تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ~*~ صدى الهروب~*~



سحر الليالي
03-10-2005, 03:29 PM
http://arabicpage.jeeran.com/34_814.jpg

وأخيرا طويت الأرض ، وتلاشت التضاريس ، واهترأ المكان، وتوقفت أنا هنا في رواق الهروب ...

هنا حيث رحل الزمان من معاقل الملوك ، وانقضت الرؤى في مخادع الحرائر ، واستحالت سجلات الوجود أرجوزة قانطة في صمتك المهيب .. أيها الجدار !

عندك صار الليل نادرة ساخرة في منادمة النفوس الظليمة ، ومع امتدادك غدا النهار وساوس شر في تعاويذ السفهاء الكئيبة ، هنا مضت الحياة تنفض عنها فتات بشر كانوا ، وتفض عن الحلم تلاعبه فيعود خجلا يواري فاجعة أمل دغدغ وجوده ...

وسرت أنا على عثير الحرية أحذر الرجاء ، فثار في وجهي قيودا ترسف في ضحكة العبيد !

الخوف والحياة وجهان لعملة لاتتقادم ، ظلام ووحشة ، وحدة وبكاء ، تلك طقوس الخوف في وجه الحياة ، وأصداء الحياة في جبروت شموخك !!

ضربت يأسك بيدي فزفرت رائحة ماض أزكمت ذاكرتي ، تلك هي رائحة القبور وقد أرخيت عليها دثار الفناء .

في أديمك المترامي سطَّر العشاق هنيهات وصالهم أملا في الخلود ، ومن أبعاضك المتراصة أقفلنا الأجداث على أب ثوى ، وأم ثكلى ، وطفل كان يوما تجربة للبسمة ...

انقضى الجميع وظللت أنت راسخا كهرم في حضارة الموت

************************
في مراحلي التي تحيرت دروبها مجاهدا ، كنت صوت "اللا" ، ورَجْع الفشل ، وتلاوم الحظ العاثر ! لم نكن نصارع الحياة كي تمنحنا حقنا في الوجود ، بل كنا نتسلق قسوتك كي نقهر صدودك في آمالنا ، كنت الغريم في النجاح ، وها أنت اليوم الدليل في الترحال

لعل صرخة شاردة من زنزانة القهر تُذكي في وعيك ، أنين سجين عاقر لونك الداكن سنينا من عمره الضاوي ، رسم فيك دمعة أرقة في عيني الحبيبة النائية خلف القضبان ، وسمع من بين خطوطك ضحكات الطفل المتراكم في طابور الأيتام .. وعليك كان تأبينه حاضرا وغائبا ، حيا وميتا : ( في يوم كذا جاء (...) إلى هنا ، ويوم كذا رحل (...) من هنا ، وإلى يوم كذا أظل أنا الجدار شاهدا ألقا على عبوره "هنا " )

أيها الجدار النادب على الإنسانية كرامتها ،،

أشكو خذلان النفس في معركة التقى ، وازدحام الإثم في سطور الكتاب ، وضياع الهمة في آصار الوهم ، نزوة في شهوة ، واستعلاء في باطل ، وتقصير في طاعة ،و على الأفق البعيد ينتصب حجاب من سلالتك الباهتة ظاهره المتعة ، وباطنه حبائل الشيطان وغوايات النفس الفجور

وفي ذلك كله يذوى العمر وكأنه سفر لا ينقطع ، وفارس لايترجل ، وساقية لا تصدأ حلقاتها

وأنت ما زلت صامدا تصارع ريح الفانية

************************

واقعنا جدران متعاقبة من الفصل بين الغني والفقير ، القوي والضعيف ، الظالم والمنظلم ، الشعبي والنخبوي ... مجتمع يتلاحم على سراب ، وقبيلة تلتئم على عصبية ، وهوية تتطاحن على الوطن ، ووعود تتراقص على حقوق المواطن ..!

توارثنا حكايا من العادات أطلت برأسها من زمن قديم ، تكبح تطلع العقل ، وتقتل روح المعرفة ، وتوري لظى الطبقية وتعكر صفو الطائفية .

في عالم القطب الواحد جدارن من أناسي ملونة ، تفصل بين شمال العالم وجنوبه ، الشمال المتعالي بالاستعمار و التقامر بالثروات ، والجنوب المتهالك من سطوة الفقر ، وتفجّر الجهل !

فلا الشمال يرضى إلا بمزيد من الغلبة والهيمنة ، ولا الجنوب يتطهر إلا بكثير من السُّخْرَة والتبعية !!

جدار الفصل العنصري بين الضفة وغزة في الوطن الجريح ، وجدار المبكى في الأقصى السليب ، وجدران الحدود الوهمية بين ردهات الأرض العربية الواحدة ... كل ذلك هي بركاتك التي تنظف بها العالمين ، وتنعش بها أطماع اليائسين !

************************

قد انطوت لي معك وريقة من ألم اقتبست سطورها من انحاءة ظلِّك على صفحات أحداثنا ، وبقي اتهام الحقيقة لك بأنك نية إعدام لفكرة طافت في الممنوع ، وحامت حول حمى المحظور ...

ها أنت كل حياتنا الماضية ، و بصمات تعاقدنا المستقبلية ، فلماذا نرفضك في وعينا ؟

هل تراني أنسج الأمنيات بأن تزول كأناشيد الحالمين باللا عودة ؟ لا ، لأني حينها سأرحل إلى عالم ليس فيه لذة محاولة قهرك أو مثوبة مجاهدة تدميرك ، وحينها لن يكون للحياة معنى ، لأن الحياة التي تجف منها المحاولة إنما تنشر فيها أعراس الفناء ، وذلك لايكون في عمر البشرية إلا في يوم كان مقداره ألف سنة مما يعدون

دمت يا جدار صدىً للهروب
*************************
منقول : أ/ غادة

إبراهيم القهوايجي
06-10-2005, 09:44 AM
الات سحر الليالي
شكرا على نقل هذه المادة التي فيها من العناصر الادبية ،في قسمها الاول خصوصا، ما يحقق وظيفتها الشعرية ،على حد تعبير رومان جاكبسون ، هذه الادبية المنزاحة بين الذاتي الطافح بكل ألوان الطيف الحزين والقاتل ، والموضوعي المتهالك في التاريخ والجغرافيا والدين وهلم شرا..
شكرا لك
تحياتي

سحر الليالي
07-10-2005, 12:50 AM
أخي ابراهيم:

شهاده أعتز فيها واطراء رائع اشكرك

يسعدني ان موضوعي نالت إعجابك

فشكرا لهذا المرور العاطر

وتقبل خالص تحياتي

د. سلطان الحريري
08-10-2005, 12:02 AM
نعم يا سحر الليالي :
إنه نص رائع يحمل من القيم الأدبية والفكرية ما يستحق معه المتابعة والنقل؛ فشكرا لكاتبة الموضوع التي أمتعتنا وأفادتنا ، وشكرا لسحر الليالي التي تصطاد لنا أجمل الجواهر لتضعها في واحتنا ..
ألم يقولوا : الاختيار عنوان صاحبه ، وهذا عهدنا بك صاحبة ذائقة جميلة ..
دمت رائعة كما أنت

سحر الليالي
08-10-2005, 12:39 AM
العزيز د.سلطان:

ها أنا ذا أنحني سيدي لقدومك

وأنثر الازهار ...

فبأي نبض استقبل نبضك . . ؟

فأحرفي واقلامي وقفت لتحيتك ..

فعندما يأتي القمر تختفي كل النجوم

فانت كالقمر ؛بوجودك اختفت كل اقلامي واحرفي

كلماتي لن تكون الا القليل لشخصك ..

أشكرك من أعماق قلبي لهذا الحضور ..

ولك أجمل تحية قلبية معطرة بعطر الزهور

محمد الدسوقي
08-10-2005, 01:53 AM
سحر الليالي

الجميل جميل مهما أتى عليه الخريف

وقفت بباب حرفك أشحذ المعرفة ؛ فأحسن إليّ بالكرم

وشفى النفس من العلل

ولأبقاني ظمأ للمزيد سأنتظرك حتى تغرب شمس الروح

كوني متأنقة ايتها السحر

كل عام وأنتِ بألف خير

سحر الليالي
08-10-2005, 02:36 PM
أخي العزيز محمد الدسوقي :

كل عام وأنت بألف خير..

كم اسعدني تشريف قلمك الحر الأبي ..

فشكرا لك لتشريفك و لعباراتك التي اخجلت زهور امسيتي

فاقبل مني شكري المحمل بنسيم الجوري.

ولاعدمنا حضورك واطلالتك المتألقه

دمت .. ودام حرفك بهذا الإحساس العميق ..

د. محمد حسن السمان
10-10-2005, 11:37 PM
سلام الله عليكم
الاخت الفاضلة سحر الليالي
شكرا لهذه المعزوفة الادبية , لقد اجدت في نظم الافكار
وعلى الرغم من جو الحزن الذي نجحت بان تقوديني
اليه كقارىء , فقد كنت سعيدا بقراءة كل حرف وكل كلمة,
وصدقيني اختاه , ان كثيرا من الشعراء لايصلون مثل هذا
المستوى من الاداء , ولو وصلوه لجعلوه قصائد تغنّى .

و لقد قرات الموضوع مرتين , بين الاعجاب وبين المتابع
لبعض الفنيات , فلم اجد الشيء الكثير , واذكرك بقول
المتنبي :
كفى المرء نبلا ان تعد معايبه

مع تمنياتي لكل من في الملتقى المبارك , من مشرفين
واعضاء وزوار بدوام التوفيق والحظ الطيب .

اخوكم
السمان

سحر الليالي
11-10-2005, 11:40 AM
أخي السمان:

اشكرك من أعماق أعماقي ..

على هذهِ الكليمات الرقيقة .. التي نثرتها هُنا ..

هذا ولك مني ارق التحايا .. المُعطـَّرَة بعبير الورد ,,,

خليل حلاوجي
28-05-2008, 09:16 AM
حرف سامق

وجمل فارعة البهاء