تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فقاعة .. (قصة قصيرة)



محمد فتحي المقداد
17-08-2016, 07:42 PM
فقاعة ..


قصة قصيرة
بقلم (محمد فتحي المقداد)*




غرامٌ غير معقول بالفقاعات، عندما أصبُّ الماء في كأس زجاجية، هيامٌ في أقصى درجاته، صراع الفقاعات للعيش للحظة خاطفة أو لحظات، وهي تتشكل لآلئ باهرة يلتمع بريقها، حركات بهلوانية آسرة تستولي على مكامن نفسي، تجعلني ذاهلًا عن محيطي بشرود مثير خاصة لمن يراني، لتلصق بي تهمة الجنون، وفقدان العقل، وتنطلق من أكثرهم عبارتهم الشهيرة:" يا مُثَبّت العقل و الدين، ثبّت علينا العقل و الدين"، حفظت هذه الوصمة اللاصقة بي منذ سنوات.
فقاعة البئر، أشهر الفقاعات على الإطلاق، هي ماركة مسجلة باسم ذلك الرجل الذي اختلف مع صديق لي من أيام المدرسة، ووصفه بأنه لا يعدو أن يكون فقاعة، صديقي سرحان، تسمّرَتْ نظراته البلهاء بوجه الرجل، تجمّدت الكلمات بين شفتيْه، حَارَ جوابًا، رغم أنه حاضر البديهة سريع الجواب.
أخبرني بعد أسبوع: أنه فوجئ حقيقة بالموقف الصّادم، لأن التعبير غريب، فقاعة..!!، أبداً لم يكن يخطر ببالي هذا الوصف الغريب، للمرّة الأولى في حياتي أتعرّض لهذه الشتيمة، قاتَلَهُ الله ما أذْرَبَ لسانه.
لم أستطع أن أتمالك نفسي من انفجاري بالضحك، ونحن واقفان على ناصية الطريق، حالتي أثارت العابرين، لأن تتحول نظراتهم إليّ، يبرمون شفاههم، ويحركون أياديهم علامة الاستغراب، حتى أنني سمعتُ امرأة تفوق بسنّها أمي، قائلة: أجارنا الله من آخر زمن، ومن طيش مثل هؤلاء، ضحكٌ بلا سبب قلة أدب.
تفضّل يا سرحان، هاهي الشتائم لحقتني، لكن شتيمة العجوز تقليدية نعرفها منذ صغرنا، لكن الفقاعة لم ترد لا في ميزان و لا قبّان، سأعمل على تسجيلها في موسوعة "غينس"، أو في دائرة حفظ الملكية الفكرية، وأسجّلها باسمك لأنك أول من شُتِم بها، وأطلقَتْ عليه، هو أنت..!!. مقترنًا مع اسم الرجل المُبدِع المبتكر لمصطلح الفقاعة الذي يطلق على الآخرين للإهانة.
تدور عينا سرحان بحركة لا إرادية باتجاهات عديدة في آن واحد، ملامح وجهه متشنّجة، تقاطيع جبينه واضحة، عروق رقبته منتفخة، لا أدري حقيقة هل هو سمع ما قلتُ، أو أحسَّ بِضَحِكي؟.
تجددتْ نوبة الضحك عندي بوتيرة أعلى مما سبق، سرحانُ غارق في عوالمه، وقوفه جانبي في هذه اللحظة بجسمه، لكنه بعيد عنّي في أفكاره، حاولتُ إخراجه من دوّامته، فقلتُ: عزيزي، لا عليك، يجب أن تتفاخر بها؛ لأنها شتيمة مُثقفّة، ويبدو أن صاحبها مثقف أيضًا.
انتبهَ سرحان من غفلته، وقال: وهل هناك شتيمة مثقفة، وأخرى جاهلة أو متخلفة؟.
لم أستطع السيطرة على مشاعري؛ فعاودتني نوبة الضحك، وسط ذهول صديقي، قاطعني، وتابع: أنا سمعتُ عن الرجل الفقاعة، عافانا الله من هذا المرض الغريب العصيّ على كل منجزات الطب الحديث، وأعرفُ تعلقكَ الشديد، وهُيَامَك بالفقاعات، عندما تجلس الساعات الطوال، وأنت تتأمل كأس الماء، تفرغها وتعيد الماء إليها، لتتشكل الفقاعات، كنـتُ أراكَ، وأنت تنسى نفسك، كانت روحي تفقع وأنا أنتظر فراغك، لنتحدث في أمر هام، والآن شعرتُ بالإهانة الحقيقية الذي وجهها لي ذلك الرجل، بأنني شيء فارغ، وبتفاهة حياتي كلها منذ البدء، وأنني لا أشكّلُ كائنًا فاعلًا في هذا الكون، أمرٌ تجاوز إنسانيتي إلى عالم الهباء، فلو نَعَتَنِي بالحمار أو البغل أو الطبل، لكان أهون ألف مرّة من الفقاعة اللعينة.
على كُلٍّ..، يا سرحان، بالنسبة لي كان هذا الأمر غائبًا عنّي، إلى أن قرأتُ مرةً عن شخص أمريكي، غريب الأطوار في مراقبة الفقاعات وتتبعها، بعد انتهائي من قراءة المقال، قمتُ من فوري لتنفيذ أول تجربة، وكان ما كان.
بينما أنا منسجمٌ بكتابة هذا النص القصصي، توقف صديقي عُدَيّ، ألقى السلام، وتابع: أراكً مُستغرِقًا، ماذا تفعل يا فتحي؟.
أكتبُ نصًّا قصصيًّا، حول الفقاعة، وشرحتُ له الفكرة.
ضحك عُدَيّ بملء فِيِهِ، وقال: كُلّنا فقاعة. تابع مشواره باتجاه بيته، حاملًا أغراضه بيده.
تركني في دوّامة التفكير حول كلمته الأخيرة، أمعقول أننا فقاعة..!!؟، أو نصير فقاعة؟.



