تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : همجية



ايهاب الشباطات
03-02-2017, 12:58 PM
مع تجمع سُحبٍ سوداء في ليلة مقمرة فوق بيتٍ ذي تصميم كلاسيكي جميل يقع في طرف حي سكني هادئ , تسلل لصٌ في مقتبل عُمره إلى ذلك البيت رويداً رويداً , حاول في البداية أن يدخل من أحد البابين الأمامي أو الجانبي لكنه لم يُفلح , إلى أن تمكّن أخيراً من الدخول عبر نافذة المطبخ سهلة الكسر , مشى بهدوء إلى الصالة و لفت نظره تحفٌ عاجية و خشبية و أخرى فضية ...., لكن بدا له من بعيد ظلٌ يقترب ببطء إلى أرضية الدرج , فاختبئ خلف الزاوية و لم يكن وراء ذلك الظل إلا جسد جميل بدأ يملأ حدقتي عينيه انبهاراً بتفاصيله و صفاء وجه صاحبته و لعلها كانت في مثل عُمره , أخذ يراقبها و هي تتمايل بملابس نومها مشياً إلى المطبخ , خرجت منه بعد أن روت ظمأها من ماء بارد و عادت عبر نفس الدرج , و مع وقع خطواتها على الدرج كان قلبه يدق شهوة و دمه يفيض بالادرينالين و نفسه تقول له : لا تضيع الفرصة ! , قرر أن يتبعها حتى رآها تدخل غرفتها فدخل الغرفة وراءها و راودها عن نفسها , و في نفس اللحظة بدأ صراخها يعلو و يعلو , سمع الصراخ شقيقها الأصغر فركض كالمجنون بإتجاه غرفتها و في كل خطوة يخطوها كان يتذكر لشقيقته موقفاً حنوناً و كأنّ الزمن متوقفٌ في أثناء ركضه السريع ! , ومن تلك المواقف الكثيرة كان مشهد شقيقته و هي تبكي عند سرير أمّهما التي ترقد في غيبوبة في مستشفى المدينة و تمسح عن رأسها بعد حادث سير مروع مات فيه والدهما, ذلك المشهد أوقف شريط ذكرياته و بقي في رأسه إلى أن وصل باب غرفة شقيقته , أمسك مقبض الباب و حاول فتحه لكنه كان مغلقاً , حاول دفع باب الغرفة المصنوع من خشب البلوط الغليظ بكتفه لكنه لم يُفلح أيضاً , في أثناء ذلك كله كان يسمع شقيقته تتوسل شخصاً ما في داخل الغرفة و صوتٌ يردُ عليها : قلتُ لكِ افتحي ساقيكِ ..., لوهلةٍ لم يعرف ماذا يفعل , لكنه انطلق كالبرق بإتجاه غرفة شقيقه الأوسط و فتح بابها , وجد شقيقه الأوسط يجلس على سجادة صلاته يقرأ في صحيح البخاري ذلك الكتاب الذي لا يفارق يديه في الليل , اقترب إليه من وراء كتفه بسرعة و لمح جملة "باب فضل السجود" مكتوبةً على رأس الصفحة التي يقرأ منها , و سرعان ما بدأ لسانه يرتجف تارة و ينطق تارة بما سمعه ..., تحوقل شقيقه الأوسط وقال : يا أخي غفر الله لك و هداك إلى ما يُحب , لماذا لم تُقل السلام عليكم و رحمة الله و بركاته عند دخولك غرفتي حسب سُنة نبينا عليه الصلاة و السلام, لا بل لماذا لم تستأذن عند دخولك غرفتي ألا تحفظ سورة "النور" ؟ اذهبْ يا أخي إلى مكتبتي التي أمامك و ذلك الكتاب ذو الغلاف الأخضر يتحدث عن أداب و أحكام الإستئذان دونك فطالعه , إلا أن شقيقه الأصغر لم يفعل و ردد له بسرعة ما سمعه عن شقيقتهما , قاطعه شقيقه الأوسط قائلاً : بالله عليك لا تُفسد عليّ خلوتي و تعبدي , انطلق شقيقه الأصغر نحو غرفة شقيقه الأكبر تاركاً الأوسط وراء ظهره , وصل إلى بابها و قبل أن تمتد يده سمع موسيقى صاخبة من داخل الغرفة , أراد أن يفتح الباب لكن تذّكر تقريع شقيقه الأوسط له فبدأ بقرع الباب لكن صوت قرع الباب كان أخفض صوتاً من الموسيقى المنبعثة من داخل غرفة شقيقه الأكبر , فزاد ضرباته قوةً على الباب و بعد هُنيهة فتح الباب شقيقه الأكبر و قال غاضباً له : ما هذا ! ما هذا ! ألا يعرف المرء أن يستجم و يرتاح في هذا البيت ؟! ألم تتعلم "إلاتاكيت" بعد ؟! لا بأس تعال و شاهدْ الرقصة الجديدة التي تعلمتها من أحدث صرعات "الروك أند رول" , أراد شقيقه الأصغر أن يخبره بما حصل لكن قبل أن يتفوه بكلمة شدّه شقيقه الأكبر من يده و أدخله غرفته و بدأ شقيقه الأكبر بالرقص و الرقص ..., أطفأ الشقيق الأصغر مشغل الموسيقى و صرخ بما حدث , فانتفخت أوداج شقيقه الأكبر و بدت الحمرة تكسو وجهه و صار جسده يرتعش من الغضب ..., و صاح في شقيقه الأصغر قائلاً : تباً لك أيها الأحمق , تباً لك ..., أطفأت مشغل الموسيقى عند أفضل جزءٍ في الرقصة ؟! بالفعل أنك ولد مُخنث ... أخرج من هنا أخرج ... , و أمام هيجان شقيقه الأكبر لم يجد الشقيق الأصغر مفراً من ترك الغرفة , فخرج منها مسرعاً مفكراً و هداه تفكيره بالذهاب إلى المستودع حيث هنالك فأس كبير يستطيع به أن يكسر باب غرفة شقيقته ...., وصل إلى غرفة شقيقته و بيده الفأس و بدأ في كسر الباب و ما مضتْ لحظات حتّى كسر الباب , وقف لوهلة مذهولاً أمام مشهد أخته ممزقة الثياب على سريرها و دم يسيل على بقايا ثيابها و جسدها يرتعش ..., و شابٌ بشعر أشقر أمامها يغلق حزام بنطاله بسرعة ..., في حالةٍ من اللاوعي وجد نفسه يرفع الفأس في يده و يركض نحو ذلك الشاب , ركض الشاب سريعاً هارباً من المنزل لكن سرعته لم تدفع عنه خَدْشٌ أصابه في وجهه من حافة الفأس حين همّ بالهروب نحو الجهة الغربية للمنزل ..., و لم تمضِ ساعة حتّى جاءت الخالة و الشرر يتطايرُ من عينيها و ما أن فتحَ الشقيق الأصغر الباب لها حتى بادرت بصفعه صفعة قوية قائلةً له : من أين أتيت بكل هذه الهمجية ؟! من أين ؟ أيها الحيوان المتوحش من أنت ؟! هل أنت حقاً ابن شقيقتي و تحمل جيناتنا ؟ لقد أخبرتني أم الشاب المسكين الذي اعتديت عليه بما فعلت , أراد أن يخبرها بما حدث فقاطعته قائلة : اخرس , أنا أعلم أن الشاب قد أخطأ في تعامله مع شقيقتك لكن ذلك الخطأ لا يُبرر بأي حالٍ من الأحوال همجيتك و الشاب من عائلة محترمة ... , انتظرني في الصالة أنا ذاهبة لغرفة شقيقتك ... , فتحت الخالة باب ابنة أختها و أخرجت منديلاً و عقاراً مسكناً من حقيبتها و ناولتهما لها ... , ثم عادت إلى ابن شقيقتها الصغير و قالت له : يجب أن أعرضك على طبيب نفسي مختص يُشخص حالتك , أخذته معه في السيارة و في أثناء قيادتها بدأ خيالها يسرح ..., عائلة ذلك الشاب متنفذة في المدينة ..., هل ستوقفها جامعة المدينة عن العمل كمحاضرة في كلية علم الاجتماع ؟ هل ستجمد إذاعة المدينة برنامجها الإذاعي "السلوك الأسري" ؟ , ما الذي ستقوله زميلاتها عنها في جمعية "تقويم المجتمع" و قد فشلت في رعاية أقرب الناس إليها ؟ دوامة من الأسئلة و الهواجس استمرت في اقتحام عقلها و هي تستمر في القيادة ...

ناديه محمد الجابي
03-02-2017, 06:42 PM
وكأنك تحكي على بيتنا العربي الكبير الذي يدخله اللصوص ( شاب بشعر أشقر) يرمز للغرب
ينتهك العرض ـ وانتهاك العرض له صور عديدة وإن عبرت عنه هنا بالجسدي.
ونحن في غفلة منقسمون .. البعض منغمس في تيارات إسلامية تذهب إلى التطرف
والبعض الآخر منغمس في المجون والإدمان والعربدة .. فإذا ما حاول من به عقل
الدفاع عن العرض والثأر ممن انتهكه كان ذلك همجية وتوحش.
أما الخالة فرأيتها ترمز للصحافة والإعلام المأجور.

قصرت حروفي عن ترجمة ما يجول في عقلي تجاه قصتك بأكثر من ذلك التفسير الفقير
وقد غلبني صدق حس النص وسمو معانيه فاستسلمت لدفق هذه المشاعر
والحكمة تغمرني فيوضها.
أبدعت حسا ونصا وأمسكت بناصية الفكرة بمهارة وتمكن
فسال الحرف من يراعك لينا مطواعا.
أسجل إعجابي.
:os::os:

ايهاب الشباطات
11-02-2017, 05:01 PM
الأستاذة ناديه الجابي

شكراً لمرورك الكريم و نقدك البناء , كما عهدناك حفظك الله .

تحياتي و تقديري

ناديه محمد الجابي
12-02-2017, 04:36 PM
يبدو إنني لم أقترب حتى من بعيد من فهم قصتك
فلأنتظر إذا رأي غيري
ولك تحياتي وتقديرى. :001:

آمال المصري
16-02-2017, 03:36 PM
تصوير رمزي للمحتلة التي اغتصبتها اسرائيل وساندتها الخالة أمريكا
والدول الشقيقة على اختلاف طوائفها ومذاهبها تستهين بالقضية وتتجاهل أبعادها
تلك جزء من قراءة أخرى
والنص مفتوح للتأويل وتعدد القراءات لمالكه " المتلقي "
شكرا لك شاعرنا الفاضل
تحية وتقدير

ايهاب الشباطات
18-02-2017, 11:09 PM
يبدو إنني لم أقترب حتى من بعيد من فهم قصتك
فلأنتظر إذا رأي غيري
ولك تحياتي وتقديرى. :001:

لا أرى ذلك ! , لا يوجد أو صواب أو خطأ في تأويل النص , و لا أستطيع أن أقدم تأويلاً معيناً فالنص ليس لي بعد خروجه من دفتري ...


تحياتي و تقديري

ايهاب الشباطات
17-03-2017, 09:31 PM
تصوير رمزي للمحتلة التي اغتصبتها اسرائيل وساندتها الخالة أمريكا
والدول الشقيقة على اختلاف طوائفها ومذاهبها تستهين بالقضية وتتجاهل أبعادها
تلك جزء من قراءة أخرى
والنص مفتوح للتأويل وتعدد القراءات لمالكه " المتلقي "
شكرا لك شاعرنا الفاضل
تحية وتقدير

الأستاذة آمال المصري

كما تفضلت في إطلالتك الكريمة النص مفتوح للتأويل و تعدد القراءات .....

تحياتي و تقديري

مصطفى الصالح
29-06-2017, 02:52 PM
في زمن انقلاب المفاهيم وانهيار القيم واستحواذ الأنا يحدث كل هذا
أفلحت في تثوير القاريء وإنتاج حنقه على الواقع المر بما فيه من تفكك الأسرة وانشغال كل فرد بنفسه
أسلوب جميل سريع وفكرة هادفة
العنوان كان موفقا جدا
أبدعت

تقديري

علاء سعد حسن
10-07-2017, 09:34 PM
ما أقسى الهمجية الحديثة الجهلاء!!!

نص مليء بالمفارقات التي تغرق مجتمعاتنا حتى ما بعد الأذنين..

تلك هي المفارقات القاسية ..

أحمد العكيدي
11-07-2017, 10:16 AM
تصوير رائع وجميل لتناقضات تنخر المجتمعات الإنسانية بصفة عامة وليس فقط مجتمعاتنا العربية ولعل النص يحمل قراءات عديدة. عندما تغيب القيم نتوقع الهمجية...
مع أجمل التحايا