تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نهر كوثر



د. سمير العمري
22-04-2005, 03:19 AM
(26)



رَوْضَتِي الغَنَّاءُ أَنْتِ ، وَبُسْتَانُ أُنْسِي ، وَرَوَابِي المَشَاعِرَ الجَمِيْلَةِ زَانَهَا الأُقْحُوانُ بَيَاضَاً نَقِيَّاً نَقَاءَ رُوحِكِ ، جَمِيلاً جَمَالَ ابْتِسَامَتُكِ عَابِقَاً عَبَقَ نَظْرَتِكِ الحَانِيَةِ. كَلَّمَا جَلَسْتُ إِلَيكِ صَدَحَتْ بَلابِلُ النَّشْوَى فِي فُؤَادِي خَفَقَاتِ شَوْقٍ رَاقِصَةٍ واحْتِفَالِ تَوْقٍ كَبِيرٍ. تَمِيلِينَ خَمِيلَةَ رَبِيعٍ مُزْهِرٍ عَلَى قَيْظِ شَوْقِي بِحُنُوِّ أُمٍّ رَؤُومٍ ؛ فَيَنْعَمُ بِالظِّلالِ وَيَغْنَمُ بِالدَّلالِ.

آيَةٌ مِنْ آيَاتِ رَبِّي أَنْتِ ، وَأَعْظَمُ نِعَمَهُ عَلَيَّ ؛ خَلَقَكِ فَأَبْدَعَ فِيْكِ المَظْهَرَ وَأَصْفَى فِيْكِ الجَوهَرَ فَلَهُ الحَمْدُ فِي الغُدُوِّ وَالآصَالِ. قَدْ تَقَلَّبْتُ مَعَكِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ رِضَى وَغَضَبٍ ، وَغُضِيٍّ وَعَتَبٍ ، وَبُعْدٍ وَقُرْبٍ ، وَصِحَّةٍ وَاعْتِلالٍ ، وَدَلالٍ وَانْفِعَالٍ ، وَأَفْرَاحٍ وَأَتْرَاحٍ ، وَبَلَوتُكِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ صَفَاءِ المَعْدَنِ وَنَقَاءِ الدِّيْبِاجَةِ ، فَمَا وَجَدْتُكِ إِلا مُبْهِرَةً مُزْهِرَةً ؛ طُهْرُكِ يَنْضُرُ وَنُورُكِ يَغْمُرُ.

وَلا أَزَالُ أَشْعُرُ مِنْكِ الحُبَّ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَأَسْعَدُ بِالرِّضَى مِنْكِ فِي كُلِّ مَجَالٍ ، حَتَّى غَدَتْ ثِقَتِي بِكِ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي ، وَسَكَنِي إِلَيكِ أَهْنَأُ مِنْ سَكَنِي إِلَى رُوحِي. بَسْمَتُكِ خَمْرِي المُعَتَّقُ ، وَهَمْسَتُكِ شَهْدِى المُصَفَّى ، وَرِضَاكِ غَايَةُ الأَمَلِ. مَتَى أَقْبَلْتِ عَلَيَّ أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا بِكُلِّ زُخْرُفِهَا ، لا أَضِيْجُ مِنْكِ وَلا أَضِجُّ ، وَلا أَمِيْلُ عَنْكِ وَلا أَمَلُّ ، ومَتَى غِبْتِ عَنِّي غَابَ عَنِ الرُّوحِ العَبَقُ وَذَوَى فِي النَّفْسِ الأَلَقُ. قَدْ لَبِسَتْ أَيَّامِي لَكِ بُرْدَةً مِنْ نَسِيجِ عِشْقِكِ زَرْكَشَتْهَا أَنَامِلُ حِرْصِكِ بِلَمْسَةِ حَنَانٍ ، وَضَمَّخَتْهَا بِشَذَا يَفُوحُ مِسْكَاَ فِي الفُؤَادِ.

يَا أَجْمَلَ الأُمَمِ وَيَا أَعْظَمَ النِّعَمِ: أَشْعُرُ بِحُبِّكِ الجَارِفُ فِي دَاخِلِي نَهْرَ كَوْثَرٍ مَاؤُهُ مِنْ عَذْبِ قُرْبِكِ ، وَصَفْوُهُ مِنْ عَينِ حُبُّكِ ، مَا ارْتَوَيْتُ مِنْهُ إِلا زَادَنِي صَدَى.

مَا أَلَذَّ العَيْشَ فِي رَوْضَتُكِ ، وَمَا أَهْنَأَ الطُّهْرَ فِي جَنَّتُكِ.
أَحِبُّكِ وَبِحُبِّكِ أَعِيْشُ.




تحياتي وتقديري
:os::0014::os: