المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدمة (قصة قصيرة)



محمد فتحي المقداد
16-03-2020, 04:29 PM
صدمة..

قصة قصيرة
بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

مكتنزة الجسم.. ضربات الكعب العالي كمطرقة تقع بثقلها على قفا المسمار، تبعثر صمت القاعة الموحش.
وصلتُ مُبكّرًا بنصف ساعة قبل بدء الأمسية.
مسافة أمتار تهتزّ رقصًا تُساير حركة ردفيْها. عيناي في حالة تمرين حركيّ سريع تتابعان الاهتزازات التي تتشابه بمهارة أصابع (مجدي الحسيني) بالعزف على البيانو.
شعرها المتهدّل على كتيفيْها غطّى نصف فستانها الخمريّ السّكران التفافًا على جسدها إلى ما فوق رُكبتيْها أقلّ من شبر بسنتمترات.
تصوّرات بعيدة المنال؛ أغرقتني في حميم عواطفي المتكلّسة منذ حقب تاريخيّة عدا عليها الزّمان خُمودًا.
تتقافز أشواقي تزاحمًا:
- "يا لها.. لو أنّني أتمسّى برؤية وجهها..!!".
استحضرتُ من مجاهل ذاكرتي، أحلى الوجوه المختزنة من أيّام مُتابعة أفلام الأسود والأبيض المصريّة في مُراهقتي، ومن صور مجلّات الأزياء التي كانت تخطف عقلي وأترابي مثلي، نتداولها بشغف وانبهار مُحبّب لنا، ووجوه بنات إعلانات الشامبوات والملابس الدّاخليّة في زمن الفصائيّات المُنفلت.
عاد الصمت ليُخيّم على الأجواء مع توقّف وقع خطواتها. جلست على كُرسيّ بجانب الممر الأوسط.
تتشوّق أحلام الطّفولة فِيّ؛ لرؤية القمر مُتمثّلًا بوجهها الصّبوح. النّادل أطلّ برأسه من خلف ستارة تُخفيه خلفها مع أداوت صنع المشروبات السّاخنة. أشارت له بيدها.. ابتسامة مُصطنعة ارتسمت على وجهه المُرهق تعبًا. جفلت نظراتي المُرتبكة مع خطوته الأولى باتّجاهها. هاجسٌ غامضٌ خالطني بدّد إحداثيّاتي، تواردت أفكار مملوءة بتخمينات مُتوالدة لا أساس بخصوص الموقف الآن.
نبرات خشنة اقتحمتني بفجاجة، كما صوت كعبها العالي، طلبت:
- "من فضلك أريد فنجان قهوة سادة.. وليكن مغليًّا زيادة.. ولا تنس كأس الماء البارد".
- "حااااضر.. شاعرتنا". قالها، وهو يستدير بظهره لانجاز طلبها. أجّلتُ طلبي لحين عودته إليها.
مدّت يدها، واستخرجت علبة دخّان وولّاعة من محفظة كتفها الحُبلى بأشياء وأدوات كثيرة.
ما إن رفعت شُعلة النّار قريبًا من لفافة التيغ في فمها، حتّى اشتعلت صورتها في عقلي، وتبخّرت مع سُحُب الدُّخان الفائضة إلى خارج الصّالة عبر النّافذة المفتوحة.
كجنديّ خلف مكمَنِه يُراقب أدقّ حركات العدوّ، عاينتُ خروجها من مُخيّلتي قبل الصّالة، تنفٍستُ بعمق.. أذهبَ توتّري لمعانقة خيالها، وطيفها الذي غادرني.
بجرأة لا مُبالية، ناديتُ على النّادل، وهو يضع الصّينيّة النّحاسيّة الصّفراء أمامها على الطّاولة الصّغيرة.
ما إن فرغ منها مُتّجهًا نحوي، وقفتُ مُغادرًا بلا استئذان.
النّادل: "إلى أين يا أستاذ؟".
صوته ما زال يُلاحقني أثناء عبوري الشّارع إلى الضّفّة الأخرى، لم أتمالك نفسي من الجلوس على حافّة الرّصيف، مُتأمّلًا حال المبنى الذي يضمّ الصّالة البائسة.

عمّان - الأردنّ
١٦،/ ٣ / ٢٠٢٠

ناديه محمد الجابي
16-03-2020, 07:06 PM
من بره هلا .. هلا .. والوجه يعلم الله..
الجسم مياس أثار العواطف الخامدة وألهب ذاكرة عصر المراهقة
ومنى نفسه برؤية أحلى الوجوه المختزنة في الذاكرة لأجمل الجميلات
فجاءت الرؤية صادمة لتوقعاته، وجعلته يفر من القاعة هاربا.
نص قصي جميل تألق فيه جمال اللغة ، والسرد المشوق
وحبكة تقوم على فكرة قوية ، وقفلة مباغتة بسخريتها
تقنية وحرفية عالية وجدتها هنا ـ أحي قلمك السامق
ودمت ودام ألقك.
:v1::nj:D:

محمد فتحي المقداد
17-03-2020, 10:12 AM
من بره هلا .. هلا .. والوجه يعلم الله..
الجسم مياس أثار العواطف الخامدة وألهب ذاكرة عصر المراهقة
ومنى نفسه برؤية أحلى الوجوه المختزنة في الذاكرة لأجمل الجميلات
فجاءت الرؤية صادمة لتوقعاته، وجعلته يفر من القاعة هاربا.
نص قصي جميل تألق فيه جمال اللغة ، والسرد المشوق
وحبكة تقوم على فكرة قوية ، وقفلة مباغتة بسخريتها
تقنية وحرفية عالية وجدتها هنا ـ أحي قلمك السامق
ودمت ودام ألقك.
:v1::nj:D:

استاذة نادية
اسعد الله أوقاتك بكل خير
موقف بسيط أثار زوابع داخلية عصفت
بالهدوء والسكينة.. فيستحق الكتابة عنه
سعدت بقراءتك الواعية لمنحنيات والتفافات
النص.. بمحاوره العديدة.. دمت مبدعة سيدتي الراقية

أسيل أحمد
18-03-2020, 12:01 PM
سرح به الخيال، وصنع له عالما جميلا عاش تفاصيله وغرق فيها
حتى صفعته الحقيقة ليفيق من أوهامه على صدمة يتبخر فيها
الوهم الذي صنعه وعاشه.
مشهد وصفته بريشة اديب متمكن في قصة جميلة
تمتلك قلما رائعا وفكرا خصيبا.
تحية لقلمك المبدع.

محمد فتحي المقداد
18-03-2020, 07:05 PM
سرح به الخيال، وصنع له عالما جميلا عاش تفاصيله وغرق فيها
حتى صفعته الحقيقة ليفيق من أوهامه على صدمة يتبخر فيها
الوهم الذي صنعه وعاشه.
مشهد وصفته بريشة اديب متمكن في قصة جميلة
تمتلك قلما رائعا وفكرا خصيبا.
تحية لقلمك المبدع.
أستاذة أسيل
اسعد الله أوقاتك بكل خير
قراءتك جميلة واعية أدركت جوانب
النص.. تحياتي لك وتقديري سيدتي الراقية
دمت بخير