المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سـرُّ الـوردة



أسماء حرمة الله
14-09-2005, 03:43 AM
كانت الشمس قد استفاقتْ من نومها، وغسلتْ وجهها بندى الفجر، وأخذتْ من زرقة السماء الجميلة طعامَ إفطارها... كان شرابا من نسيمٍ زنبقي وعبير ورد تسلل إلى الشمس العطشى للرحيق...
أماّ البحرُ فكان مترقرقا كعادته، قد صحا من نومه هو أيضا وتناول من يدي الشمس باقةً من الضوء والماء..الرّمل أيضا كان مبلّلا ببوح البحــر...نزعتُ حذائي وقد أغرتني هذه اللوحاتُ الجميلة بالجلوس قليلا بين جوانح الموج علّي أظفر بحديث سرّي لا يهبُه البحر لِأَحد...
أغلقتُ عينيّ، واستسلمتُ بدوري لنسيمٍ دغدغ أجفاني وهدهد لواعجي وسرق قلبي مني ليطير نشوانا مع سرب النورس ...
غفوتُ قليلا يتهدّج بي الصمتُ الجميل تارةً وتبعثني موسيقى الموج تارةً أخرى، تزرعني بحقول الحلم...وفجأة لمحتُ وردةً ملقاةً على الشاطئ، وردةً مبتلّةً يهزّها الموج ثم يذرها تحفر على ذاكرة الصمت بعضاً منها، فكرتُ كثيرا قبل أن أقترب منها وأحملها بين يديّ، نظرتُ إليها وقد لفّني صمتٌ رهيب، أحسستُ وأنا أحدق فيها بأن ثمة سرا يسكنها..أحسستُ بشرارة حزن تنتابني، خفق قلبي حين نطق صمتُها أخيرا... أخرجتْ من الصدف منديلا صغيرا جدا كفكفتْ به قطرات الماء التي كانت تدثـرها، رمقتني بنظرة غارتْ بها كل الأسرار، أطرقتْ هنيهة ثمّ رفعت رأسها وهمستْ في أذنيّ : "كنتُ أنتظـــــرك"..
أدخلتني الحيرة والصمتُ في سراديب لا تنتهي....واصلتْ حديثها قائلةً:
"لا تستغربي..إني أتيتُ من زمن الرحيـل، لم أعرف بأني أُشرفُ على السبعين إلاّ الآن وقد أنهكتني جراحي وأصبح قلبي المُعنّـى عشا أبديا لأسراب السنونو بل لكل الطيور المهاجرة...
قد كنتُ أميرةًَ على الأفراح كلها، أتنقل بين البسمة والخفقــة، أهدي هذا الطفلَ زهرةً وهذا القمر الجريح عطرا، كنتُ أغني في كل مساءاتي نشيد الفجر، أعزفه على القيثارة التي أهدتها لي النجمة الأولى سراًّ، كانت قيثارةً من رحيق البحر...لا يمتلكها غيري في بستان النور..حيث تشدو كل الزهيرات غير آبهة بوجع المساء وقد غطته قطيراتُ الطّلّ.. تغسل كل ما تقدّم من بوحه وما تأخّر...حتى قطفَ ذلك الجرح... قلبــي "
صمتتْ برهةً، وظننتُها لأول وهلة تذرف بعضا من السّجم...خيّم الصمتُ بيننا طويلا ...لم نكن نسمع سوى صوت الموج يتهادى يُمنةً ويُسرة..ونسيم الصمت يلفح وجوهنا بضوء هارب... هزّتْ رأسها قليلا واهتز معه الإكليلُ الذي كان يزين خصلات شعرها..:
" كانت لغتي تقطف من رحيق البستان أجمل ما فيه: الصفاء والبياض والوفـــاء..ظننتُ أنّ زهر الآس أيضا مثلي..لكنني وجدته منتشيا يختال بين الزهيرات تارةً ويحفر على جبينها وشمَ الشجن تارة أخرى...لم تكن لغةُ الرحيق لغتَـــه..لم يكن يهتمّ لأي معنى جميـــل ولا لأيّة لوحةٍ مترقرقــة...كان هديل النّزف يسعده وهو يحصد قلوبَ الجرحى ليزرعها من جديد في حديقةِ انتصاراته...ولأني لم أكن كغيري...آثرتُ الرحيــــل..حتى عن البستان الذي ترعرعتُ فيه...ابتعدتُ عن مراتع الطفولة وعن مرافئ السعـــادة، ابتعدتُ عن ذلك الوادي الذي كنا نجلس على شرفاته أنا ونوْر الرّمّان والنرجس والياسمين...نقطف أطايبَ الشعر والسـرّ، ونكتب على غصن الشجر آمالــنا ومخاوفنا...رحلتُ في قافلةِ النـــوى كرهـــا...تركتُ قلبي وضوء القمر ..تركت ذكرياتي وأحلام صباي وشبابي..تركتُ بعضي ورحلتُ...كنت متأكدة بأني لن أعيش طويلا في ديار النوى.. تساقطت أوراق حياتي كهذا الظـــل......
لماذا ذبلتْ كل باقاتِ البياض؟ لماذا تساقطتْ كل النجوم من ضوئها؟ إذا استطعتِ أن تهدي إليّ جوابا على تساؤلاتي هاته، فقد أعود إلــيَّ مــرة أخرى...وقد تسطيع الشمس أن تجفف بعضـــا من أرقي..."
دغدغتْ موجةٌ صغيرةٌ جدا تصغرني سناًّ أصابعَ قدمـيّ المُبتلّتين، فانتبهتُ لذلك الهمس واستفقتُ من إغفاءتي فجأة أتلفّتُ يمنـة ويسـرة.. كانت الوردةُ ماتزال ملقاة بين ذراعيْ الموج يتقاذفها حينا وحينا آخر يتركها غارقة في وجهها...لقد سمعتُ صوتها !!! سمعتُ خفقان جرحها الذي أزهر بين عينيّ!!! لا يمكن أن يكون كل ذلك مجرد حلم عابــر!!! تأملتُ الوردة، لمحتُ وجهها مخضّبا بسبات عميق...لكني سمعتُ صوتها!!! لقد حدثتنـــي...!
لم أنتبه لصفحة الضوء التي كان الغروب يطويها وقد ارتدى عباءته ...حتى الشمس قد تأبّطتْ حقيبتها الصغيرة ورحلتْ والنعاس ينسج بين جوانحها ألوانا من الحلــــم الوردي...لم أستطع أن أذر الوردة وحدها ملقاة على صفحة المـاء...والسّرُّ المهلهل يبلل وجنتيهـــا... كنتُ أسمع صدى جرحها يتردد بداخلي ويغمرني بالقطــــر.. كنتُ أراها تزرع بين حنايا روحي سرَّهاَ الذي لم تبح به لأحــد غيري...
أخذت الحيرةُ بمجامع روحي: "هل كان حديثي مع الوردة حقا مجرد حلم هارب ...فتح شرفاته لي برهة ثم أغلقها في وجهي؟ أم أننا كناّ حقا على موعد ثنائي مع الجـــرح؟!!

يمنى سالم
14-09-2005, 07:11 AM
اسماء

قرأتك هنا بشغف...

كنت جميلة ..

دمت بهكذا جمال

جوري
14-09-2005, 05:49 PM
عزيزتي أسماء : لحرفك شجنٌ خاص , ربما للبحروموجه , والشمس بشروقها وغروبها أثر في هذا الشجن الغريب الذي لف الخاطرة .... !! لا أعلم كيف أصف الشعور الذي انتابني عن القراءة ؟ مجمل القول أستطيع أن اقول أن الشعور كان مزيج مختلط من شجن وفرح , بسمة ودمعة .أستطيع أن أقول أن نخز طفيف أصاب وجداني .
أجدتِ الوصف عزيزتي ؛ لعمري حتى أنني شعرت بأثار مياه البحر ورمله على قدميّ ...

أحببت هذا الحرف .

معاذ الديري
15-09-2005, 01:41 AM
صور باهرة كعدسات المحترفين.
وافكار لا يمكن ان اعتبرها اقل من رائعة ..
اهنئك على افق باتساع السماء.

يسرى علي آل فنه
15-09-2005, 04:03 AM
لماذا ذبلتْ كل باقاتِ البياض؟ لماذا تساقطتْ كل النجوم من ضوئها؟ إذا استطعتِ أن تهدي إليّ جوابا على تساؤلاتي هاته، فقد أعود إلــيَّ مــرة أخرى...وقد تسطيع الشمس أن تجفف بعضـــا من أرقي..."
********
ماأجملها من وشوشات ترتاح لها النفس ويستكين بها شجن القلب
أسعدتني القراءة لكِ يا أسماء:0014:

أسماء حرمة الله
29-09-2005, 07:45 PM
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

تحية لكِ مطرّزة بقوس قزح

الأخت المبدعة عروس الكون،
الجمال حدّثني عنكِ وأنا أقطف لكِ من حدائق الفلّ واللوتس أجمل الزهور..
لك خالصُ تحاياي على مرورك العطر

دمتِ رحيقا
ولك مني الف باقة من الورد والمطر
............

أسماء حرمة الله
29-09-2005, 07:59 PM
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

تحية مطرزة بالضوء

الأخت المبدعة جوري،

ياليت البحرَ يسكنني أكثر مما أسكنه حتى أصير وإياه روحا واحدة تترقرق فلاتعود إلاّ حين يعود الرحيق إلى الورد..
وياليت الموجَ يقطفني لأكون هديله ولو لحين..حتى أسطيع أن أقرأ تفاصيل زمن لاأتقنه..
وياليتَ الشمس تسكبني عند غروبها قربَ البحر لأرحل معها بحثا عن الأمان والمحبة وزمن النعناع..
وياليتَ البسمة والدمعة لاتلتقيان إلاّ حين ينتصف القلب..
وياليت حرفي يتعلم وداعَ الليل..لينقش الصبحَ على الوريد كله..

أقطف لكِ من قلبي بنفسجـةً ووردةَ محبـهْ..
شكرا لك لمرورك الرقيق أختاه..
دمتِ رحيقا ودامت لك فصولُ الفرح
تقبلي مني الف باقة من الورد والمطر
.....

أسماء حرمة الله
29-09-2005, 08:10 PM
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

تحية قطفتُها من شجر اللوز

الأخ المبدع معاذ،

أشكرك على كلماتك التي طرّزتَها بخضاب الورد..
دمتَ رحيقا
لك مني ألف باقة من الورد والمطر
.....

أسماء حرمة الله
29-09-2005, 08:15 PM
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

تحية مطرّزة بقطرات الندى

الأخت المبدعة يسرى،
لكِ خالص أمنياتي بإشراقة شمسٍ لاترحل عنكِ حتى وإن جنَّ الحزن..ولكِ مني خالص الأماني بسعادة الدارين ..وبأن يطرّز القمر كل خطوكِ وبيديه حنانُ الورد ولغةُ الأفراح..

شكرا لإطلالتك المضيئة..
دمتِ رحيقا
لك مني ألف باقة من الورد والمطر

سحر الليالي
07-06-2006, 02:34 AM
لله ما اروعك يا أميرة الحرف والنقاء..

غرقت يا أسماء بحروفك ...حرفا حرفا

ترى كيف لي أن أعبر عن مدى إعجابي بما قرأت؟؟

حلقت معك يا اسماء الي عالم لا تصفه الكلمات

حفظك ربي يا حبيبة

جوتيار تمر
07-06-2006, 02:18 PM
اسماء..
للصمت في معانيك اوجه..
للسحر في ورودك عطور..

للنقاء فيك..روح...

دمت...دمت...

تقديري واحترامي
جوتيار

سحر الليالي
21-05-2007, 11:03 PM
للرفع ،
شوقا لمعانقة قصص كتبت من مداد المطر
لك حبي وألف باقة ورد وف:0014: :0014: ل

وفاء شوكت خضر
21-05-2007, 11:44 PM
أسماء المحلقة دوما في فضاء النور ..

أشكر فراشة الواحة سحر لرفعها هذا النص الذي أغدق على روحي ضبابة من حزنه ، وعلى قلبي من نور روحك بصيصا يجلو ظلمة احتلت باطنه .
أثملتني اللغة المعتقة في صحاف الأدب ، والتي كلما ازددت منها زادتني نشوة ، حتى أدمنتها .

أسماء ..
أيتها الروح الساكنة في افياء قلوبنا ..
لا حرمنا الله حرفك الراقي ..

ودي وباقة ورد ..

محمد نديم
27-05-2007, 11:55 PM
أسماء حرمة الله
على شاطىء من الوجد والشجن الإنساني.
وموج من الحزن يترى ويتتابع في بحار الوجدان.
أهو سر الوردة ام تراه سرها هي؟
هل هي حوارية بينها وبين الأشياء أم مناجاة ذاتية انعكست على مرايا النفس.
روعة القصة هي نقطة اللقاء بين ذاتين ... فأيهما انعكس على مرايا الآخر؟
هل هي محاولة منها أن تنقذها من لحظة احتضارها ؟ ربما.
تأملت وقرأت التفاصيل والوصف الدقيق :
الحدث واضح بين إغفاءة واستفاقة وبينهما مناجاة ... همس ... حوار .. مكاشفة ...ومن هنا فهي قصة مكتملة العناصر ( المكان والزمان والحدث .والإشكالية - ساعة الاحتضار- )
غيرأن الأسلوب ينزع إلى أسلوب الخاطرة المتدفقة والوصف المفصل الذي قد تحتاجه الرواية.
أسماء ...
دائما تأخذينا إلى شطوط من الشجن والطهر والدهشة.
سعدت بقراءتك حد البكاء.
أخوك
النديم.

حنان الاغا
28-05-2007, 09:31 AM
أراه موعدا مدبرا مع الجرح
فالجرح لمثله يهفو
والحزن بحضن الأسى يغفو

أسماء الرائعة
يومي طيب منذ بداياته
الحمد لله.
نص حملني للبراءة أنى تكون، لأرجوحة طفل يستعرض في ذاكرته الناصعة حروف الأبجدية يصوغ منها عقودا من صنعه ، حتى نحن لا نجرؤ على التفكير بالإتيان بمثلها
وهذا شأن المبدع
وأنت مبدعة

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 05:39 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاته

تحيـة قطفتُها من قلبي


منار،

حلّقتْ معكِ وفيكِ وإليكِ السعادةُ أيتها الوردة البيضاء، وأسعد قلبَكِ في الداريْن .
ممتنة لمروركِ الأبيض كقلبـك .


حماكِ ربّي
خالص محبّتي لكِ :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 05:42 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه

تحيـة تهطل ورداً



جوتيار،

ممتنـة لمروركَ النديّ كروحك، ولحسن ظنّك بي وبحرفي .
حماكَ ربّي وباركَ بكَ .


خالص تقديري، غزير دعائي :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 05:45 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه

تحية قطفتُها من قلبي



منـار،

رفع ربّي قدرَكِ في الدنيا والآخرة، وحماكِ وأهلكِ أجمعين .
أسأل ربّي أن أبقى عند حسن ظنك وحسن ظنّ أحبّتي دوماً .


خالص تقديري ومحبّتي :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 05:53 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه

تحيـة تحرسها الشّمس


وفـاء،

ولا حرمني ربّي منكِ ومن دعواتكِ الطيّبـة أيتها الغاليـة. حماكِ ربّي ورفع عنكِ، وجعل لوحـةَ السعادةِ سُكناكِ، والنعيمَ مثواكِ، ورضا الرحمن يحرسكِ ويحرس ممشاكِ .


كوني بخير
محبّتي التي تعرفين :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 06:04 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه

تحيـة تقطر عطراً


الكريم محمد نديم،

أكرمتَني بحدائق حرفٍ لا ينضب عطرُه، وبقراءةٍ عميقةٍ حلّقـتْ بي من جديد إلى الموعد الغافي، الموعد الذي جمعني ذاتَ وجع بوردة، والمناجاةُ لغتُنـا، والجرحُ جليسنا القاسي، قاسمَنا البوح، شاهداً وعاذلاً، مُحبّاً حتّى الثمالـة .

سعدتُ بمروركَ الذي أحضَرَ معـه قصائدَ الفلّ والريحان، وزرع غيماتٍ في زوايا الذكرى .
شكراً لكَ ولرفيع خلقـك، أسعدكَ ربّي في الداريْـن ..


حماكَ ربّي
خالص تقديري، وارفُ امتناني :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

أسماء حرمة الله
30-05-2007, 06:08 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه

تحيـة تهطلُ محبّـة


حنـان،

قدْ أدركتِ ما لم أدركـهُ ساعتئذٍ، وأنا ثملـة بالجرح وسكـراتـه !
طيَّبَ ربّي حياتَكِ في الداريْن بالخيرات والورد، وجعلكِ من عباده الذين رضي عنهم وأرضاهمْ .
ممتنـة لمرورٍ أخضرَ كصباحات الأطفـال، ولروحٍ نقيـة، سكبتْ بين جوانحي الرحيق والعطـر.


حماكِ ربّي
محبّتي الخالصة :0014:
وألف طاقة من الورد والندى