تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أمنية وحيد & قصة قصيرة



عبد القادر حفصاوي
04-05-2020, 10:22 PM
أُمنيةُ وحيد / قصة قصيرة – بقلمي -


كان وحيد يسير بخطى هادئة، مرتدياً بذلته الأنيقة، ومعطفا طويلا أسود. كان الجوُّ بارداً، والضجّة تملأ المكان، لكنه بدا هادئاً غير مكترثٍ بما حوله. كان يشعر بدفء في صدره، وقلبهُ يخفِقُ بقوةٍ؛ كأنه يُسابقهُ للوصول إلى ذلك المشهد المُرتسم في وُجدانه.
كان يضع يده اليُمنى في جيب معطفه يتلمس شيئاً، ومن حين لآخر يتفقدُهُ كما لو كان يخشى أن يضيع منهُ. يُقَلِّبُهُ بين أصابعه بِلينٍ ورِفقٍ. كانت تلك الليلةُ ليلةَ زفافه على أُمْنِيَةَ؛ المرأةُ التّي طالما حَلُمَ بها. أخيرًا وجدها، ولم يبقَ بينهُ وبينها سوى خُطوات، ولحظات.
توجّه وحيد إلى غرفته؛ حيث تنتظره أمنية؛ مَلِكَةُ قلبه. دخل، فوجدها جالسة على أريكةٍ فخمة؛ بَدتْ كملكةٍ من ملكاتِ ألف ليلة وليلة. سَلَّم عليها، فوقفت وردّت عليه السّلام. كانت نِعْمَ السّكن؛ نِصفَهُ الثاني الذي تناغم معهُ بِحق؛ بما حباها الله به من جمالِ الخَلْقِ، والخُلُقِ، ورقّةُ القلب، ونقاء الرّوح.
تقدّم منها وحيد، دعاها إلى الجُلوسِ، ووضع يده اليمنى على ناصيتها، وقرأ الدعاء المأثور عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أفسحت له مكانا فجلس بجانبها، وبحركة بطيئة أخرج من جيبه تلك الهديّة، وقدّمها لها وهو يُحدّقُ في وجهها دون أن يَنْبِسَ بكلمة واحدة.
كانت الهديّة علبة مجوهرات بحجم راحة اليد. ضمَّتها أُمنية إلى صدرها، وأغمضت عينيها لِلحظات، ثُمَّ فتحتهما وقالت: [ اللّه يْطَوَّلْ فِي عُمْرَكْ ويْخَلِّيكْ لِيَّا يا أعزّ الناس]. قال وحيد: افتحي العلبة، فتحتها فوجدت فيها خاتماً من ذهب أبيض مُرصّعٍ بماسةٍ تلمع كأنها نجم، مُتَرَبِّعٌ على قطعة حرير حمراء، وفاحت منها رائحة زكية؛ كانت مزيجا من مستخلص الورد والياسمين.
نظرت أمنية إلى وحيد بإعجاب وامتنان يعلو وجهها ابتسامة جميلة ساحرة، ثُمّ قَرّبت تلك العلبة من أنفها، مُغْمِضةً عينيها، واشْتَمَّتْهَا بقوة، كأنها تُريد أن لا يضيع من عبقها شيء، أحسّت بأن صدرها امتلأ من ذلك الشّذا، وسرى في كامل كيانها.
تركها وحيد تستمتع بذلك للحظات، ثم أخذ منها العلبة بِلُطف، وأخرج الخاتم منها وألبسها إيّاه في بِنْصَرِها، وهي تُحدّق بوجهه في صمت، ثُمّ نظرت مجدّدا إلى علبة الهدية واستخرجت منها قطعة الحرير لتَشْتَمَّ ما بقي فيها من أريج، وإذا بها تكتشف ورقة صغيرةً كانت مُخبّأةً تحتها! ورقة ملفوفة مثل رسائل الزمن الجميل، يَلُفُّها خيط من ذهب.
نظرت أمنية إلى وحيد مُبتسمةً يعلو وجهها فُضُول ودهشة! فقال لها وحيد: افتحيها واقرئيها! فتحت الرّسالة، تمعّنت فيها لبُرهة واغرورقت عيناها بالدّموع، فمسح وحيدٌ دموعها التي زادت وجنتيها بريقا، وقال لها بصوتٍ هادئٍ دافئ: اقرئيها رجاءً أُمنيتي!
بدأت أمنية تقرأ: بسم الله الرحمن الرّحيم، زوجتي ورفيقة دربي الغالية أمنية؛ هذا ميثاق، بموجبه أهديتك قلبي، وما الخاتمُ إلا رمز لهذا الميثاق؛ عهد بيننا بأنه لا فراق حتّى يوم التَّلاقْ، ميثاق حُبٍّ ووفاء نُشهِدُ عليه ربّ السّماء، فهل تقبلين يا أميرة قلبي ؟ فقالت: قبلتُ؛ وأنا أيضا مَلَّكْتُكَ قَلبي.

/..

عبد السلام دغمش
05-05-2020, 10:27 AM
نص قصصي جميل أخي الأستاذ عبد القادر ..
لغة وصياغة جميلان ، وإن كنت أتمنى عنصر مفاجأة في الختام - الورقة أو الرسالة - أقوى .
مرحبا بكم شاعرا و قاصّا .

تحياتي .

ناديه محمد الجابي
06-05-2020, 10:41 AM
قصة مكتوبة بلغة راقية تجمع بين رقة التعبير، والسرد الجميل، وجمال التصوير
الفكرة حانية بمعانيها، دافئة بأسلوبها، والأداء طيب
وأؤكد على ما أشار إليه أ. عبد السلام دغمش إن القصة القصيرة تحتاج إلى خاتمة
أكثر إثارة.
لقاء أول مع قلمك القصصي ـ أحسنت مبدعنا وأجدت
لا حرمك الله البهاء.
:001::v1::0014:

عبد القادر حفصاوي
06-05-2020, 03:17 PM
نص قصصي جميل أخي الأستاذ عبد القادر ..
لغة وصياغة جميلان ، وإن كنت أتمنى عنصر مفاجأة في الختام - الورقة أو الرسالة - أقوى .
مرحبا بكم شاعرا و قاصّا .

تحياتي .



قصة مكتوبة بلغة راقية تجمع بين رقة التعبير، والسرد الجميل، وجمال التصوير
الفكرة حانية بمعانيها، دافئة بأسلوبها، والأداء طيب
وأؤكد على ما أشار إليه أ. عبد السلام دغمش إن القصة القصيرة تحتاج إلى خاتمة
أكثر إثارة.
لقاء أول مع قلمك القصصي ـ أحسنت مبدعنا وأجدت
لا حرمك الله البهاء.
:001::v1::0014:


نورتما متصفحي ..
أستاذي عبد السلام دغمش ..
أستاذتي نادية الجابي..
كانت هذه أول محاولة قصصية كتبتها منذ حوالي سنة ..
وسعيد لكونها حظيت برضى نسبي من أهل الاختصاص :0014:
وبخصوص الخاتمة ..
أرحب بأي اقتراح أو فكرة فغايتنا هي التعلم ..
والاستفادة من خيرتكم وما حباكم الله به من خبرة وعلم ..

مودتي وتحياتي..:001:

أسيل أحمد
06-05-2020, 05:27 PM
مشهد أبدعت في رسمه فأسرتنا بسردية موشاه بلغة متميزة
شاعرية في التعبير، وبهاء في التصوير وواقعية.
أسجل إعجابي العميق بقلمك.

عبد القادر حفصاوي
12-05-2020, 02:29 AM
مشهد أبدعت في رسمه فأسرتنا بسردية موشاه بلغة متميزة
شاعرية في التعبير، وبهاء في التصوير وواقعية.
أسجل إعجابي العميق بقلمك.
أختي الكريمة أ. أسيل..
إنه لشرف كبير أن يحظى قلمنا المتواضع برضاكم وإعجابكم..
كل الشكر على تواجدكم الجميل..

