المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موت عمي موح بائع السجائر



عماد هلالى
11-04-2017, 03:31 AM
تضرب الأمواج الصّخور , تعجّ البلدة الصّغيرة بالحركة , تنام في آخر اللّيل على أصوات السّكارى , وتصحو على جلبة صناديق الأسماك وصخب الصّيّادين , وقد نست كل شيء , وتضرب الأمواج الصّخور من جديد , كم هي صغيرة هذه البلدة السّاحليّة , ونسّاية . في أطرافها , على آخر رصيف في الشّاطيء تلمح بيت عمّي موح بائع السّجائر , وقد صنعه من الخشب وجعل صفائح الحديد سقفا له .

شيخ بروح الشّباب , يرتدي زي البحر المألوف , السروال الأزرق الخفيف , القميص المخطّط بالأزرق الدّاكن والأبيض , وقبّعة قبطان السّفينة , ويعيش بمفرده مع كلبته – لايكا - . يقصده العابرون منذ سنين طويلة لشراء السّجائر , وألفه الشباب اليافع خاصة , حيث يهربون اليه من يوميّات حياتهم , والتزاماتهم , ليكتشفوا معه الدنيا . يُجالسهم ويُسامرهم , ويعطيهم من خبراته , وينصحهم . أحيانا كثيرة يتدخّل , يُصلح ويحل الكثير من المشاكل , لكنّ البلدة جاحدة .

أرجع مرة عروسا هربت ليلة زفافها مع الشاب عشيقها , مغني الراب المعروف . اقتلعها من أحضانه وأعادها الى حفلة العرس , ليلا من الميناء وقد كانا متّجهين الى اسبانيا , ستر البنت وجنّب العائلتين الفضيحة . اكتشف الجميع حقيقة هذا الشاب المغني حين تمّ القبض عليه بصفته رئيس عصابة بيع وترويج المخدّرات وتزوير العملة . يرى الفتاة الآن وقد صارت سيّدة بيت وأمّا , وترقبه بنظرات المودّة والامتنان , من زجاج نافذة السيّارة , كلما توقّف زوجها ليتشتري بعض السّجائر .

يأتيه الشباب ولا يبع لهم شيئا , يمنعهم من التّدخين , ويحثّهم على الدّراسة . وكان يأتيه أحد الشباب ليلا بوجبة عشاء ساخن , ووجبة خاصة بالكلبة – لايكا - , ويبقى معه يتسامران على أصوات موج البحر , وكأس الشاي . يحكي له كثيرا من قصصه الواقعيّة المؤثّرة , ويريه صورا ورسائل قديمة , وبعض المقتنيات , من حياته الّتي كانت زاخرة ومليئة بالمغامرة والمتعة . لكن بدأ النّاس يتكلّمون عنه سلبا , ومع ظهور التيّارات الدّينيّة المتطرّفة , تحوّل عمي موح في نظر النّاس الى مركز شر , وبيته ومحلّه صار بؤرة فساد .

خصّص امام مسجد البلدة خطبة الجمعة كاملة لموضوع عمي موح , وبنبرة حادة جهورية يصل صداها الى كل أطراف البلدة , ويسمعها عمي موح , تكلّم الامام عن خطر السّجائر وأنّها حرام شرعا , ثم انتقل الى المخدّرات والآفات الاجتماعية , وانحراف الشباب , وفي صدر الخطبة أشار صريحا وبعبارات واضحة الى عمي موح . قال : هذا الشيطان الّذي يسكن في أطراف بلدتنا هو مركز كل شر ومنبع كل مصائبنا , تأفف الجميع وقالوا : لا حول ولا قوة الا بالله . وكأنّ السّماء سقفا اسمنتيّا وقد سقط على رأسه , وكأنّ الأرض قد انشقّت وابتلعته , من حينها لم يعد أحدا يزوره . عمي موح , لم يعد يكلّم أحدا .

مضت الأيّام والليالي الطّوال ولم يدخل فمه حلوا ولا مرّا , ولا باردا ولا ساخنا . لم يتحرّك من فراشه وقد أجهد جسمه النّحيل المرض والجوع , ولا يوجد في البيت أي شيء للأكل . تمنّى أن يكون في مقدوره أن يصرخ فقط , لعلّه يمرّ أحدهم قرب هذا البيت النائي ويسمعه . وفي تلك اللّيلة جاء الشاب الّذي كان يتردّد عليه سابقا , وقد حمل اليه بعض الأكل خلسة من بيته . طرق الباب الخشبي بقوة وطويلا , ولم يستطع أن يجبه , كانت قواه قد خارت تماما وشارف على الموت .

سمع طرقات الباب وعرفه , وبدأ يجيبه بالأنين الخافت فقط , وكلبته – لايكا – تئن معه , وقد داومت على حراسته منذ أيام , يئس الفتى وهمّ بالانصراف , أسرعت اليه – لايكا – رآها ففرح , وضع يده مربّتا على شعر رأسها الكثيف , ولم يفهم شيئا من نباحها المتواصل , قالت له : انّ صاحبك جائع ومريض وقد أوشك على الموت , وأنا مثله جائعة , لكنّ معجزة فهمها كانت لسيدنا سليمان عليه وعلى نبيّنا السّلام .

ذهب الشاب , وباتت – لايكا – تلثمه وتلحس وجهه وجسمه بلسانها , كما كانت تفعل مع صغارها , ولم يعرف ان كان لعابها أو دموعها هذا الّذي بلّل لحيته , ربّما تبكي الكلاب . وقبيل أولى خيوط الفجر انصرفت – لايكا – لحال سبيلها , يجب أن تأكل وتعيش . ومع الفجر صعدت روحه الى السّماء .

لم تتوقّف السّماء عن البكاء يومها , وبكت أيضا تلك السّيدة الّتي فرّت ليلة زفافها , وبعض الشّباب الّذين أنقذهم من الإنحراف وصاروا أساتذة وآباءا , وذلك الشاب الّذي أحسّ بالنّدم لأنّه انصرف ولم يفهم ما قالته له – لايكا –

تضرب الأمواج الصّخور , تعجّ البلدة الصّغيرة بالحركة , تنام في آخر اللّيل على أصوات السّكارى , وتصحو على جلبة صناديق الأسماك وصخب الصّيّادين , وقد نست كل شيء , وتضرب الأمواج الصّخور من جديد .

ناديه محمد الجابي
11-04-2017, 12:32 PM
من يعطي الحق لأي مسلم أن يكون هو القاضي وهو الجلاد
ليس بالأمر الهين أن نكفر بعضنا، ومن غيرالمعقول أن نجرح
في أشخاص حتى وإن كنا نختلف معهم في بعض الأمور
نشوه الإسلام بأشياء ليست من الإسلام ـ نفتي بإسم الدين، ونكفر بعضنا بعضا
ونتقاتل فيما بيننا لأتفه الأسباب .. فمتى نكون مسلمين حقا؟؟
أدهشتني الإنسانية والروعة في تلك القصة الرائعة
سردية بديعة وترابط حبكي بالغ الدقة في نسيجه وانسجام كلماته
قصة جمعت بين فنية الأداء وإنسانية الرؤية
في قصة معبرة مؤثرة.
سلمت يداك ـ ودمت بكل خير.
:os::os:

عماد هلالى
11-04-2017, 05:12 PM
أدهشتني الإنسانية والروعة في تلك القصة الرائعة
سردية بديعة وترابط حبكي بالغ الدقة في نسيجه وانسجام كلماته
قصة جمعت بين فنية الأداء وإنسانية الرؤية
في قصة معبرة مؤثرة.
سلمت يداك ـ ودمت بكل خير.
:os::os:
سلمتي من كل سوء , وسعدتي في الدّارين , الأستاذة الأديبة نادية محمد الجابي , وبارك الله في هذا المرور الجميل , والتعاليق المشجّعة الدّافعة الى المزيد من الإبداع , ان شاء الله , شكرا جزيلا :0014::hat:

أحمد العكيدي
12-04-2017, 02:51 PM
قصة جميلة تحمل بين حروفها معاني إنسانية عديدة نعرفها بأسمائها فقط.

مع أجمل التحية

عماد هلالى
12-04-2017, 05:02 PM
قصة جميلة تحمل بين حروفها معاني إنسانية عديدة نعرفها بأسمائها فقط.

مع أجمل التحية

شكرا جزيلا أستاذ أحمد العكيدي , بالمختصر المفيد كتبت تعليقا يتضمّن المعاني الّتي قد تعجز مقالة عن احتوائها , بارك الله فيك , وخالص التقدير والمحبة :0014::hat:

مصطفى الصالح
24-06-2017, 12:19 AM
جميل جدا ومعبر وفيه هدف نبيل وغاية سامية
أسلوب سلس مشوق
أعجبني
لكنه سرد رواية وليس سرد قصة قصيرة
والقصيرة لا تتحمل كل هذه التفاصيل وتعتمد على المفارقات والنهايات المفتوحة والمحيرة
ستتعود عليها مع الوقت
استمر
دمت مبدعا
تقديري

مصطفى الصالح
24-06-2017, 12:21 AM
جميل جدا ومعبر وفيه هدف نبيل وغاية سامية
أسلوب سلس مشوق
أعجبني
لكنه سرد رواية وليس سرد قصة قصيرة
والقصيرة لا تتحمل كل هذه التفاصيل وتعتمد على المفارقات والنهايات المفتوحة والمحيرة
ستتعود عليها مع الوقت
استمر
دمت مبدعا
تقديري

عماد هلالى
28-06-2017, 10:16 AM
جميل جدا ومعبر وفيه هدف نبيل وغاية سامية
أسلوب سلس مشوق
أعجبني
لكنه سرد رواية وليس سرد قصة قصيرة
والقصيرة لا تتحمل كل هذه التفاصيل وتعتمد على المفارقات والنهايات المفتوحة والمحيرة
ستتعود عليها مع الوقت
استمر
دمت مبدعا
تقديري
شكرا جزيلا الأستاذ مصطفى الصالح , أنا أريد فعلا أن أتّجه الى كتابة الرواية , وكتابة الدراما والسينارو , مع القصص القصيرة طبعا , أفدتني كثيرا بارك الله فيك , مع خالص تحياتي وتقديري أستاذ بارك الله فيكم :0014::hat:

مصطفى الصالح
28-06-2017, 05:09 PM
هلا وحياك
بالاضافة لهذا يجب أن يكون العنوان واسعا فضفاضا وغير مباشر أو موحٍ بمحتوى النص
فمثلا بإمكانك اختصاره إلى العم موح فقط ، اما التفاصيل فهي في الداخل لمن يريد
والأفضل ألا يكون جزءا من النص أو شارح له
ويمكن وضع عنوان شجعان، أبطال للاستهزاء بتصرفات الناس التي تستقوي على الضعيف
ويمكن أن يكون: عدالة مقننة أو عدالة على المقاس...

كل هذه احتمالات مفتوحة ولا تشي بمحتوى النص
العنوان المباشر الذي يشي بمحتوى النص هو عنوان مقالات وفاشل بالنسبة للقصة والشعر
تحياتي

عماد هلالى
29-06-2017, 02:50 AM
هلا وحياك
بالاضافة لهذا يجب أن يكون العنوان واسعا فضفاضا وغير مباشر أو موحٍ بمحتوى النص
فمثلا بإمكانك اختصاره إلى العم موح فقط ، اما التفاصيل فهي في الداخل لمن يريد
والأفضل ألا يكون جزءا من النص أو شارح له
ويمكن وضع عنوان شجعان، أبطال للاستهزاء بتصرفات الناس التي تستقوي على الضعيف
ويمكن أن يكون: عدالة مقننة أو عدالة على المقاس...

كل هذه احتمالات مفتوحة ولا تشي بمحتوى النص
العنوان المباشر الذي يشي بمحتوى النص هو عنوان مقالات وفاشل بالنسبة للقصة والشعر
تحياتي

أفدتني كثيرا أستاذ مصطفى الصالح , شكرا جزيلا بارك الله فيك :0014::hat::014:

علاء سعد حسن
10-07-2017, 08:53 PM
السرد جاء عأعجبني رغم استعارة تقنية الرواية في الاستطراد في الوصف..

الفكرة التي طرحها النص جدلية

لا يوجد خير محض، ولا وجود لشر محض على الأرض.. ففي الناس خير خالطه بعض الشر ، وفينا شر خالطه خير..

إمام المسجد لا يجب أن يعبر عن ثلاثة اتجاهات لو استسلم لاحداها أضاع روح الدين
أولا لا يجب عن يعبر عن ايديولوجية جماعة او تيار معين، ولا عن مذهب فقهي واحد متجاهلا سعة اختلاف التنوع في المذاهب الأخرى..

ولا يجب أن يعبر عن سلطة أو مؤسسة تريد ان تجعل من الدين قوانيا او بالاحرى تريد ان تسوغ مشروعية قوانينها واوامرها بالتماهي مع الدين..

وثالثا وهي الأخطر على الاطلاق لا يجب أن يعبر عن وجهة نظره وتعاطيه الشخصي مع الدين، فلو اختار الامام لنفسه مذهبا متشددا وفي المسأة مذاهب ميسرة فعليه ان يعرض على الناس المذاهب الميسرة ويترك رأيه الشخصي.. تيسيرا على خلق الله

استمر سيدي في طرح ابداعك ورؤاك.. مع التحية والتقدير

عماد هلالى
13-07-2017, 09:11 AM
السرد جاء عأعجبني رغم استعارة تقنية الرواية في الاستطراد في الوصف..

الفكرة التي طرحها النص جدلية

لا يوجد خير محض، ولا وجود لشر محض على الأرض.. ففي الناس خير خالطه بعض الشر ، وفينا شر خالطه خير..

إمام المسجد لا يجب أن يعبر عن ثلاثة اتجاهات لو استسلم لاحداها أضاع روح الدين
أولا لا يجب عن يعبر عن ايديولوجية جماعة او تيار معين، ولا عن مذهب فقهي واحد متجاهلا سعة اختلاف التنوع في المذاهب الأخرى..

ولا يجب أن يعبر عن سلطة أو مؤسسة تريد ان تجعل من الدين قوانيا او بالاحرى تريد ان تسوغ مشروعية قوانينها واوامرها بالتماهي مع الدين..

وثالثا وهي الأخطر على الاطلاق لا يجب أن يعبر عن وجهة نظره وتعاطيه الشخصي مع الدين، فلو اختار الامام لنفسه مذهبا متشددا وفي المسأة مذاهب ميسرة فعليه ان يعرض على الناس المذاهب الميسرة ويترك رأيه الشخصي.. تيسيرا على خلق الله

استمر سيدي في طرح ابداعك ورؤاك.. مع التحية والتقدير

شكرا جزيلا أستاذ , شرّفني وأسعدني حضوركم , وأفدتني كثيرا جزاكم الله كل خير وبارك فيكم