عمّان - الأردن
17 \ 8 \ 2016

عبد السلام دغمش
18-08-2016, 11:05 AM
أديبنا الكريم ..

اجدت في عرض الفكر بهذا التوصيف الطريف ..

نعم ، بيننا الكثير من الفقاعات وهو ما يشبه الزبد المنتفخ فراغًا ، أحيانا ينفخنا الإعلام فيهيجنا فنتحول إلى فقاعات لا تلبث ان تتلاشى .

لك وافر تقديري .

ناديه محمد الجابي
18-08-2016, 04:58 PM
ياله من تطور في عالم السب والشتم ، وياله من تعبير غريب
ولكنه تشبيه بليغ .. فالبعض فعلا كالفقاعة التي تبدو رقيقة
براقة شفافة وتظل تكبر وتعلو وقد امتلأت بالهواء
وفجأة تنفجر فكأنها لم تكن.
قصة جميلة وفكرة قيمة وسرد ماتع ونص سلس وجاذب بلغة شيقة
بوركت مبدعا. :001:

محمد فتحي المقداد
19-08-2016, 07:17 PM
أديبنا الكريم ..

اجدت في عرض الفكر بهذا التوصيف الطريف ..

نعم ، بيننا الكثير من الفقاعات وهو ما يشبه الزبد المنتفخ فراغًا ، أحيانا ينفخنا الإعلام فيهيجنا فنتحول إلى فقاعات لا تلبث ان تتلاشى .

لك وافر تقديري .


أستاذنا الفاضل عبدالسلام
الفقاعات ...
الفقاعات ...
وما أدراك ماهي..؟.
تحياتي وتقديري
دمت بكل ود:0014:

محمد فتحي المقداد
19-08-2016, 07:20 PM
ياله من تطور في عالم السب والشتم ، وياله من تعبير غريب
ولكنه تشبيه بليغ .. فالبعض فعلا كالفقاعة التي تبدو رقيقة
براقة شفافة وتظل تكبر وتعلو وقد امتلأت بالهواء
وفجأة تنفجر فكأنها لم تكن.
قصة جميلة وفكرة قيمة وسرد ماتع ونص سلس وجاذب بلغة شيقة
بوركت مبدعا. :001:


الأديبة الراقية نادية الجابي
أسعد الله أوقاتك .. سيدتي
كان يروقني الجلوس لأحد جهابذة اللغة، وبتحريض من أحدهم
على زميل آخر لهما.. فأطرب للشتائم بالعربية الفصى.. يا ألله..
من أروعها..
فلسفة الفقاعات تفتح أبوابًا جديدة، لو ولجناها لن نخلص منها..
تحياتي
دمت
بكل تقدير
:0014::0014:

رياض شلال المحمدي
22-08-2016, 06:16 AM
" يا مثبت العقل والدين ثبت علينا العقل والدين " ! ، بداية أوحت الكثير لما
بعدها ، فكأنما استحداث واستسهال إطلاق المسميات ، شتيمة أو غيرها ، هو السمة
البارزة لما درج عليه محبي قشور عولمة الحضارة ، هذا ، ولعل لهم عذر وأنت تلوم ،
وهل ما جرى لنا ويجري الآن إلا بسبب شتيمة أحد ساستنا بأننا فقاعة !! ، شكرًا أديبنا العزيز
لجميل ما قصصت فكرة وسردًا ممتعا ، تحيتي وتقديري .

محمد مشعل الكَريشي
22-08-2016, 04:19 PM
نصك جميل، ولستما فقاعة برغم أن أهل التصوير يقولون ( أن الدنيا فقاعة صورها قبل أن تنفجر)
تحياتي يا طيب..

محمد فتحي المقداد
26-08-2016, 06:57 PM
" يا مثبت العقل والدين ثبت علينا العقل والدين " ! ، بداية أوحت الكثير لما
بعدها ، فكأنما استحداث واستسهال إطلاق المسميات ، شتيمة أو غيرها ، هو السمة
البارزة لما درج عليه محبي قشور عولمة الحضارة ، هذا ، ولعل لهم عذر وأنت تلوم ،
وهل ما جرى لنا ويجري الآن إلا بسبب شتيمة أحد ساستنا بأننا فقاعة !! ، شكرًا أديبنا العزيز
لجميل ما قصصت فكرة وسردًا ممتعا ، تحيتي وتقديري .



أستاذ رياض شلال
أسعد الله أوقاتك بكل الخير
حماقة أحدهم ربما تغير جرى التاريخ كما ذكرت حضرتك
وقد ركزت على نقطة مهمة عالجها النص، الشعور بالإهانة
من الشتائم ..
فقد أمسكت بجانب مهم، لك كل التقدير و الشكر على مرورك
أيها الجميل:0014::0014:

محمد فتحي المقداد
26-08-2016, 07:10 PM
نصك جميل، ولستما فقاعة برغم أن أهل التصوير يقولون ( أن الدنيا فقاعة صورها قبل أن تنفجر)
تحياتي يا طيب..



أستاذ محمد مشعل
أسعد الله أوقاتك بكل خير
أنت الجميل يا محمد .. أشعر بالسرور
للقائك هنا..
واقتناص اللحظات الفارقة في الحياة مهمة
كبيرة وبحاجة للصبر و التأني على رأي أهل
التصوير ( الدنيا فقاعة.. صورها قبل أن تنفجر)
تحياتي وتقديري:0014::0014: