تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المُتسوّلة - قصّة في جزئين



عماد هلالى
04-03-2017, 01:43 PM
اعتاد على رؤيتها في الطّريق , تجلس جانبا متخفيّة بين عمودين , خجولة مطأطئة الرّأس , سيّدة في الثّلاثين في رداء أسود ونظّارة طبّيّة . لا يحمل عادة نقودا كثيرة , لكنّه كريما معها دائما , حين يراها من بعيد , يُخرج نقوده من جيبه , يختار قطعة كبيرة , ويرميها على كفّها المبسوطة في حركة سريعة . وكأنّها قد لاحظت هذه الحركة مع تكرارها المستمر , فأخذت تختار أدعية جميلة , تقولها له حين يرمي النّقود , بصوت خافت .

بدأ يتفاءل بوجودها في طريقه , ولاحظ أنّه كلّما قدّم لها شيئا يفتح الله عليه بابا في يومه . والملفّ الّذي قدّمه منذ سنتين , وتعب في إعداده حان ميعاد نتيجته بالقبول أو الرّفض , تأنّق يومها وحضّر قطعة نقديّة محترمة , ورماها على يدها المبسوطة , قالت له بخجل شديد : مقبول ان شاء الله . قُبل ملفّه وسيفتح ورشته الفنّيّة ومؤسّسته الإعلامية الّتي حلم بها كثيرا . حين عاد فرحا تطير به الأحلام ووصل عندها جلس بمقربة منها وكلّمها , قال لها : وجهك جاءني بالخير , هل تعانين من مشكلة ما ويُمكنني مساعدتك في حلّها ؟

قالت له : أنا وحيدة , وغريبة في هذه الدّيار , قبل سنوات لم أكن على هذا الحال , مرّ أبي رحمه الله بأزمة ماليّة حادّة فباعني لشيخ ثري سدّد ديونه مقابل أن يتزوّجني على نسائه الثلاثة , جاء بي الى هذه البلدة , كان جشعا وبخيلا , بعد شهور قليلة تُوُفيّ , تصارع أبناؤه الكُثر على الميراث وطردوني شرّ طردة , ولم يعد لي أي بيت أرجع اليه بعد أن توفيت والدتي وتفرّق اخوتي . تتكلّم بغاية العذوبة والأدب , وتبدو جميلة وأنيقة حتّى وهي في جلسة التسوّل , والتقت نظراتهما في حالات التأثّر والعاطفة , وأحبّها .

يعشق أهل الفن المغامرة , ومنهم من يميل إلى حياة التّشرّد ويعيش عمره كاملا في التّنقّل والإكتشاف , ترك عائلته بمحض ارادته , سكن غرفة في نفس المدينة , وجعلها مرسما ومكانا للمبيت والأكل أيضا . مع انطلاق مشروعه دخل حياة النّشاط والعمل , وبدأت أوضاعه الماديّة تتحسّن , وجرت الأموال في يديه . وفكّر أن يتزوّجها , المُتسوّلة , واليد الّتي كانت ممدودة أمامه للصّدقة طلبها . رأت أنّ الأيّام دارت والحياة أرادت أن تُعيدها لوضعها الطّبيعي بعد كأس مُرّة تجرّعتها عنوة , ورأت عائلته أنّه جنّ رسميّا وقاطعوه بعد أن استماتوا في منعه , ورأى هو أنّه قد أرضى أخيرا نوازعه المُتحرّرة , وأنّه فنّان حقيقي يفعل ما يُريده , وبعض الفنون جنون .

.. يُتبع

ناديه محمد الجابي
04-03-2017, 06:47 PM
قصة تشد القارئ بحكي شيق جاذب ووصف حي
انساب برقة وقدرة على السرد
وللتمة سأكون على انتظار
تحياتي وتقديري. :001:

عماد هلالى
04-03-2017, 08:38 PM
قصة تشد القارئ بحكي شيق جاذب ووصف حي
انساب برقة وقدرة على السرد
وللتمة سأكون على انتظار
تحياتي وتقديري. :001:

شكرا جزيلا الأستاذة الأديبة نادية محمد الجابي , مرورك الكريم وتعليقك الطيّب الجميل أسعدني والله :0014::hat:

محسن العافي
04-03-2017, 11:51 PM
الحب هنا قد ينقشع كالضباب بعد مدة ،لان مسارات الحب عديدة ،وقد تبدو الشفقة حبا احيانا ، ولكنها حقيقة تقف عند حب المساعدة ومد يد العون للآخرين،لا ان تنتهي بالارتباط .هب أن الآية معكوسة ،هل كانت ستقبل به زوجا؟ لا أظن ذلك في أغلب الأحيان.الفقر غالبا ما يسلب الارادة .الاستاذ الاديب : عماد هلالي هذه قصة جميلة جدا ،ورأيي يبقى قراءة خاصة في ماهية الحب الحقيقي في علاقته بالشفقة ،و ......أنتظر تفاصيل أحداث الجزء الثاني ،و القفلة الجميلة التي غالبا تنثر رونقها على امتداد النص .

عماد هلالى
05-03-2017, 12:19 AM
الحب هنا قد ينقشع كالضباب بعد مدة ،لان مسارات الحب عديدة ،وقد تبدو الشفقة حبا احيانا ، ولكنها حقيقة تقف عند حب المساعدة ومد يد العون للآخرين،لا ان تنتهي بالارتباط .هب أن الآية معكوسة ،هل كانت ستقبل به زوجا؟ لا أظن ذلك في أغلب الأحيان.الفقر غالبا ما يسلب الارادة .الاستاذ الاديب : عماد هلالي هذه قصة جميلة جدا ،ورأيي يبقى قراءة خاصة في ماهية الحب الحقيقي في علاقته بالشفقة ،و ......أنتظر تفاصيل أحداث الجزء الثاني ،و القفلة الجميلة التي غالبا تنثر رونقها على امتداد النص .

شكرا جزيلا صديقي الأستاذ الأديب محسن العافي , قراءتك للنّص رائعة سيّدي , الجزء الثاني سيخرج بالقصّة لفكرة أخرى لم تظهر بعد , وستنعكس الآية فعلا , خالص ودّي وتقديري :0014::hat:

قصي المحمود
05-03-2017, 06:59 PM
اسلوب سردي جميل ينم عن قدرة في مسك خيوط الحبكة القصصية
ولي رأي اخي العزيز ..هذه القصة في الجزء الأول منها وسأذهب للجزء
الثاني منها للقراءة ..كان يمكن ان تكون مشروع رواية
وارى لك الإمكانية من خلال ما قرأت لك ...
تحياتي وتقديري

عماد هلالى
05-03-2017, 10:31 PM
اسلوب سردي جميل ينم عن قدرة في مسك خيوط الحبكة القصصية
ولي رأي اخي العزيز ..هذه القصة في الجزء الأول منها وسأذهب للجزء
الثاني منها للقراءة ..كان يمكن ان تكون مشروع رواية
وارى لك الإمكانية من خلال ما قرأت لك ...
تحياتي وتقديري

شكرا جزيلا لك صديقي الأستاذ قصي المحمود , بارك الله فيك , اقتراح جيّد , فعلا أنا أميل وأتّجه الى كتابة الرّواية , سأفكّر في الأمر , خالص ودي وتحياتي عزيزي :0014::hat::014: