المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الّشهامة.. والطّفل المتسوّل.



عباس العكري
09-07-2016, 10:46 PM
الّشهامة والطّفل المتسوّل.

ظلامٌ حالكٌ أحاطَ به، وسكونٌ أطبق على شفتيه.. بحث عن الزاوية المعتمة في نفسه... وافترش الوحدة غطاءً له في منتصف الليل... جلس عند جدار متهالك لم يقيه برد الشّتاء. فأغلق عينيه الملوّنتين بالضياع، وحبس جراحه، ثمّ غرق في بحر التفكير المتلاطم بمآسيه.
مدّ ذراعه ولوى عنقه على صخرة صمّاء لم ترأف به، والتحف السماء الملبدة بالغيوم، وصوت الريح الباردة تتأفف منه... يهزّ رأسه ثم يُطرقه.. ومضى شاردًا بخياله: "لماذا لا أكون معهم!".. يُنصت لصوت خفي يهمس له من بعيد: " حاول مرة تلو الأخرى.. وحاول أكثر وأكثر...".

شعوره لم يهدأ؛ بل ازداد في فراغ الفقر. فدار جدل ملتهب مع تلك الأسئلة التي تغيب في إغفاءة، ورغم قصر اللحظة تنقضّ تهاجمه: " لماذا لا ترضى بذلك؟".
حاول عصر ذهنه واستجماع حواسه ليعرف الإجابة، التي ربما تثمر في قلبه مستقبلا ضائعا... صوت الريح العاتية يشتد أعلى من صوت تفكير طفل في الخامسة من عمره، حكّ رأسه، فافترسته الحقيقة. فلم يجد مناصا من أن يستمع للنغمة المتكررة كثيرا: " متسوّل".
نزف دموعه.. بلل يديه المرتجفتين... فتراكم القهر في عقله، وأكل الضعف من فؤاده، وتعبّأّت روحه بالظلام، حينما تذكر تلك الوجوه المفترسة التي تحوطه؛ لتشبع رغبتها من جمال محياه الذي أفل نوره.. وكلما حاول أن يستجديها بإلحاح صدقة يسدّ بها فوهة بطنه الخاوية؛ هاجمته تلك النوايا المتحجّرة، التي أيقنت بأن لا مفرّ من القدر إلاّ إليها!.
تصاعد الغبار من حوله، ونهض من شروده.. أوغل في ماضيه المجهول... وغاص في دوامة تفكيره من جديد، وتخيّل صوت أبيه الذي لم يسمعه مذ كان جنينا يخاطبه: " لاتصبح نسيا منسيا".
نفخ في رماد ذكرياته، وكبر حديثه الداخلي، وتاه في فكره.. ضوء شحيح داخله تراءى له، وسار وحيدا للحظات، والأفكار والرؤى تتصارع في داخله ... زلقت فكرة به نحو تلك الظلال التي تحاول اصطياده في لحظة ضعف مريرة، لاحقته.. وببراءة طفل أخذ يهرب ويهرب نحو مخرج يغير كل شيء في حياته، وأرهق نفسه دون جدوى.
سمع صرخة من بعيد، ولمح حشدا عنده، ورأى طفلا يدس رأسه ضمن الرؤوس، وعيناه تخترقان الصفوف تخاطبه: "لا تمت مثلهم".
حملوه مسرعين للمستشفى، أخذه الطبيب باسطا ذراعيه بانكسار ليداويه.. ثمّ تردّد قليلاً.. وقال: "من سيدفع علاج المتسوّل؟".
اختفى الجميع من حوله إلا ذلك الطفل الذي لم يستطع فعل شيء سوى أن صرخ بألم باكيا.. حينها جاء متسول أخذ الطفل ودفع الفاتورة ومضى.

عباس العكري
09-07-2016, 11:13 PM
https://3.bp.blogspot.com/-xKPRF_3qCSk/V4F1A_tKI5I/AAAAAAAADE8/tjuEZLMZEnEHFULTbhWyQPWn-V3Q6vJpQCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B4%25D9%2587%25D8%25A7 %25D9%2585%25D8%25A9.png

كاملة بدارنه
09-07-2016, 11:25 PM
تناولت قضيّة التّسوّل وعرضتها بأسلوب جاذب ومؤثّر
بورك الحرف
تمنّيت انتهاءها بدفع الفاتورة
تقديري وتحيّتي
( صوت أبيه، لم يستطع)

عباس العكري
09-07-2016, 11:56 PM
https://3.bp.blogspot.com/-FWEcwT6g7jo/V4FyrRftxSI/AAAAAAAADEk/6kRip9pJfXAaassVuOeoylJieFLxpQQIgCLcB/s1600/%25D9%2586%25D9%2582%25D8%25AF%2B%25D8%25A7%25D9%2 584%25D8%25B4%25D9%2587%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%2 5A9.png

عباس العكري
10-07-2016, 12:06 AM
تناولت قضيّة التّسوّل وعرضتها بأسلوب جاذب ومؤثّر
بورك الحرف
تمنّيت انتهاءها بدفع الفاتورة
تقديري وتحيّتي
( صوت أبيه، لم يستطع)

ازدان النص بإضاءتكم النيرة الدالة على حدة الذهن والبصر، تمّ ما أشرتم له، لكم خالص الود والفضل

ناديه محمد الجابي
10-07-2016, 10:47 PM
لا يشعر بالجرح إلا من به ألم ، ولا يشعر بالفقير إلا الفقير مثله
من عمق الواقع كانت تلك الصورة الأجتماعية المؤلمة
قصة محكمة الفكرة متقنة الحبك ذات رسالة فلسفية وفكرية
ملكت القص فكرا واسلوبا ولغة شفيفة
متخمة بالعاطفة الصادقة والمشاعر المؤثرة
ذكرتني بقصة لي أسمها.. طفولة بائسة
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60071
ولك كل تحياتي وتقديري. :0014:

عباس العكري
11-07-2016, 12:15 AM
لا يشعر بالجرح إلا من به ألم ، ولا يشعر بالفقير إلا الفقير مثله
من عمق الواقع كانت تلك الصورة الأجتماعية المؤلمة
قصة محكمة الفكرة متقنة الحبك ذات رسالة فلسفية وفكرية
ملكت القص فكرا واسلوبا ولغة شفيفة
متخمة بالعاطفة الصادقة والمشاعر المؤثرة
ذكرتني بقصة لي أسمها.. طفولة بائسة
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60071
ولك كل تحياتي وتقديري. :0014:

شكرا للتحليل وللوصف، أعتز أن تكون مثل قصتك
زاد النص اطراء بما جدتم به من نقد

دمتم