تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحب يأتي صامتا



عماد هلالى
25-01-2018, 09:48 AM
قالت أنها تعبت من كثرة كلامه ، ولم تعد تحتمل كل هذا الكلام ، وبحركة درامية رفعت يدها عاليا واستدارت نحو كرسيها مبتعدة عن وجهه . عن بعد كعادته يشاهد كل شيء ويحاول فك رموز المشهد الصامت ليفهم الموضوع .

حين استطاعت أن تسدل ستار هذا اللقاء التمثيلي الرتيب وتقفز من خشبة مسرحه ، جلست على الكرسي ، وتقابلا ككل صباح في مثل هذا الوقت . في معهد الفنون ، هي في الموسيقى والشاب الذي يقابلها في الفنون التشكيلية ، بينهما سياج حديدي يفصل حديقة المعهد الكبيرة .

في حين يخرجون آلاتهم ويعزفون ، يخرجون هم لوحاتهم ويرسمون ، كل في عالمه ولا أحد يهتم بما يجري في الضفة الأخرى ، غير هذا الشاب الصامت الوسيم الذي تعلق بها ، وصار يتسمر في مكانه يقف أزمنة طويلة ، يلاحظها وهي تلتقي بصاحبها ، أحيانا يجلسان يتسامران ، وأحيانا أخرى يبدو عليهما النزاع والخصومة ، يرسم ببطء لوحته ، ويقف أكثر ، وتمتزج الألوان والألحان في اخضرار وطرب المكان .

هي تدرك اهتمامه بها وتحس بنظراته التي يرسلها عن بعد ، لكنه ظل بالنسبة لها سرا غامضا ، وكثيرا ما تسأل نفسها : ترى ماذا يرسم في هذه اللوحة ؟! ، وهل سيكملها يوما وهو يقف هكذا لا يتحرك ؟! ، ولماذا لم يكلمها مرة ويحاول التعبير عن مشاعره نحوها ؟! ، لكنها ترجع السبب الى أنه يراها يوميا مع هذا الشخص الذي بدأت تتذمر من رتابة لقاءاته المتكررة ، التي لم تحصد منها غير الكلام ، كم هو بارع في البوح وتعابير العشق والغرام ، كم ينمق ويصف الكلمات كأبرع كاتب وشاعر ، لم تنكر في قرارة نفسها أن كلماته كانت تسحرها وتأسرها ، وتسافر بها كجناحي فراشة زرقاء خرافية الى كل العوالم المعروفة والمجهولة ، لكن تعود الى كرسيها وليس معها الا كلمات .

في هذا الصباح قطعت صلتها نهائيا به ، وواجهته بأنها عرفت خداعه وأنه مجرد لعوب حقير تافه يحترف فن الكلام وصناعة الأحلام الزائفة ، وحين استدارت وجلست على كرسيها ، لم تجد الشاب الذي ألفت وقوفه يقابلها ، ثم سرعان ما سمعت خبر موته المفاجيء ، وعرفت قصته ، شاب أخرس يكن لها حبا عظيما ، أسرعت في ذهول الى اللوحة التي لا زالت متسمرة في مكانها ، وكم كانت مشاعرها خليطا مدهشا من الفرح والحزن والمفاجأة حين وجدت وجهها في اللوحة غاية في الجمال والوداعة ، ولمحت توقيعا خفيفا أسودا أسفل اليسار كدموع شمعة عتيقة في ليلة طويلة : المحب الصامت .

ناديه محمد الجابي
25-01-2018, 06:32 PM
قصة جميلة المضمون، معبرة، وبناء درامي موفق
إتقان في الصور، وسلاسة في السرد بأسلوب شائق
ونهاية مؤثرة أبدعت رسمها.
بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.
:0014::0014:

عماد هلالى
26-01-2018, 01:50 AM
شكرا جزيلا الأستاذة الأديبة نادية محمد الجابي بارك الله فيك خالص تحياتي وتقديري

أحمد العكيدي
30-01-2018, 10:26 AM
هو الحب معبرا في صمته، ربما تفسده الكلمات في مواضع عدة...
نص جميل وهادف.
مع التقدير

عماد هلالى
10-02-2018, 11:30 PM
هو الحب معبرا في صمته، ربما تفسده الكلمات في مواضع عدة...
نص جميل وهادف.
مع التقدير

شكرا جزيلا الأستاذ أحمد العكيدي , حضورك الأجمل سيدي , و لك خالص مودتي وتقديري وتحياتي

كاملة بدارنه
19-02-2018, 08:06 PM
قد يكون الصّمت أحيانا أبلغ من الكلام، وأصدق من معسول ما يقوله مدّعو الحبّ!
سرد جميل!
بوركت
تقديري وتحيّتي

علاء سعد حسن
23-02-2018, 01:23 AM
حُرم الشاب المحب لغة اللسان.. لكنه لم يحرم القدرة الابداعية على التعبير والبوح بما يملأ عليه قلبه ويملك روحه.. فكانت لوحته هي حياته، وحياته انعكاسا لوجهها المحبوب..

وعلى المحب أن يعبر دائما عن حبه بإبداع، وليس كل الابداع كلمات معسولة، فمنها عمل جاد ومنها اهتمام حقيقي ومنها احترام فوق العادة لإنسانية المحبوب

نص رومانسي هادئ بامتياز

دام الألق