تقديري ومودتي..:001:

عمر الصالح
21-05-2020, 01:52 AM
أُمنيةُ وحيد / قصة قصيرة – بقلمي -


كان وحيد يسير بخطى هادئة، مرتدياً بذلته الأنيقة، ومعطفا طويلا أسود. كان الجوُّ بارداً، والضجّة تملأ المكان، لكنه بدا هادئاً غير مكترثٍ بما حوله. كان يشعر بدفء في صدره، وقلبهُ يخفِقُ بقوةٍ؛ كأنه يُسابقهُ للوصول إلى ذلك المشهد المُرتسم في وُجدانه.
كان يضع يده اليُمنى في جيب معطفه يتلمس شيئاً، ومن حين لآخر يتفقدُهُ كما لو كان يخشى أن يضيع منهُ. يُقَلِّبُهُ بين أصابعه بِلينٍ ورِفقٍ. كانت تلك الليلةُ ليلةَ زفافه على أُمْنِيَةَ؛ المرأةُ التّي طالما حَلُمَ بها. أخيرًا وجدها، ولم يبقَ بينهُ وبينها سوى خُطوات، ولحظات.
توجّه وحيد إلى غرفته؛ حيث تنتظره أمنية؛ مَلِكَةُ قلبه. دخل، فوجدها جالسة على أريكةٍ فخمة؛ بَدتْ كملكةٍ من ملكاتِ ألف ليلة وليلة. سَلَّم عليها، فوقفت وردّت عليه السّلام. كانت نِعْمَ السّكن؛ نِصفَهُ الثاني الذي تناغم معهُ بِحق؛ بما حباها الله به من جمالِ الخَلْقِ، والخُلُقِ، ورقّةُ القلب، ونقاء الرّوح.
تقدّم منها وحيد، دعاها إلى الجُلوسِ، ووضع يده اليمنى على ناصيتها، وقرأ الدعاء المأثور عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أفسحت له مكانا فجلس بجانبها، وبحركة بطيئة أخرج من جيبه تلك الهديّة، وقدّمها لها وهو يُحدّقُ في وجهها دون أن يَنْبِسَ بكلمة واحدة.
كانت الهديّة علبة مجوهرات بحجم راحة اليد. ضمَّتها أُمنية إلى صدرها، وأغمضت عينيها لِلحظات، ثُمَّ فتحتهما وقالت: [ اللّه يْطَوَّلْ فِي عُمْرَكْ ويْخَلِّيكْ لِيَّا يا أعزّ الناس]. قال وحيد: افتحي العلبة، فتحتها فوجدت فيها خاتماً من ذهب أبيض مُرصّعٍ بماسةٍ تلمع كأنها نجم، مُتَرَبِّعٌ على قطعة حرير حمراء، وفاحت منها رائحة زكية؛ كانت مزيجا من مستخلص الورد والياسمين.
نظرت أمنية إلى وحيد بإعجاب وامتنان يعلو وجهها ابتسامة جميلة ساحرة، ثُمّ قَرّبت تلك العلبة من أنفها، مُغْمِضةً عينيها، واشْتَمَّتْهَا بقوة، كأنها تُريد أن لا يضيع من عبقها شيء، أحسّت بأن صدرها امتلأ من ذلك الشّذا، وسرى في كامل كيانها.
تركها وحيد تستمتع بذلك للحظات، ثم أخذ منها العلبة بِلُطف، وأخرج الخاتم منها وألبسها إيّاه في بِنْصَرِها، وهي تُحدّق بوجهه في صمت، ثُمّ نظرت مجدّدا إلى علبة الهدية واستخرجت منها قطعة الحرير لتَشْتَمَّ ما بقي فيها من أريج، وإذا بها تكتشف ورقة صغيرةً كانت مُخبّأةً تحتها! ورقة ملفوفة مثل رسائل الزمن الجميل، يَلُفُّها خيط من ذهب.
نظرت أمنية إلى وحيد مُبتسمةً يعلو وجهها فُضُول ودهشة! فقال لها وحيد: افتحيها واقرئيها! فتحت الرّسالة، تمعّنت فيها لبُرهة واغرورقت عيناها بالدّموع، فمسح وحيدٌ دموعها التي زادت وجنتيها بريقا، وقال لها بصوتٍ هادئٍ دافئ: اقرئيها رجاءً أُمنيتي!
بدأت أمنية تقرأ: بسم الله الرحمن الرّحيم، زوجتي ورفيقة دربي الغالية أمنية؛ هذا ميثاق، بموجبه أهديتك قلبي، وما الخاتمُ إلا رمز لهذا الميثاق؛ عهد بيننا بأنه لا فراق حتّى يوم التَّلاقْ، ميثاق حُبٍّ ووفاء نُشهِدُ عليه ربّ السّماء، فهل تقبلين يا أميرة قلبي ؟ فقالت: قبلتُ؛ وأنا أيضا مَلَّكْتُكَ قَلبي.

/..






دائماً ما اعشق الرمزية فى الكتابة .. وانبهرُ بالبدايات القوية أو النهايات القوية التى تفتح للمتلقى ألف باب للتأويل ..

لكن..

أعجبتنى اللغة رغم أنها تحتاجُ للتكثيف أكثر..

هى ليلةُ زفافه..ورغم هذا بدأ المشهد من الشارع حتى وصل غرفته .. كنتُ أتمنى أن تبدأ مباشرة من الغرفة

لغة السرد جيدة ..
وإختيار العنوان كان موفقاً ..

أتمنى أن أقرأ لك المزيد

تحية تقدير وود

عمر

عباس العكري
06-06-2020, 02:45 AM
https://1.bp.blogspot.com/-iRDS68pCACY/XtrnBNMwOxI/AAAAAAAANrs/S_coFUD1nbkJVrEIfLu0Y1ytEUXTFb9fwCLcBGAsYHQ/s1600/%25D8%25A3%25D9%2585%25D9%2586%25D9%258A%25D8%25A9 %2B%25D9%2588%25D8%25AD%25D9%258A%25D8%25AF.jpg

عبد القادر حفصاوي
07-06-2020, 07:18 PM
بوركت أستاذنا وأديبنا الجميل صاحب الثلاث عيون :sm::0014:
كل الشكر على ما ألبسته لنصنا من حلّة جميلة وما ذاك إلا لجمال روحكم البيّن..
زادكم الله علما وعزًّا في الدارين وعافية = ع ع ع
تقديري ومودتي يا جميل الروح ..

عبد القادر حفصاوي
07-06-2020, 07:21 PM
دائماً ما اعشق الرمزية فى الكتابة .. وانبهرُ بالبدايات القوية أو النهايات القوية التى تفتح للمتلقى ألف باب للتأويل ..
لكن..
أعجبتنى اللغة رغم أنها تحتاجُ للتكثيف أكثر..
هى ليلةُ زفافه..ورغم هذا بدأ المشهد من الشارع حتى وصل غرفته .. كنتُ أتمنى أن تبدأ مباشرة من الغرفة
لغة السرد جيدة ..
وإختيار العنوان كان موفقاً ..
أتمنى أن أقرأ لك المزيد
تحية تقدير وود
عمر
سعدت أديبنا العزيز بملاحظاتك القيّمة..
كانت هذه أولى محاولاتي .. / ولا سابق لي في ميدان القصّة لذلك كانت عفوية ..
وتشرفت برضاكم عن بعض جوانبها وسنسعى لاستكمال النقص في غيرها ..
دمتم وسلمتم أديبنا المحترم / وزادك الله فضلا وجمالا وأدبا وأحسن إليك ..