تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بيت الخالة فيه مخلب \ م الصالح



مصطفى الصالح
31-07-2017, 01:45 PM
بيت الخالة فيه مخلب قصة قصيرة
كنت غلاما حذقا، لكن حديثه الجريء يشعرني بالبله، وربما هؤلاء السائقين والفضوليين المجتمعين حوله أيضا، يصفقون له ويضحكون ويتضاحكون ويسألونه أسئلة خطيرة جدا، كنت أقف على مسافة الأدب والاحترام للكبار، أذناي تلتقطان أقل همساته، عيناي لا تنزلان عنه، رأيته متحدثا لبقا وذلك من طريقة حديثه الماتعة ومن ردة فعل الجمهور، تكرر ذلك عدة مرات في نفس المكان تقريبا، كنت أحمل صندوقا صغيرا أتدرب به على التجارة في أيام العطل الصيفية، فشلي في التجارة لم يؤثر على نجاحي في الدراسة، مر وقت طويل حتى عرفت أنهم كانوا يأزّونه أزّا حتى ينطق بكلمة تغضب ولي الأمر، أو تكون صيدا ثمينا شهيا يرسله بسببها صاحب النظارة السوداء إلى بيت خالته، ليأكل ما لذ وطاب، وقد يطيب له المقام هناك فلا يرجع، لكنه كان حذرا، يحتقر كل الحكام بمن فيهم حاكم بلده الأصلي، إلا حكام هذا البلد...
كان الناس من حولي يقولون الجدران لها آذان، لكن تساؤلي: (أليس لها لسان أيضا؟) ظل قائما يعترض طريقي حتى عرفت... حين جيء برجل قد حل به زلزال، سمعتهم يتحدثون أنه شتم الجدران فاعتدت عليه بالضرب المبرح، ولم يخرج من بينها إلا بألف واسطة وتعهد، في الحقيقة لم يعش بعدها سوى أيام...
ظل الخوف من الجدران هاجسا يؤرقني حتى بت أخشى على نفسي مني، وكلما تأزمت حالتي أفتح الموسيقى وأبدأ بالرقص والغناء حتى تتساقط كل السيئات، كنت أشعر بالجدران تتجاوب معي وتهنئني على ذكائي وفطنتي.
ظننت أن شهادتي العليا في القانون الدولي التي عدت بها من بلد غربي بعد عشر سنوات من الدراسة الطاحنة تعطني حق الحديث بما لذ وطاب، خاصة أن البلد يشهد انفتاحا سياسيا اجتماعيا عقائديا فنيا، المتاجرة بهموم الناس مهنة رابحة، ولكن فشلي في التجارة ربما هو ما جعلني أزدري أمثال هؤلاء، كمن قال عن العنب حصرما عندما لم يستطع قطفه...
التفتْ حولي زمرة مقتنعة بحديثي، أو ربما هكذا بدى لي، استحثوني على الحديث في الحقوق والحريات، كان حديثا شائقا مفيدا، ضجت القاعة بالتصفيق والهتاف، عدت مسرورا مبتهجا ممنيا النفس بالفرج القريب، لم يعكر صفوي سوى قصاصة صغيرة وصلتني، لم أعلم ممن، كان مكتوبا فيها عليك الاعتذار لرئيس البلدية كونك شتمت الحفر التي لم يصنعها هو...
بعد المحاضرة استمعت لتقرير استخباراتي أجنبي يؤكد أن بلدي في الحقيقة هي الوجه الآخر لأحدى الدول العظمى التي تعتبره إحدى ولاياته، عندها عاد الهاجس السابق إلى دياره ومعه ضيف وخيم، وهو هاجس الحفر...
في نفس الليلة وصلتني قصاصة بضرورة زيارة صاحب النظارة السوداء، لا يستحق الأمر زيارة بيت خالتي بسبب انتقاداتي لدولة صديقة... لذلك نهضت من فوري، كنت ذاهبا إليه.... لكنني بعد سويعات وجدت نفسي ملثما يحمل بندقية وحزاما ناسفا...
لم يمض وقت طويل عندما بدأت أفكر بالانتقام لصديقي الحبيب، نصحته بالقدوم معي بدل الهجرة إلى بلد غربي، توجهاته كانت فنية رحمه الله، جعلوه يرقص على كل الحبال ولم يعجبهم، فهاجر حيث عاجله تفجير الملهى الليلي الذي كان يعمل فيه راقصا...

عبد السلام دغمش
31-07-2017, 10:59 PM
ربما تكون نهاية الكبت .. هي التطرّف ..
وليس من مبرر ، لكنه الظلم بأصنافه المتعددة لا بد أن يولد مثل ردات الفعل هذه ..
المفاجأة كانت حاضرة بالخاتمة ..
أليس في زيارة بيت الخالة صلة رحم :005:
نص جميل يحمل رسالة قوية ..
تحياتي استاذ مصطفى .

هؤلاء السائقون والفضوليون

علاء سعد حسن
01-08-2017, 03:55 PM
الجميل في النص - وهو كثير بالمناسبة- أنه اعتنى بالتفاصيل الصغيرة سواء في زمن الصبى وجلسات أهل البلدة .. أو حتى في عالم الكبار
التفاصيل حاضرة بقوة لكن دون وصف زائد يخرج النص عن كونه قصة قصيرة إلى الحالة الروائية، وهذا هو التوازن المبدع..

كم الألم الناتج من انقضاض الجدران ذات الآذان والعيون والألسنة ثم الأيدي الباطشة والأرجل الراكلة يجعلني أطرح سؤالا ربما يحمل بعدا فلسفيا على هامش قصتك الجميلة سيدي الأديب مصطفى الصالح..

وأنا أطرحه بالمناسبة كقضية للحوار بين كوكبة الأدباء الجادين المبدعين جميعا، وأطرحه على نفسي منذ فترة دون أن أجد الإجابة التي ترضيني بعد..

وهو نستطيع أو يستطيع المبدعون منا أن يعبروا عن الألم ويرسموا الوجع بنصوصهم بإتقان فمتى ننتقل إلى مرحلة استشراف المستقبل وقراءة ما يمكن أن يكون راسمين خطوات الخروج من الواقع المأزوم؟!

أحمد العكيدي
02-08-2017, 10:25 AM
قصة جميلة الأستاذ صالح، أعدت قراءتها أكثر من مرة، تحمل في ثنايا حروفها عمقا فلسفيا لأحدى معضلات أمتنا الحبيبة، علاقة الحاكم بالمحكوم في أبعاد كثيرة لعل أبرزها حرية التعبير...
مع أجمل التحايا.

ناديه محمد الجابي
02-08-2017, 01:41 PM
تكون صيدا ثمينا شهيا يرسله بسببها صاحب النظارة السوداء إلى بيت خالته، ليأكل ما لذ وطاب،
بيت خالته .. مصطلح تعارفنا عليه في بلداننا العربية لوصف السجن او المعتقل
أما صاحب النظارة السوداء فهو رجل المخابرات او رجل الأمن.
( الحيطان لها آذان) .. علاقة المواطن العربي برجل الأمن علاقة يملأها الخوف
من جهة المواطن ، ويملأها الشك والريبة من جهة رجل الأمن ـ كان كل مواطن عربي
بنظر الأجهزة الأمنية هو مشروع مجرم خارج عن النظام إلى ان يثبت العكس
الجدران ليس لها آذان أو عيون او ألسن ولكن جدران الوهم أقسى وأكثر متانة
من كل جدران الواقع.

سرد ماتع لفكرة أبدعت في نسجها بأسلوب راقي ومتميز ـ ومفردات قوية وتلاعب
بارع بين الصورة واللفظة المركبة بإتقان وبراعة.
نجحت في إيصال الفكرة بسلاسة في السرد مع طرافة في الحرف
وأسلوب قصي ماتع قوي الأثر لاذع المذاق.
دام بريق قلمك.
:v1::0014:

مصطفى الصالح
02-08-2017, 10:05 PM
ربما تكون نهاية الكبت .. هي التطرّف ..
وليس من مبرر ، لكنه الظلم بأصنافه المتعددة لا بد أن يولد مثل ردات الفعل هذه ..
المفاجأة كانت حاضرة بالخاتمة ..
أليس في زيارة بيت الخالة صلة رحم :005:
نص جميل يحمل رسالة قوية ..
تحياتي استاذ مصطفى .

هؤلاء السائقون والفضوليون

أهلا وسهلا بك أخي الفاضل عبد السلام
شكرا للقراءة الموفقة المفيدة
نعم زيارة بيت الخالة صلة رحم حيث ستأتي كل العائلة لزيارة نزيله...

السهوات والهفوات تحصل بشكل عادي، وأحب أن يستفيد الكل منها، لذلك أفضل أن يكون التنبيه إليها واضحا للعيان
بداية أشكرك على هذه الإشارة، لكني أدعوك لإعادة قراءة السطر الأول بدقة متناهية، لأني مصر أنها منصوبة، وهناك فعل وفاعل مستتران... يعني محذوفان لعدم التكرار...

أشكرك بشدة
دام البهاء
كل التقدير

عبد السلام دغمش
02-08-2017, 11:17 PM
الاستاذ مصطفى الصالح

شكراً للتوضيح ..
"ويشعر هؤلاء السائقين .." هكذا التقطتها الآن.

تحياتي .

مصطفى الصالح
02-08-2017, 11:22 PM
الاستاذ مصطفى الصالح

شكراً للتوضيح ..
"ويشعر هؤلاء السائقين .." هكذا التقطتها الآن.

تحياتي .

نعم نعم صدقت
بارك الله فيكم
سرتني عودتك جدا جدا

أعطر التحايا

مصطفى الصالح
04-08-2017, 03:41 PM
الجميل في النص - وهو كثير بالمناسبة- أنه اعتنى بالتفاصيل الصغيرة سواء في زمن الصبى وجلسات أهل البلدة .. أو حتى في عالم الكبار
التفاصيل حاضرة بقوة لكن دون وصف زائد يخرج النص عن كونه قصة قصيرة إلى الحالة الروائية، وهذا هو التوازن المبدع..

