تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جسر الوصول الأخضر



ريمة الخاني
07-04-2020, 01:41 PM
د. ريمه عبد الإله الخاني

باحثة وأديبة

مازلت أهذب له ذقنه، فهو لم يعد قادرا على النهوض، نعم ..فقد وقع من على البناء وهو يعمل فيه فانكسر ظهره، وفشلت المحاولات وانتهت كل المدخرات، كانت لحظة فاصلة في حياتي..لايشعر بألمها إلا من ذاقها، فهو مازال شابا في الثلاثينيات، وفي قمة العطاء...بكيت حتى جفت الدموع.
و يعيبون علي أنني أنجبت منه وهو على هذه الحال، مالهم ومالي؟ هذا شأني لاشأنهم، الثرثرة عيب المجتمع العاطل عن العمل، فالحياة تستمر بكل أحوالها...
لكن السؤال الأهم الآن والذي يجب أن نسأله بقوة:
-كيف سنأكل لقمتنا بعد ماحصل؟.
أخرجت كل مالادي من أعمال نسوية مخبأة قديمة، أتذكر فيها ماأحسنه من هوايات، إنها أمي..الأم ليست مدرسة بل عالم كامل من الفعاليات والعلم والفهم...
مالهم ومالي.؟
هل يرضيهم أن أشتهي الرجال؟، من هذا الذي يثرثر ولايفعل؟ يعيب ولا يُرقع؟ ينظر للقذى في عين الناس ولايرى قذى عينه؟.
أين كانوا عندما كنت أمر بذاك البناء الذي كنت يوما أعمل في منازله أنظفها قبل أن أتزوج به، وأغطي طلاقي القديم العقيم، بعد أن توفي لي زوجا يكبرني بعشرين سنة؟.
ومازلت أحمل رقم ثلاثين! ومازلت قادرة على العمل..فليصمتوا..
لاأستطيع الوقوف أمام المرآة الآن ، فأنا أدرك أنه تزوجني ، شهامة وقرابة، وأعرف أنني لاأحمل من الجمال شيئا، لكنني أحب نفسي كثيرا، هذا هو الواقع، وأحب أن أكون شيئا مهما في هذه الحياة لذا سأصم أذنيّ، وأبحث عن طفل يملأ علي حياتي.
أضحك أحيانا عندما أكتب على دفتر صغير يخصني وحدي، مافي نفسي من تعب في السعي لجلب لقمة العيش فأخفق، وأدري أنه كراس مليئ بالأخطاء، التي أخجل أن أريها لأحد، ولكن سيكون أفضل يوماما، أنا على يقين من ذلك، مازلت أدق الباب عليها كي تعطيني مهام أكسب منها نقودا، يرتقها بعض زاد تعطيني إياه، تلك النبيلة.
-أنا جائعة، والله جائعة...أرى أولادي يتناولون الطعام فأسعد، ولكن عندما ينفذ الزاد من المنزل..أنظر إليه..وأنظر إلى حالي، مالهذا تزوجت..أبكي بعيدا جدا، خاصة عندما يشعر بأنه معطل عاجز، فيصرخ مناديا بشراسة الجوع الذي لايؤمن أبدا..فأجلب ماتبقى، والجوع يطحنني...ما توقعت يوما أنا أصير رجلا وامرأة بنفس الوقت..أين كنت عندما كنت أشتهي الرجال في الطريق؟ أين كنت عندما كنت تهملني فتسهر مع أصدقاءك مساء..ودخانك أهم من اللقمة؟...كنت حينهامتعبة ووحيدة..ليتك تفهم كم كنت أبكي في طريقي، وأنا أحاول كسب أي مال بطريقتي الخاصة، كم تمنيت أن تكفيني...ألست رجلا؟.
لم تعد الكلمات تكفي لتمتص غصبي ويأسي..مزقت الدفتر، فالكلمات لاتباع في السوق البائرة اليوم...ولاتفيد إلا بثرثرة يقال لها كتب!!...كنت شاهدت أكوامها في منزل، باعه ورثته، وباعوا الكتب بأرخص الأسعار، العلم فعل قبل أن يسطر على الورق...وإلا فسيبقى ورقا على ورق...أي علم يودي للفقر ليس بعلم...الجواد بالحرف يحتاج قوتا يزدرده كي يستمر..هكذا كان الناس يتبادلون الأحاديث حولها..
وتلك الغرفة المستأجرة التي أعيش فيها، تشبه إلى حد كبير قن الدجاج، حيث كنت أرتبها وأنظفها لأبو نظمي، لكنه بدأ يقوم بحركات حيوانية جعلتني أعدل عن العمل عنده لأفيد ببعض قروش، من عمل آخر، زوجته من أجمل الجميلات، فماذا يرى فيّ؟.
فأنا بالكاد تزوجت، ومازالت بنت معلمتني الجميلة تنتظر عريسا، فماوصل، الدنيا مقادير، هل هي شروط مدينة تترفع على بعضها؟ أم هو صوت النقود الذي يصرخ في آذاننا حتى الصمم؟.
بكل الأحوال..مازلت أحتفظ بعبارتين كتبتهم لي امرأة عملت عندها يوماما ونظفت لها منزلها ، قالت لي احفظيها جيدا واجعليها واقعا تغنمي، شرحتها لي بقدر الإمكان وفهمتها حسب مقدرتي كانت عبارتان:
-الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه.
ذهبت لأم حياة، تلك الأرملة الذكية في حينا، التي خرجت من محنة شهادة زوجها أكثر قوة، وأكثر عزيمة، وأنا أحب النساء القويات، خرجت لحياتها الجديدة مع وحيدتها الصغيرة، لاتعرف سوى مهنة الخياطة، وتحاول جعل ابنتها من المثقفات المرموقات، فهي دوما تقرأّ..قلت لها:
-هل تعلمينني الخياطة؟
- أين أنت؟، كنت بحاجة لواحدة مثلك، مجدة وصبورة، فهل تقبلين؟.
نظرت ابنتها إلي قائلة:
-وسوف أعلمك كل ماتعلمته..لأنك تستحقين.


