المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفيقة العكاز..



علي أحمد معشي
13-12-2017, 05:54 AM
رفيقة العكاز ..


في كل ليلة عند الثالثة والنصف مساءً تفتح أبواب المصاعد لتحمل وفود الزوار إلى الأدوار العلوية من المستشفى الرابض في أطراف المدينة العتيقة ، حيث غرف التنويم التي تنبعث منها آهات المرضى وحكايات الألم الساكنة في جنبات المكان ، ومن بين الزائرين عجوز ثقيلة الخطى تجر تحت أقدامها عمراً طويلاً وسنيناً معتقة بمرارة الحياة وشظف العيش تمسك باحدى يديها عكازاً أصبح هو أكثر الملتصقين بها ويدها الأخرى تساندها امرأة اربعينية تحمل من الهم ما تنوء به الجبال ، تكاد زفراتها ترسم شقوق الأسى على جدران الممرات المزدحمة بالرائحين والغادين من حاملي قصص المرض والألم ، وبعد محاولات طويلة مع أحد أبنائها استجاب لايصالها مع الجدة رفيقة العكاز لزيارة والده الذي أجبره المرض على احتضان آلامه شهوراً على السرير الذي لا يعرف من البياض الا ملاءاته المتشبثة باطرافه .
تدور الأسئلة العجاف في ذهن العجوز عن حال ابنها المريض وزوجته المرهقة وأبنائه اللاهين في اللعب الغافلين عن رعاية والدهم وهي تلوك حسرات السنين التي قضتها في رعايته صغيراً ويافعاً وشاباً حتى أصابها العجز ولم تعد تملك القوة الكافية لتقوم بما تتمنى من رعايته والوصول لمكامن ألمه.
الممر الطويل يزيد أعباء المرأتين حتى يصلان إلى الغرفة الكائنة في آخر ذلك الممر وكأنها تحاول الاختباء منهما لما تراه من الحزن الساكن في العيون الدامعة في كل زيارة .
تقف المرأة على مسافة قريبة من رأس زوجها لتلقي عليه التحية بينما تمتد اليد المرتعشة لتضع العجوز الرؤوم اطراف أصابعها على صدر ابنها متحسسة نبضه وكأنها تترجم ما يردده عبر أنفاسه وهو يقول لها سامحيني يا أمي فقد شققت عليك وأنتي في هذا العمر بينما هي تبلع حزنها وحسرتها ويتوقف الزمن ليترك المجال لحديث القلوب يسري دافئاً بين الأرواح الثلاث .
لتحين الثامنة مساء وتعلن ساعة المغادرة ويوصد الباب باطنه ألم وظاهره حزن مشوب بأمل .


*علي معشي

عبد السلام دغمش
21-12-2017, 06:55 AM
الأستاذ علي معشي

نص جميل رسم مشهد الحزن - الفراق بريشة من يتلمس وجع السنين و تنكب بعض الذرية ممن أشغلهم اللهو .

تحياتي .

" فقد ششقت عليك وأنتِ .. "

ناديه محمد الجابي
27-12-2017, 05:52 PM
بلغة تعبيرية مميزة، وأسلوب حكي متمكن ـ قدمت قصة بلغة شفيفة متخمة بالعاطفة الصادقة
وجعلتنا نتعايش مع نصك الذي قدمته في طرح عميق ومتقن ـ وبأسلوب أدبي مدهش
وقد لونت الحروف إنسانية حس، وسموق طرح، وجمال حرف
وجميل أن يبقى الحزن مشوب بالأمل.
بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.
:001::001:

حسن لشهب
14-01-2018, 07:46 PM
قصة فيها كثير من الشجن ساق الكاتب متوالياتها السردية بشكل متماسك فكان السرد متينا واللغة شفيفة وبالغة التأثير.
تحيتي لإبداعك أخي الكريم.
كن بخير