المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مارد ..! ( قصة قصيرة )



عدي بلال
09-08-2018, 08:41 AM
مارد ..!
قصة قصيرة
تقرفص في زاوية غرفته، أشعل سيجارته بيدين ترتجفان برداً، وليل الصيف فاتحاً ذراعيه منذ شهرين، ربما أكثر.
منذ رحيلها عنه، وقد وقف أمامها كسلطانٍ بيديه مفاتيح المستقبل، يطمئنها كاذباً في رحلتها الإجبارية بعيداً عن عرينه المحبب إلى قلبها، ربت على كتفها في حنانٍ، وضمها لصدره للمرة الأخيرة.
سقف البيت، وجدرانه، وفناجين القهوة، وجارتهم المتطفلة، شهود عيانٍ على هدوء هذا البيت، ما خلا بعض أنينٍ وضحكاتٍ تسللت عبر الصمت إلى النوافذ، وتردد صداها في سماء الحي.
مستنفراً بقايا قوته، تمدد في طولٍ، وفتح النافذة المطلة على حديقة الجارة، ونفث دخانه في اتجاه البحر.
مستحضراً ذكرياته، وأحلامه المؤجلة، شرع يرتبها بأصابعه في الفضاء، يربط الموقف بالذكرى، والحلم بالوقت، ورغبته في تحدي اليأس تَسْتَعِرُ في داخله، كما النار في سنين عمره الفائت.
قفز إلى كرسيه، أمام طاولته، وقد كساها الغبار منذ أن تجمد القلم في يده، وخانته الكلمات أمام طوفان الحياة وأهوالها.
ما زال جسده يعاني رعشة المرض، والوحدة تتمطى أمامه في استعراض مستفز، وحبات العرق تنحدر من جبينه إلى عينيه، والقلم يرتعش من لمسته بعد طول فراق.
قادته يداه إلى كتابة أول كلمة خطرت في باله ( ضياع )..! ثم توقفت أصابعه عن عزف مقطوعةٍ حزينة، يعرف نوتاتها جيداً، وصوت نايها الحزين.
طمسها بيدين متمردتين، وخط أسفلها ( رحلة العمر )، وبين الذكرى والحلم خيوطٌ أصبحت معالمها كخيوط العنكبوت، وهل هناك أوهن من خيوطه ..!؟
سكان الحي الهدوء طبعهم، وفي الليلِ يصبح الهمس كلاماً مفهوماً، والكلام صراخاً في سمع أهله، وجارته ترخي السمع كل ليلةٍ منذ رحيل زوجته قبل شتاءٍ ونيف.
استوقفته ذكرى الجامعة، حين كان زملاء الدراسة يغبطونه على موهبته في الكتابة، ومنهم الحاسدون..!
ابتسم في مرارةٍ حين فتح الدرج أسفل الطاولة، وأخرج جريدةً قديمة، نال الخريف من أوراقها، وتكسر حلمه حين سقط اسمه من كشوف الناجحين..!
تغيرت تعابير وجهه إلى الفرح حين تعثرت عيناه باسمه وجائزة أفضل قصةٍ لهذا العام، في الجريدة ذاتها..!
مؤمناً بالقدر، لم يسخط حين رأى اسم غادره في كشوف الناجحين، وأسرّ إلى الله دعواه التي ما فتيء يدعوها في ظلمة الليل منذ سنين.
الكلمات تتكاثر في صخب تحت أصابعه، تناشده أن يُكمل بناء تفاصيل الحلم، أن يحرر ذلك المارد الراقد في داخله، يضيع في متاهات الحياة، ودهاليزها، وتتغير ملامحه مع كل منعطف لذكرى، وتعلو فوق رأسه علامة استفهامٍ حاول تجاهلها منذ سنين..
هل كان الامر يستحق كل هذا العناء..؟!
الصفحات تتساقط صرعى أمام عزيمته، وعزيمته تتعجب من إصراره غير المعهود، وتتساءل في صمتٍ . هل يفعلها هذه المرة ..؟!
الجمادات تتحرك في انفعال حوله، لا يشعر بها، ولا بأحاديثها الصامتة خلفه، يشعل سيجارة ً أخرى، يطفىء فيها ذكرى مؤلمةً، ونفسه ترنو إلى تحقيق الحلم، تتشبث به أكثر من أي وقتٍ مضى..

حين وضع قلمه على الطاولةِ، مضججاً بدماء معاركه مع الحياةِ، خُيل إليه بأن الباب قد فُتِح على مصرعيه، وسكان الحي واقفون أمامه، وخلفهم ماردٌ يصفق له، بعدد كل السنين الفائتة.

تمت
4/6/2018

عبد السلام دغمش
10-08-2018, 08:45 PM
الأستاذ عدي بلال

وقفات لا بدّ منها .. خاصة عندما يتعلق الأمر برحيل من كانت قريبة لقلبه .. ربما هي زوجته ..

الحلم كان ذلك المارد الذي ينتظر الكل منه أن يكتبه ويكتب فيه سجلّ ذكرياته .. ربما نجح أخيرا ..

ربما ترك الكاتب للقارئ أن يبحث عن دور للجارة .. أكانت تنتظر منه شيئاً ما .. أم أنه تطفلٌ منها و حسب ..

كل التقدير للنص الجميل وللقلم المتمكن الذي اشتقنا إليه ..

تحياتي .

ناديه محمد الجابي
24-08-2018, 07:01 PM
رحيل زوجته ووحدته جعلته يرتجف بردا رغم حرارة الصيف
الوحدة تستفذه، ورعشة المرض تستعر في جسده، ورحلة العمر تتمدد أمامه
على نغمات ناي حزين لتؤكد على حالته من الضياع.
بالعزيمة والإصرار يضع قلمه المضجج بدماء معاركه في الحياة
ليخرج المارد القابع بداخله مصفقا له ـ ويستحثه على تحقيق حلم العمرفي الكتابة.

اغفر لي ضعف مقدرتي على وصف وتحليل قصتك رغم إعجابي بها
لك أسلوب يستهويني ـ مبدع قلمك الذي اشتقنا له
وبحرفيتك المعهودة ، وبألققك القصصي أعطيتنا قصة عميقة الطرح
رائعة الحرف والتصوير
دمت ودام أدبك الراقي الناضج.
تحياتي وتقديري.
:hat::hat::hat:

كاملة بدارنه
02-09-2018, 01:45 PM
مارد الأفكار يستولي على المخيّلة فتنطلق من عنان الحزن إلى ساحات الوصف الجميل المعبّر رغم الحزن !
قصّ جاذب ومؤثّر
بوركت
تقديري وتحيّتي