المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماء قديم \ ق ق \ م. الصالح



مصطفى الصالح
23-02-2017, 12:54 PM
ماء قديم
قلت له مازحا – ومزح الرجال جد- بعد افتراق بسبب دراستي خارج البلد: ويل لأجيال تتخرج على يديك، ابتسم ابتسامة عميقة تخفي خلفها ضحكة بانت أطرافها ألما مستفحلا حتى النخاع، فأنا أعلم الناس بطفولته المريرة وشبابه الحائر، ما زال فارع الطول متفوقا عليّ في هذا المضمار رغم الفارق البسيط في الأعمار، وهل بضع سنوات تحسب في عمر الشعوب المكافحة من أجل العيش بسلام على أرض غريبة رغم القرب والوطن في اغتراب!
كان ذلك على إثر طرفة سوقية ذكرتني بسابقة قالها قبل أكثر من عقد متفرعن؛ أيام الطيش المتمرد على واقع تائه عن بوصلة الحقيقة، لا أعلم كيف أنهى الثانوية ولا كلية المجتمع بعدها، لم أكن أتوقع ذلك بكل حال، فـأسلوب الهزر الذي يتظاهر به ببراعة يجعلك توقن أنك أمام إنسان طبل، لكن تلك الأحابيل لم تكن لتنطلي علي؛ فهو يعلم علمي الأكيد بأدق تفاصيل حياتهم، فكم كنا نجلس في بيوت بعضنا كأنها بيوتنا، ولى ذلك الزمن الجميل، هل كان جميلا فعلا، أم أننا تناسينا جراحه ونسيناها، فما عاد يلمع في الذاكرة إلا بعض الومضات السعيدة!!..
في يوم رأيت حزنا حقيقيا يتقاطر منه وقد اغرورقت عيناه، تظاهر جاهدا برباطة الجأش لكن، رأيت الكثير من الحيرة والأفكار المترنحة، وفاة أخيه الأكبر كانت أكبر من استيعابه، لم يكن قد بلغ من العمر عتيا، لم يعان من أي مرض ظاهر، لم يبلغ أحلامه بعد، وقد بلغ أحد أطفاله الثلاثة سن الدراسة، ترملت المرأة وصارت حياتها كرمال الصحراء كان يقول ويضرب كفا بكف، حتى ذلك الوقت لم تكن كلمة الترمل قد بلغت أطراف عقلي..
كنت – رغم ذلك – أعلم أنه سيتفوق على نفسه ويخرج من المحنة أصلب عودا، فقد حدثني في بداية تعارفنا في بداية المرحلة الإعدادية أن النكبة زلزلت والده وأقعدت روحه، كان يهيم من الفجر حتى منتصف الليل ولا يعود بخبز، تابعه ليعرف سبب هذا النحس، الناس تقول أن تجارة الأثاث المستعمل مربحة، ولكن لماذا لا يربح والده... ها هو يبيع ويقبض مبلغا محترما والشمس في صعود، يعرج على بقالة ويخرج منها دون شيء، يستخرج من جيب جاكيته شيئا صغيرا مغلفا، يتناول منه رشفات ثم يعيده وهو سائر.. لعله علاج شعبي فهو يعاني من الربو وغيره من الأمراض، يسهو عنه لحظة لا يجده بعدها، يركض هنا وهناك يبحث بشغف وقلق فلا يجده، تمر الدقائق عصيبة تدحرج الدقائق ولا أثر
يعود إلى مكان الاختفاء، لا يوجد سوى محلات بيع ملابس يتوسطها درج صاعد، كان قد نظر فيها من قبل دون جدوى، يصعد الدرج بهدوء حتى السطح، مقهى ضخم تفوح من رائحة عفنة، يهم بالدخول لكن رجلا ضخما بالباب يطرده، وبينما ينسحب خائبا يغافله وينزلق إلى الداخل بلياقة الشياطين حتى وقف على طاولة الورق، كلهم يضحك إلا أبوه، كان يضع آخر ما يملك من فرح على الطاولة بيد مرتجفة ووجه متجعد الألم شديد، كثيرا ما ينتظر البعض من ينتشله من عجزه، كان يتمنى ألا يكون أبوه وهو يتقدم، لكنه هو هو، عندها ركب الجنون يديه فعمد إلى الطاولة فقلبها رأسا على عقب وهو يصرخ فيه: إن لم تعد إلى البيت الآن فلن تدخله إلا جنازة...
أتذكر كل هذا وأبوه من يومها ملتزم بعمله في المحل الذي افتتحه بعدها، حتى أنه استطاع أن يبني بيتا كبيرا من عدة طوابق في مكان جيد...
لكن عز علي أن أراه على باب نفس المعبد...

ناديه محمد الجابي
23-02-2017, 06:15 PM
وقفت عند ضفاف عالمك الذي بهرني بسرديته الرائعة
فوجدتك تتألق في إظهار الفكرة التي وفقت في إيصالها للمتلقي
(كثيرا ما ينتظر البعض من ينتشله من عجزه، كان يتمنى ألا يكون أبوه
وهو يتقدم، لكنه هو هو)
كانت نكبة الوالد في فقد ولده قد زلزلت كيانه وأقعدت روحه ـ لكنه استطاع
انتشاله وإعادته إلى الحياة والعمل
( لكن عز علي أن أراه على باب نفس المعبد...)
فهل سلك الأبن نفس مسلك الأب .. نهاية مؤسفة.. فمن قادر على انتشاله
قصة قويةالملامح ـ سبكت بنسيج حرفي متلاحم
مطرزة بكل ألوان وأشكال الواقع أجدت رسم أحداثها
قصة معبرة ومؤثرة
أهلا بعودة هذا القلم النابض روعة
تحياتي وتقديري.
:0014::0014:

أحمد العكيدي
24-02-2017, 11:52 AM
قصة جميلة بأسلوب ماتع، تحفر بعمق في قضية إنسانية يعيشها الكثيرون.
سعدت كثيرا بقراءة هذا النص الجميل.
مع أجمل التحايا

عبد السلام دغمش
25-02-2017, 12:14 PM
نصّ جميل ينقل المتلقي إلى ذلك الواقع الذي إنغمس فيه البعض : مخدرات ..قمار .. الخ.
ربما يحتاج المرء الى صدمة أقوى لانتشاله من واقع الى اخر ..

تحيتي استاذ مصطفى .

مصطفى الصالح
26-02-2017, 12:31 AM
وقفت عند ضفاف عالمك الذي بهرني بسرديته الرائعة
فوجدتك تتألق في إظهار الفكرة التي وفقت في إيصالها للمتلقي
(كثيرا ما ينتظر البعض من ينتشله من عجزه، كان يتمنى ألا يكون أبوه
وهو يتقدم، لكنه هو هو)
كانت نكبة الوالد في فقد ولده قد زلزلت كيانه وأقعدت روحه ـ لكنه استطاع
انتشاله وإعادته إلى الحياة والعمل
( لكن عز علي أن أراه على باب نفس المعبد...)
فهل سلك الأبن نفس مسلك الأب .. نهاية مؤسفة.. فمن قادر على انتشاله
قصة قويةالملامح ـ سبكت بنسيج حرفي متلاحم
مطرزة بكل ألوان وأشكال الواقع أجدت رسم أحداثها
قصة معبرة ومؤثرة
أهلا بعودة هذا القلم النابض روعة
تحياتي وتقديري.
:0014::0014:



أديبتنا القديرة
سرني مرورك البهي وقراءتك العميقة
استحسانك فخر ورأيك وسام
شكرا لأنك هنا
كل التقدير

:0014::0014::0014:

مصطفى الصالح
27-02-2017, 12:32 AM
قصة جميلة بأسلوب ماتع، تحفر بعمق في قضية إنسانية يعيشها الكثيرون.
سعدت كثيرا بقراءة هذا النص الجميل.
مع أجمل التحايا

شكرا لكم أخي الفاضل أحمد
سرني أنها نالت استحسانك
كن بالقرب دائما

تقديري

كاملة بدارنه
28-02-2017, 03:26 PM
سرد هادف وجاذب، وطرح لقضيّة إنسانيّة هامّة
بوركت
تقديري وتحيّتي

قوادري علي
28-02-2017, 07:29 PM
تحكم هادئ وواثق في سيرورة السرد،لغة تمارس سحرها
ضمن نسيج النص راسمة الصراع الدرامي والنفسي للشخصين الأب والابن والثالث تاركة الأحداث تعبر عن نفسها ..هل يحرث الآباء ويحصد الأبناء؟
تلك حالة وجودية تتكرر حين ينزلق الوالد في اللهو والقمار وأمور أخرى دون أن يدرك أنه
يعبد الممر لذرية قد تمسها الحالة نفسها فيضيع الجيل خاصة إذا كانت مهنته كمهنة بطلنا..
شكرا القاص المميز مصطفى..

مصطفى الصالح
01-03-2017, 11:20 PM
نصّ جميل ينقل المتلقي إلى ذلك الواقع الذي إنغمس فيه البعض : مخدرات ..قمار .. الخ.
ربما يحتاج المرء الى صدمة أقوى لانتشاله من واقع الى اخر ..

تحيتي استاذ مصطفى .

هلا وحياك أخي عبد السلام
سرني حضورك البهي وإعجابك بحروفي المتواضعة
قراءة موفقة جدا ومتوافقة
كل الود وعظيم التقدير

مصطفى الصالح
01-03-2017, 11:31 PM
سرد هادف وجاذب، وطرح لقضيّة إنسانيّة هامّة
بوركت
تقديري وتحيّتي

أديبتنا القديرة كاملة
شكرا للقراءة الموضوعية الجميلة

سرني أنك هنا

كل التقدير

قصي المحمود
05-03-2017, 07:37 PM
مزج الواقعية بالرمزية للوصول للهدف الرسالة تتطلب خيالا فكري وقدرة
ادبية في المسك بالنص بحرفية
وارى يا صديقي الغالي الصالح المصطفى انك اجدت السرد والواقعية بروح الرمزية
اكتملت القصة بحبكتها وقفلتها الرائعة ...
اشتقت اليك ولحرفك ...وسعيد انني وجدته هنا
كل الود والتقدير مع فائق احترامي

مصطفى الصالح
05-03-2017, 08:05 PM
تحكم هادئ وواثق في سيرورة السرد،لغة تمارس سحرها
ضمن نسيج النص راسمة الصراع الدرامي والنفسي للشخصين الأب والابن والثالث تاركة الأحداث تعبر عن نفسها ..هل يحرث الآباء ويحصد الأبناء؟
تلك حالة وجودية تتكرر حين ينزلق الوالد في اللهو والقمار وأمور أخرى دون أن يدرك أنه
يعبد الممر لذرية قد تمسها الحالة نفسها فيضيع الجيل خاصة إذا كانت مهنته كمهنة بطلنا..
شكرا القاص المميز مصطفى..

أهلا وسهلا أديبنا القدير قوادري
قراءة موفقة عميقة وقوية
سرني انها نالت استحسانك
فهذا وسام
شكرا لأنك هنا
كل الود وجميل التقدير

آمال المصري
09-03-2017, 12:51 AM
أتذكر كل هذا وأبوه من يومها ملتزم بعمله في المحل الذي افتتحه بعدها، حتى أنه استطاع أن يبني بيتا كبيرا من عدة طوابق في مكان جيد...
لكن عز علي أن أراه على باب نفس المعبد...

أحيانا لا تنجع الاستقامة بعد عوج
وإن كانت ممن هم المُثل العليا تكون الطامة أشد
بلغة أنيقة وسرد قاص متمرس كانت تلك الجميلة الهادفة بما تحمل من رسالة واضحة
سررت بالقراءة هنا فشكرا لك أديبنا الكبير
تحية وتقدير

مصطفى الصالح
23-04-2017, 03:03 PM
مزج الواقعية بالرمزية للوصول للهدف الرسالة تتطلب خيالا فكري وقدرة
ادبية في المسك بالنص بحرفية
وارى يا صديقي الغالي الصالح المصطفى انك اجدت السرد والواقعية بروح الرمزية
اكتملت القصة بحبكتها وقفلتها الرائعة ...
اشتقت اليك ولحرفك ...وسعيد انني وجدته هنا
كل الود والتقدير مع فائق احترامي


هلا وحياك أخي الفاضل قصي المحمود

سرني أنك هنا، وكذلك إعجابك بنصي المتواضع

سأكتب الأجمل في وادي عبقر إن كانت هناك جنيتي!!

ههههههههه

كل التقدير

علي قنديل
02-05-2017, 05:47 PM
الإنزلاق إلى الماضى وإستخلاص العبر
دائما يجذب الروح إليه
استمتعت كثيرا بقراءة ما بين السطور
و استفدت أكثر
تحياتى لسموك المبدع

مصطفى الصالح
12-05-2017, 09:41 PM
أحيانا لا تنجع الاستقامة بعد عوج
وإن كانت ممن هم المُثل العليا تكون الطامة أشد
بلغة أنيقة وسرد قاص متمرس كانت تلك الجميلة الهادفة بما تحمل من رسالة واضحة
سررت بالقراءة هنا فشكرا لك أديبنا الكبير
تحية وتقدير

بل الشكر لحضورك الأنيق
وقراءتك الثرية
أستاذتي القديرة آمال
شكرا لآنك هنا

أعطر التحايا

مصطفى الصالح
22-06-2017, 12:24 AM
الإنزلاق إلى الماضى وإستخلاص العبر
دائما يجذب الروح إليه
استمتعت كثيرا بقراءة ما بين السطور
و استفدت أكثر
تحياتى لسموك المبدع

أهلا وسهلا بك أخي علي قنديل
شكرا للمرور الراقي والقراءة العميقة
سرني أنك هنا
كل التقدير

مصطفى الصالح
11-07-2017, 10:48 PM
شكرا لكل من مر وعبر
قرأ وكتب
حتى لو قرا دون أن يكتب

علاء سعد حسن
18-07-2017, 10:14 PM
نهاية مفجعة لقص عميق المعنى كثيف العرض

تمتعت بالابداع

مصطفى الصالح
22-07-2017, 04:22 PM
نهاية مفجعة لقص عميق المعنى كثيف العرض

تمتعت بالابداع

كم أسعدني حضورك الأنيق أستاذي القدير علاء
شكرا للبهاء

كل التقدير

حسام القاضي
24-07-2017, 04:02 PM
رائع هذا السرد المتمكن
انتقلت بنا في سلاسة بين الماضي والحاضر سريعا
انقذ الابن أباه من ماء قديم
ثم وقع فريسة له في النهاية
التي كانت صادمة
وكانت لحظة التنوير في القصة
ولتكمل مع العنوان دائرة الحكي

أشكرك لما أمتعتنا به هنا
تقبل تقديري واحترامي

مصطفى الصالح
25-07-2017, 04:24 PM
رائع هذا السرد المتمكن
انتقلت بنا في سلاسة بين الماضي والحاضر سريعا
انقذ الابن أباه من ماء قديم
ثم وقع فريسة له في النهاية
التي كانت صادمة
وكانت لحظة التنوير في القصة
ولتكمل مع العنوان دائرة الحكي

أشكرك لما أمتعتنا به هنا
تقبل تقديري واحترامي

أسعدني حضورك الأنيق وإعجابكم بنصي المتواضع
رأيكم وسام على صد النص أفتخر به ما دمت
شكرا لأنك هنا
الأستاذ حسام القاضي

كل التقدير :0014: