيّة إليهم، لو أنّنا دعمناهم واحتويناهم كما ينبغي لعاشوا حياتهم بشكل طبيعيّ ولبقيت ثقتهم بأنفسهم عالية وقويّة وذلك لأننا نبني هذه الثّقة كما تعكسها لنا مرآة المجتمع والذين يعيشون في محيطنا وهذه الصّورة إن تحسّنت فسوف تتحسّن نظرتهم إلى أنفسهم وسنمنحهم القوّة للاستمرار بشكل طبيعيّ.

طرح مميّز أخي

دمت مبدعا

كاملة بدارنه
09-07-2016, 11:11 PM
طرح لمشكلة الإعاقة وتأثيرها الكبير على حياة المعاق جسديّا
سرد هادف وطرق لباب هامّ
بوركت
تقديري وتحيّتي

فوزي الشلبي
12-10-2016, 03:40 PM
تتحكم فينا الأقدار وترسم مصائرنا لنجد أنفسنا سجناء بين جدران ما كتب علينا
ولنا أن نصنع لأنفسنا خيطا من شعاع الشمس، وخيطا من بريق الأمل
لتحدي ما كتبه القدر وليصل بنا إلى بر الأمان ـ وليكن الأيمان والرضا
بما كتبه الله علينا مركبا للنجاة من ألم الواقع وطريقا لمجابهة المستقبل.

بسرد تصويري تعبيري قدمت لنا قصة مؤثرة معبرة ونص جاذب بلغة شيقة
وواقعية في نص هادف بلغة مميزة.
تحية لك ولقلمك البارع. :001:


الأديبة الغاضلة نادية:

تحية تقديروإعزاز لشخصكم الكريم...وما حملت النص من تقدير كريمْ، وثقة غالية نعهدها بكم دائما!

خالص مودتي ودعائي

أخوكم

فوزي الشلبي
12-10-2016, 03:53 PM
الظروف والأقدار تجنح بالعواطف وتغير كثيراً من المسارات ..
ويبقى حب الأرواح ولقاؤها ليسمو على لغة الجسد ويتغاضى عن عيب هنا و هناك في جسد المحب ..
وهنا يكون امتحان تعلق الأرواح ويكون الامتحان شاقاً على النفوس بقدر الابتلاء ..

نص جميل يلامس الوجدان ..
دمت شاعرنا بكل خير .
تحياتي.


الأديب الفاضل عبدالسلام:

تحية تقدير ومحبة...شاكرا تقديرك البهي للنص...ثقة غالية لطالما اعتززت بها!

تقديري الكبير وخالص دعائي!

أخوكم

أحمد العكيدي
17-10-2016, 10:30 AM
هي الأقدار تصدمنا أحيانا لكن الحياة تستمر مع الأمل. نص هادف وجميل.
تحياتي

آمال المصري
22-10-2016, 09:59 PM
يحتاج بعضنا لأمل ولو كان كاذبا لتستمر الحياة
وهنا مع فكر بطل النص وحالته التي وصل إليها بعد فقد من أحب كان يكفيه الزاد الروحي لينعم بالحلم ...
مؤثرة بلغة أنيقة وسرد ماتع فشكرا لك شاعرنا الفاضل
تحية وتقدير