7-4-2020

ناديه محمد الجابي
07-04-2020, 06:01 PM
-الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه.

أنا أيضا أحب النساء القويات.. مثلها ـ وقد عملت على أن تخوض معركة الحياة
وتجاهد بالسير نحو هدفها.. وستصل بجدها وصبرها ـ وقد وضعت قدمها على بداية الطريق الصحيح.
استهوتني القصة بكل حرف فيها ـ جسدت مشاعر الأنثى بكل شفافية البوح
ورسمت بريشة الحرف قصة حياة ، ومعاناة في لوحة فريدة من إبداعاتك..
وقد ابدعت بقوة اللغة، وسلاسة الأسلوب، وألق الصور أن تستأثري بالمتلقي.
حروفك مليئة بالدهشة والإمتاع والموسيقى وسحر المعنى
بوركت أيتها الرائعة الحرف والحضور.
تحياتي وودي.
:v1::nj::0014:

ريمة الخاني
16-04-2020, 09:08 PM
-الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه.

أنا أيضا أحب النساء القويات.. مثلها ـ وقد عملت على أن تخوض معركة الحياة
وتجاهد بالسير نحو هدفها.. وستصل بجدها وصبرها ـ وقد وضعت قدمها على بداية الطريق الصحيح.
استهوتني القصة بكل حرف فيها ـ جسدت مشاعر الأنثى بكل شفافية البوح
ورسمت بريشة الحرف قصة حياة ، ومعاناة في لوحة فريدة من إبداعاتك..
وقد ابدعت بقوة اللغة، وسلاسة الأسلوب، وألق الصور أن تستأثري بالمتلقي.
حروفك مليئة بالدهشة والإمتاع والموسيقى وسحر المعنى
بوركت أيتها الرائعة الحرف والحضور.
تحياتي وودي.
:v1::nj::0014:

مرورك العطر نثر في المكان جمال ردك الصادق، سرني ردك المنصف لنصي المتواضع..
إنها الحياة بكل تفاصيلها البعيدة عن الأنظار..
شكرا لك.
( ولاحقا النص البديل للاستعاضة عن الأول أرجو استبداله مع الشكر الجزيل).

ريمة الخاني
16-04-2020, 09:09 PM
جسرُ الوصولِ الأخضر

د. ريمه عبد الإله الخاني




مازلت أهذب له ذقنه، فهو لم يعد قادرا على النهوض، نعم ..لم يعد قادرا على إعالتنا بعد الآن، فقد وقع من على البناء وهو يعمل في الإسمنت والحجارة، فانكسر ظهرُه، وانكسرت حياتي معه..وفشلت كل المحاولات لعلاجه، وانتهت معها كل المدخرات التي خبأتهُا للزمن الأسود، بل كان أكثر حلكة من السواد ذاتِه، كانت لحظة فاصلة في حياتي..لايشعر بألمها إلا من ذاقها. فهو مازال شابا في الثلاثينيات من عمره، وفي قمة العطاء...بكيت حتى جفت الدموع.و يعيبون عليّ أنني أنجبت منه وهو على هذه الحال؟،مالهم ومالي؟ هذا شأني لاشأنهم، الثرثرة عَيبُ مجتمع عاطل عن العمل، فالحياة تستمر بكل أحوالها...لكن السؤال الأهم الآن والذي يجب أن نسأله بقوة الضمير الحي والشفقة الكبيرة على أطفالٍ صغار جدا:

-كيف سنأكل لقمتنَا بعد ماحصل؟.

أخرجت كل مالدي من أعمال نسوية مخبأة قديمة، أتذكر فيها ماكنت أحسنه من هوايات، إنها أمي..الأم ليست مدرسة بل عالم كامل من الفعاليات والعلم والفهم...مالهم ومالي.؟ نعم مالهم ومالي؟...هل يرضيهم أن أشتهي الرجال؟، من هذا الذي يثرثر ولايفعل؟ يعيب ولا يُرقع؟ ينظر للقذى في عين الناس ولايرى قذى عينه؟.أين كانوا عندما كنت أمر بذاك البناء الذي كنت يوما ما أعمل في منازله، أنظفها قبل أن أتزوج به وأغطي طلاقي القديم العقيم، بعد أن توفي لي زوجا يكبرني بعشرين سنة؟.ومازلت أحمل رقم ثلاثين! ومازلت قادرة على العمل..فليصمتوا..لاأستطيع الوقوف أمام المرآة الآن ، فأنا أدرك أنه تزوجني ، شهامة وقرابة وأعرف جيدا أنني لاأحمل من الجمال شيئا، لكنني أحب نفسي كثيرا، هذا هو الواقع الذي يقويني ويجعلني أقوم بما يقوم به الرجال رغما عني، ولأجل أسرتي، أحب أن أكون شيئا مهما في هذه الحياة لذا سأصم أذنيّ وأبحث عن طفل يملأ علي حياتي من جديد.أضحك أحيانا عندما أكتب على دفتر صغير يخصني وحدي أكتب مافي نفسي من تعب في السعي لجلب لقمة العيش فأخفق، وأدري أنه كراس مليئ بالأخطاء، أمحو وأكتب أمحو وأكتب، التي أخجل أن أريها لأحد، ولكن سيكون أفضل يوماما، أنا على يقين من ذلك، مازلت أدق الباب عليها كي تعطيني مهام أكسب منها نقودا، يرتقها بعض زاد تعطيني إياه، تلك النبيلة.

-أنا جائعة، والله جائعة...أرى أولادي يتناولون الطعام فأسعد، ولكن عندما ينفذ الزاد من المنزل...أنظر إليه. أنظر إلى حالي، مالهذا تزوجت..أبكي بعيدا عنه، خاصة عندما يشعر بأنه معطل عاجز، فيصرخ مناديا بشراسة الجوع الذي لايؤمن أبدا..فأجلب ماتبقى، والجوع يطحنني...ما توقعت يوما أن أصير رجلا وامرأة بنفس الوقت..أنام وظهري المتعبَ يئن ويصرخ، أسكته بعدة أقراص من المهدئ التي وصفتها لي الدكتورة صفية القاطنة في حينا القريب، ولكن...أين كنت يا زوجي..عندما كنت أشتهي الرجال في الطريق؟، أين كنت عندما كنت تهملني فتسهر مع أصدقاءك مساء..ودخانك أهم من اللقمة؟...لاأستطيع أن أكونك الآن أبدا ...لقد كنت حينهامتعبة ووحيدة..ليتك تفهم كم كنت أبكي في الطريق، وأنا أحاول كسب أي مال بطريقتي الخاصة،كم تمنيت أن تكفيني يوما...ألستَ رجلا؟.لم تعد الكلمات تكفي لتمتص غضبي ويأسي..مزقت الدفتر، نعم مزقته..فالكلمات لاتباع في السوق البائرة اليوم...ولاتفيد إلا بثرثرة يقال لها كتب!!...كنت شاهدت أكوامها في منزل، باعه ورثته وباعوا الكتب بأرخص الأسعار العلم فعل قبل أن يسطرَعلى الورق...وإلا فسيبقى ورقا على ورق...أي علم يودي للفقر ليس بعلم...
-الجواد بالحرف يحتاج قوتا يزدرده كي يستمر..
هكذا كان الناس يتبادلون الأحاديث حولها..وتلك الغرفة المستأجرة التي أعيش فيها، تشبه إلى حد كبير قن الدجاج، حيث كنت أرتبها وأنظفها لأبو نظمي، لكنه بدأ يقوم بحركات حيوانية جعلتني أعدل عن العمل عنده لأفيد ببعض قروش من عمل آخر، زوجته من أجمل الجميلات، فماذا كان يرى فيّ؟.فأنا بالكاد تزوجت ومازالت بنت معلمتني الجميلة تنتظر عريسا فماوصل، الدنيا مقادير، هل هي شروط مدينة تترفع على بعضها؟ أم هو صوت النقود الذي يصرخ في آذاننا حتى الصمم؟.أم هو الفراغ والصفاقة؟. بكل الأحوال..مازلت أحتفظ بعبارتين كتبتهم لي امرأة عملت عندها يوماما ونظفت لها منزلها ، كانت تقرأ كثيرا حتى تعجبت من إدمانها ومواظبتها!، ألا تمل السكون في منزلها بعدما رحل الصغار إلى بلاد الغربة؟ أما أنا فلا...قالت لي احفظيها جيدا واجعليها واقعا تغنمي.. شرحتها لي بقدر الإمكان وفهمتها حسب مقدرتي كانت عبارتان:

-الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه.
ذهبت لأم حياة، تلك الأرملة الذكية في حينا، التي خرجت من محنة شهادة زوجها أكثر قوة، وأكثر عزيمة وأنا أحب النساء القويات، خرجت لحياتها الجديدة مع وحيدتها الصغيرة، لاتعرف سوى مهنة الخياطة وتحاول جعل ابنتها من المثقفات المرموقات، فهي دوما تقرأّ..قلت لها:
-هل تعلمينني الخياطة؟
- بالطبع.. أين أنت؟، كنت بحاجة لواحدة مثلك، مجدة وصبورة، فهل تقبلين؟.
نظرت ابنتها إلي من بعيد قائلة:
-وسوف أعلمك كل ماتعلمته..لأنك تستحقين.

7-4-2020

قوادري علي
17-04-2020, 02:08 PM
يبقى الأمل ما دامت الإرادة موجودة
للابتلاء دروسه والقليل من يتعلمها فيجعل منها نجاحا..
سرد ممتع لحالة نفسية تعيشها البطلة..
شكرا القاصة ريمة..

ابن الدين علي
18-04-2020, 10:24 PM
مؤثرة جدا و بسردية صبورة لتصل بالقارئ الى الفكرة الراقيةو هي:"الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه" تفاعلت مع ممحطات القصة و كأني عشتها...لدرجة تخيلت ان الكاتب هو من عاش فعلا القصة...تحياتي و خالص مودتي...

أحمد العكيدي
18-04-2020, 10:29 PM
واقعنا المرير في نص جميل ...
مودتي

ريمة الخاني
21-04-2020, 02:48 AM
يبقى الأمل ما دامت الإرادة موجودة
للابتلاء دروسه والقليل من يتعلمها فيجعل منها نجاحا..
سرد ممتع لحالة نفسية تعيشها البطلة..
شكرا القاصة ريمة..
الشكر لله ولحضورك الجميل، أستاذ قوادري، زها النص بك.

ريمة الخاني
15-05-2020, 09:03 PM
مؤثرة جدا و بسردية صبورة لتصل بالقارئ الى الفكرة الراقيةو هي:"الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه" تفاعلت مع ممحطات القصة و كأني عشتها...لدرجة تخيلت ان الكاتب هو من عاش فعلا القصة...تحياتي و خالص مودتي...
حضورك أستاذ ابن الدين علي في جسد القصة امتياز يجعلني ممتنة جدا لك، أما عن متن القصة فهو مزيج من قصص حقيقية وضعت فقط لتلك الشخصية..
رمضان مبارك.

عمر الصالح
18-05-2020, 11:52 PM
جسرُ الوصولِ الأخضر

د. ريمه عبد الإله الخاني

سلاسة السرد .. وجودة الصياغة .. وتساؤلات أضافت عمقاً للقصة

رغم قتامة الفكرة لكن إيقاع السرد جعلنا نقفز وراء السطور

رائعة يا صديقتنا

تحياتى
عمر



مازلت أهذب له ذقنه، فهو لم يعد قادرا على النهوض، نعم ..لم يعد قادرا على إعالتنا بعد الآن، فقد وقع من على البناء وهو يعمل في الإسمنت والحجارة، فانكسر ظهرُه، وانكسرت حياتي معه..وفشلت كل المحاولات لعلاجه، وانتهت معها كل المدخرات التي خبأتهُا للزمن الأسود، بل كان أكثر حلكة من السواد ذاتِه، كانت لحظة فاصلة في حياتي..لايشعر بألمها إلا من ذاقها. فهو مازال شابا في الثلاثينيات من عمره، وفي قمة العطاء...بكيت حتى جفت الدموع.و يعيبون عليّ أنني أنجبت منه وهو على هذه الحال؟،مالهم ومالي؟ هذا شأني لاشأنهم، الثرثرة عَيبُ مجتمع عاطل عن العمل، فالحياة تستمر بكل أحوالها...لكن السؤال الأهم الآن والذي يجب أن نسأله بقوة الضمير الحي والشفقة الكبيرة على أطفالٍ صغار جدا:

-كيف سنأكل لقمتنَا بعد ماحصل؟.

أخرجت كل مالدي من أعمال نسوية مخبأة قديمة، أتذكر فيها ماكنت أحسنه من هوايات، إنها أمي..الأم ليست مدرسة بل عالم كامل من الفعاليات والعلم والفهم...مالهم ومالي.؟ نعم مالهم ومالي؟...هل يرضيهم أن أشتهي الرجال؟، من هذا الذي يثرثر ولايفعل؟ يعيب ولا يُرقع؟ ينظر للقذى في عين الناس ولايرى قذى عينه؟.أين كانوا عندما كنت أمر بذاك البناء الذي كنت يوما ما أعمل في منازله، أنظفها قبل أن أتزوج به وأغطي طلاقي القديم العقيم، بعد أن توفي لي زوجا يكبرني بعشرين سنة؟.ومازلت أحمل رقم ثلاثين! ومازلت قادرة على العمل..فليصمتوا..لاأستطيع الوقوف أمام المرآة الآن ، فأنا أدرك أنه تزوجني ، شهامة وقرابة وأعرف جيدا أنني لاأحمل من الجمال شيئا، لكنني أحب نفسي كثيرا، هذا هو الواقع الذي يقويني ويجعلني أقوم بما يقوم به الرجال رغما عني، ولأجل أسرتي، أحب أن أكون شيئا مهما في هذه الحياة لذا سأصم أذنيّ وأبحث عن طفل يملأ علي حياتي من جديد.أضحك أحيانا عندما أكتب على دفتر صغير يخصني وحدي أكتب مافي نفسي من تعب في السعي لجلب لقمة العيش فأخفق، وأدري أنه كراس مليئ بالأخطاء، أمحو وأكتب أمحو وأكتب، التي أخجل أن أريها لأحد، ولكن سيكون أفضل يوماما، أنا على يقين من ذلك، مازلت أدق الباب عليها كي تعطيني مهام أكسب منها نقودا، يرتقها بعض زاد تعطيني إياه، تلك النبيلة.

-أنا جائعة، والله جائعة...أرى أولادي يتناولون الطعام فأسعد، ولكن عندما ينفذ الزاد من المنزل...أنظر إليه. أنظر إلى حالي، مالهذا تزوجت..أبكي بعيدا عنه، خاصة عندما يشعر بأنه معطل عاجز، فيصرخ مناديا بشراسة الجوع الذي لايؤمن أبدا..فأجلب ماتبقى، والجوع يطحنني...ما توقعت يوما أن أصير رجلا وامرأة بنفس الوقت..أنام وظهري المتعبَ يئن ويصرخ، أسكته بعدة أقراص من المهدئ التي وصفتها لي الدكتورة صفية القاطنة في حينا القريب، ولكن...أين كنت يا زوجي..عندما كنت أشتهي الرجال في الطريق؟، أين كنت عندما كنت تهملني فتسهر مع أصدقاءك مساء..ودخانك أهم من اللقمة؟...لاأستطيع أن أكونك الآن أبدا ...لقد كنت حينهامتعبة ووحيدة..ليتك تفهم كم كنت أبكي في الطريق، وأنا أحاول كسب أي مال بطريقتي الخاصة،كم تمنيت أن تكفيني يوما...ألستَ رجلا؟.لم تعد الكلمات تكفي لتمتص غضبي ويأسي..مزقت الدفتر، نعم مزقته..فالكلمات لاتباع في السوق البائرة اليوم...ولاتفيد إلا بثرثرة يقال لها كتب!!...كنت شاهدت أكوامها في منزل، باعه ورثته وباعوا الكتب بأرخص الأسعار العلم فعل قبل أن يسطرَعلى الورق...وإلا فسيبقى ورقا على ورق...أي علم يودي للفقر ليس بعلم...
-الجواد بالحرف يحتاج قوتا يزدرده كي يستمر..
هكذا كان الناس يتبادلون الأحاديث حولها..وتلك الغرفة المستأجرة التي أعيش فيها، تشبه إلى حد كبير قن الدجاج، حيث كنت أرتبها وأنظفها لأبو نظمي، لكنه بدأ يقوم بحركات حيوانية جعلتني أعدل عن العمل عنده لأفيد ببعض قروش من عمل آخر، زوجته من أجمل الجميلات، فماذا كان يرى فيّ؟.فأنا بالكاد تزوجت ومازالت بنت معلمتني الجميلة تنتظر عريسا فماوصل، الدنيا مقادير، هل هي شروط مدينة تترفع على بعضها؟ أم هو صوت النقود الذي يصرخ في آذاننا حتى الصمم؟.أم هو الفراغ والصفاقة؟. بكل الأحوال..مازلت أحتفظ بعبارتين كتبتهم لي امرأة عملت عندها يوماما ونظفت لها منزلها ، كانت تقرأ كثيرا حتى تعجبت من إدمانها ومواظبتها!، ألا تمل السكون في منزلها بعدما رحل الصغار إلى بلاد الغربة؟ أما أنا فلا...قالت لي احفظيها جيدا واجعليها واقعا تغنمي.. شرحتها لي بقدر الإمكان وفهمتها حسب مقدرتي كانت عبارتان:

-الهزيمة للشجعان فقط، الجبناء لايخوضون المعارك.
-أنت مكلف بالسير نحو هدفك، لا بالوصول إليه.
ذهبت لأم حياة، تلك الأرملة الذكية في حينا، التي خرجت من محنة شهادة زوجها أكثر قوة، وأكثر عزيمة وأنا أحب النساء القويات، خرجت لحياتها الجديدة مع وحيدتها الصغيرة، لاتعرف سوى مهنة الخياطة وتحاول جعل ابنتها من المثقفات المرموقات، فهي دوما تقرأّ..قلت لها:
-هل تعلمينني الخياطة؟
- بالطبع.. أين أنت؟، كنت بحاجة لواحدة مثلك، مجدة وصبورة، فهل تقبلين؟.
نظرت ابنتها إلي من بعيد قائلة:
-وسوف أعلمك كل ماتعلمته..لأنك تستحقين.

7-4-2020

عماد هلالى
20-05-2020, 11:08 AM
قصة جميلة فيها الكثير من العبر وتحث على الإرادة والتحلّي بالقوة

ريمة الخاني
04-06-2020, 10:01 AM
واقعنا المرير في نص جميل ...
مودتي
حضورك أستاذ أحمد أنار النص. شكرا مع الامتنان.

ريمة الخاني
04-06-2020, 10:03 AM
قصة جميلة فيها الكثير من العبر وتحث على الإرادة والتحلّي بالقوة
سرني حضوركم الجميل. تحية وتقدير.

ريمة الخاني
04-06-2020, 10:06 AM
عمر الصالح
جسرُ الوصولِ الأخضر

د. ريمه عبد الإله الخاني

سلاسة السرد .. وجودة الصياغة .. وتساؤلات أضافت عمقاً للقصة

رغم قتامة الفكرة لكن إيقاع السرد جعلنا نقفز وراء السطور

رائعة يا صديقتنا

تحياتى
عمر
نعم واقعنا غدا هكذا لكن الدنيا لم تنته بعد.
تحية وتقدير للحضور الكريم.والقفز رياضة..أدبية جيدة.

عباس العكري
06-06-2020, 02:30 AM
https://1.bp.blogspot.com/-lSA7SRz2jpA/XtrjZWAda2I/AAAAAAAANrg/NnGtCUY2paoJLwZc9zjM7D-WOEtBXO_xgCLcBGAsYHQ/s1600/%25D8%25AC%25D8%25B3%25D8%25B1%2B%25D8%25A7%25D9%2 584%25D9%2588%25D8%25B5%25D9%2588%25D9%2584%2B%25D 8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25AE%25D8%25B6%25D 8%25B1.jpg

ريمة الخاني
19-06-2020, 11:54 AM
ممتنة هذا الوسام الكبير.
دمتم داعمين للأدباء والمفكرين.
تحيتي وتقديري الذي لامزيد عليه.