تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : توهّم



عبدالكريم الساعدي
07-05-2017, 09:16 PM
توهُّم

ذات خريف وفي أقصى المكان، كنت عالقاً بفوضى طاولة منسية، أحوك تفاصيل مهملة؛ لأرتدي عبث اللحظة، أزيح غبار الوجع، أحلّق راقصاً على نغم حزين، يورق حلم دافئ في دمي، ألملم أشلائي المبعثرة في متون الريح، يتعثّر قلبي بسواد عينيك، أغافل عبثي، أحثّ الخطى إليكِ، لا أدري لماذا أذكركِ الآن، بعد أن ضيّعتني المحن، أكرع آخر كأس ولم أنسَ، أتطاير شغفاً مع أنين الجلّاس وخيوط الدخان في حانة منسية. يحاصرني الشوق؛ فأمدّ جسراً إليك، أراك تبتسمين كما الأمس، بينما أنا أنفرط في حزن مستديم، بيني وبينك خيط من عتمة، منْ يوصلني إليك؟.
- الشيب لن ينسخ آيات العشق.
- لكن غيابكَ طال، ولم تترك أثراً لظلّك.
أتثاءب ندماً، امتلئ بالهواجس، يرتجف صوتي:
- أريد أن أراك.
أشدّ أكمام ذاكرتي، أرقب سيري؛ فتومئ لي الطرقات، أواصل خطواتي، جنوني، توقظني ابتسامتك، كنتِ زخة مطر، حفنة من حنين. في لقائنا الأول تدثّرنا بظلّ نخلة بعيداً عن عيون القرية، بنينا حلماً على ضفة نهر يموج بالهمس، كنت تنشرين أحلامك في سمائي، وأنا أمازحك ببراءة طفل. أمدّ بصري، أراك عبر مرايا الحانة تحدّقين في شيبي، ما زلت أنت، مشرقة الوجه، شفتاك مبلّلتان بماء الورد، تسطعان بذات الابتسامة التي أسّرت قلبي، يسوّرني عطرك، لا أدري لماذا تغضّين الطرف كلّما نظرت إليك، أتفحص ملامحك، نعم أنت، حاملة حطام سنين مضت، تتشاغل عيناك بالنظر إلى وجوه المارة، تختلسين النظر إليّ، عيناك فيهما عتب شديد، تساؤل يطلي شفتيك بلون الوجع:
- لِمَ تركتني؟
أطأطئ رأسي خجلاً، ألملم أوصال الخيبة، أتوارى خلف أعذار واهية، أطلق حسرة شوق في مكان طاعن بالضجيج، عطب يصيبني، خيط من دخان يتصاعد من رأسي، دقات قلبي تتسارع، أنفاسي تتقطّع، يتشكّل حاجز من ضباب كثيف أمام عينيّ، أفزّ أمام كوني الآيل للسقوط، يرمقني الحضور بنظرات بلهاء، أتوه في موجة دهشة، أنفض تراب النعاس، أنتصب، أخاف ضياع الوقت، سنخوض غمار مشاعرنا الجميلة ثانية، أرسم بسمة جديدة على شفتيك، ولن يحدث وداع آخر، ألتفت، ما زالت واقفة، أنظر في عينيها، تبتسم، تحف بي رغبة للعناق، تلوّح لي بيدها، تمضي، أترك مكاني، أتعثّر بظلّي، أضع يدي على مقبض الباب، تنزلق إلى أسفل، أهم بملاحقتها، يعترضني النادل:
- الحساب.
أنقده، أخرج مسرعاً، أشقّ صفوف المارة، أتبع رائحتها، أرهف سمعي لحفيف أجنحة الشوق، أقترب منها، أقدّ ثوبها من خلف، تلتفت، يتقلّص وجهي خجلاً، تصفعني، كنتُ محتاجاً للبكاء. لم تكوني أنتِ، كانت امرأة أخرى.

ناديه محمد الجابي
08-05-2017, 08:16 PM
وبعيدا هذه المرة عن الحرب ومظاهرها وويلاتها تأتي هذه القصة الجميلة
أي مفردات ساحرة تمتشقها ـ وأي بلاغة باذخة ترتديها
لؤلؤات من درر الحرف وكأنه الشعر نسقت بأسلوب أدبي مدهش
لترسم بالحروف لوحة مليئة بالمشاعر ، وحرف متقن في حده ريشة مبدعة
فعرفت كيف تبهرنا بتلك المشاعر القوية لحب قديم أيقظها رؤية الحبيبة
فتتضارب أحاسيسه ويجري ورائها ليكتشف إنه توهم
وإنها ليست امرأته.
طرح عميق ومتقن بحرف جميل ولغة مميزة
دمت وروعة الإبداع.
:os::os:

عبدالكريم الساعدي
08-05-2017, 09:33 PM
الأديبة نادية محمد الجابي
تقديري لك على جميل قراءتك ورؤيتك الرائعة
رعاك الله

مصطفى الصالح
12-05-2017, 09:38 PM
منذ زمن لم أقرأ مثل هذا
شكرا لك
لو كنت أملك لثبت هذا النص الأنيق

تقديري

عبدالكريم الساعدي
13-05-2017, 11:54 PM
الأديب الفاضل مصطفى الصالح
امتناني وتقديري لك... رعاك الله

عادل العاني
16-05-2017, 10:15 PM
أجدت وأحسنت

تحياتي وتقديري

عبدالكريم الساعدي
17-05-2017, 03:07 PM
أخي الأديب عادل العاني
خالص المحبة والتقدير لشخصكم الكريم
رعاك الله.

كاملة بدارنه
17-05-2017, 04:10 PM
يا للمفاجأة!
سرد ماتع بلغته الشّاعريّة، وقوّة حبكته
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبدالكريم الساعدي
19-05-2017, 09:47 PM
الأديبة الفاضلة كاملة بدارنه
لك خالص الشكر والتقدير

عباس العكري
27-07-2017, 12:28 AM
- الشيب لن ينسخ آيات العشق.
- لكن غيابكَ طال، ولم تترك أثراً لظلّك.

تساؤل يطلي شفتيك بلون الوجع:
- لِمَ تركتني؟
أطأطئ رأسي خجلاً، ألملم أوصال الخيبة، أتوارى خلف أعذار واهية


جمال القص تتقنه ياساعدي

يبدو أن البطل يعاني من مشاعر اكتسبها من الطفولة ويخشى الحرمان الذي تعرض له من قبل أسرته لذا اكتسب ذلك االشعور الباطني بالابتعاد عن الذين يحبونه خوف أن تنجرح مشاعره ولما أحس بالحب الحقيقي وأراد للحب أن ينمو وقف ذلك الشعور الباطني مانعا له وهكذا يعيش الاضطراب بين ما يشعر به وما يريده وبين مايخشاه من الحرمان مما مر به في حياته

تحليل نفسي ربما يكون موفقا

أتثاءب ندماً

التثاؤب يكون عادة خارج إرادة المتثائب

ولكن يبدو أن السارد يتثاءب متعمدا لأنه نادم

لم أفهم كيف يكون التثاؤب طريقة للندم، فعادة يعض الإنسان يده من الندم والحسرة،فالإنسان المتحسر يقوم بأشياء تدل على درجات الندم التي وصل لها، أما التثاؤب ندما فلا أجده من درجات الحسرة

إلا إذا كان أمر ما آخر له تفسيره. كأن يكون من كثرة الانتظار مل فشعر بالتثاؤب، ولا أعتقد أن الذي يحب ويضحي سيمل من الانتظار إذا كان لانتظاره نهاية سعيدة.


دمت للإبداع

علاء سعد حسن
27-07-2017, 10:06 AM
مشاعر رقيقة راقية متدفقة بسريان سرد شاعري مرصع بالمعاني تم بناءه بكلمات مختارة بعناية فائقة فجاء بناءا متناغما جميلا..

علاء سعد حسن
27-07-2017, 10:09 AM
مشاعر رقيقة راقية متدفقة بسريان سرد شاعري مرصع بالمعاني تم بناءه بكلمات مختارة بعناية فائقة فجاء بناءا متناغما جميلا..

احترت طويلا أمام العنوان وتساءلت :
هل جاء متمما لمعنى القصة؟ أم كاشفا لها؟
وهل لو كان عنوانا آخر غير التوهم كانت النهاية ستكون أكثر فجاءية وأعمق أثرا من توقعنا لها عبر العنوان؟!

أسئلتي ليست نقدا كوني لم أملك أجوبة لها فطرحتها عل نقاشا يقودني إلى معرفة..

دام ابداعك الراقي سيدي الساعدي