تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشّتيمة (قصة قصيرة)



محمد النعمة بيروك
27-07-2016, 11:11 PM
الشّتيمة

قصة قصيرة

محمد النعمة بيروك



كنتُ أستمع بإمعان ومعي صديقي عبد النّور إلى هذا المتطفّل على الكتابة المسرحيّة، حيث كان يورد أخطاء على كلّ المستويات، حتّى أنّي تجاهلتُ اللغة علّني أجد ما يشفي الغليل في العمل كسيناريو وقصّة بدون جدوى، فالحوار فيه حشو كثير، والفكرة نفسها مكرّرة ومستهلكة حدّ الرّتابة..

ومع كلّ هذا اكتفيتُ بملاحظة أو اثنتين.. وصمتّ..

لم يرقْ له - على ما يبدو - صمتي وربّما ما ارتسم على وجهي من امتعاض رغم الابتسامة الصّفراء التي حاولتُ أن أداري بها كلّ شيء، حيث بادرني بسؤال محرج على شكل ملاحظة:

- يبدو أن العمل لم يعجبك

قلتُ:

أنت تحتاج فقط لمزيد من القراءة والغوص أكثر في تفاصيل العمل المسرحي..

حينها تمنّيتُ لو يتدخّل عبد النّور، مادام الرجّل معرفته لمساعدتي في الخروج من هذا المأزق، لكنّه التزم الصّمت..

قال الرّجل:

- هل تعني أنّي ماأزال مبتدئا

استنشقتُ بعض الشّجاعة من الهواء وقلت:

- نعم.. مبتدئ ولكنك ليستَ مُختتما.. أعني أنّ العمر مايزال أمامك لاكتساب التّجربة والثقافة، ذلك أنّنا..

وقبل أن استطرد، حيث كنتُ على وشك أن أقول له أنّنا جميعا مبتدئون.. قاطعني بقوله:

- أنت مغرور.. يبدو أنهم ضحكوا عليك حين قالوا إنّك ناقد مسرحي..

لاحظتُ في غمرة هذا التّصعيد المفاجئ أنّ يده ترتجف وهو يحمل فنجان قهوته، حتّى أنه قلبها في فمه دفعة واحدة..

هنا ظننتُ عبد النّور سيتدخّل لإنقاذ الموقف، لكنه لم يفعل أيضا وسط حيرتي واندهاشي..
ورغم ذلك تمالكتُ نفسي بابتسامة وقلتُ:

- ممكن

فاستطرد:

- الفن ليس كتابة وتمثيلا وديكورات وجمهورا.. الفن أخلاق أيضا

قلتُ:

- صدقت.. لكنّني لم أسئ إليك بكلمة واحدة..

فصرخ:

- كلامك كلّه إساءة..

كلّ هذا وعبد النّور يلتزم الصّمت..

وأضاف:

- أنت أصغر من الهالة التي يعطيها لك الإعلام الأصفر..وأصغر كثيرا من أن تقوّم تجربتي..

ثمّ "أنشد" بيتا للمتنبّي لا يشبه الأصل تماما:

- ومن يكن ذا فم مرّ.. يجد مرّا به الماء الزّلالا

هنا نطق عبد النّور أخيرا:

- فعلا

لا أدري أ طربا لبيت مكسور قاله هذا الرّجل، أم إقرارا بكلّ ما قاله قبل ذلك..

قرّرتُ أن أكون هادئا، متحكّما في نفسي، ثابتا ورزينا.. لن يسمع أحد أنّي تشاجرتُ مع أحد في مقهى ولا في غير مقهى، كنتُ أقول إنه سيرحل بعد قليل وسينتهي كلّ شيء.. وقد حدث.

خرجتُ مع رفيقي من المقهى، ولا شيء في نفسي على ذلك الرّجل.. الشيء الوحيد الذي يتردّد داخي هو الكلمة الوحيدة التي قالها عبد النّور "فعلا".

علاء سعد حسن
28-07-2016, 08:54 AM
صدقت سيدي

فهذا الذي لا تعرفه ولا يعرفك لا يجرحك رغم ما كاله لك من شتائم واتهامات..

"فعلا" من الصديق العارف هي قمة الشتيمة

لقطة التقطت ببراعة استاذي

لكن لمَ لا يسأل عبد النور على انفراد عن مقصده؟!:sm:

ناديه محمد الجابي
28-07-2016, 11:03 PM
مؤلمة الطعنة عندما تأتي ممن كان يدعي الصداقة والأخوة
موجعة جدا الكلمة المؤذية من الصاحب
قاسي أن يشعر المرء بالجرح ممن كان يظن أن بيده الدواء.
قصة قوية الفكرة جميلة المضمون
دام بهاء حرفك. :001:

محمد النعمة بيروك
29-07-2016, 02:58 PM
صدقت سيدي

فهذا الذي لا تعرفه ولا يعرفك لا يجرحك رغم ما كاله لك من شتائم واتهامات..

"فعلا" من الصديق العارف هي قمة الشتيمة

لقطة التقطت ببراعة استاذي

لكن لمَ لا يسأل عبد النور على انفراد عن مقصده؟!:sm:

أعتقد أن سؤاله على انفراد إهانة أخرى.. هناك مثل حسّاني يقول : قال له "خدعتك"، فردّ عليه "عرفتك".

شكرا لك الأديب الرّاقي علاء

عبد السلام دغمش
29-07-2016, 08:16 PM
جميلة .. وتعبر عن سلوك من يعتقد أنه فوق النقد ..
اما عبد النور فالتمس له العذر .. ولعل " فعلا" قصد بها ذلك الكاتب خاصة انه أدرك الخلل في البيت ..
تحيتي لك أديبنا .

كاملة بدارنه
01-08-2016, 06:31 PM
قصّة موقف وعبرة للبطل وللقارئ!
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
16-08-2016, 04:19 AM
لا أدري أ طربا لبيت مكسور قاله هذا الرّجل، أم إقرارا بكلّ ما قاله قبل ذلك..


الشيء الوحيد الذي يتردّد داخي هو الكلمة الوحيدة التي قالها عبد النّور "فعلا".

ولعل " فعلا " مردودها لمن أنشد وظن نفسه فوق النقد ...
تركه صاحبه في حيرة لا يدرك أيهما يقصد بها !
جميلة أديبنا الفاضل برعت في نسجها وحواريتها فشكرا لك
تحاياي

عباس العكري
02-09-2016, 06:24 PM
الشتيمة

https://3.bp.blogspot.com/--8CGxgh5pj8/V8mntbCdS0I/AAAAAAAAEjg/Fj7Mjp5wIxIeUAbtpTn1WI7OjxHJVT6fQCLcB/s1600/%25D9%2585%25D8%25AD%25D9%2585%25D8%25AF%2B%25D8%2 5A7%25D9%2584%25D9%2586%25D8%25B9%25D9%2585%25D8%2 5A9%2B%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25B1%25D9%2588%25D 9%2583.png

محمد النعمة بيروك
06-09-2016, 11:20 PM
مؤلمة الطعنة عندما تأتي ممن كان يدعي الصداقة والأخوة
موجعة جدا الكلمة المؤذية من الصاحب
قاسي أن يشعر المرء بالجرح ممن كان يظن أن بيده الدواء.
قصة قوية الفكرة جميلة المضمون
دام بهاء حرفك. :001:

شرّفني رأيكِ وتفاعلكِ مع النص أديبتنا الرّاقية نادية.. شكرا لكِ.