تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فيروس كورونا (قصة قصيرة)



محمد فتحي المقداد
03-03-2020, 12:08 AM
فيروس كورونا
(قصة قصيرة)

بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد

وصلت الأمور إلى النهاية، ولا مجال للتراجع عمّا كنتُ أفكّر به.
اتّخذ الطبيب قراره الأخير، بعد احتجازي في الحجر الصّحّي بالمستشفى المركزي الحكومي. لعدّة أيام كنتُ معزولًا فيها عن البشر جميعًا، نعمتُ فيها بالخلوة، فسحة أتاحتني لنفسي. جاءت في لحظة كنت فيها بأمسّ الحاجة للابتعاد عن البشر جميعًا، فقد تمنّيتُ الحصول على مثل هذه الفرصة الثمينة، والقيّمة فلم تُتَح لي أبدًا، والظروف المحيطة غالبًا ما تتكاتف مُعلنة تآمرها عليّ.
على غير العادة، وبشكل مفاجئ داهمتني نوبة عُطاس أتعبت أعصابي، ترافقت مع سيلان أنفي. اضطررتُ لتناول حبّات (البندول) من العيار الثقيل، خفّفت حدّة الحرارة التي تناوبتني على دفعات، على مدار يومين، وأنا في معاناة لا يعلم مداها إلّا الله.
***
نصائح مُتعاقبة بالذّهاب إلى طبيب عام عيادته في طرف الحارة المقابل لنا. رغم الاحتياطات المُعتادة من شرب اللّيمون، والثّوم مع اللّبن. في هذه الوقعة كلّ ذلك لم يكن له نتائج ملموسة إلّا آنيّة، وما هي نصف ساعة إلا واشتدّت وطأة الحُمّى أكثر من سابقتها.
***
افتقدني جارنا، وما فطنتُ إلّا بالباب يُقرع، فتحوا له، ورأى ما رأى من حالي، جاءته النّخوة، فقال:
- "جهّز نفسك حتى أحضر السيّارة، سآخذك إلى الطبيب القريب منّا".
- "لا أحبّ الذّهاب أبدًا، أنا بخير..!!".
- "حالتك غير مطمئنة، أفزعني شُحوب وجهك مثل حبّة اللّيمون الذّابلة".
رجَحَت كفّه اقتراحه تضامنًا مع أمنيات زوجتي وأولادي، فتعاضدوا ضدّ عزيمتي الخائرة، وهمّتي الواهنة. لم يكن بُدًا من الاستجابة لهم.
الطبيب منتصب أمامي سرير الفحص بحذر، لبس قفّازات مطاطيّة في يديْه، وكمّامة على أنفه، أعادني منظره، إلى بكيّن وشوارعها المزدحمة بالنّاس، ونصف وجوههم مغطّاة ككائنات فضائيّة غزت كوكبنا مؤخّرًا. سمّاعتة تتحرّك على صدري، وميزان الحرارة في فمي، وجهاز قياس الضّغط على ساعدي. جبينه مُقطّب، وخطوط جبهته كأنّما هي أقنية حفرتها مياه السّيول. حاجباه معقودان متلاصقان، هزّ رأسه، وقال:
- "إلى المشفى فورًا".
صرخت زوجتي:
- "لشو المشفى؟".
- الطبيب: "اشتباه بأعراض الفيروس كورونا".
***
الأوامر صارمة في قسم الحجر، الأطباء والممرّضون يتعاملون معي بحذر شديد. تعقيم، لباس خاصّ يغطّيهم بشكل كامل.
حمدتُ الله على الفرصة المُتاحة، جاءتني على طبق من ذهب. فأكملتُ مما كان مكسورًا عليّ من قراءات في رواية (طواحين بيروت)، ومسرحيّة (مغامرة المملوك جابر)، ومسرحيّة (ليل العبيد).
صباح اليوم الثاني كنتُ على أحرّ من الجمر؛ بانتظار جولة الأطبّاء الاستشاريٍّين.
قرؤوا ملفّي المُحتوي على تحاليل الدمّ والبول، وصور الأشّعة، وقياس معدّلات السّكر والضغط. قلّبوا أوراقه مرّتيْن، تشاورا فيما باللّغة الإنكليزيّة، واتّخذوا قرارهم. فهمتُ القليل مما قالوا.
أشاروا للطبيب المقيم بعزلي في الدرجة الثانية. لخطورة حالتي، وخوفًا من انتشار العدوى.
أيقنتُ أنّني على وشك الهلاك؛ استدعيتُ فكرة خطيرة من مجاهل النسيان كنت مُعرضًا عنها، لخوفي الشديد من أحد علم أنّني أفكّر بها، وهي مشروع كتاب لم أكتب فيه سطرًا واحدًا، رغم أن جميع فصوله، وحيثيّاته ماثلة في ذهني؛ فقلت لنفسي:
- "مادامت حالتي ميؤوس منها، ونهايتي قريبة في أية ساعة يأخذونني إلى قبري، سأكتبها في الحال، ونشرتها على الفيسبوك: قريبًا في المكتبات طالعوا كتابي الجديد بعنوان (الإنسان في فكر السلطان الذي لايعترف بحقوق الإنسان)".
استفقتُ بعد منتصف اللّيل مرعوبًا، طلبتُ من زوجتي كأس ماء بلّلتُ به جفاف حلقي.

الأردنّ - عمّان
٣ / ٣ / ٢٠٢٠

ناديه محمد الجابي
03-03-2020, 08:45 PM
أضحك الله سنك ـ هذا هو ما يطلق عليه كابوس حقيقي ..
كان فيه كابوس فيروس كورونا هو محور رعبه وإفزاعه..
وإن كان صاحبنا قد استغل بخياله فترة العزلة الإجبارية ليحقق فيها
ما منعت ظروف الحياة ومشاغلها من تحقيقه.
فاستطاع في فترة الحجر ان يقرأ الكتب التي لم يتم قراءتها ـ كما فكر في كتابة
الكتاب الماثل بالكامل في عقله ولكن الخوف كان يمنعه من كتابته.
تعايشا مع حدث الساعة ( فيروس كورونا) كانت قصتك اللطيفة الفكرة
بحبكة متينة،وسرد شائق ، وقص ماتع منذ العنوان وحتى القفلة المباغتة.
سلمت ومداد قلمك وفكرك ـ ولك تحياتي.
:005:D::005:

محمد فتحي المقداد
03-03-2020, 10:58 PM
أضحك الله سنك ـ هذا هو ما يطلق عليه كابوس حقيقي ..
كان فيه كابوس فيروس كورونا هو محور رعبه وإفزاعه..
وإن كان صاحبنا قد استغل بخياله فترة العزلة الإجبارية ليحقق فيها
ما منعت ظروف الحياة ومشاغلها من تحقيقه.
فاستطاع في فترة الحجر ان يقرأ الكتب التي لم يتم قراءتها ـ كما فكر في كتابة
الكتاب الماثل بالكامل في عقله ولكن الخوف كان يمنعه من كتابته.
تعايشا مع حدث الساعة ( فيروس كورونا) كانت قصتك اللطيفة الفكرة
بحبكة متينة،وسرد شائق ، وقص ماتع منذ العنوان وحتى القفلة المباغتة.
سلمت ومداد قلمك وفكرك ـ ولك تحياتي.
:005:D::005:

استاذة نادية المحترمة
سعدت بقراءتك للنص بهذه الطريقة
المبدعة.. وأنت قد فسرت واوضحت
ورسالة النص وصلت كذلك بيسر وسهولة
فائق مودتي..
تحياتي لك

محمد فتحي المقداد
04-03-2020, 02:27 PM
‏فرح.. (ق. ق. ج)

أنفق جُلّ أيّامه ساعيًا إلى الشهرة، والنجوميّة؛ فقدّمتها له (كورنا) مجانًّا.

محمد فتحي المقداد

أسيل أحمد
04-03-2020, 04:06 PM
عندما تتحرك جميع وسائل الإعلام بالتحدث طوال الوقت
عن الخطر العالمي المحدق ( فيروس كورونا)
محذرة منه ومنبهة لطرق الوقاية والبعد عن أي حالة اشتباه ـ فمن الطبيعي
أن نتشبع بهذا الموضوع وأن يركبنا الهلع والخوف فيداهمنا حتى في احلامنا.
قصة معبرة، ونص جاذب بلغة شيقة وواقعية، وبأسلوب تصويري بارع.
تحية بحجم الإبداع.

محمد فتحي المقداد
04-03-2020, 09:50 PM
عندما تتحرك جميع وسائل الإعلام بالتحدث طوال الوقت
عن الخطر العالمي المحدق ( فيروس كورونا)
محذرة منه ومنبهة لطرق الوقاية والبعد عن أي حالة اشتباه ـ فمن الطبيعي
أن نتشبع بهذا الموضوع وأن يركبنا الهلع والخوف فيداهمنا حتى في احلامنا.
قصة معبرة، ونص جاذب بلغة شيقة وواقعية، وبأسلوب تصويري بارع.
تحية بحجم الإبداع.

أستاذة أسيل..
اسعد الله أوقاتك بكل خير
حمى الإعلام وسيطرته بسطوة قوية
على عقولنا ومشاعرنا.. أحالنا أدوات
كدمى متحركة لا تملك من أمرها
شيئا.. إلا أن تنتظر قدرها المحتوم..
وإلهاء الشعوب على أمور أعظم.. تطبخ
المؤامرات على نار هادئة في غفلة
من أصحاب القضية..
تحياتي وتقديري لك سيدتي الراقية

سعيد محمد الجندوبي
05-03-2020, 04:33 PM
هواجس كاتب في زمن الكورونا
قصّة بنت عصرها بأسلوب يشدّ القارئ ويقحمه في خيالات مريض أقضّته الحمّى... ليستفيق في الأخير بانفراج ضاحك
تحياتي سيدي ودام ابداعك

سعيد

محمد فتحي المقداد
05-03-2020, 07:50 PM
هواجس كاتب في زمن الكورونا
قصّة بنت عصرها بأسلوب يشدّ القارئ ويقحمه في خيالات مريض أقضّته الحمّى... ليستفيق في الأخير بانفراج ضاحك
تحياتي سيدي ودام ابداعك


سعيد


الأستاذ الجندوبي الجميل
مرورك أسعدني وأنت تضفي على نصي القصصي
حلة أدبية قشيبة بطعم جندوبة ..
تحياتي وتقديري لك صديقي

ناديه محمد الجابي
07-03-2020, 06:56 PM
‏فرح.. (ق. ق. ج)

أنفق جُلّ أيّامه ساعيًا إلى الشهرة، والنجوميّة؛ فقدّمتها له (كورنا) مجانًّا.

محمد فتحي المقداد


هناك من يعشق الشهرة ويتمناها ـ حتى لو أتت له على سرير الموت.
ذكرتني بالقذافي .. كان يهوى الشهرة ـ فإذا صمتت الأخبار عن ذكره
يرتكب أي حماقة مجنونة تجعل العالم كله يتحدث عنه.
ومضة واقعية أجدت إختزالها.
تحياتي.
:17::17:

محمد فتحي المقداد
08-03-2020, 11:48 AM
هناك من يعشق الشهرة ويتمناها ـ حتى لو أتت له على سرير الموت.
ذكرتني بالقذافي .. كان يهوى الشهرة ـ فإذا صمتت الأخبار عن ذكره
يرتكب أي حماقة مجنونة تجعل العالم كله يتحدث عنه.
ومضة واقعية أجدت إختزالها.
تحياتي.
:17::17:

أستاذة نادية
مرحبا بك ثانية
أحييك على اصرارك على الفعل الرافد
الثقافي.. ودائما إضافات ترسمين خطوطها
بفعالية حاذقة.. كثيرا ما تكون خطوة في
إكمال المشوار الادبي..
تحياتي وتقديري لك سيدتي

عبد السلام دغمش
11-03-2020, 09:32 AM
الأستاذ محمد فتحي المقداد ..

قصة جميلة وبأسلوب طريف عالج ما يختلج الناس وسط هذا الداء .

تقديري أديبنا .

محمد فتحي المقداد
11-03-2020, 10:52 PM
الأستاذ محمد فتحي المقداد ..

قصة جميلة وبأسلوب طريف عالج ما يختلج الناس وسط هذا الداء .

تقديري أديبنا .
الصديق الوفي استاذ عبدالسلام
تحياتي وتقديري لك
سعدت بمرورك الراقي
دمت بخير