كم الألم الناتج من انقضاض الجدران ذات الآذان والعيون والألسنة ثم الأيدي الباطشة والأرجل الراكلة يجعلني أطرح سؤالا ربما يحمل بعدا فلسفيا على هامش قصتك الجميلة سيدي الأديب مصطفى الصالح..

وأنا أطرحه بالمناسبة كقضية للحوار بين كوكبة الأدباء الجادين المبدعين جميعا، وأطرحه على نفسي منذ فترة دون أن أجد الإجابة التي ترضيني بعد..

وهو نستطيع أو يستطيع المبدعون منا أن يعبروا عن الألم ويرسموا الوجع بنصوصهم بإتقان فمتى ننتقل إلى مرحلة استشراف المستقبل وقراءة ما يمكن أن يكون راسمين خطوات الخروج من الواقع المأزوم؟!

أهلا وسهلا بك أخي علاء
قراءة موفقة أنيقة أثلجت صدري وأزالت بعض شكوكي
شكرا لهذا البهاء
ردا على سؤالك المهم جدا سأدلي بدلوي من وجهة نظري
برأيي أن الكاتب العربي ما زال في مرحلة الشك والخوف من النظام؛ فهو يختار مفرداته بعناية ويغلف أفكاره المتمردة برمزية وطلاسم وتصاوير مفتوحة على التأويل كي لا يقع في سين وجيم
وهذا ظاهر أيضا في عدم تحديد الزمان والمكان بشكل دقيق في النصوص وكأنما تجري على كوكب آخر
إذن الكاتب منفصل قسريا عن زمانه ومكانه وبقي مرتبطا بقضايا أمته يحاول إظهارها للعلن دون أن يظهر وإلا اعتبر سياسيا مناوئا
من هنا الكاتب الذي لم يخرج من قوقعته كيف له أن يدل غيره على طريق الخروج وفاقد الشيء لا يعطيه
إذن هو الخوف والرعب الذي يجتاح المجتمعات العربية، وهو ما حاولت الإشارة إليه في هذه القصة كما ترى
لا يمكن أن يحصل الإبداع مع الكبت والقمع
فكرة الكبت متسلسلة أيضا، فأنظمتنا مكبوتة ومقموعة أيضا، لأنها عميلة بإرادتها
هذا ما عندي

شكرا للحضور البهي المفيد
كل التقدير

مصطفى الصالح
06-08-2017, 01:25 PM
قصة جميلة الأستاذ صالح، أعدت قراءتها أكثر من مرة، تحمل في ثنايا حروفها عمقا فلسفيا لأحدى معضلات أمتنا الحبيبة، علاقة الحاكم بالمحكوم في أبعاد كثيرة لعل أبرزها حرية التعبير...
مع أجمل التحايا.

أشكرك جدا أستاذي القدير أحمد العكيدي
قراءة سليمة موفقة وصلت لفكرتها ببراعتك وسعة اطلاعك
سرني أنك هنا

أعطر التحايا

مصطفى الصالح
06-08-2017, 01:36 PM
تكون صيدا ثمينا شهيا يرسله بسببها صاحب النظارة السوداء إلى بيت خالته، ليأكل ما لذ وطاب،
بيت خالته .. مصطلح تعارفنا عليه في بلداننا العربية لوصف السجن او المعتقل
أما صاحب النظارة السوداء فهو رجل المخابرات او رجل الأمن.
( الحيطان لها آذان) .. علاقة المواطن العربي برجل الأمن علاقة يملأها الخوف
من جهة المواطن ، ويملأها الشك والريبة من جهة رجل الأمن ـ كان كل مواطن عربي
بنظر الأجهزة الأمنية هو مشروع مجرم خارج عن النظام إلى ان يثبت العكس
الجدران ليس لها آذان أو عيون او ألسن ولكن جدران الوهم أقسى وأكثر متانة
من كل جدران الواقع.

سرد ماتع لفكرة أبدعت في نسجها بأسلوب راقي ومتميز ـ ومفردات قوية وتلاعب
بارع بين الصورة واللفظة المركبة بإتقان وبراعة.
نجحت في إيصال الفكرة بسلاسة في السرد مع طرافة في الحرف
وأسلوب قصي ماتع قوي الأثر لاذع المذاق.
دام بريق قلمك.
:v1::0014:

ماذا أقول عن قراءة إبداعية كهذه! مهما قلت لن أفيها حقها

ولكن جدران الوهم أقسى وأكثر متانة من كل جدران الواقع.

صدقت وأبدعت، وهذه الجملة بحد ذاتها نص متكامل

شكرا لأنك هنا

دام البهاء
كل التقدير

كاملة بدارنه
08-08-2017, 11:10 PM
الكبت والظّلم يؤدّيان إلى الضّياع والمصير المؤلم في النّهاية
طرح لقضيّة هامّة بأسلوب سلس
بوركت
تقديري وتحيّتي
أليس الأصحّ :(السّائقون والفضوليّون المجتمعون - تعطيني - بَدا)