تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام



د.إسلام المازني
06-10-2005, 06:50 PM
وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام




المشكلات التي تسببها العامية حاليا في الأدب والكون:

قال عبقرينا شمس الدين:

أفسدتم المنقول والمعقول وال *** مسموع من لغة بكل لسان!




(وصيتي ألا يتحدث الأحباب سوى بالفصحى ما استطاعوا)

كنت طرفا في حوار حول الأدب الشعبي بالعامية، وسطرت موقفا أراه صوابا حول الفصحى وموقف الأديب منها، وأنقله للفائدة (مزيدا) على شكل نقاط:



حجم الخسارة:
• خسارتنا شاملة مع العامية (دينية * دنيوية * مادية* معنوية)



تأثر المشاعر بالتعبيرات العامية:

• الشعور يأتي بالتعود فمن عود نفسه الفصحى سيشعر بها إن شاء الله وسيفكر بها بعد ذلك، وبذلك نتخلص من العامية التي يحبها المستعمر المخرب لأنها تبعدنا عن لغة القرآن التي فيها الهداية والثواب، وبها نفهم السنة ودرر السلف، ونواكب العلوم جميعا، ومعها ترتقي الأنفس وتستعيد شيم الأباة من تراثهم الفصيح
فهلا وعينا الدرس؟
إنها لغة الكرامة ومقدمة العزة

أم نكون كما قال حيدر:

لا يفهمون المكرمات كأنها *** عربية وكأنهم أتراك!




فلتكن ساعة وساعة:

• كلما تحدثنا بالعامية فرح المستعمر المستعبد المستخرب، لأن معناه أن ملكة الفصحى تقل (ولو بالإزاحة المكانية والزمانية) فيصير القرآن غريبا جزئيا على العقول، ولا يجتهد الناس لتعلم الفصحى كثيرا ساعتها للأسف، أما الرقي كل الرقي فهو أن نحاول، فهي مفتاح من مفاتيح النهضة.



• الأدب يعين على تذوق القرآن البليغ مبناه، ويرقى بالحس وينشر الفكر في أحلى صورة تطهر العقول من أدران الإعلام

والله المستعان...

الأمر يحتاج مجاهدة للنفس

لكنني سأرد النفس كرهة *** على الذي تتقي والله معوان

وإني لست من ليعت جوانحه *** وبات فيها من الأشجان جذلان




إلى هذه الدرجة؟.....:

• اللغة هي وعاء الحضارة، وممارساتنا اللغوية هي اللغة، وأي خروج فيها يستهلك جزءا من المخ والقلب والمشاعر ويبعد عن الأصل.


• لغتنا هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، وتحدث بها الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، فهي حصن ووعاء للدين، وأي مسلم غير عربي يسعى لتعلمها سعيا واجبا، ومن ضيعها وهو عربي فقد ساهم في تضييع الدين... والتضييع دركات فكل تأثير سلبي يعد تقصيرا وربما عد حربا على الله تعالى

كما قال أبو الفضل الوليد:
فما لغة العرب مسموعة *** من القوم والأكثرون نيام

وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام

تحمس جيشا وتنشد شعرا *** وتعلو الجواد وتجلو الحسام

فأين الإباء وأين السخاء *** وأين الوفاء وأين الذمام



• رأيت مسلمين في بلاد شرق آسيا يسافرون لدبي خصيصا لشراء محمول عربي للجميع – تسع ساعات سفر-، ويحبون أن أتكلم معهم بالعربية -رغم ضعفهم فيها- وأن أرسل لهم رسائلي بالعربية وكلما نسيت وجرى لساني بغيرها قالوا لا... لغة القرآن وكان الأمر يصيبني بالحياء والسعادة معا.

• اللغة الفصحى أوسع لغات الأرض ولا توجد لغة بنفس السعة ولا بنفس الجمال.



هل الفصحى صعبة عسيرة معقدة:

• أي لحن أو ركاكة (أو غموض أو حذلقة) في الفصحى فهو خطأ من صاحبه وليس عيبا أو قصورا فيها
فهو العابث باللغة جهلا والمنتقي عن عمى!

فهو واللغة كما قال قيس:
أيا عمرو كم مهرة عربية *** من الناس بليت بوغد يقودها

يسوس وما يدري لها من سياسة *** يريد بها أشياء ليست تريدها


(النص يتسع لمن لا يتقن اللغة العربية أو الجامعة العربية)



يقولون لغتنا قريبة من الفصحى:

• العامية تحطم الفصحى لأنها لا تلتزم بالإعراب، وتسكن أواخر الكلمات، وتغير الحركات في أول الكلمات، وتبدل بعض الحروف (كإبدال القاف جيما أو همزة)

• التحول من الفصحى إلى العامية مصيبة حدثت وداء حل لابد من التداوي منه لأنه يصيب الدين والنفس معا


يهيم بالغرب لم يقرأ له أدباً *** ويجحد العرب لا يدري الذي جحدا

وكل ما عنده كتب يعددها *** لم يدر مما حَوت غياً ولا رشدا

ومن حما لغة الأسلاف من عبث *** وزاد عنها حما دينا ومعتقدا


• قال أحد الأدباء عن اللغة العربية:
"لقد تعرضت وحدها من بين لغات العالم لكل ما ينصب عليها من معاول الهدم ويحيط بها من دسائس الراصدين لها؛ لأنها قوام فكرة وثقافة وعلاقة تاريخية".

• العامية شتت العرب ومزقتهم إلى دول، والفصحى توحدهم، وإلا لصارت الصلة بين المصري والمغربي كالصلة بين المصري والفلبيني المسلم.... وبالفعل حين يتكلم العربي بلهجته المحلية يعجز غيره عن متابعته!

كما قال الشاعر:
***عربية عجماء تلهي العارفا!!

وحين يتكلم الفصحى نفهم ونتواصل.

وهي أمور بدهية وتنميتها واجب لنصير أمة متوحدة في وجه التحديات الهائلة




أفق العالم كله ينافح لأجل لغته....:

• قامت إسرائيل بإحياء اللغة العبرية الميتة، وترفض فرنسا تلويث الأذن الفرنسية بالإنجليزية حتى سن معينة فلا تعلمها للأطفال، وتسن قوانين لتكون نسبة الأفلام المترجمة صوتيا كبيرة كي لا يعتاد الناس سماع غير لغتهم (في عصر العولمة). واليابان لها باع في حفظ لغتها بالمثل ومنع الأجنبية عن الأطفال. وتحافظ ألمانيا على لغتها بقواميس وكتب ومعاجم لغوية متطورة كل عام - خاصة بعد التوحيد - لرأب الصدع اللغوي، رغم أن لغتهم صعبة وفقيرة.
فلماذا ؟
لأن اللغة هي جزء من الذات...
فحين يأتي الأجنبي طوعا للعربية حبا في القرءان فهو هنا يغير دينه راضيا مقتنعا موقنا بتغيير حاضره ومستقبله ومصيره وكل صلاته ومنطلقاته وغاياته، أما نحن فعلام...!


• الأدب هو المعبر الذي تصل به الدعوة للقلوب، وتصل به كل رسائل الإصلاح (أو الإفساد)، وترسخ به المعاني وتحب به اللغة التي صيغ بها!!

فلو صيغ الأدب بطريقة تحبب الناس في العامية فهو أدب محارب لديننا وهويتنا، ويقلص من مساحة الحق داخلنا... مهما حسنت نية قائله

ولو تعود الناس على روائع الفصحى أحبوها وانتصر الدين في تلك الخطوة

والله تعالى أعلم


طغى العقوق وعذر الأقربين على ** هذا التراث فأضحى وهو ينتهبُ

باعوا اللآلئ والأصداف من سفه ** وعذرهم أنهم في الغوص ما تعبُ

لا يخجلون حياء إن هم لحنوا ** فيها وفيما سواها اللحن يجتنبُ

ما قصرت لغة الفرقان عن غرض ** ولم يؤد سواها كل ما يجبُ

كم في معاجمها من طرفة عجزت ** عنها لغات الورى لو تكشف الحجبُ

وكم ترى في تراب الأرض تحقره ** وفي ثناياه لو فتشته الذهبُ



وقد تحدث أهل العلم عن أن تعلم العربية الفصحى واجب على المسلم، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، على الأقل يوما بيوم من الفاتحة فصاعدا.

ووحدة الأمة تقوم على الشرع بلا شك، وجزء منه لغة التشريع التي تفهم بها الأوامر والمواعظ، وقد تحدث أهل العلم عن الخطبة بالأعجمية وهل تجوز! بمعنى أنهم يعلمون أنها مشيئة الله تعالى أن تنتشر تلك اللغة وتصير جزءا من الدين

وهو ما لا ينفي الخصوصية، فرغم الفصحى يبقى لكل شعب بعض ممارساته التي تميزه، وقد كان وسيكون إلى ما شاء الله تعالى، ولكن سعادتهم بأن يكون الجميع قلبا وقالبا موصولين بحبل تلك الكريمة، وهو ما نراه في شرق العالم وغربه من الصادقين قديما وحديثا



هل يصح أن نقول: عامية أو فصحى! المهم المضمون؟...:

أعتقد أن الأمر لا خلاف عليه -على الأقل بيننا- في تلك النقطة، فأراكم والجميع أهل حرص أحسبكم كذلك والله حسيبكم ونسأل الله لنا ولكم مزيدا من العلم والإخلاص

أعني أننا نتكلم عن الفصحى أو العامية كأدب إسلامي وهو موضع الحوار، أما المضمون فمتفق عليه (فمن رغب
عن سنتي رغب عني)

الأمر ليس صراعا بين وسيلة وغاية... فالفصحى جزء من الغاية وركن من الهدف، والمعادون للأمة يدعمون تلك المحاولات (التي لا شك في حسن نية الكثيرين من أصحابها) في هجوم خبيث عريض لتفتيت اللغة العربية وعلومها وآدابها، مما ينعكس على فهم الإسلام والقرب من القرآن كما أسلفنا

والجواب يكون بالبناء.... قال شوقي:

وتقلدي لغة الكتاب فإنها *** حجر البناء وعدة الإنشاء

وهناك الكثير من التعبيرات الفصيحة في القرآن يعدل عنها القوم للعامية! وكما قلنا الأمر في أوله صعب ولكنه يهون لاحقا إن شاء الله.

فكما نجح اليهود وصارت العبرية التي لا حروف لها معروفة، ولا تشابه حروف الإنجليزية ولا العربية وكانت ميتة حبيسة كتب وعقول قلة (يعني صلتهم بها أبعد من صلتنا بالفصحى) سائدة أدبا وطبا، فمن ثم قويت الصلة بالتوراة المحرفة

• يجب أن ننجح ونتعود ونعود غيرنا ثم نتذوق ويحدث ما حدث سابقا، وتعود الفصحى لمجدها ويشعر الناس بها، حين نرتقي نحن بهم ونحاول ونبذل الجهد الذي لدينا في الفصحى بدلا من العامية ستحدث الإستجابة إن شاء الله، ويجب أن تكون الفصحى السهلة الجميلة الواضحة القريبة هي العمدة

فمثلا يقول الله تعالى
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا)

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم:
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم

ويقول الشاعر:
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدى

تلك كلها أمثلة واضحة يفهمها الجميع فلم لا توظف وأمثالها ويقاس عليها فيعود للأدب الحي بهاؤه.... كما قام البارودي ثم من بعده شوقي (على خلافنا لبعض المضامين) فقدما أدبا أنعش العالم وجعله يعود ليشعر بجمال اللغة وسلطانها

فلو قمنا بدعوة ثم عمل كما عمل هؤلاء لأدينا بعض ما علينا والله المستعان على من يعاديها

لهفي على الفصحى رماها معشر*** من أهلها! شلت يمين الرامي

لا أعرف العربي يلوي فكه *** إن هم يوما فكه بكلام

إن فاه تسمع لكنة ممقوتة *** من فيه سكسونية الأنغام




هل الأمر نخوة وعاطفة؟ وهل يحرم الكلام بالعامية؟:

ليس الأمر عاطفيا حسب فهمي، وبالفعل أدع الفرصة لغيري ليجتهد ويبلغ الرسالة أحيانا وفي مقامات معينة مع أناس معينين بالعامية، وربما يكون أفضل مع المسنين البعيدين تماما - في حدود معينة طبعا - لأنهم لا زالوا يعون بعض الفصيح البسيط القرءاني الجميل،
لكن هنا... حين نريد أن نحيي الأدب العربي! فلنصوبه لفظا ومعنى ونحوا وصرفا، ليكون أفضل لوجه الله تعالى ونبتعد عما حرف

لأني أرى بعقلي وعيني أن العداة يدعمون تلك المسألة كما لا يخفى على الفطن، أراها معركة دين وحضارة وثقافة تشكل اللغة وعاءها.

هذا ولا أقول أن الأديب العامي مجرم أو آثم، بل هي رؤيتي أنا الفقير المسكين الذليل المقصر وأعتقدها صوابا يحتمل التعديل. أقول أن من لديه القدرة على الإحياء ثم تخلى عنها لينعش شيئا عاميا فهو يقلص من قربنا من الحق ومساحته داخلنا نحن العرب خاصة، وهو أمر مشاهد في الجيل...

قال سبحانه
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}الأحقاف

ما عنيتها ليست لغة أجنبية ضد لغة محلية فليست عنصرية، بل رد القوم للغتهم الأم التي انحرفوا عنها فليس وأدا للسانهم بل تقويما، فالغة العامية تحدرت من لغة فصيحة، وأي تقليص للفصيحة خسارة للدين لأن العرب –خاصة- هم حملة الرسالة (قبل غيرهم) وصلتهم بها تحتاج للغة أن تحيا

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} سورة الرعد... ومن أصدق من الله قيلا.

عدنان أحمد البحيصي
06-10-2005, 09:03 PM
وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام




المشكلات التي تسببها العامية حاليا في الأدب والكون:

قال عبقرينا شمس الدين:

أفسدتم المنقول والمعقول وال *** مسموع من لغة بكل لسان!




(وصيتي ألا يتحدث الأحباب سوى بالفصحى ما استطاعوا)

كنت طرفا في حوار حول الأدب الشعبي بالعامية، وسطرت موقفا أراه صوابا حول الفصحى وموقف الأديب منها، وأنقله للفائدة (مزيدا) على شكل نقاط:



حجم الخسارة:
• خسارتنا شاملة مع العامية (دينية * دنيوية * مادية* معنوية)



تأثر المشاعر بالتعبيرات العامية:

• الشعور يأتي بالتعود فمن عود نفسه الفصحى سيشعر بها إن شاء الله وسيفكر بها بعد ذلك، وبذلك نتخلص من العامية التي يحبها المستعمر المخرب لأنها تبعدنا عن لغة القرآن التي فيها الهداية والثواب، وبها نفهم السنة ودرر السلف، ونواكب العلوم جميعا، ومعها ترتقي الأنفس وتستعيد شيم الأباة من تراثهم الفصيح
فهلا وعينا الدرس؟
إنها لغة الكرامة ومقدمة العزة

أم نكون كما قال حيدر:

لا يفهمون المكرمات كأنها *** عربية وكأنهم أتراك!




فلتكن ساعة وساعة:

• كلما تحدثنا بالعامية فرح المستعمر المستعبد المستخرب، لأن معناه أن ملكة الفصحى تقل (ولو بالإزاحة المكانية والزمانية) فيصير القرآن غريبا جزئيا على العقول، ولا يجتهد الناس لتعلم الفصحى كثيرا ساعتها للأسف، أما الرقي كل الرقي فهو أن نحاول، فهي مفتاح من مفاتيح النهضة.



• الأدب يعين على تذوق القرآن البليغ مبناه، ويرقى بالحس وينشر الفكر في أحلى صورة تطهر العقول من أدران الإعلام

والله المستعان...

الأمر يحتاج مجاهدة للنفس

لكنني سأرد النفس كرهة *** على الذي تتقي والله معوان

وإني لست من ليعت جوانحه *** وبات فيها من الأشجان جذلان




إلى هذه الدرجة؟.....:

• اللغة هي وعاء الحضارة، وممارساتنا اللغوية هي اللغة، وأي خروج فيها يستهلك جزءا من المخ والقلب والمشاعر ويبعد عن الأصل.


• لغتنا هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، وتحدث بها الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، فهي حصن ووعاء للدين، وأي مسلم غير عربي يسعى لتعلمها سعيا واجبا، ومن ضيعها وهو عربي فقد ساهم في تضييع الدين... والتضييع دركات فكل تأثير سلبي يعد تقصيرا وربما عد حربا على الله تعالى

كما قال أبو الفضل الوليد:
فما لغة العرب مسموعة *** من القوم والأكثرون نيام

وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام

تحمس جيشا وتنشد شعرا *** وتعلو الجواد وتجلو الحسام

فأين الإباء وأين السخاء *** وأين الوفاء وأين الذمام



• رأيت مسلمين في بلاد شرق آسيا يسافرون لدبي خصيصا لشراء محمول عربي للجميع – تسع ساعات سفر-، ويحبون أن أتكلم معهم بالعربية -رغم ضعفهم فيها- وأن أرسل لهم رسائلي بالعربية وكلما نسيت وجرى لساني بغيرها قالوا لا... لغة القرآن وكان الأمر يصيبني بالحياء والسعادة معا.

• اللغة الفصحى أوسع لغات الأرض ولا توجد لغة بنفس السعة ولا بنفس الجمال.



هل الفصحى صعبة عسيرة معقدة:

• أي لحن أو ركاكة (أو غموض أو حذلقة) في الفصحى فهو خطأ من صاحبه وليس عيبا أو قصورا فيها
فهو العابث باللغة جهلا والمنتقي عن عمى!

فهو واللغة كما قال قيس:
أيا عمرو كم مهرة عربية *** من الناس بليت بوغد يقودها

يسوس وما يدري لها من سياسة *** يريد بها أشياء ليست تريدها


(النص يتسع لمن لا يتقن اللغة العربية أو الجامعة العربية)



يقولون لغتنا قريبة من الفصحى:

• العامية تحطم الفصحى لأنها لا تلتزم بالإعراب، وتسكن أواخر الكلمات، وتغير الحركات في أول الكلمات، وتبدل بعض الحروف (كإبدال القاف جيما أو همزة)

• التحول من الفصحى إلى العامية مصيبة حدثت وداء حل لابد من التداوي منه لأنه يصيب الدين والنفس معا


يهيم بالغرب لم يقرأ له أدباً *** ويجحد العرب لا يدري الذي جحدا

وكل ما عنده كتب يعددها *** لم يدر مما حَوت غياً ولا رشدا

ومن حما لغة الأسلاف من عبث *** وزاد عنها حما دينا ومعتقدا


• قال أحد الأدباء عن اللغة العربية:
"لقد تعرضت وحدها من بين لغات العالم لكل ما ينصب عليها من معاول الهدم ويحيط بها من دسائس الراصدين لها؛ لأنها قوام فكرة وثقافة وعلاقة تاريخية".

• العامية شتت العرب ومزقتهم إلى دول، والفصحى توحدهم، وإلا لصارت الصلة بين المصري والمغربي كالصلة بين المصري والفلبيني المسلم.... وبالفعل حين يتكلم العربي بلهجته المحلية يعجز غيره عن متابعته!

كما قال الشاعر:
***عربية عجماء تلهي العارفا!!

وحين يتكلم الفصحى نفهم ونتواصل.

وهي أمور بدهية وتنميتها واجب لنصير أمة متوحدة في وجه التحديات الهائلة




أفق العالم كله ينافح لأجل لغته....:

• قامت إسرائيل بإحياء اللغة العبرية الميتة، وترفض فرنسا تلويث الأذن الفرنسية بالإنجليزية حتى سن معينة فلا تعلمها للأطفال، وتسن قوانين لتكون نسبة الأفلام المترجمة صوتيا كبيرة كي لا يعتاد الناس سماع غير لغتهم (في عصر العولمة). واليابان لها باع في حفظ لغتها بالمثل ومنع الأجنبية عن الأطفال. وتحافظ ألمانيا على لغتها بقواميس وكتب ومعاجم لغوية متطورة كل عام - خاصة بعد التوحيد - لرأب الصدع اللغوي، رغم أن لغتهم صعبة وفقيرة.
فلماذا ؟
لأن اللغة هي جزء من الذات...
فحين يأتي الأجنبي طوعا للعربية حبا في القرءان فهو هنا يغير دينه راضيا مقتنعا موقنا بتغيير حاضره ومستقبله ومصيره وكل صلاته ومنطلقاته وغاياته، أما نحن فعلام...!


• الأدب هو المعبر الذي تصل به الدعوة للقلوب، وتصل به كل رسائل الإصلاح (أو الإفساد)، وترسخ به المعاني وتحب به اللغة التي صيغ بها!!

فلو صيغ الأدب بطريقة تحبب الناس في العامية فهو أدب محارب لديننا وهويتنا، ويقلص من مساحة الحق داخلنا... مهما حسنت نية قائله

ولو تعود الناس على روائع الفصحى أحبوها وانتصر الدين في تلك الخطوة

والله تعالى أعلم


طغى العقوق وعذر الأقربين على ** هذا التراث فأضحى وهو ينتهبُ

باعوا اللآلئ والأصداف من سفه ** وعذرهم أنهم في الغوص ما تعبُ

لا يخجلون حياء إن هم لحنوا ** فيها وفيما سواها اللحن يجتنبُ

ما قصرت لغة الفرقان عن غرض ** ولم يؤد سواها كل ما يجبُ

كم في معاجمها من طرفة عجزت ** عنها لغات الورى لو تكشف الحجبُ

وكم ترى في تراب الأرض تحقره ** وفي ثناياه لو فتشته الذهبُ



وقد تحدث أهل العلم عن أن تعلم العربية الفصحى واجب على المسلم، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، على الأقل يوما بيوم من الفاتحة فصاعدا.

ووحدة الأمة تقوم على الشرع بلا شك، وجزء منه لغة التشريع التي تفهم بها الأوامر والمواعظ، وقد تحدث أهل العلم عن الخطبة بالأعجمية وهل تجوز! بمعنى أنهم يعلمون أنها مشيئة الله تعالى أن تنتشر تلك اللغة وتصير جزءا من الدين

وهو ما لا ينفي الخصوصية، فرغم الفصحى يبقى لكل شعب بعض ممارساته التي تميزه، وقد كان وسيكون إلى ما شاء الله تعالى، ولكن سعادتهم بأن يكون الجميع قلبا وقالبا موصولين بحبل تلك الكريمة، وهو ما نراه في شرق العالم وغربه من الصادقين قديما وحديثا



هل يصح أن نقول: عامية أو فصحى! المهم المضمون؟...:

أعتقد أن الأمر لا خلاف عليه -على الأقل بيننا- في تلك النقطة، فأراكم والجميع أهل حرص أحسبكم كذلك والله حسيبكم ونسأل الله لنا ولكم مزيدا من العلم والإخلاص

أعني أننا نتكلم عن الفصحى أو العامية كأدب إسلامي وهو موضع الحوار، أما المضمون فمتفق عليه (فمن رغب
عن سنتي رغب عني)

الأمر ليس صراعا بين وسيلة وغاية... فالفصحى جزء من الغاية وركن من الهدف، والمعادون للأمة يدعمون تلك المحاولات (التي لا شك في حسن نية الكثيرين من أصحابها) في هجوم خبيث عريض لتفتيت اللغة العربية وعلومها وآدابها، مما ينعكس على فهم الإسلام والقرب من القرآن كما أسلفنا

والجواب يكون بالبناء.... قال شوقي:

وتقلدي لغة الكتاب فإنها *** حجر البناء وعدة الإنشاء

وهناك الكثير من التعبيرات الفصيحة في القرآن يعدل عنها القوم للعامية! وكما قلنا الأمر في أوله صعب ولكنه يهون لاحقا إن شاء الله.

فكما نجح اليهود وصارت العبرية التي لا حروف لها معروفة، ولا تشابه حروف الإنجليزية ولا العربية وكانت ميتة حبيسة كتب وعقول قلة (يعني صلتهم بها أبعد من صلتنا بالفصحى) سائدة أدبا وطبا، فمن ثم قويت الصلة بالتوراة المحرفة

• يجب أن ننجح ونتعود ونعود غيرنا ثم نتذوق ويحدث ما حدث سابقا، وتعود الفصحى لمجدها ويشعر الناس بها، حين نرتقي نحن بهم ونحاول ونبذل الجهد الذي لدينا في الفصحى بدلا من العامية ستحدث الإستجابة إن شاء الله، ويجب أن تكون الفصحى السهلة الجميلة الواضحة القريبة هي العمدة

فمثلا يقول الله تعالى
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا)

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم:
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم

ويقول الشاعر:
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدى

تلك كلها أمثلة واضحة يفهمها الجميع فلم لا توظف وأمثالها ويقاس عليها فيعود للأدب الحي بهاؤه.... كما قام البارودي ثم من بعده شوقي (على خلافنا لبعض المضامين) فقدما أدبا أنعش العالم وجعله يعود ليشعر بجمال اللغة وسلطانها

فلو قمنا بدعوة ثم عمل كما عمل هؤلاء لأدينا بعض ما علينا والله المستعان على من يعاديها

لهفي على الفصحى رماها معشر*** من أهلها! شلت يمين الرامي

لا أعرف العربي يلوي فكه *** إن هم يوما فكه بكلام

إن فاه تسمع لكنة ممقوتة *** من فيه سكسونية الأنغام




هل الأمر نخوة وعاطفة؟ وهل يحرم الكلام بالعامية؟:

ليس الأمر عاطفيا حسب فهمي، وبالفعل أدع الفرصة لغيري ليجتهد ويبلغ الرسالة أحيانا وفي مقامات معينة مع أناس معينين بالعامية، وربما يكون أفضل مع المسنين البعيدين تماما - في حدود معينة طبعا - لأنهم لا زالوا يعون بعض الفصيح البسيط القرءاني الجميل،
لكن هنا... حين نريد أن نحيي الأدب العربي! فلنصوبه لفظا ومعنى ونحوا وصرفا، ليكون أفضل لوجه الله تعالى ونبتعد عما حرف

لأني أرى بعقلي وعيني أن العداة يدعمون تلك المسألة كما لا يخفى على الفطن، أراها معركة دين وحضارة وثقافة تشكل اللغة وعاءها.

هذا ولا أقول أن الأديب العامي مجرم أو آثم، بل هي رؤيتي أنا الفقير المسكين الذليل المقصر وأعتقدها صوابا يحتمل التعديل. أقول أن من لديه القدرة على الإحياء ثم تخلى عنها لينعش شيئا عاميا فهو يقلص من قربنا من الحق ومساحته داخلنا نحن العرب خاصة، وهو أمر مشاهد في الجيل...

قال سبحانه
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}الأحقاف

ما عنيتها ليست لغة أجنبية ضد لغة محلية فليست عنصرية، بل رد القوم للغتهم الأم التي انحرفوا عنها فليس وأدا للسانهم بل تقويما، فالغة العامية تحدرت من لغة فصيحة، وأي تقليص للفصيحة خسارة للدين لأن العرب –خاصة- هم حملة الرسالة (قبل غيرهم) وصلتهم بها تحتاج للغة أن تحيا

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} سورة الرعد... ومن أصدق من الله قيلا.

أخي إسلام كعادتك موضوع في الصميم وعزمك بإذن الله لا يلين

أذكر أنني لما كنت في الجزائر ماكثا ما كنت أتكلم إلا الفصحى حيث أن العامية الجزائرية تختلط فيها الكلمات الفرنسية بدرجة لا تستطيع فهمها ، فعلمنا الوالد الأديب الشاعر رحمه الله تعالى أن نتكلم الفصحى فبتنا نفهما وتفهمنا ويفهمنا من نخاطبه
أخي زوجة صديقي الجزائري مدرسة لغة عربية ومع ذلك لا تجيد أن تتكلم الفصحى بل وتعجم عليها بعض الكلمات العربية الأصيلة

سبحان الله أدركت حينها أن العدو قد أصاب الأمة في مقتل وعلمت أنهم ما استهدفوا اللغة إلا ليستهدفوا كتاب الله تعالى
ولا زالت المعركة قائمة
أخي نشكر فيك روحاً فتية وعملاً رائعاً

شكراً لك

إبراهيم القهوايجي
07-10-2005, 08:44 AM
الأخ الكريم إسلام
صحيح أن العامية لها انعكاسات وخيمة على تعلم الفصحى وتعلم الدين...لكن ما ذا صنع مسؤولو الامة العربية للفصحى حتى تسترد مكانتها واشعاعها ، فالسياسات التعليمة العربية تجعلها أدنى المواد المدرسة من حيث المعامل ، لا حظ مثلا أن معامل اللغة العربية في التخصص الادبي هو3 عندنا في التعليم الثانوي التأهيلي بينما تمنح الفرنسية معامل6 ، وقس على ذلك جميع الشعوب العربية التي تعلي من شأن اللغات الاجنبية في بلدانها ، بل وتشجع اللغة الامازيغية وهي مجرد لهجة كما في الجزائر والمغرب وتقيم لها المؤتمرات... بينما اللغة العربية ظلت جامدة في المجامع العربية ، وليس لها الدعم المادي والتربوي ولا يوفر لها مختبرات لغوية وهيئات للبحث فيها ، وحتى وإن وجدت ، فتبقى صورية على خلاف الدول التي تحترم لغتها كفرنسا واسبانياوغيرهما ، هاتين الدولتين تصرفان ميزانية طائلة من اجل نشر لغتهما وتعليمها في البلاد الاجنبية ، فمثلا عندنا في المغرب، ترسل كميات من الكتب مجانا الى المدارس والثانويات ، بل ان الملحقين الثقافيين التابعين لسفارتهما يتصلون مباشرة بمديري المدارس لعقد بروتوكولات الشراكة بهدف اشعاع لغتهم...بل وتفرض هذه الدول وغيرها على زائري بلدانها اتقان لغتها ،خصوصا ما يتعلق بالتسجيل في معاهدها، ونحن وضع لغتنا كارثي ، فحتى الدول التي أفاء الله عليها من خيراته لم تفكر يوما في حماية ونشر واشعاع لغة القرآن وصرف أي درهم في سبيل ذلك .صحيح ان التعود على الفصحى في الادب يجعل المتلقي يتعود على الفصحى و يعبر وجدانيا بها ، لكن الاشكال أن المتلقي العربي استلب منذ نعومة أظافره في لغته ، وأبدل عوضا عنها لغة اجنية .فكيف الوصول الى المبتغى في ظل هذه الحالة ؟؟ المطلوب القيام بثورة حقيقية لبعث لغة الضاد من قبل مسؤولي امتنا العربية ، وإذا فعلوا فلن ترضى عليهم اليهود ولا النصارى....وإذا أرادوا بلغة القرآن خيرا فهم يدركون السبيل المؤدي اليها...
تحياتي

د. سلطان الحريري
07-10-2005, 11:58 PM
الحبيب الدكتور إسلام :
كل عام وأنت بخير
مررت من هنا كثيرا ، ولكن غشاوة حجبت عني هذا النور الذي أراه بين سطورك؛ فلله درك منافحا عن العربية لغة القرآن ، وآخر معاقلنا التي يجب على كل منا حمايتها والذود عنها..
صدقت - والله - أخي في كل ما ذهبت إليه، وقد كانت هذه الدعوة من الدعوات الهدامة في بداية القرن الماضي ، ولكنها سقطت على أيدي الكبار من حماة العربية ، ولكننا ألآن - وللأسف - نعيش عصرا اختلطت فيه المفاهيم ، وعدنا إلى ما أرادوا ، ولكن بأيدي شبابنا الذين يهدمون صرحها بمعاول العامية ..
سأعود بموضوع شامل عن هذا الأمر ،ولكنني أردت مشاركتك بحضور متواضع مني ، ولأثني على كل حرف كتبته، ويكفينا فخرا أننا في الواحة نعتمد مبدأ المحافظة على الفصيحة ، ولن نتنازل عنه بإذن الله تعالى.
لك خالص الود والتقدير

د.إسلام المازني
08-10-2005, 12:24 PM
أخي الحبيب عدنان
أرجو حقا أن أكون وإياك موفقين للخير ، وأن ننال شهادة في موطن رضوان وتصعد روحانا مقبولتين إلى الرحمن



أشكر مبادرتك للزود عن الذمار يوم الكريهة وها نحن فيها ....
لي أصدقاء من المغرب والجزائر وتونس ، ومراسلات ... وكلها تصدق ما قلت ، قطع الله عنك السوء
والحقيقة أنه كما يقال : كلنا في الهم شرق
أمي قبل التقاعد كانت مدرسة ثم مديرة في التربية والتعليم لمدة أربعين سنة تقريبا
وكانت تريني دوما أمثلة من الأخطاء اللغوية تضحك الثكلى ... لا ليست لطلبة الابتدائية بل للمدرسين والمدرسات
والفرق بين الأجيال بين ، فجيلها حفظها الله لا أراه يخطئ في الإملاء أبدا ، والخط أنيق جميل والكتابة راقية مهما كانت سريعة وعاجلة ....

الضغوط تشمل تجهيل الكودار وتهميش معلم اللغة وتشويه صورته في الأفلام ، فيظهر جافا قديما والحال بين !
المصيبة أن القوم الأن لا يبادرون للزود ...
العامة والمثقفون قل منهم من يدافعون ، بل الأغلبية تلغ وتقع في عرض الكريمة !
يمشي الهوينا سواهم إن أتي خطأ ***وهم لهم في طريق الغي إرقال !
وحاربوا الأصل فاجتثت أصولهم ***ونالهم منه أكبال وأنكال


إرقال
هو إسراع الناقة في المشي ...

د.إسلام المازني
10-10-2005, 03:52 PM
أخي الحبيب
إبراهيم القهوايجي



بارك الله في عاطر مرورك


حقاهي مأساة... أن الوصي هو اللص



وراعي الشاة يحمي الذئب عنها ***فكيف إذا الرعاة لها ذئاب !




من أجل هذا لا أوجه ندائي – أصالة - للمتسلطين فهم لا يفهمون لغة القيم وعالم المثل ولا عقلية المؤمن الواعي للمصير ، ولا حتى لهم دراية بعمق المصالح ( لكن الخطاب يشملهم عل الله يهدي بمنه من يشاء سبحانه وهو وحده القادر على كل شيء)



هم يفهمون فقط لغة المادة حيث الدولار والشهوة أو الضغط والقوة



من هنا نفض المثقفون الحقيقيون أياديهم من معشر مطل وحاولوا معذرة إلى ربهم تبارك وتعالى




نور الله دربك

د. محمد حسن السمان
10-10-2005, 11:18 PM
سلام الله عليكم
الاخ الفاضل الدكتور اسلام المازني
بارك الله بك , هذه الغيرة على اللغة العربية , وانا كنت المس مدى
الصدق والوجدانية في كل كلمة وكل فكرة اوردتها , اخي الفاضل انت
محق في كل ماقلت , ومن يقرأ القرآن الكريم , ويعوّد نفسه على حسن
القراءة , لابد ان يقوّم لغته .
والشيء الآخر الذي اراه في اللغة السليمة , انها تعبير عن مستوى
الشخص في المجتمع , فهل يستوي في الرقي من يتكلم اللغة العربية
السليمة مع ذاك الذي يتكلم اللغة العامية , لا ابدا .....
صدقني يا أخي الفاضل , كم اشعر انا بالفخر , عندما اتكلم بلغة سليمة
سواء اثناء المحاضرات او الاجتماعات , والجميع يصغون لجمالية اللغة
, طبعا انا لااستخدم الكلمات الحوشية او الصعبة على النطق او الفهم ,
لا , ابدا فانا قد عودت نفسي ان اتكلم لغة عربية سليمة بسيطة حلوة ,
ولقد افادني هذا جدا , في تقريب المسافة بيني وبين الآخرين , لان لغتي
يفهمها الجميع , ولوتكلمت بلغة بلدي العامية , لما فهمني احد ممن حولي
فانا لااعمل في بلدي .
اشكرك يا اخي على هذه الدعوة للعودة للاصالة , كما انني اسجل هنا
اعجابي بما تكرم به الاخوة من مداخلات على الموضوع :

فقد اعطاناالاخ الكريم الفاضل عدنان الاسلام فكرة عن تجربة واقعية
, جزاه الله كل خير .

كما اسجل لاخي الفاضل ابراهيم القهوايجي صدق مشاعره وغيرته على
اللغة العربية , فلقد مسّ في داخلي ما اشعر به حيال المناهج التربوية
, جزاه الله كل خير .
كما اسجل للاخ الفاضل الدكتور سلطان الحريري حماسه للموضوع
وتأثره الطيب , وانا انتظر ان اقرأ له ما وعد به , جزاه الله كل خير .

مع تمنياتي لكل من في الملتقى المبارك , من مشرفين واعضاء
وزوار , بشهر مبارك , تقبل الله منا جميعا , صيامنا وقيامنا ,
وحسن اعمالنا .


اخوكم
السمان

د.إسلام المازني
14-10-2005, 07:49 AM
بسم الله والحمد لله

بدأت باسم الله فيما ذكرته *** وثنيت حمد الله فيما ذكرته

أخي الحبيب جدا د. سلطان الحريري

بارك الله فيك على الوعي والإدراك ، وأنت المتخصص المبحر

أنتظرك والكل معي

وأشكر تعقيبك الطيب جدا

طيب الله عيشك وعاقبتك ، وبارك في كل ما تخط مقتديا

صدقت

وحين أثيرت المعركة في القرن الماضي لم يكن التلفاز سيطر على العقول ولا غزا البيوت كما نحن ، والأن ...صير العامية هي النفس المتردد للأسف وقلص الفصحي بل وشوهها



وأشاركك ما بثثته لحبيب :
تلك الجحافل التي على الأبواب لها ذراع فكرية تنهش فينا ، وهي التي تؤدي للتخاذل وقلة التكافل وفهم الأمور معكوسة ، وحلها في الوعي كما أن حل الحديد في الحديد ، إلا أنه أيضا لو صار بلا وعي لصار محرقة وملعبة يحصد ثمرتها الغير عافانا الله تعالى

ووحدتنا تبدأ باسم الله تعالى وتكون على السنة فحينها لا نؤتى من قبل مخالفة



إن تنصروا الله ينصركم



ونصره سبحانه يكون بعدة واجبات أهمها لا يتم سوى بتلك اللغة ، بلغك الله الجنة



قال

ابن القيم رحمه الله تعالى



فتدبر القرءان إن رمت الهدى*** فالعلم تحت تدبر القرءان

وليس معناه انقطاع القوم عن العمل لتعلم الفصحي ، بل هي جزء من العمل وماء الطريق ، والحرص عليها لا يكلف الكثير لكن فضله كبير

د.إسلام المازني
15-10-2005, 02:00 PM
وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته

الأستاذ الفاضل والأخ الكريم الدكتور السمان

أحمد إليك الله الذي جمعنا وألف بين قلوبنا ، ومد روابط الصلة عبر القارات وأنطق الحروف قبل الكلمات ، فتشاطرنا ما يجيش في الصدور ليخف الحمل ويتسلى الركب السائر بصحبة أهل الفضل

وسلمتم على طول المدى تعتادكم*** أعيادكم وتسركم أحواله

في كل عام لا يزال يزوركم ***رمضان أو أضحاه أو شواله




نعم هي مفتاح لمزيد الهداية وكريم العيش و( يا ليت قومي يعلمون ) ولقد وجهت خطابي للادباء أصالة لأن الأدباء يملكون منابر كمنابر الدعاة ، فأما أن تبث النور أو الشرور



أخي الكريم

يمن الله كتابك ويسر حسابك



أهديك مشاركة أخ حبيب عن الحال في الجزائر ، لأني أراها جديرة بالذكر فهي تسلط الضوء بعناية لنثري الحوار





*الهرب من اللغة العربية من قبل أبناءها.. هل يمكن الحديث عن الضحك عند سماع جملة عربية تنطلق من فم أحدهم وسط مجموعة من أصحابه..
عادة رفاقي وأحيانا أنا نتحدث بتهكم مع بعضنا باللغة العربية الفصحى..
و لكني مؤخراً بدأت بالفعل أفهم الفخ الذي وضعت فيه اللغة العربية وكيف صرنا نحن من يحاربها..
قرروا الاستغناء عن العربية و يضحكون بملئ الفيه مني لأني أتحدث بالفصحى على الشات و هم متعودون على الفرنسية اللغة التي يعتبرونها راقية وهي فقيرة كما وكيفا مقارنة بلغتنا


..
أما العاصمة فحدث ولا حرج الصغار لا يتحدثون سوى العامية و الفرنسية ..

حتى أنهم في احد البرامج طلب منهم ذات مرة أن يعرفوا كلمة مثل الشجاعة فترجموها إلى الفرنسية مبتسمين ذلك أن الفرنسية في نظرهم قد حلت الامر و فسرت كلمة لها من أخواتها و مرادفاتها بالعربية ما لن تصل له الفرنسية التي تتقهقر بإقرار أصحابها.. طبعا يجب أن لا ننسى رئيس الجمهورية ووزراءه.. فهم كما قال صديق لي "لا يستطيعون تركيب جملة مفيدة.. و خطاباتهم مليئة بالتكسير و الانحطاط اللغوي.."

د. محمد حسن السمان
15-10-2005, 06:28 PM
سلام الله عليكم
الاخ الفاضل الدكتور اسلام المازني
انه لشرف كبير لي , ان احظى بما اكرمتني به من خطاب , بارك الله بك .
لقد بثثت لي شجنا هو شجني , انني احسك يا أخي , واشعر بعمق المشكلة
, ان الانسلاخ عن اللغة هو الانسلاخ عن الهوية , فقدان الاصالة , كنت
اتابع ياأخي مشكلة اللغة العربية في الجزائر منذ سنين طوال , انا لم ازر
الجزائر الحبيبة , ولكني اعرف اشياء كثيرة عنها من خلال الاخوة
الذين ذهبوا في اعارات للجزائر , ومن خلال انسباء ينحدرون من اصول
جزائرية , اعرف ياأخي مدى ثقل الحمل وصعوبة المهمة , في زمن الزيف
, لكنني اشعرك كبيرا عملاقا , طودا شامخا وانت تتكلم اللغة الصحيحة ,
حتى اولئك الذين يضحكون عندما يسمعونك تتكلم اللغة العربية الصحيحة ,
تأكد انهم يكبرونك في داخل اعماقهم .
اسعدتني جدا بمخاطبتي , همومك هي همومي , وهي نفسها هموم اخوتنا في الواحة المباركة , وانا لااخاف على لغتنا واصالتنا وفينا من مثلك , دمت فارسا وعلما وصاحب رسالة خيّرة .

اخوكم
السمان

د.إسلام المازني
22-10-2005, 02:09 AM
سلام الله عليكم
الاخ الفاضل الدكتور اسلام المازني
انه لشرف كبير لي , ان احظى بما اكرمتني به من خطاب , بارك الله بك .
لقد بثثت لي شجنا هو شجني , انني احسك يا أخي , واشعر بعمق المشكلة
, ان الانسلاخ عن اللغة هو الانسلاخ عن الهوية , فقدان الاصالة , كنت
اتابع ياأخي مشكلة اللغة العربية في الجزائر منذ سنين طوال , انا لم ازر
الجزائر الحبيبة , ولكني اعرف اشياء كثيرة عنها من خلال الاخوة
الذين ذهبوا في اعارات للجزائر , ومن خلال انسباء ينحدرون من اصول
جزائرية , اعرف ياأخي مدى ثقل الحمل وصعوبة المهمة , في زمن الزيف
, لكنني اشعرك كبيرا عملاقا , طودا شامخا وانت تتكلم اللغة الصحيحة ,
حتى اولئك الذين يضحكون عندما يسمعونك تتكلم اللغة العربية الصحيحة ,
تأكد انهم يكبرونك في داخل اعماقهم .
اسعدتني جدا بمخاطبتي , همومك هي همومي , وهي نفسها هموم اخوتنا في الواحة المباركة , وانا لااخاف على لغتنا واصالتنا وفينا من مثلك , دمت فارسا وعلما وصاحب رسالة خيّرة .

اخوكم
السمان



بارك الله فيك على قلم تقاطر شهدا

ليتني أكون صافي النية عالي الهمة

أشكر تشجيعك وحسن ظنك أيها العلم


وذو الـصّدقِ لا يـرْتابُ، والعدلُ قائمٌ ***عـلى طُـرُقاتِ الـحَقّ، والشّرُّ أعوَجُ

وأخلاقُ ذي التّقوَى وذي البِرّ في الدّجى *** لـهُنّ سِـراجٌ، بَـينَ عَـينَيْهِ، مُسرَجُ

ونِـيّاتُ أهـلِ الـصّدقِ بِـيضٌ نَقِيّةٌ، *** وألـسُـنُ أهـلِ الـصّدْقِ لا تَـتَلَجْلَجُ




وهاك آخر ما من الله تعالى به لإثراء الموضوع ، من خلال محن بردود سمجة تفتحت معها أبواب بركة





* ما عنيت إلا أن اللغة لا تتغير كتغير وسائل المواصلات والمساكن ، وإنما تبقي مر القرون

قد تتطور بمزيد ألفاظ ،لكنها تختفي تدريجيا إلا لو تخلى عنها أهلها ولم يكن لها رصيد في

فطرهم


أما الأشياء العادية التى لا ترتبط بالفطرة فهي تتبدل وتتغير كلما تطور الحال ،




وبخصوص :القهوجي متي يتحدث الفصحي ؟


هو يضرب به المثل كأقل الطبقات ثقافة

ولن يكون سوى الأخير تحدثا والله أعلم

فهو سيقول لك : ماذا تريد

يوم أن يكون كل المجتمع - بداية من شيخ الأزهر وأساتذة اللغة ووسائل الإعلام المرئي - ناطقين بالفصحى

أما الأن فهو أحيانا يسخر من الدين ومن اللغة بنكت عليهم ويسب الدين أحيانا ، ويستهزئ بالفصحى وناطقيها ..فلابد من تأهيل ثم تعليم والله المستعان






وهنا نفحتان الأولي جواب على سؤال هام عن نشأة علوم اللغة ومصادرها والثانية عن مجازر تركيا للغة وأساتذتها وردود فعل الشرفاء وهي مقتطفات من محاضرة لفريد الدين آيدن
Feriduddin AYDIN
في أسطنبول – 1996م


الأولي :
لتوسيع المدارك أو لطلب العلم من تلك المصادر الأُوَل النقية

متى وكيف بدأت علوم اللغة
- اللغــة والنحـــو :

كيف بدأ التأليف في متن اللغة :
بدأ برسائل صغيرة تتناول أموراً محددة كالكلمات المتعلقة بالإنسان والجمل والفرس والسيف والنخلة، ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فألف أول معجم شامل وهو كتاب *العين*، ثم توالت المعاجم بعد ذلك فألف ابن دريد *جمهرة اللغة*، والأزهري *تهذيب اللغة*، والجوهري *الصحاح*، والصاحب بن عباد *المحيط*، وابن فارس *المجمل*، والزمخشري *أساس البلاغة* .


أمـــا النحو


ازدهر في العصر العباسي، ووجدت المدارس النحوية كالمدرسة البصرية، وأشهر رجالها: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، وسيبويه صاحب أعظم كتاب في النحو *الكتاب*، والأخفش .

أما المدرسة الكوفية فأشهر رجالها: معاذالهراء، والرؤاسي، والكسائي، والفراء.

وقد وجدت بعد ذلك مدرسة تنسب إلى بغداد *المدرسة البغدادية*، وهي مدرسة تقوم على الاختيار والترجيح بين المذهبين: البصري، والكوفي .
-



البلاغـة والنقـد :


ألف أبو عبيدة معمر بن المثنى أول كتاب في البلاغة مجاز القرآن ، ثم جاء الجاحظ فتحـدث عن كثير من علوم البلاغة في كتبه وعلى وجه الخصوص البيان والتبيين
، وألف ابن المعتز كتاب البديع .

ثم جاء عبد القاهر الجرجاني، فألف أعظم كتابين في البلاغة العربية، وهما دلائل الإعجاز، و أسرار البلاغة .

أما النقد



فقد كان قبل العصر العباسي يعتمد على جمل قصيرة تقال في الاستحسان أو الاستهجان لبيت أو قصيدة أو شاعر، ولم يكن له قواعد وأصول .

وفي العصر العباسي نشطت الحركة النقدية، وتعددت المدارس والاتجاهات، وقامت المعارك الأدبية بين القدماء والمحدثين، ثم بين أنصار أبي تمام وخصومه، ثم جاء المتنبي فألفت حول شعره مدحا وقدحا عشرات الكتب .

ومن أشهر كتب النقد في هذا العصر : الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري للآمدي و الـوسـاطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني، و نقد الشعر لقدامة بن جعفر، وكتاب الصناعتين للعسكري، والمثل السائر لابن الأثير .

د.إسلام المازني
22-10-2005, 02:18 AM
وتلك فقرات المحاضرة التي ألقيت في اسطنبول بتركيا عن مجازر الماضي وغسيل المخ في الحاضر :



أمّا اللغة العربية، فإنّها من أهم اللغات الإنسانية، حملت إلينا عبر العصور من ثمار علوم العباقرة وابتكارات العلماء وأخبار القرون والأمم التي خلت؛




تزداد اللغة العربية قيمةً وأهمية عندما نقارنها ببقية اللغات العريقة، فنجد لها من ميّزاتٍ نادرةٍ منها، شاء اللهُ أن يُنْزِلَ بها القرآنَ على قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم، فوسعتْ كلامَ اللهِ لفظًا ومعنىً.




استطاعت أن تبقى على أصالتها سليمةً نقيةً ذات فصاحةٍ وبيانٍ بحفظٍ من الله وبفضل روّاد اللغةِ وعلماء النحو؛ كأبي بِشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقَّب بسبويه (ت. 180 هـ.)؛ وأبي يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السّكّيت (ت. 244 هـ.)؛ وأبي عثمان المازني النحوي البصري (ت. 247 هـ.)؛ وأبي العباس محمد بن يزيد المُبَرَّد (ت. 285 هـ.)؛ وأبي إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت. 311 هـ.)؛ وأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت. 337 هـ.)؛ وأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم المعروف بابن القوطية (ت. 367 هـ.)؛ وأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي (ت. 379 هـ.)؛ وأبي الفتح عثمان بن جني (ت. هـز 392)؛ وأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني (ت. 471 هـ.)؛ وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن هشام النحوي (ت. 570 هـ.)؛ وأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت. 538 هـ.)؛ وهو تركي الأصل ومع ذلك إنه من أعلام اللغة العربية ومن كبار أئمتها وأساطينها. وغيرهم كثيرون من العرب والعجم؛ والمسلمين وغير المسلمين.





لهذه الأسباب، استطاعت اللغة العربية أن تَصْمُدَ أمام عواصف الدهر، لم تتزعزع أركانُها إلى يومنا هذا على الرغم من المؤامرات التي حَاكَتْهَا أعداءُ الإسلام للقضاء عليها. فهي ما زالت قويةً فصيحةً منـتشرةً في ساحاتٍ شاسعةٍ ومرغوبةً بين المسلمين.





ومن أهم ميّزات هذه اللغةِ؛ أنّها محسودةٌ ومكروهةٌ بين أعداء الإسلام والمسلمين؛ وعلى رأسهم المارقون داخل الوطن الإسلامي؛ وبعضُ المستشرقين الذين أثاروا الدعوة إلى اللهجة العامية؛ ولكن نحمد الله أنهم لم يجدوا حتى الآن آذانًا صاغيةً لهذه الدعوة الماكرة الحبيثة! مع هذا يجب علينا أن نعلم بالتّأكيد أنّ كلاً من هذين الفريقين إنّما يُوَجِّهُ قواها لضرب اللغة العربية والقضاء عليها تمهيدًا للحربِ مع كتاب الله (القرآن الكريم)، وإلحاق الضّرر بالإسلام وتشتيت شمل المسلمين أخيرًا في عُقْرِ دارهم.





ولهذا يجب على المسلمين جميعًا الاهتمام بهذه اللغة الشريفة وبأعلى درجةٍ من الإتقان مهما اختلفت لغاتُهم الأصليةُ وتباينتْ قوميّاتُهم وألوانُهم وأوطانُهم؛ ذلك من آيات الله سبحانه، كما أنّ اللغة العربية آية من آياته العظمى. فقد قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. يوسف/2}؛ وقال تعال {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًأ عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ. رعد/37}؛وقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ اْلوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقوُنَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا. طه/113} وقال تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ اْلأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اْلمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍ مَبِينٍ.شعراء/195} وقال تعالى{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. زمر/38}. فقد وردت آياتٌ أخري في كتاب الله من أمثالها؛ وفي جميعها إشاراتٌ إلى شرف هذه اللغة بجانب ما فيها من دروسٍ وعِبَرٍ جاءتْ من خلالها.






وبهذه المناسبة يجب علينا نحن القلّة القليلة من أبناء الإسلامِ المبعثرين بين صفوف الشّعب التّركيِّ، يجب علينا أن لا نغفل عن الظروف الّتي طالما ابتلى بها طالبُ اللغةِ العربيةِ في هذا البلد منذ قرنٍ تفريبًا. نعم يجب علينا أن نكون على بيّنةٍ وانتباهٍ تامٍّ إلى ما يجري حولنا؛ وعلى احتياطٍ شديدٍ أمام الخطر المحدِقِ بنا، معتبرين بما ذاقه الجيلُ الذي قبلنا من العذابِ؛ أن لا ننسى أنّهم لم يذهبوا ضحية النّكالِ الّذي حلّ بهم ما بين 1926-1945م.، إلاّ لأنّهم كانوا يريدون أن يتعلّموا لغة القرأن فحسب. كان هذا ذنبُهم، الوحيد الّذي أدّى بهم إلى الهلاك. إذن يجب علينا أن لا نتجاهل هذه الحقيقةَ؛ لأنّ الّذين أبادوا طلبة اللغة العربية في هذا البلد بالأمس، قد استخلفوا من لا يعرف الرّحمة بالبقية الباقية من هذه الطائفة المؤمنةِ اليومَ.






لقد ابتلى جميع الأنبياءِ والمرسلين، وجمهور العلماءِ والمصلحين بمثلِ هذه المجتمعاتِ المتطرِّفةِ، فذاقوا على أيديهم من ألوان العذابِ والنّكال. هذا ما لقيتُ على مدى أربعين عامًا وأنا أنشد المتشيّخين، أنّهم على غير هدىً في تدريسِ كتاب الله ولغتِهِ. ذلك لمّا أقرّ الله عيني فرزقني مجالسةَ أبناءِ هذه اللغةِ على أرضهم بالذّات، ووجدتُ نفسي في لحظةٍ من اللّحظاتِ عاجزةً عن التّعبيرِ بلغتِهم في بدايةِ أمري – على الرغم من أنّي عربي الأصلِ-، وأنا في حيرةٍ واستغرابٍ أمامَ هذه الصّدمةِ، كيف أفنيتُ عشرينَ عامًا في دراسةِ اللّغةِ العربيةِ، وتخرّجتُ على يدِ أشهر العلماءِ المتبحِّرين في لغةِ الضّادِ! اعترتْني حالةٌ من العيِّ كأنِّي أُلْجِمتُ؛ فلم أرَ لهذه المشكلةِ حلاًّ حتّى انقشع الغبارُ عن وجه الأمرِ، فعرفتُ بعد ذلك بالتّأكيد أنّ هناك أمورٌ دقيقةٌ لم تتبيّن لي أو لم أفطنها عبر مدّةٍ أرْبتْ على عشرين عامًا درستُ خلالها اللّغةَ العربيةَ. ولم أذكر عبر هذه المدّةِ كلِّها أنّ أيَّ لغةٍ يسعى في سبيلِها طالبٌ ليعبِّرَ بها عن مقاصدِهِ يومًا من الأيّامِ إلاَّ ويتحتّم عليه أن يتلقّاها ممّن يتقنها نطقًا وكتابةً. ولم أذكر من ذي قبل أن الّذين درستُ على أيديهم عشرين عامُا كانوا أعجامًا غالبهم من عناصر كرديةٍ لم يتّفق لأحدهم أن كتب باللغةِ العربية حتّى صفحةً واحدةً من الورقِ فصبَّ عليها من أدنى أحاسيسه، أو تكلّم باللّغةِ العربيةِ ساعةً من الزّمنِ، فعبَّرَ خِلاَلَهَا عن شيءٍ مما يجول في خلدِهِ!!!





إذن، فأين لأولئك العلماءِ(!) الّذين درسنا على أيديهم وأحصينا وحفظنا تحت إشرافهم كلَّ ما أحصاه سيبويه، وابنُ جنّي والزمخشريُّ وغيرُهم من أئمّةِ اللّغةِ، أين لهم أن يكتبوا باللّغةِ العربيةِ حتّى كلماتٍ معدودةً يشرحون بها عن أدنى شيءٍ يجولُ في صدورِهم!! أين أحدُ منهم نُشِرَتْ له مقالةٌ أو كتابٌ، أو ألقى محاضرةً، أو حتّى شرح لتلامذتِهِ دروسَهم باللّغةِ العربيةِ مع أنّهم يدرِّسونَ قواعِدها من صرفٍ ونحوٍ وبلاغةِ وما إليها... فهل سمعتم بمثل هذه المهزلةِ؟!!





هذه الحقائقُ لمّا أفاقتني من تلك النّومةِ الّتي أخذتني مدّةَ عشرين عامًا، بعد أن رجعتُ إلى تركيا من البلاد العربية عام 1986م. بدأتُ أزور المدارس القرآنيةَ وأتباحث عن حقيقةِ هذه المشكلةِ بطريق الحوار مع المدرِّسين بهذه المدارسِ ومع شيوخ الصّوفية الّذين يستغلّون هذه المدارسَ في توسيعِ محيطهم، عثرتُ على حقائقَ أخرى أدهشتني وزادتني حيرةً واستغرابًا. فأثبتُّ أنّ هذه المدارس المنتشرة بأنحاءِ تركيا، يتخرّج منها جمهورٌ من الطّلبةِ وهم يحفظون القرآن عن ظهرِ قلبٍ، يبلغ عددهم سنويًّا بمعدّل ثلاثةِ آلافِ طالبٍ وطالبةٍ. غير أنه لا يُتقن أحدٌ منهم اللّغةَ العربيةَ، كما لا يفهم أحدهم شيئًا من معاني آيات القرآن؛ بينما نزلت هذه الآياتُ الكريمةُ للحكمة الّتي أراد الله بها أن يزكّيَ عبادَهُ، ويهذِّبَهم، ويطهِّرَ قلوبَهم ويهديهم إلى صراطه المستقيم.




زرتُ أكثر من ثلاثين مدرسةً قرآنيّةً في مختلف مناطق تركيا خلال أربعة أعوامٍ بدايةً من عام 1986م. وقد كانت هذه المدارسُ تمارس نشاطها علنيًّا بينما أعداد كبيرةٌ منها غير مصرّحٍ لها بالتّدريسِ.





وجّهتُ أسئلةً عديدةً إلى مسؤلى هذه المدارسِ أثناء تلك الزّيارات، فتلقّيتُ ردودًا غريبةً منهم، أخجلُ من ذكرِ بعضها في مثلِ هذا المقام. وأرى أنّ بعضها قد يدعوا إلى التّأمّلِ والعبرةِ.

ولعلّ من هذه الرّدودِ ما يثيرُ الاستغرابَ ويجعل الإنسان يتعجّبُ! ذلك أنّي لمّا سألتُ أحدَهم: لماذا لا تدعونَ مَنْ يُعلّمُ هؤلاء الشّبابَ اللّغةَ العربيةَ؟ قال بالحرف الواحد: "وما نصنع باللّغة العربيةِ! لأنّها ليستْ لغتًنا". فقلتُ له: ألا تريدون أن تفهموا القرآن، وإذا تعلّمتم لغتَهُ زالت المشكلةُ؟ قال "من أراد أن يفهم القرآن، يكفيه أن يتناول نسخةً من ترجمته، وهي متوفّرةٌ" ثمّ ناولني نسخةً من ترجمة القرآن الكريم باللغة التركية كانت عنده فوق المكتبةِ، وأضاف قائلاً بلهجةٍ مستهزئةٍ " ها أنت تزعم أنّك تُتقِنُ اللّغةَ العربيةَ، فما الفرقُ بيني وبينك في فهم القرآن وأنا لا أُتقِنُها! أنت تفهمه من النّصِّ العربيِّ، وأنا أفهمُهُ عن طريق التّرجمةِ، ولا أظنُّ أنّكَ أعلم بالقرآنِ من مترجمِ هذه النّسخةِ؟!





سألتُ مدرّسًا يُشرِفُ على تحفيظ القرآن في مدرسةٍ قرآنيةٍ ضخمةٍ، سألتُهُ عن مدى فهمِهِ لمعاني القرآن الكريمِ. لأنّه كان يجهل اللّغةَ العربيةَ تماماً.

أجاب في تعجّبٍ أنّه غير مستعدٍّ للرّدِّ على هذا السّؤالِ، لأنّه لم يتوقّع أن يُوَجَّهَ إليهِ مثل هذا السّؤال يومًا من الأيّامِ.

قلتُ له، تعني أنّ فهمَ معاني القرآن لا يتوقّفُ على المعرفةِ باللغة العربية؟ أجاب على سؤالي هذا في غضبٍ:

ما أراكَ إلاَّ تريد الفساد! وهل سمعتَ رجلاً من أولياء الله تكلّم بلسان العرب؟ ألم تسمع أنّ أولياء اللهِ إنّما يحجّون بأرواحهم وليس بأجسامهم، حتّى لا يراهم العرب،ُ ولألاّ يتلقّوا معهم جسمانيًّا، كراهيّةً لهم!!"






سألتُ عددًا من طلبةِ المدارس القرآنيةِ عما إذا يتلقّونَ دروسًا في اللغةِ العربية؟ قال بعضهم في تساؤلٍ وتعجُّبٍ: "هل القرآن عربيٌّ؟!". وسأل بعضُهمُ الآخرُ "لماذا نزلت القرآنُ باللغةِ العربيةِ، ولم تنـزل باللّغةِ التّركيةِ؟" وقال أحدُهم "لماذا العربُ يعادون الأتراك؟" ثم قال يافعُ منهم " لماذا العربُ يأكلون بأيديهم ولا يستعملون الملاعقَ والشوكاتِ؟" وهكذا طالت المحادثةُ إلى أن فسد الأسلوبُ ورأيت هؤلاءِ الشباب لا يكاد أحدهم يعبأ بما يتفوّه. فعلمتُ أنّ القرآن عندهم لا صلةَ له باللغةِ العربية!!! ولكن ما زلتُ أبحثُ عن السّببِ أو الأسباب الحقيقيةِ التي أسفرت هذه النّتائجُ الخطيرةُ عنها، وكيف الطريقُ إلى حلِّ هذه المشكلةِ.







اتّفق لي بعد هذه الزيارات وما جمعتُ خلالَها من معلوماتٍ غريبةٍ وهامّةٍ؛ أن أقومَ بإلقاءِ محاضرةٍ يحضرها جمهورٌ من قطاعِ الشّعبِ، ممن يتولّونَ شؤون المدارس القرآنيةِ، ويعملون على نشرِ تحفيظ القرآنِ في تركيا؛ وجلُّهم من الطُّرُقِ الصّوفيةِ؛ ولا ترتبط مدارِسُهم بالدّولةِ، بل كانت كلُّها مستقلّةً غير مصرّحٍ لها بالنّشاط، ولكنّ الحكومات السابقةَ أرخت لها العنان إلى أن كسحها الحكومات الأخيرةُ.

أبديتُ استعدادًا قويًا لهذه المحاضرةِ، لأنّها كانت مواجهةً جريئةً باعتبار أنّها كانت أوّل مبادرةٍ يُخطَرُ بها شيوخ الأتراك على أهمية اللغة العربيةِ بالنّسبةِ للمسلمين في تركبا.

فجمعتُ المعلومات اللاّزمةَ وأنا يومئذٍ أستاذ مادّةِ اللّغة العربيةِ بكلّية أبي بكر الصّديق الشعبيةِ للعلوم الإسلاميةِ. في إسطنبول، ثمّ قمتُ بترتيب البرنامج وتوجيه الدّعوةِ إلى عددٍ من رجال الدّين وشيوخ الصّوفيةِ ومسئولي المدارس القرآنيةِ، ذلك بالتّنسيق مع الصّديق الكريم الفاضل الدّكتور عارف آيتكين وهو أوّل مّنْ انتبهَ إلى هذه المشكلةِ وأيقن بضرورةِ تشجيع طلبةِ المدارس الدّينيةِ على إتقان اللّغة العربية واستخدامها في التعبير.

فبدأت المحاضرةُ في أوائل شهر أكتوبر من عام 1988م. حضرها لفيفٌ من الشّيوخِ والملالي والطّلبةِ، وعلى رأسهم شيخ طائفةِ من النّقشبندييّن/ محمود أُسطىَ عثمان أوغلو.

إنّ المدعوّين في الحقيقةِ لم يكونوا على علمٍ تامٍّ بموضوع المحاضرةِ، لأنّي توقّعتُ منهم أن يرفضوا الإجابةَ والحضورَ إذا ما علموا أنّي سوف أُركّز على أهميةِ اللّغةِ العربيةِ خاصّةً في التّعبير؛ ولأنّي كنتُ متأكّدًا من حسّاسيتهم. ذلك من الغريب جدًّا أنّ الّذين يهتمّون باللّغةِ العربيةِ في تركيا يحتاطون بكلِّ شدّةٍ أن يتعدّى اهتمامُهم حفظَ القواعد إلى استخدام اللّغةِ العربية في التّعبير. أمّا إتقان اللّغة العربية كوسيلة للتّعبير، فهو مرفوضٌ عندهم بتاتًا.







لذا ما من أحدٍ ينتبه إلى هذه المشكلةِ الغريبةِ، فيتساءل عن الموقف السّلبيِّ لشيوخ الأتراك من اللغة العربيةِ الاَّ ويُهان بكرامتِهِ (إذا أكّد لهم على أنّ للّغة العربية لابدّ من تدريسها بالطريق المباشر حتى يتمكّن الطالبُ من استخدامها في التّعبير متى أتقنها)

قد يكون موقفهم هذا ناشئًا من خوفهم من المتقنين لهذه اللّغةِ. إذ لو علِم النّاسُ أنّهم يجهلون لغةَ القرآنِ، وهم يُفسِّرونهُ ويشرحونه (!) ضعُفتْ ثقةُ المجتمعِ بهم. ولهذا تراهم يحتاطون بعنايةِ بالغةٍ أن لا يلتقوا بشخصيةٍ من مُثَقَّفِي العربِ وعلماءِهِم حذرًا من ألاَّ يراهم النّاسُ في صمتٍ مستمرٍّ والعربيُّ يتكلّمُ؛ ولألاّ يتساءلوهم عن سبب العجز الذي يعانونه في تبال الحديثِ مع العرب في عموم الأحوالِ. لا شك أن ذلك سيؤدّى إلى انحطاط شأنهم وزوال قدرهم وهيبتهم في نظر الناس!

في الحقيقة يدلّ هذا الواقع على أنّهم يعانون من داءٍ نفسانيٍّ عضالٍ. نجد لهذا الدّاءِ شرحًا وافيًا في مصادر علم النّفسِ. لأنّ هؤلاءِ المتشيّخين، إنّما يحاولون ليبطنوا ما يكوي صدورَهم من آلام العجزِ والجهلِ الّذَيْنِ إذا بدتْ أماراتُها للنّاسِ خسروا مكانَتَهم المرموقةَ. فقد أدّى ذلك إلى رسوخِ عُقْدَةٍ نفسيّةٍ خطيرةٍ في أعماقِهم. يتعارضُ في غياهب نفوسهم نزعتان شديدتا التّناقضِ، يثيرُهما سببٌ واحدٌ؛ وهو الهروبُ الرّخيصُ؛ ولكنّهم يتحاشون هذه العاقبةَ.

أمّا النّزعتان: فالأولى منهما – لا شكّ – هي انتهاز الفرصةِ للهروبِ مخافةَ أنْ تكون الغلبةُ للشّخصِ العالِمِ حين يجمعُ بينهم القدرُ على كراهيةٍ منهم وهو يتكلّم بطلاقةٍ وفصاحةٍ وبلاغةٍ وهم في سباتٍ عميقٍ كأنّ أفواهَهم محشُوَّةٌ بالقطنِ. والنّزعةُ الثّانيةُ هي الثبوتُ والمقاومةُ الباطنيةُ مع الصمت امتناعًا من الهروبِ مخافةَ أن لا يتّهمهم النّاسُ بالجبن والجهلِ والعجزِ. لذا تراهم في ضيقٍ شديدٍ، وارتباك بين هواجس متناقضةِ، تتبدّى في وجوههم علاماتُ الحرجِ والاختناقِ كلّما اصطدموا بوجودِ رجلٍ عالمٍ بالعربيةِ، ولا يزيدهم ذلك إلاّ حقدًا وضغينةً على العلماءِ.

إنّي في الحقيقةِ لم أكن على علمٍ تامٍّ بهذا الواقعِ، وكنتُ أظنُ أنَّ تركيا لا تخلو من رجالٍ قادرين على استخدامِ الأسلوبِ العلميِّ في الخطابِ والتّعبير الكتابيِّ باللغةِ العربيةِ. ولكنيِّ اصطدمتُ بعكسِ ذلك تمامًا بعد هذه المبادرةِ والاجتماعِ برهطٍ من شيوخ الأتراك في هذه المحاضرةِ.

فلمّا حضر الجمهورُ، وفيهم عدد من الشيوخِ، بدأ المنسّقُ يمهّدُ السّبيلَ بالمقدِّمات المُلْفِتَةِ ليُهَيِّئَ الجوَّ حتّى يدعوَني أخيرًا إلى منصّةِ الخطابِ. فدعا شابًّا من تلامذتي ليستفتح المحاضرةَ بنشيدٍ عنوانُهُ (مسلمون)؛ وهذه كلماتُهُ:






مسلمون مسلمون مسلمون * حيث كان العدلُ والحقُّ نكون
نرتضي الموتَ ونأبى أن نهون * في سبيل الله ما أحلى المـنون
نحن بالأيمان أحيـينا القلوب * نحن بالإسلامِ حرّرنا الشعوب
نحن بالقرآن قوّمنا العـيوب * وانطلقنا في شمالٍ وجـنوب
ننشر النّورَ ونمحو كلَّ هـن * مسلمون مسلمون مسلمون
يا أخي في الهند أو في المغربِ * أنا منكَ أنت منّي أنت بـي
لا تسل عن عنصري أو نسبي * إنّه الإسـلام أمـّي وأبـي
اخـوةٌ نـحنُ به مـؤتلفون * مسلمون مسلمون مسلمون







وما أن قرعت هذه الكلمات سمعَهم بدت في وجوه الّذين يفهمون العربية منهم المنكرُ ، وكانوا عددًا قليلاً يكادون يسطون بالشابِّ الّذي يتلو عليهم النّشيدَ.

ثم صعدتُ المنبر فألقيتُ نظرةً سريعةً إلى الحاضرين، وإذا بأبصارٍ شاخصةٍ مليئةٍ بالغضبِ والتّهديد والاحتقارِ قد استقطبت عليَّ، ولكنّهم لم يتوقّعوا آنئذٍ أن يفاجئهم رجلٌٌ من أهلِ بلادِهم يقوم خطيبًا فيهم باللّغةِ العربيةِ. لأنهم لم يعتادوا ذلك، بل وحتى خطباء الجمعةِ يوجزون كلمة الثناءِ عند الافتتاح ما أمكنهم، لأنّها بالعربية، وسرعان ما يشرعون الخطاب باللّغة التركيةِ.

فعلِمتُ بحكم الطّبعِ أنّي إذا طلبتُ منهم أن يهتمّوا بالطّريقة المباشرةِ في تدريس اللّغةِ العربية (وهي أن لا يستخدمَ المدرّسُ اللّغةَ التّركيةَ في إلقاءِ الدّروسِ، بأن لا يتحدّث مع تلامذته إلاّ باللّغة العربية)، علمت أنّي لو نصحتُهم في هذه المهمّةِ كأنّي قمتُ بعمليةٍ انتحاريةٍ. وفعلاَ لم يلبث حتّى حدثَ ما توقَعتُهُ، فانفجرت القاعةُ، وعلتْ الأصواتُ وعمَّ الفوضى. ذلك أنّهم عدّوا هذه المبادرةَ نوعًا من الاستخفافِ بشأنهم، والاستهانةِ بعلمهم. ولم أقصد ذلك إطلاقًا. لأنه مهما كان، فإنّهم يقضون كلَّ حياتهم في إحصاءِ قواعد الصّرفِ والنّحوِ، بحيث يُصبح كلٌّ منهم مكتبةً متنقّلةً في قواعد اللّغة العربية. والغريب أنّهم مع ذلك يعانون منتهى العجزِ في التّعبير عن أدنى شيءٍ باللّغة العربية.

وكان لهذه الضّجّةِ سببٌ هامٌّ آخرُ. وهو أنّ الأتراك ينافسون العربَ قديمًا وحديثًا في الانتماءِ الإسلاميِّ، وتأبى نفوسُهُمْ أن تكونَ فهمُهُمْ للإسلامِ كفهمِ العربِ له. لذلك قد شرعوا لأنفسهم أساليبَ خاصّةً في التّعامُلِ مع الإسلام. ومن جملةِ هذه الأساليب، اهتمامُهم في المدارس القرآنيةِ بحفظ قواعد الصّرفِ والنّحوِ فحسب، دون اتّخاذ اللّغةِ العربية كأداةٍ للتّعبير. ذلك أنهم إذا اتّخذوها أداةً للتّعبيرِ، معناه التّهاون بما تتصف به هذه اللّغةُ من القداسةِ والكرامةِ؛ وهذا يؤدّي إلى استحالتها من لغةِ الوحيِ إلى لغةِ الشارعِ، فتستوي مع بقية اللّغات. فلا ينبغي ذلك في نظرهم. لأنّ اللّغة العربيةَ مقدّسةٌ في ضمير القاعدةِ الشعبيةِ للمجتمع التّركيِّ، ومكروهةٌ في نظر الطّغمةِ الحاكمةِ، وهذا ما قد أسفر عن نتائجَ غريبةٍ أصبحت موضوعَ الصّراعِ بين القاعدة الشّعبيةِ والقلّةِ الحاكمةِ من جانبٍ، وبين الأتراكِ والعربِ من جانبٍ آخر.

وربما من هذه النّتائج الغريبةِ أنّ الرّجلَ التّركيَّ إنّما يكره الإنسانَ العربيَّ، لأنّه أنزل هذه اللّغةَ المقدّسةَ منـزلةَ لغةِ الشّارعِ، حتّى انتُهكت حرمتُها!!

على الرغم من السلبيات التي عرضت لي أثناء هذه المحاضرة، فقد كنتُ أنا الفائز في النّهايةِ. لأني استطعتُ أن أطرح مشكلة تدريس اللّغةِ العربيةِ في تركيا لأوّل مرّةٍ. فألهمتُ بذلك جمهورًا من النّاسِ أنّ اللّغةَ العربيةَ هي في حدِّ ذاتِها أداةٌ للتّعبيرِ، وهي لغةُ أمّةٍ تُربي على خمسمائةِ مليون من البشرِ، بإزاءِ ما لها من ميّزاتٍ أخرى، باعتبار أنها لغة القرآنِ، ولغة المسلمين على اختلافِ لغاتهم المحلّيةِ؛ وأنّها لغة العلم والحضارةِ ، كما تتميّز بأصالتِها وقواعدها وآدابِها الرّصينةِ بين اللغات الحيّةِ.

أثبتُّ في الوقتِ ذاته حقيقةً هامّةً أخرى بهذه المحاولةِ الجريئةِ. فأيقظتُ كثيرًا من الغافلين بأن الله سبحانُ هو الكفيلُ بإمدادِ هذه اللّغةِ كلّما تعرّضتْ لخطرٍ. لأن الله كفيلٌ بحفظ كتابه الكريمِ إلى يوم القيامةِ وهي لغةُ كتابهِ ووحيهِ. فما دام القرآن محفوظًا بعناية الله تبارك وتعالى، فلغةُ كتابِهِ كذلك محفوظةٌ معهُ، لأنّها جزءٌ لا يتجزّأُ منه. يبرهن على هذه الحقيقةِ فشل المستشرقين الّذين يقومون بالدعوةِ إلى اللّهجةِ العامّيةِ في البلاد العربيةِ بين الفينةِ والأخرى. فقد أحبط الله أعمالَهم، وأيّد هذه اللّغة حتّى في تركيا، في هذا البلد الذي أصبحت اللّغة العربيةُ تَعْتَبِرُهَا فئاتٌ من الناسِ لغةَ الشعوذةِ والتمائمِ والطَّلَّسْمِ!






كذلك من ثمرات هذه المحاضرةِ، أنّنا انتبهنا في الوقتِ ذاته إلى حماقة الحكومات العربيةِ أنّها كيف تحتقر القدرةَ الكامنةَ للإسلامِ في تركيا، وتتجاهلُ الثروةَ الثقافيةَ المستمدّةَ من اللّغةِ العربيةِ في هذا البلد! لقد تجاهل العربُ جميعَ ما يعودُ إلى الإسلامِ في تركيا. لقد أخطأ العربُ عندما حمّلوا الشعبَ التركيَّ مسؤوليةَ يهودِ سالونيك وذنوبَهم، وعدّوا هذا المجتمعَ بأسرهِ من المارقين، واعتبروه بأجمعِهِ من أعضاءِ حزب الاتّحاد والترقي. اغترّ العربُ على سعةِ عالمهم، وكثرةِ عددهم بحكّامهم الذين هم رموز الرّجعيةِ والأساطيرِ والخرافاتِ، فأدرجوا المجتمعَ التّركيَّ عن بكرةِ أبيه في القائمةِ السّوداءِ، ولم يميّزوا في ذلك بين الطُّغمةِ الحاكمةِ (يهودِ سالونيك)، وبين القلّةِ المؤمنةِ المستضعفةِ من أبناءِ هذا البلد. مع ذلك لم يتورّع العربُ عن اتّخاذ الموقف الإزدواجيِّ من أبناءِ هذا البلدِ. يبرهن على هذه الحقيقةِ استجابةُ الحكومات العربيةِ لدعوةِ الحكومةِ التركيةِ في منعِ الطلبةِ الأتراك من الدّراسةِ في بلادِهم. ومن غرائبِ العقل العربي المتخلّفِ، أنّهم لم يفطنوا إلى ما يتمتع به الطّالبُ المسلم التّركيُّ من الإيمانِ والعزيمةِ والإخلاصِ ، وأنّه إذا أرادَ أن يتعلّمَ اللّغةَ العربيةَ لحقّق أملَهُ ولو في الصّحاري والغابات. وكم من طالبٍ تركيٍّ مسلمٍ يحاول اليومَ ليتعلّمَ اللّغةَ العربيةَ وهو مضطَّهَدٌ يطارده الشّرطةُ، كما يعاني ضغط القبوريين من جانبٍ آخر؛ وكم من شابٍّ يحاولُ ليتعلّمَ هذه اللّغةَ حتّى في السّجنِ.





كلُّ ذلك يدلُّ على استغناءِ طالب اللّغة العربيةِ في تركيا عن العربِ. خاصّةً فإنّ الاضطّهادَ الذي يقاسيه الطالبُ في هذه الأيّام على أرضنا، سوف يُجبِرُهُ على أخذِ احتياطاتٍ كفيلةٍ بحرّيتِهِ حتّى يتمكّن من تحقيق هذا الهدفِ المقدَّسِ والبريءِ. لأنّه أصبح منتبهًا إلى الأخطارِ الّتي أحدقتْ به خاصّةً في هذه الأيّامِ الأخيرةِ.

لا شكّ يترتّب على كلّ من يُتقِنُ اللّغةَ العربيةَ نطقًا وكتابةً في هذا البلدِ، يترتّبُ عليه ان يُشمّرَ عن ساقِ الجدِّ فيشتركَ في هذا الجهادِ العظيمِ، ويساهمَ في تدريس النّاشئةِ، نذكّرُهم بقولِهِ تعالى "وَقُلِ اعْمَلوُا فَسَيَرىَ اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسوُلُ وَالْمؤُمِنوُنَ، وَسَتُرَدّوُنَ إِلىَ عَلِمِ الغيْبِ والشّهادِةِ فينبّئكم بما كنتم تعملون."





نعم نحن لا ننسى أنّهم أيضًا يعيشون في هذا البلدِ، ويقاسونَ الشّدائدَ وهم مضطَّهدونَ. ولكنّ القدرَ الإلهيَّ قد حمّلَهم مسؤوليّةً لا مهربَ منها. إنّهم ربما لم يكونوا واقفين على سرِّ هذه المسؤوليِةِ يوم هبّتْ بهم رياحُ القَدَرِ إلى بلادٍ بعيدةٍ ليتعلّموا هناك اللّغةَ العربيةَ. فرجعوا بكنوز المعارفِ بفضلِ هذه اللّغةِ. أصبح النّاسُ يوقِّرُهم، فالتفّتْ حولَهم جموعٌ من الرّعاعِ، فاشتغلوا بإرشادهم في عمياءَ، ولم يفطنوا أن هؤلاءِ لن يتركوا أصنامَهم، ولن يعودوا مؤمنين حق الإيمان، إلى أن فشل أولئك الشّباب في إرشادِهم، وانتهت مساعيهم في هذه المحاولة البائسةِ بخساراتٍ فادحةٍ، أفنتْ عشرات السّنين من أحلى أيّامِهم. لأنّ "القطاعَ المتديّنةَ" بتعبير الصّحفييّنَ يتكوّنُ من فئاتٍ جهلةٍ، وجماعاتٍ ملتفّةٍ حولَ شيوخ الصّوفيةِ، أكثرُهم أهل البِدَعِ والخرافاتِ، وفيهم زنادقةٌ وأصحابُ أهواءٍ تختلفُ نظرُهُمْ إلى الإسلامِ عن نظرِ أهل الإيمان الخالِصِ والعلمِ والوعيِ.





ولهذا من الجديرِ بالأسفِ أنْ ينشغلَ الرّجُلُ العالِمُ بهذه الفئات الغريبةِ، فتذهبَ أعمالُهُ هباءً منثورًا. ولكن اليومَ تتوجّهُ مسؤوليةٌ عظيمةٌ إلى كلِّ من يُتقِنُ اللّغَةَ الغربيةَ أن يُعَلِّمَها الشّبابَ ولو شخصًا واحدًا في هذا البلدِ دونَ أن يأملَ مساعدةَ العربِ لأنّهم اليومَ مشغولونَ بآلامِهم وقد صبَّ اللهُ عليهم صوتَ عذابٍ، إنّ ربّكَ لبالمرصاد!.





.

د.إسلام المازني
22-10-2005, 02:20 AM
إنّ من يسمع هذه المعلومات، لابد أنّه يتساءل عن أسبابِ هذا العداء السّافر على اللغة العربية منذ عصرٍ كاملٍ على أرضِ تركيا. إنّ هذه المشكلةَ لم يطرق لها أحدٌ من رجال البحثِ في أبعاده الواسعةِ، كما لا نجدُ شيئًا يستحقّ الذّكر من الكلامِ حول أسبابِها. لأنّ دراسةَ هذه القضيةِ ليس أمرًا سهلاً كما يبدو. ذلك يقتضي أوّلاً وقبل كلِّ شيءٍ أن تتوفّر في الباحث صفة الحيادِ والعلمِ والجُرءةِ والصّدقِ. ولكن أين ذلك الباحث الّذي يرى في نفسِهِ الاستعدادَ والجرَْةَ ليقرَّ بأنّ الأتراك لم يكونوا قد تعرّفوا حتّى على أداةٍ اسمه القلم، ولا كان فيهم أحدٌ يُتقِنُ الكتابةَ والقراءةَ في العصر الّذي بلغ الأدبُ العربيُّ فيه أوجَ ازدهاره. ألا وهو العصر الجاهليُّ. أين كان الأتراك يومئذٍ؟ هل في وسعِ أحدٍ من أهلِ العلم والبحثِ أن يأتي بحجّةٍ فيُبرهنَ بها على أنّ الأتراك قد كتبوا شيئًا بلغتهم، حتّى في بدابةِ أيّامهم الّتي اعتنقوا فيها الإسلامَ، بغضِّ النّظرِ عن سالفِ أيّامهم، إن كان لهم تاريخٌ مدوَّنٌ كما يزعمون ؟!





إنّ الحربَ الّتي شُنَّتْ على اللّغةِ العربيةِ على مدى عصرٍ كاملٍ في الوطن التُّركيِّ، لابدّ أن نتحرّى أسبابَها من وراءِ هذا الواقع الهامِّ؛ هذا الواقع الّذي يقودُنا إلى أنّ الأتراك لا أبجديّةَ لهم أصلاً، وأنّهم إنّما استطاعوا أن يدوِّنوا لأوّل مرةِ بلغتهم بعد الألفِ الأوّلِ من الميلادِ؛ ولكنّهم استعملوا الأبجديةَ العربيةَ أكثر من ألفِ عامٍ. ولا يزال القاموسُ التُّركيُّ المعاصرُ محشوًّا بألفاظٍ العربيةٍ. فإنّ الكلمات الّتي لا يزال القاموسُ التّركيُّ يضمُها حتّى اليومِ، لا تقلُّ عن خمسةِ آلافِ كلمةٍ. أمّا العربُ، فإنّهم يكتبون ويقرؤون منذ أيّام الجاهليةِ. إنّ من يُمعِنُ النّظرَ في تاريخ الأدبِ العربيِّ يجد أيّامًا مُشرِقةً لهذا الأدبِ قبل الإسلامِ وبعده. فلا نكاد نجد حتّى اسمًا واحدًا لأديبٍ أو شاعرٍ أو مؤلِّفٍ أو خطيبٍ نبغ في الأدبِ التّركيِّ عبر العصور الّتي عاش فيها امرؤ القيسِ، والنّابغة الذبيانيّ، وزهير بن أبي سلمى، والأعشى، وعنترة بن شدّاد، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن الحلزة، ولبيد بن ربيعة، وحاتم الطّاءيّ، وأمية بن أبي صلت.






نعم لا يكاد باحثٌ أو عالمٌ بالتّاريخ يقف على أدنى دليلٍ يبرهن عمّا إذا كانت للأتراك علاقةٌ بالعلمِ والمعرفةِ في عصر هؤلاءِ المشهورين في تاريخ الأدبِ العربيّ؛ بل وحتّى بعد اعتناقهم للإسلامِ ومُضِيِّ حُقبةٍ على هذا الحدثِ؛ وهي لا تقلُّ عن ثلاثمائةٍ وخمسين عامًا، إذا اعتبرنا القرنَ الهجريَّ الأوّلَ بدايةَ اعتناقهم للإسلامِ. لأنّ أوّلَ مَنْ دوّنَ منهم كتابًا باللّغة التّركية هو يوسف الحاجب. ألّفَ كتابًا بعنوان (كوتادجو بيليج) عام 1069 من الميلاد. أي بعد مُضيِّ ثلاثمائةٍ وخمسين عامًا على إسلام الطليعة الأولى منهم. ثمّ برز رجلٌ آخرُ منهم اسمه محمود الكشغاري؛ ألّف كتابًا عام 1072 من الميلاد، ألمَّ فيه باللّغة التّركية معتمِدًا على اللّغة العربية. وهو الكتاب المسمّى (ديوانُ لغة التُّرك). إلاّ أنه من الغريب جدًّا أنّنا لا نجد في المجتمع التُّركيِّ اليومَ أحدًا يفهم شيئًا من مضمون هذين الكتابين إلاّ عدد قليل من أهل الاختصاصِ. بل وملايين الأتراك المعاصرون لا علمَ لهم بهذين العملين ولا بمن ألّفهما.





فحسبنا هذا القدر اليسير من جملة الحقائق أن نتعرّف بها على مدى القاعدة التّاريخية لثقافة الشعب التّركيِّ وحظِّهِ من العلم والمعرفةِ.





أمّا نحن أبناء الإسلام في الوطن التركيِّ فلن تُرهبنا هذه السّلبيات، ولن يدخلَ بيننا وبين لغةِ القرآن حاجزٌ. فسنبذلُ جهودنا دائمًا لنـزداد حظًّا من المعرفةِ بهذه اللغة الشّريفةِ وأسرارها. فقد تشرّبتها قلوبُنا، وارتاحت بها نفوسُنا؛ نعترف وبكلِّ فخرٍ، ونُعلِنُ بكلِّ اعتزازٍ، أنّ اللغةَ العربيةَ هي التي أسمعتْنا رنين المعجزات القرآنية، وقرّبتْ هديَهُ إلى عقولنا، فهي المفتاح الوحيد لأبواب فيوضاته الربّانيةِ.







ولقد قارنّا هذه اللغة مع كثيرٍ من اللغات، فوجدنا بونًا كبيرًا بينهما. وتأكّدنا من أنّ أيَّ لغةٍ من اللغات الإنسانيةِ مهما كانت غنيةً وقويةً، لن تستوعب كلام الله إلاّ اللغةُ العربيةُ »لِسَانُ الّذيِ يُلْحِدوُنَهُ أَعْجَمِيٌّ، وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبيِنٌ«










أيها الشباب الأفاضل!

إنّ الله قد أنقذكم من هذا الخطرِ وأراكم الآية الكبرى، فسخّرني في خدمتكم، فألقيتُ الضّوءَ على سبيلِكم، وها أراكم اليومَ قد حُبِّبَتْ إليكم الطّريقةُ المباشِرةُ، والأسلوبُ العلميُّ المتينُ، وقد اقتنعتم بأنّ هذا هو السبيلُ الوحيد الّذي يكفلُ للطالبِ النّجاحَ في تدريس اللغةِ الأجنبيةِ. وربما يشمئزُّ بعضُ اخوتِنا من وصف اللّغة العربية بإطلاق اسم الأجنبية عليها – باعتبار أنها لغة القرآن، وأنّها لغة المسلمين فيما بينهم مهما اختلفت لغاتهم المحليةُ وأوطانهم- ؛ فإنّي لأعبّرُ بهذه المناسبةِ عن بالغ سروري بمثل هذا الموقف الأصيل والانتماء الجميل، كما أشكر أصحابَ هذا الشعورِ الطّيّبِ والموقف النبيل، لعلَّ اعتذاري يقع منهم موقع القبول إذا اضطررتُ أن اجعل اللّغةَ العربيةَ في عداد اللّغات الأجنبية بالّنسبة لمن يجهلها فحسب من أبناء المسلمين. عسى الله سبحانه وتعالى أن يحقّقَ آمالَهم فيسهّلَ لأبناء أمتنا سبيل الإتقان لهذه اللغة الشريفةِ ويرشدنا بذلك جميعًا إلى هدي محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.




أمّا أنتم يا إخوتي!
فإيّاكم أن تتراجعوا في هذه المعركة المباركةِ فتولّوا الأدبارَ وتنسحبوا... بل واصلوا جهادكم، وقاوموا أسلوبَ أبناءِ الجهلِ والتعصبِِ، واضربوه بوجه الحائطِ، وكثّفوا جهودَكم بتمرينات الترجمةِ من اللّغةِ التّركيةِ إلى اللّغة العربية وليس بالعكس، إلاّ ما اضطررتم. فإنّ التراجمةَ من اللّغةِ الأجنبيةِ إلى اللّغة المحليةِ (لغير أهل الاختصاصِ) تميتُ المعرفةَ بالأوُلى، وتُعِيقُ استخدامَها في التعبير.

ولهذا عليكم بملازمة التّرجمةِ من اللّغة التّركيةِ إلى اللّغةِ العربيةِ، والحضورِ مع من يتقنها، والاستفادةِ من أهلِها؛ فإنّكم على الخطِّ المستقيمِ. سيروُا على بركة الله!








إخوتي الأعزّاء!
لقد كان يتوافد عددٌ كبيرٌ من شبابِنا إلى البلاد العربيةِ منذ سنين، بُغيةَ أن يتلقّوْا هذه اللّغةَ من مصدرِها الحقيقيِّ، ومن أفواه الّذين يُتقنونَها حقَّ الإتقانِ. ولكنّ الحكومةَ التّركيةَ السابقةَ أنذرت البلادَ العربيةَ بأن لا توافقَ على طلبِهم، وأن لا تُمَكِّنَهُمْ من الإقامةِ على أرضها. فحصلَتْ ما حصلَتْ بعد ذلك ودارتْ الدّائرةُ على كلِّ من درس في البلاد العربيةِ منذ عشرات السّنين؛ حتّى أُلْغيَتْ شهاداتُهُمْ، وأصبحوا يُعَدُّونَ من الجهلةِ، كما لا يكاد يعتدُّ بهم أحدٌ في هذه الآونة الأخيرةِ.

أسفرت عن هذه السّياسة الماكرةِ نتائجُ خطيرةٌ، أهمّها عزل العدد الكبير من أبناءِ تركيا عن ساحات العملِ؛ ليظهر بذلك للبسطاءِ والمغفَّلين من النّاسِ أنّهم غيرُ أهل الكفاءةِ، وأنّهم عالةٌ على المجتمعِ. لأنّ غالبَهم بعد أن اُقيلواُ عن أعمالِهم بالإضافةِ إلى الّذين لم يحصلوا أصلاً على أيِّ عملٍ، أجبرتْهم الظروفُ على البطالةِ أو على قبولِ الصّدقةِ من الناسِ. وهذا ما كانت الحكومةُ تريدُهُ؛ فحقّقتْ بذلك أكبرَ هدفٍ من أهدافِها. لأنّها استطاعت أن تنالَ من كرامةِ الإسلامِ بطريقٍ غيرِ مباشرٍ، وأن تكفَّ بذلك من استنكارِ أهل الإيمان في هذا البلد. زد على ذلك أنّ الحكومةَ أرهبتْ عيونَ البقيةِ من الشبابِ الّذين كانوا على استعداد للدِّراسةِ في البلادِ العربيةِ. فما كاد أحدٌ منهم يُظْهِرُ الجُرْأةَ بعد ذلك ويُقْدِمُ على هذا الخطرِ الّذي يهدِّدُهُم بالبطالةِ والجوعِ





إنّ الّذين يخافون من الجوعِ سينسحبون لا غرابةَ من هذه الصّفوفِ، بحكم طبيعتهم الواهيةِ ومعذرتهم الرخيصةِ. ولكنّ الّذين يؤمنون بالعلاقة القويةِ الموجودةِ بين هذه اللّغةِ وبين رسالةِ السّماءِ، ويستعدّن ليومٍ يهزم الله فيه الأحزابَ، سوف يصبرون على مرارةِ الحياةِ وسيقاومون كلَّ أشكالِ الاضطهادِ والغدرِ والظُّلمِ والقمع حتّى يتحقّقَ نصرُ الله للصّابرين "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، إنّ اللهَ عَزيِزٌ حَكيِمٌ".

وبهذه المناسبةِ أنصحكم أيّها الشّباب! أن تثبتوا في معركة العلم والبحثِ والتّبليغِ والإرشادِ والإيمانِ والأخلاق... واعلموا أنّ العلمَ أكبر سلاحٍ، وخيرُ سلاحٍ، وأشدّ تأثيرًا من القنابل الذّريّةِ. سلاحٌ يهبُ الهدايةَ والحياةَ والسّعادةَ لأبناءِ البشرِ. أمّا بقيةُ الأسلحةِ فإنّها قامعةٌ مبيدةُ ومدمّرةٌ. العلمُ سلاحُ الأنبياءِ المصطفين الأخيار. جهِّزُوا أنفسَكم بهذا السلاحِ المقدّسِ وانشروا رايتَهُ ليس لمصلحةٍ ولا لسُمعةٍ، ولا تغفلوا في الوقتِ ذاته عن علاقة اللغةِ العربية بالقرآنِ والعلم والهدايةِ... أنشروا رايةَ العلمِ لنشر دين اللهِ ولتكون كلمةُ اللهِ هي العليا والله عزيزٌ حكيمٌ.






أيها الشباب!
عليكم بكسب المهارةِ في البلاغةِ والفصاحةِ والبيان. لقد بلغ الإهمالُ في هذا الجانب من علوم العربية في بلادِنا
حتّى أنّنا لا نكاد نجد ولو شخصًا واحدًا –ممّن يدّعي أنّه درس العربيةَ- لا نجده قادرًا على النّطقِ بأدنى شيءٍ من أسلوبِ أهل العلمِ. وهذا يعدُّ من العارِ لشعبٍ له صلةٌ بكتاب اللهِ العزيز الذي هو بحر الفصاحةِ وينبوع البلاغة والبيان





إنّ البلاغةَ في الحقيقة هي موهبةٌ يتميّز الإنسانُ بها طبعًا، فتزدادُ وتتطوّرُ بالكسبِ. وقد يحظى منها جامد الطّبعِ بكثرةِ الممارسةِ والإكثارِ من قراءةِ كُتُبِ الأدباءِ ودواوين الشّعراءِ؛ لأنّه من أسباب إصلاح المنطقِ، خاصّةً الإكثارُ من تلاوة القرآن الكريم يزيد من بلاغةِ الإنسانِ. فقد ورد في قاموس المنجد للأب لويس معلوف اليسوعي في ترجمة الشيخ إبراهيم اليازيجي أنّه حفظ القرآنَ (مع أنّهُ كان نصرانيا ). ومن الغريب جدًّا أن يهتمّ رجلٌ نصراني بتلاوة القرآن، فضلاً عن أن يُكلِّفَ نفسَهُ عناءَ حفظِهِ في الحين الّذي لا يؤمن به أنه وحيٌ من عند اللهِ. فلم يكن الشّيخ إبراهيم اليازيجي ليجمع همَّهُ ويفتدِيَ بأحلى أيّامِهِ في حفظ القرآن الكريم إلاّ لأنّه علِمَ وتأكّدَ من أنّ تلاوة القرآنِ وحفظَهُ سوف يُزوّدُهُ بأغلى ثروات العلم والمعرفةِ والبلاغة. لأنّ حفظ القرآن ليس من الأمور السهلةِ. بل لا يصبر على حفظه حتّى المسلمون إلاّ قلّةٌ منهم. ولكنَ القرآنَ، في أدِلَّتِهِ وحُجَجِهِ والاقتباسِ منه مددُ أيّما مددٍ لمن يستنجدُ به.



كان طلبة العلم قبل النّهضة الأدبيةِ الحديثةِ يرتادون الحلقات العلمية التي تعقد في ردهات المساجد يومئذٍ، على غرار هذه الحلقات التي نقيمها اليوم، ثم يقف بعضُهم مواهبه على التخصّص بمكنونات اللغة العربية وآدابها، ويتعمق فيها حتى تداني له أسرارها، فيصبح اماماً ومرجعاً بمفرداتها.

تختلف الكفاءةُ في البلاغةِ والفصاحةِ من شخصٍ إلى آخر، كما تختلف في الشّخصِ نفسِهِ من نطقِهِ إلى كتابتِهِ. قد يكون الإنسانُ بليغًا في نطقِهِ وكتابتِهِ، وهذا قليلٌ؛ وقد يكون بليغاً في صياغتِهِ الكتابيةِ، ولكن ركيكًا في نطقِهِ وأسلوبِهِ، وهذا كثيرٌ. لأنّ الكاتبَ يجد الفرصةَ فيتأمّلُ ويدقّقُ فيتمكّن من اختيار الكلمات المناسبةِ، ثمّ يصوغُ كلامَهُ بأناةٍ وتمهّلٍ وتجرُّدٍ. أمّا الخطيبُ فإنّه لا يملك الفرصةَ إذا كان مرتجلاً، أي دون إعدادٍ سابقٍ. وإنما يملِكُ الخطيبُ المقوالُ المِصْقَعُ موهبةَ النّطقِ غريزيًّا. تنبع الحكمةُ من صدرهِ تلقائيّاً، ينطق بأروع الكلمات فينسِجُها على أبدع منوالٍ. ذلك حظٌ فطريٌّ لا ينالُهُ غيرُهُ بالحسد أو بالاغتباطِ أو بالتّمنّي. فالجمالُ الفطريُّ مقسومٌ، ويختلفُ حظُّ النّاسِ منه. أمّا البلاغةُ في اللّسان فإنّها من أعظم المزايا شأنًا، ويتفاوت النّاسُ فيها كما يتفاوتون في المال والجاه والعلم، "وَ فَوْقَ كُلَِ ذيِ عِلْمٍ عَليِمٌ".




إخوتي وأعزّائي،

حفظكم اللهُ تعالى وزادكم علمًا ومتّعكم بسعادة الدّارين آمين.
أحمد الله الّذي أقرّ عيني بالصّلة المباركة التي تربط بيني وبينكم: صلةِ الأستاذِ بتلاميذه. تلك من أجَلِّ الرّوابِطِ وأقدسِها. إذ يتعارف كثيرٌ من النّاسِ لمجرّد المصالح الفرديةِ، فينتهي غالبُها بانتهاءِ ما يرجو كلٌّ من الطّرفينِ أن يتحصّلَهُ باستغلالِ صاحِبِهِ. ولكن هذه الّتي تربط بيني وبينكم إنّما هي امتداد علاقة الرّسولِ بأصحابه الذين وصفهم الله تعالى بأنّهم "أَشدّاءُ عَلىَ الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهَمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغوُنَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ في وُجوُهِهِمْ مِن أَثَرِ السُّجوُدِ"

إخوتي

إنّ الله قسم الأرزاق بين عبادِهِ بحكمتِهِ التي لا تُدْرِكُهُ العقولُ. فقد أصابَنا منها ما لا يمكن أن ينالَهُ ملايينُ النّاسِ ولو أنفقوا بالقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّةِ. ألا وهي نعمة العلمِ والمعرفة والحكمةِ. "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أوُتِيَ خَيْرًا كَثيِرًا" وإنّي لأحمده سبحانه على ما زادني فوق ذلك أن رزقني مصاحبَةَ رهطٍ من أهل العلم (ذالكم أنتم)، تشاركونني فيما آتاني ربّي من كنوز المعارِفِ وعلّمني ما لم يُدْرِكهُ عقلي من ذي قبلٍ، وفضّلني بذلك على كثيرٍ ممّن خلق تفضيلاً.





تلامذتي الأفاضل،

قبل أن أختتم كلامي أوصيكم أيضًا بتقوى اللهِ تعالى وطاعتِهِ في السِّرِ والعلانيةِ، ثمّ أنصحُكُمْ أن تستغلّوُا أيَّ فرصةٍ لتصيبوا كلّ يومٍ قسطًا من المعرفةِ، تزدادون به اطّلاعًا، يومًا بعد يومٍ، وترتقون بذلك مدارج الكمال حتى أراكُمْ إن شاء الله تعالى يومًا تتسابقون فيه مصاقعَ البلغاءِ ونوابغ العلماءِ، فتستفيد منكم الأمّةُ، ويكون لكم اليد الطّولى في جمعِ شملِها، وتوحيدِ صفوفِها وإصلاحِ ما قد أصابها من فساد. نسأل الله التوفيق وهو على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

د. محمد حسن السمان
22-10-2005, 08:23 PM
الاخ الفاضل الدكتور اسلام المازني
اسجّل هنا اعجابي بك وبهذه الدراسة الوجدانية , التي يفوح منها عبق الايمان و يتوجها صدق المشاعر وصفاء النفس , والله اني لافخر بك , ايها الاخ البحر الذي يشع علما وادبا , ولقد صدق اخي الفاضل الدكتور سلطان الحريري , عندما سألته عنك , صدق في كل كلمة وصفك فيها , بارك الله بك , لقد ابحرت بي في رحلة لاتنسى , كنت خلالها تلامس نبضات قلبي , وتريني صورا لايمكن ان انساها , لقد اجدت في هذه الدراسة الرائعة , وفقك الله وسدد خطاك لما فيه الخير دوما .

اخوكم
السمان

د.إسلام المازني
01-11-2005, 11:33 AM
بارك الله فيك أستاذنا لم أزل سعيدا بقدومك الواحة والبصمة التي نراها كل يوم

وأهدي كل من يهتم مقالا رائعا :

أرجو أن يقرأ هذا المقال -الذي اختصرته -بعناية وأن يوضع في حبات القلوب :
( وهو انطباع معلم عربي تغرب في موريتانيا )

رأيت من المستوى الضعيف الذي عليه كثير من أبنائنا في آلة العلوم كلها (اللغة) بينما لم أر هذا الضعف وبهذه الدرجة في البلد الذي درّست فيه بل رأيت الضعف في اللغة آخر هموم المربين هناك.

قدّر لي أن أعمل مدرساً في شمال أفريقيا وبالتحديد في موريتانيا أو (بلاد شنقيط) كما يحلو للكثير أن يسميها، وقد كان التدريس في معهد العلوم الإسلامية والعربية في نواكشوط، ذلك المعهد السعودي (كما يسمونه هم) التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي يدرس فيه طلاب شتى عرب وغير عرب، والطلاب العرب غالباً من دول شمال أفريقيا كالمغرب والجزائر وتونس والبلد المضيف موريتانيا الذي نسبة الطلاب فيه تقارب النصف، وكانت المدة التي قضيتها هناك أربعة أعوام (1414 إلى 1418هـ) وكانت ثرية بتجربة مفيدة.
وقد لفت انتباهي أثناء التدريس والإقامة هناك جودة التكوين اللغوي والفكري لدى الطلاب، بل لدى الناس عامة، فأنّى التفت تجد الناس يستطيعون التحدث باللغة العربية الفصحى بطلاقة، بل ويجيدون الكتابة بها دون عناء أو عي .



وأخذت أتأمل المسألة وأقارن - بأسف - ماأرى، بالوضع لدينا في المشرق العربي بصفة عامة، ثم أخذت أوسع دائرة التأمل، فبدأت أطالع الصحف (المغاربية) وأحاور عدداً من الناس من المثقفين وغيرهم فأدهشتني طلاقة الألسنة بالعربية الفصحى وسيولة اللغة على ألسنتهم وأقلامهم، حتى الأطباء والحرفيين، بل حتى الباعة، يمكن أن تحاورهم باللغة العربية الفصحى، بل حتى المتسولين يتسولون بالفصحى، وإذا لحن المتسول ردوا عليه! بيد أن في لغتهم الفصحى لكنة متأثرة بلهجتهم العامية، وهي لا تؤثر في الطلاقة التي أعنيها إذ إني أقصد بها الانطلاق في الكلام وندرة اللحن ومطاوعة المفردات لهم عند أداء المعاني. وقد زاملت بعض الطلبة المغاربة في مركز لتعليم اللغة الإنجليزية في نواكشوط، ونظرت في بعض مذكراتهم الجامعية التي يصطحبونها معهم من الجامعة إلى هذا المركز، فرأيت فيها جودة ونقاء في الكتابة واللغة، وكأنها لطالب متميز لدينا في قسم اللغة العربية. ودخلت في المكتبة المركزية هناك، ورأيت قسماً للبحوث الجامعية لطلاب الليسانس (حيث وضع لها قسم خاص) وتصفحت عدداً من تلك البحوث استوقفتني ساعات طويلة وأمسكتْ تلابيب الدهشة والإعجاب لديّ، فلا ركاكة في الأسلوب ولا أخطاء إملائية ولا لغوية إلا في القليل النادر، رغم أن معظم هذه البحوث في علوم لا علاقة لها باللغة والأدب، بل هي في الجغرافيا والشريعة ونحوهما، ولكنها في غاية الجودة والإتقان.
عبثية المواد التعليمية




ثم قارنت كل ذلك بالوضع عندنا، وقلت في أسى: (شتان بين مشرّقٍ ومغرّبٍ). وكلما زاد تتبعي لهذه المسألة زاد تعجبي واختلج في عقلي وقلبي أن أبحث عن الأسباب، ثم نظرت في دفاتر طلابي الذين أدرسهم في المعهد ذاك، في المرحلة المتوسطة أو الثانوية فوجدت الغالبية العظمى منهم تمتلك الأسلوب القوي والمفترض أن يكون في الطالب العادي، ولم أجد إلا القليل جداً من المشكلات اللغوية والأخطاء الإملائية، التي كنت أعاني من معالجتها عند طلابي أثناء تدريسي في الرياض سبع سنين، وأصبح شغلي هناك عند تصحيح دفاتر الإنشاء خصوصاً هو التركيز على الفكرة والمضمون وجمال الأسلوب، ونسيت مسألة معالجة الأخطاء الإملائية واللغوية التي كلت منها أبصار كثير من المعلمين لدينا.
ثم دخل ابني (الروضة) أو (حديقة الأطفال) كما يسمونها، إنه مبنى متواضع، غرفه صغيرة وغير نظيفة جداً، وفناؤه مفروش بالبطحاء، وتنتشر فيه بعض الألعاب المهترئة، ولكن! من هذا المبنى بدأت تنكشف لي أولى أسباب جودة أولئك القوم وامتلاكهم زمام اللغة العربية دون عناء.
لقد أدخلت ابني الروضة كما فعل زملائي السعوديون، وفعلت ذلك ليلهو الطفل ويختلط بغيره من الأطفال، ولم أكن أتوقع أن هذه (الروضة) الصغيرة مؤسسة كبيرة في التكوين اللغوي للأطفال، فماذا يحدث في هذه الروضة؟! وماذا يُعلَّم فيها الصبية؟! هل يُعلَّمون فيها: (أنا في الروضة ويا أصحابي ساعة للعبي وساعة كتابي)، أو (خروفي خروفي لابس بدلة صوفي).... إلخ تلك الأناشيد المخجلة التي يفتخر مع الأسف كثير من الأهالي لدينا بحفظ أطفالهم لها، بدلاً من حفظ بعض سور القرآن والأناشيد العديدة بالعربية الفصيحة؟ أقول هل يدرس الأطفال هناك مثل هذه الأناشيد؟! كلا، إنهم يدرسون فيها الفاتحة وقصار السور، ثم يدرسون الحروف مع أناشيد في غاية الجمال، وباللغة الفصحى فقط، ليس فيها أنشودة واحدة بالعامية. ولم تمض أسابيع من بدء الدراسة إلا والولد - رغم أن عمره لم يجاوز أربعة أعوام - يعرف جل حروف الهجاء بأشكالها، ويحفظ لكل حرف أنشودة تبدأ به، وأورد للقارئ الكريم أمثلة على بعض الحروف وأناشيدها ليعرف مدى جودة تلك الأناشيد ونقاء لغتها وسلامة أسلوبها ومناسبتها لأطفال الروضة، بما تحمله من معانٍ جميلة تنمي لغة الطفل، إضافة إلى ما فيها من مضمون مفيد ومعلومات جيدة:





الألف:
ألـف أرنــب يقفـز يلعـب
هو حيـوان دوماً ينجب
عشـباً يأكـل مـاءً يشـرب
لـو فــاجــأه أحـد يهــرب
لسـت جباناً مثـل الأرنـب
إنــي أكـــتب ألـف أرنــب
فوق المكتب حتــى أتعـب
حتى أتعب، حتى أتعب
الدال:
دال دجاجتنا في البيت
تمنحنا البيضات هديهْ
سـخرهـا الله لنا لحماً
والريش مـراوح يدويّـهْ
وأنشودة أخرى تقول:
ألف باء تاء ثاء
هيا نكتب يا أسماء
ألف أبني
أبني بلدي
باء بيدي
بيدي بيدي
أبني بلدي
..... إلخ
وأخذ الطفل يحفظ هذه الأناشيد هو وأقرانه بكل سعادة وحبور، دون أن تكون مكتوبة لهم، وإنما يحفّظهم المعلم أو المعلمة حفظاً.
والمطلوب منهم فقط أن يكتبوا الحروف الهجائية التي في أول تلك الأناشيد. وهذا كثير في هذه المرحلة، وفي نهاية السنة كلفوا ببعض الواجبات ككتابة الحروف وبعض الرسمات، وحفظ بعض من قصار السور.
عندها عرفت السبب الأول، وعرفت أن النمط في جميع رياض الأطفال في الدول المغاربية هو هذا النمط، وأخذت أقارن بين هذه الرياض وبين رياض الأطفال لدينا التي تبهرك بمظاهرها وحدائقها وفصولها وزيناتها، وتبهظ محفظتك بتكاليفها وحفلاتها، ولكنها تحزن قلبك بما يُعَلَّم فيها من تجهيل وهراء، فمن صور جوفاء تعلم الطفل السطحية وتربي فيه حب المظاهر إلى أناشيد سخيفة بلهجة عامية (خاصة) وكأنها مفروضة عليهم فرضاً.
ثم دخل ابني هذه المدرسة، وكانت مدرسة خاصة تشرف عليها الحكومة، وهي كذلك مدرسة متواضعة المبنى صغيرة الفصول ناقصة التجهيزات، بيد أن فيها حسن التعليم وجودة المنهج.وعندما عاد الولد في اليوم الأول سألته: أين الكتب، فأجابني: نشتريها من السوق، وما الكتب المطلوبة؟ إنهما كتابان فقط كتاب (القراءة والكتابة) وكتاب (الرياضة) أي الرياضيات.فأما الثاني فغير موجود، وعرفت أن المعلم هو الذي يتولى الاختيار منه، وأما الأول فاشتريته بما يعادل خمسة ريالات تحسس الطفل وأبويه بأهمية الكتاب وأنه يُشترى كبقية الأشياء الثمينة ولا يدفع بالمجان فيبتذل. كما عندنا كتب كثيرة بالكاد يحملها التلميذ وكلها بالمجان.
أخذت أقلب كتاب (القراءة) - الذي يقع ضمن سلسلة تسمى (الشامل) وهو الكتاب المقرر في معظم دول المغرب العربي - فوجدت فيه مقدمة ممتازة، تعلم المعلم كيف يتعامل معه، وكيف أنه سيواجه طلاباً شتى عرباً وغير عرب (لأن البلاد العربية الشمال الأفريقية فيها عدد من غير الناطقين بالعربية كالبربر والزنوج ونحوهم ويدخلون المدارس العربية).
ثم وجدت الكتاب قد بدأ بحرف (الدال)، فأخذت أفكر!! ولِمَ يبدأ بحرف الدال؟! فسألت فقيل لي: لأنه أسهل الحروف نطقاً وهيئة، فهو من أول الحروف التي ينطقها الطفل بالفطرة ثم إنه حرف بسيط غير مركب، فلا نقطة له ولا تركيب معه في أول الكلام، وعرفت عندئذ النظرة التربوية الثاقبة في ذلك الكتاب التي بدأت بالدال البسيط، وأجلت (الألف أو الهمزة) الحرف المركب من ألف وهمزة (أ) العسر النطق بالنسبة إلى الدال.
ثم أخذت أتفحص الكتاب فوجدته قد بدأ بتعليم الدال هكذا (بتصرف): الدرس الأول: (حرف الدال)
دفتر أحمد
دَ دَ دَ (وينطق التلاميذ دَءْ دَءْ دَءْ) (ولا حظ البدء بالدال مفتوحة لأن الفتح أيسر الحركات) ثم بعده الضم والكسر.















الدرس الثاني:
دار ممدوح دا دا (مع النطق بالمد)
دو دو
الدرس الثالث:
دار ديدي دا دا (مع النطق بالمد)
دي دي
وهكذا، مع التمثيل على حرف الدال بجميع حركاته الثلاث وحروف المد الثلاثة والتلاميذ ينطقون ويكررون (كما هو توجيه الكتاب) ويكتبون فقط حرف الدال مع شكله (ضبطه) ثم مع حرف المد. وهكذا في دراسة جميع الحروف. كل حرف يدرس بحركاته الثلاث داخل جمل مناسبة، ثم يدرس متلوّاً بحروف المد الثلاثة الألف والواو والياء داخل جمل كتلك. ثم في الدروس المتقدمة بعد دراسة السكون في درس مستقل والشدّة والتنوين كذلك، تجد الحرف يكتب في كل أشكاله الممكنة، فتجد الدال قد كتبت في سطر واحد هكذا.
دَ/دِ/دُ/دا/دو/دي/دْ/دً/دٍ/دٌ/دَّ/دِّ/دُّ.
وكذا بقية الحروف، وعندها يستطيع الطفل قراءة أي كلمة بالتهجئة البطيئة ثم القراءة المعتادة.
عبقرية التدريس
وبدأت تتكشف لي فائدة هذه الطريقة وخصوصاً في التفريق بين الحركة والمد، حيث يستطيع الطفل مع هذه الطريقة التمييز بينهما، فمثلاً يستطيع التمييز بين الدال المفتوحة والدال المتلوّة بالألف، والهمزة المضمومة والهمزة المتلوّة بمد الواو. وربما أخذوا هذه الطريقة من طريقة الكتاتيب لديهم (ويسمونها المحَاضِر) بفتح الميم، حيث يقول المعلم فيها مثلاً دَ فتحة دَ دا مجبوذ بالألف.... وهكذا... فأفادوا من هذه الطريقة ودمجوها وطوروها في الكتاب المدرسي. والتمييز بين الحركة والمد مشكلة تسبب أخطاء كثيرة في الكتابة فبعض الطلاب عندنا عندما تقول له أكتب (أُريد الخير) يكتبها (أوريد الخير) لأنه لم يتعلم ذلك التمييز المهم في السنة الأولى التي هي أساس تعليم القراءة والكتابة.
ثم رأيت في هذه المدرسة تفاصيل مدهشة وممتازة في التعليم، منها أنه لا يكتب كلمة واحدة لا في دفتر التلميذ ولا على السبورة ولا في الكتاب المدرسي إلا وهي مضبوطة بالشكل التام وواضحة وصحيحة. وفي المقابل رأيت كثيراً من المعلمين لدينا يكتب للطفل أمراً أو نهياً أو تعليقاً في الدفتر بخط الرقعة الذي لا يكاد يقرأ، رغم أن التلميذ لا يزال في أبجديات التعلم. أيعقل هذا؟ والعذر أنه مستعجل!!. مع أن الكتب المدرسية في المراحل الأولى لدينا تهتم بالضبط إلى حد كبير، ولكن المجتمع والمعلمين لا يهتمون بذلك، وحتى الموجهين مع الأسف.
ولدى المعلم هناك - بالإضافة إلى الدفتر الذي يؤدي فيه التلاميذ واجباتهم - لديه دفتر خاص بالاختبارات يسمى دفتر (التقويم)، فعندما يؤدي الطفل الاختبار يؤديه في هذا الدفتر، ويصححه المعلم، ثم يبعثه إلى ولي التلميذ ليوقعه ثم يعيده إلى المدرسة فيحفظه المعلم عنده حتى موعد الاختبار التالي، وهكذا في كل اختبار، وفي نهاية العام الدراسي يُسلّم هذا الدفتر الذي يعد سجلاً حياً لواقع التلميذ التعليمي مع الشهادة ويكون ملكاً له. ليبرزه مع الشهادة لو انتقل إلى مدرسة أخرى ليكون شفيعاً لتلك الدرجات المدونة في الشهادة، وليس للتلميذ غير هذا الدفتر إلا دفتر واحد يؤدي فيه واجب الكتابة والرياضيات ويكلّف أحياناً ببعض الرسوم الفنية، وحقيبة الطفل خفيفة جداً، إذ ليس فيها إلا كتاب واحد هو القراءة ودفتر للواجبات وزاده الذي سيأكله في الاستراحة.
الفرق بين معلم ومعلم
وتبين لي أن طريقة (الدفتر الخاص) هذه أفضل من أداء الاختبارات في أوراق تتلف عند توقيع ولي الطالب عليها، كما هو الحال لدينا، حيث إن الدفتر الذي فيه اختباراته برهان على صحة شهادته ومصداقية درجات تلك الشهادة، وبالأخص عندما ينتقل الطالب إلى مدرسة أخرى.
ثم انتقل الابن إلى السنة الثانية فأصبح متمكناً من القراءة والكتابة الأولية، وأصبح لديهم في السنة الثانية إملاء منظور وغير منظور، وتربية قرآنية وعلوم وصحة، وفقه وعقيدة. والأمر المدهش في الإملاء والذي لا يوجد مع الأسف في مدارسنا أن هناك إملاء مع الضبط بالشكل، أي أن التلميذ لا يُكتفى منه بالكتابة الصحيحة فقط، بل لابد من شكل الكلمات كما ينطقها المعلم. وهذا هو السبب الثاني الذي جعل تعليم اللغة العربية المغاربي في نظري يتفوق على التعليم لدينا.










ثم نظرت في كتب الرياضة لديهم فوجدتها من شدة ضبطها كأنها كتب في اللغة إلى درجة أن كتاب السنة الثانية للرياضيات يكتب للطفل العدد رقماً ثم يعلّمه كيف يقرؤه باللغة العربية الفصحى، فمثلاً تجد درساً على النحو التالي: (7 + 8 = 15 وتقرأ خَمْسَةَ عَشَرَ) «هذا في كتاب الرياضيات، المنهج الليبي للسنة الثانية الابتدائية»
وعندما تسأل أي تلميذ وتقول له مثلاً 9 + 9 فإنه يقول لك ثمانيةَ عشرَ. وهكذا كان يقول أبناؤنا هناك، أما الآن فإنهم يقولون (ثمنطعش) سبحان الله!! مع أن اللهجة الأصلية تقول (ثمنتعشر).
ووجدت في المدارس هناك أن المدرس لا يتكلم مع تلاميذه بالعامية إلا نادراً، ولا يحق له ذلك، ولا تسمع لديهم ستاد، ولا أبله ولا طابور، ولا شنطة، بل أستاذ، وسيدتي، ومحفظة.. إلخ.
وتلفتُّ في الكتب المدرسية لدينا في السنة الأولى الابتدائية، فوجدتها كثيرة جداً بالنسبة لطالب هذه المرحلة، ونحن لم نعلمه بعد الحروف وضبطها وتشكلاتها المختلفة، إن هذا يعوّد الطفل على أنه يمكن أن ينجح دون أن يعرف ماذا درس، الأمر الذي يجعله يعيش في اضطراب وفقدان ثقة لا نحس بهما، إذ إنه يحفّظ كلاماً ويطلب منه قراءته، وهو لم يعرف بعد أشكال الحروف وحركاتها، وكثيراً ما تجد تلاميذ لدينا في السنة الأولى عندما يُطلب من أحدهم قراءة سورة من قصار السور في المصحف فإنه يقرؤها بشكل عجيب، ففضلاً عن الأخطاء في القراءة تجده يضع إصبعه على كلمات لا يقرؤها، لأنه يقرأ من حفظه، ويوهمك أنه يقرأ من المصحف بوضع إصبعه حول المكان الذي يقرأ فيه. بل ربما وضعها على سورة (الإخلاص) وهو يقرأ (الفلق)، وهذا تعليم مهزوز ومضطرب .
أسباب الجودة في موريتانيا التي كانت تجربتي التعليمية فيها في النقط التالية:
1- الاستمرار في الاهتمام بالتعليم الأصلي، وأعني به تعليم الصبية في الكتاتيب (ويسمونها المحَاضِر) بالطريقة الأصلية السلفية، وهي أن يتعلم الأطفال قبل دخول المدرسة الحروف في لوح خشبي حتى يتقنوها مع ضبطها، ثم ينتقلون إلى حفظ القرآن وكتابته في هذه الألواح، وقد رأيت هذه الطريقة ما زالت مزدهرة في موريتانيا، بل رأيتها في المملكة المغربية في تطوان والقصر الصغير وتوجد في معظم المدن المغاربية. وهنا أهمس لجماعات تحفيظ القرآن الكريم لدينا أنه يمكن الإفادة من هذه الطريقة، وأن نبدأ تعليم الطفل القرآن بالطريقة القديمة قبل أن يدخل المدرسة. كما يفعل المغاربة، حيث لا يكتفي معلم المسجد بتحفيظ القرآن، بل يعلمهم الحروف والحركات ثم القرآن بعد ذلك.
2- حفظ القرآن الكريم، فالغالبية من الشعب الموريتاني وبعض الشعوب المغاربية يحفظون القرآن أو معظمه بالطريقة الأصلية الآنفة الـذكر أي مع كتابته في الألواح برسمه الصحيح المدوّن في المصحف، مع ملاحظه أن مصحفهم مدون بقراءة (وَرْش) التي يقرؤون بها، ويختلف الرسم لديهم عن الرسم في المشرق العربي بعض الاختلاف، فالفاء مثلاً نقطتها تحت، والقاف لها نقطة واحدة، والنون بلا نقطة، والصاد والضاد بلا سنّة. والخط كوفي لا نسخ.
3- حفظ المتون الأصلية في هذه الكتاتيب (أو المحاضر) بعد حفظ القرآن الكريم، فتجد كثيراً منهم يحفظ منظومة عبيد ربه على الأجرومية، ويحفظ متوناً في الفقة والأصول والنحو والفرائض، مما نمّى لديهم الثروة اللغوية، وأعذب ألسنتهم وأسلس أساليبهم في الكبر، وكذلك يحفظون كثيراً من فرائد الشعر الجاهلي والإسلامي، بل إن منهم من يحفظ دواوين كاملة، حتى كثر فيهم الشعراء كثرة مفرطة، وهو الأمر الذي جعل الشاعر السعودي حسن القرشي الذي كان سفيراً هناك يسمي موريتانيا: بلد المليون شاعر!! وهذه إحصائية قديمة!! وكيف لا يكون كذلك وأهله يحفظون الشعر منذ نعومة أظفارهم بعد حفظ القرآن الكريم، آخذين بنصيحة الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «حفّظوا أولادكم القرآن، وعلّموهم الشعر تعذب ألسنتهم».
4- الاهتمام بضبط الكتب التعليمية وأمهات الكتب المتداولة كالمتون ونحوها، فقلّما تجد لديهم متناً لتعليم الصبية أو كتاباً مدرسياً سواء أكان للصغار أو للكبار إلا وهو مضبوط بالشكل كالضبط الذي في المصحف الشريف. فتجد عندهم على سبيل المثال كتاب (متن الرسالة) لابن أبي يزيد القيرواني، وهو كتاب في الفقه المالكي الذي هو مذهب شمال أفريقيا، ويقابله لدينا متن (زاد المستقنع) تجد هذا الكتاب - مطبوعاً بشكل جميل ومخطوطاً بخط بديع ومضبوطاً بشكل دقيق لا يغادر كلمة ولا حرفاً إلا ضبطه. وهو الكتاب المقرر في الفقه على طلاب المعهد السعودي في موريتانيا، في حين أن كتاب (زاد المستقنع) المقرر على طلاب المعاهد العلمية في المملكة غير مضبوط بالشكل، بل مبهم خلْوٌ من الضبط، حتى إن كثيراً من المدرسين يَهِمُ ويخطئ في قراءة كثير من كلماته وجمله. وهناك نوادر مضحكة في هذا الجانب لا يتسع المجال لذكرها. واهتمام أولئك القوم بالضبط لا يقتصر على الكتب المدرسية، بل إن المدرسين في مدارسهم وخصوصاً المراحل الأساسية لا يكادون يكتبون كلمة إلا وهي مضبوطة معربة، حتى أصبح الضبط لصيقاً بالكتابة.

د.إسلام المازني
01-11-2005, 11:35 AM
وقد زرنا مدرسة ابتدائية موريتانية في قرية نائية تبعد 100 كيلو جنوب العاصمة وكانت هذه المدرسة في غاية البساطة والتواضع، حتى إن الثلاث السنوات الأولى في مبنى عبارة عن ثلاث غرف، والرابعة والخامسة والسادسة في مبنى آخر بعيد عن أخيه، ولا توجد غرفة للإدارة. ودخلنا أحد الفصول وكان (السنة الرابعة)، فوجدنا مدرّس (القرآن الكريم وتفسيره) وكانت السورة (التكاثر)، وقد كتبها المدرس بخط جميل وواضح على السبورة، ثم ضبطها ضبطاً دقيقاً صحيحاً، لم نستطع أن نكتشف فيه غلطة واحدة. ثم رأيناه قد كتب على هامش السبورة بالإضافة إلى التاريخ والمادة والموضوع عدد الطلاب، وعدد الحضور وعدد الغياب، وكان الطلاب جالسين على الأرض حيث لا كراسي ولا طاولات، بل على فرش متواضعة مهترئة، وتحدثنا مع المدرس قليلاً، وسألناه:
هل يزورك المفتش دائماً؟ فقال: نعم، كل أسبوع مرتين!! سبحان الله!! يزوره الموجه كل أسبوع مرتين رغم قلة الإمكانات وضعف الرواتب وبعد المكان وصعوبة الطريق، حيث لا أسفلت في هذه القرية ولا خدمات، فتبسمنا بإعجاب لهذا المدرس المجتهد الذي نحس أن تلاميذه سوف يشربون منه العلم كما يشربون الماء الزلال. وانتقلنا إلى فصل آخر في السنة الخامسة، وكان الدرس (رياضيات) وياللعجب مما رأينا، فقد رأينا بالإضافة إلى الهامش الآنف الذكر، المسائل وعناصر الدرس مكتوبة على السبورة مع الضبط التام بالشكل، رغم أن المادة رياضيات. فالمدرس ليس مستعجلاً للجلوس، وحاولنا أن نعثر على خطأ في الكتابة أو في الضبط فلم نجد، رغم أن هذا المعلم ليس جامعياً، بل يحمل الدبلوم الثانوي للمعلمين، فخرجنا مبتسمين وقدمنا لأولئك التلاميذ دفاتر وأقلاماً هدايا بمناسبة زيارتنا لهم، وشكرنا للجميع حفاوتهم وودعناهم، بعد أن خرجنا بانطباع مريح وجميل عن هذه المدرسة المتواضعة المبنى العظيمة المعنى، وخلاصة هذا الكلام أن اهتمامهم بالضبط بالشكل من أسباب جودة التكوين اللغوي لديهم.




بل إنهم يضبطون حتى أسماء المدن وبعض اللوحات الإرشادية. وهذا أمر لا يستهان به، فكثير من أسماء المدن الصغيرة والقرى لدينا ينطقها بعض مذيعينا خطأ نتيجة لإهمال ضبطها، بل إن بعض القرى لا تستطيع قراءتها قراءة صحيحة إلا إذا قرأت أسمها بالإنكليزية ، وتكتشف أحياناً أن الاسم قد كتب خطأ حتى بالإنكليزية نتيجة القراءة الخاطئة الناتجة عن عدم الضبط.
5- التشديد في منع الكلام بالعامية أثناء التدريس، وهذا ما رأيناه ولمسناه حتى في السنة الأولى الابتدائية، والدليل على ذلك الجمل والمفردات التي ينقلها أبناؤنا أثناء دراستهم في تلك المرحلة هناك من مثل (الأيدي وراء الظهر) عندما يريد المعلم من تلاميذه الهدوء التام وعدم الانشغال بشيء، ومثل (افتحوا المحافظ وأخرجوا الأقلام) ومثل (انصرفوا) بدلاً من (طلعوا الشناط والأقلام) و(روحوا).
وقد شكا بعض الطلاب هناك في المعهد أن بعض المدرسين من الإخوة «المشرقيين» يتكلمون بلهجتهم، وشكوا أنهم لا يفهمون ماذا يقول هؤلاء المعلمون، لأن هذه اللهجة «المشرقية» جديدة عليهم تماماً، وخصوصاً على أولئك الذين لا يملكون التلفزة ولم يروا التمثيليات المصرية التي عمت وطمت ونشرت اللهجة المصرية، وقد تعوّد بعضهم على الكلام بعاميتهم في كل مدرسة ومكان وميدان بحجة أنها أصبحت «لهجة عالمية» وأن الجميع يفهمها، ولا شك أن بعضاً منهم قد جنى على التعليم في العالم العربي كله بنشر العامية وتشريع التعليم بها، واتبعهم بعض تلاميذهم في المشرق والمغرب واتخذوا العامية وسيلة للتعليم بحجة قربها من العقول. وايم الله إن هذا هو البلاء العظيم، وإن هذا من الأسباب الكبرى لتقهقر مستوى أبنائنا في التكوين والتعليم، ويجب على جميع المعلمين التزام الفصحى وليس ذلك خاصاً بمدرس اللغة العربية، فاللغة العربية لا يتعلمها التلميذ من مدرس النحو والصرف فقط، بل إنه يتعلمها ويألفها بشكل أقوى من مدرس التاريخ والفيزياء والجغرافيا ونحوهم، لأن الأول يتكلم عن اللغة وقواعدها بكلام لا يكون مألوفاً ولا محبوباً عادة لأنه بعيد عن واقع الحياة. أما الآخرون من المعلمين فهم يتكلمون باللغة عن أشياء محبوبة ومألوفة، لأنها لصيقة بالحياة المعيشة. أي أن الطالب يسمع المفردات والجمل اللغوية الطبيعية من غير مدرسي اللغة العربية أكثر مما يسمعها من مدرس اللغة العربية، فإن تكلم المدرس بالعامية أو بلغة مضعضعة كان التلاميذ صورة منه أو أسوأ. وحصلنا على جيل ضعيف لا يكاد يبين، كما هو واقع كثير من طلابنا اليوم.
6- الاهتمام بالثقافة والشعر العربي الفصيح في الصحف والإذاعات، وتهميش مكان الشعر العامي هناك. فعندما تطلق كلمة أمسية، أو شعر، أو أدب. فإن معناها عندهم ما كان بالعربي الفصيح، أما الشعر العامي أو ما يسمى عندهم بالحسّاني فهو مهمش لا تكاد تراه إلا في زوايا صغيرة في الصحف وبرامج قليلة في الإذاعة، ولا يكاد يقام له أمسية، بعكس الوضع لدينا، فإن كثيراً من الشباب في المدارس عندما تقول له شعر، فإن ذهنه ينصرف فوراً إلى الشعراء الشعبيين الذين رددت أسماؤهم في الصحف حتى صاروا أشهر عندهم وأهم وأعظم من المتنبي ، بل إن هناك حفلات مدرسية عندنا تلقى فيها مع الأسف عدد من القصائد الشعبية، وكأن الفصحى عجزت عن التعبير، وهذا من القصور التربوي. إذ إن عدم تداول مثل هذه الخطوات العاثرة قد يسيء إلى التعليم، فكيف تُعلِم بلغة ثم تقول الشعر والأدب والمسرح بلغة أخرى؟!






مقترحات مهمة
وفي ختام مقالي هذا أتوجه ببعض المقترحات إلى المسؤولين عن التطوير التربوي في وزارة المعارف لترقية مستوى الكتب المدرسية. أرجو أن تنال القبول والمدارسة:
أولاً: حبذا التركيز في السنة الأولى من المرحلة الأساسية «الابتدائية» على القراءة والكتابة، فأول هدف يجب أن نسعى لتحقيقه هو أن يعرف ذلك التلميذ الصغير كيف يفك الحرف، كيف يقرؤه قراءة صحيحة مع حركاته الثلاث وكيف يتهجأ، وكذلك تعليمه الحساب ومبادئه الأولية من معرفة الأعداد وجمعها وطرحها، وتؤجل دراسة المواد الأخرى كالعلوم والفقه والتوحيد إلى السنة الثانية، أو إلى الفصل الثاني على الأقل، لأنه من غير المعقول أن نعطي الطفل دروساً في هذه المواد مع أن آلتها التي هي القراءة ومعرفة اللغة لم يمتلكها بعد. ولكن يجب أن يُحفِّظهم المعلم حفظاً بدون كتابة ولا كتاب الفاتحة وبعض قصار السور وأركان الإسلام ومبادىء العقيدة، ولا تعطى لهم ككتاب إلاّ بعد أن يتقنوا القراءة والكتابة، وإنما يحفظهم إياها لأداء العبادات المفروضة بشكل صحيح، مع أن الكثير من أبنائنا لا يدخل المدرسة إلا وقد حفظ الضروري لأداء الصلاة وأمور دينه.
ثانياً: يجب الاهتمام في كل الدروس بالضبط بالشكل، وهذا الاهتمام لا بد أن يكون من الكتاب المدرسي ومن المدرس والموجه، فيجب أن يطالب الموجه معلم المادة أن يضبط الكلمات المكتوبة، وألا يقبل من تلاميذه قراءة بدون ضبط، وألا يقرأ التلميذ الكلمة دفعة واحدة بحفظ شكلها الكلي، بل يتهجؤها حرفاً حرفاً بحركاتها وسكناتها، لأن التلميذ إذا اعتاد قراءة كل كلمة جملة مضبوطة معربة فإن لسانه سينطلق ويعتاد على النطق بالعربية الفصحى دون لحن أو تلعثم، وسيسهل عليه فيما بعد دراسة النحو، بل سيكون معتمداً على نفسه في قراءة كل العلوم دون حاجة ماسة إلى مدرس عندما يكبر. كما يجب أن يكون هناك نوع من الإملاء مع الضبط بالشكل، ويكون عليه نجاح أو إخفاق، فمع شديد الأسف أن كثيراً من طلاب الثانويات بل المدرسين بل بعض الدكاترة، لو طلبت منه ضبط نصٍّ ما ضبطاً كاملاً لما أفلح في ذلك، فيجب أن نعود إلى مراحل التأسيس فنقويها، كما يجب أن يتقن الجميع اللغة العربية إتقاناً حقيقياً، يجب أن يتقن نطقها وكتابتها المهندس الزراعي والضابط والطبيب والمهندس، لأننا نحتاج من هؤلاء أن يعطونا خبرتهم، ولن يستطيعوا ذلك إلا بلغة واضحة خالية من الضعف والخطأ.
ثالثاً: يجب إعادة النظر في الكتاب المدرسي الخاص بالقراءة والكتابة للسنة الأولى، والتركيز على تعليم الطفل الحرف مع حركاته الثلاث مباشرة، ثم مع حروف المدّ في جمل مفيدة، ولا يؤجل ذلك إلى دروس متأخرة، لأن الحرف بدون حركة يكاد يكون لا قيمة له، ويمكن في هذه المسألة الاستئناس والإفادة من مناهج الدول العربية المغربية، حيث إنها متقنة جداً في هذه الناحية.





رابعاً: إن جميع التلاميذ قبل أن يدلفوا إلى المدارس الابتدائية لا يخبرون اللغة العربية الفصحى ولا ينطقون بها، وكثير منهم لم يسمعها إلا في تلاوة القرآن في الإذاعة أو المسجد أو في نشرات الأخبار وبعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي كثير منها مع الأسف تقدم بلهجات عامية. وإذن فاللغة الفصحى التي هي آلة العلم والتعليم الذي سيتلقونه تعد شبه أجنبية عنهم، وهنا أقول: لم لا يستفاد من برامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، التي تقدم في المعاهد المتخصصة، ولا ريب أن بعض القراء سيسخر من هذه النظرية، ولكن لا جرم أنهم لو تأملوا لوجدوا معي كثيراً من الحق.
إننا لو قارنا بين اللهجة التي ينطق بها الطفل وأبواه ومحيطه وبين اللغة العربية التي هي لغة مناهج الدراسة لوجدنا بينها بوناً شاسعاً.




فليس في العامية إعراب ولا ضبط ولا ربط، ولا انتظام بديع للجمل كما هي الحال في الفصحى، وإذن فكأن هذا الطفل أجنبي عن اللغة، فلو أننا نظرنا إليه وكأنه خالي الذهن من الفصحى ولقنّاه إيّاها تلقيناً كما نلقنها للطالب غير العربي لأتقنها غاية الإتقان كما يحدث مع الطلاب غير العرب إذ يأتي الطالب إلى المعهد المتخصص في هذا الشأن ولا تمضي عليه سنتان إلاّ وقد أجاد اللغة العربية الفصحى تماماً وأصبح مؤهلاً للتبحر في أي علم كُتب بها. لأن أول قواعد تعليم اللغة لغير الناطقين بها أن «تغرق هذا المتعلم في حمام من اللغة» كما يقول أحد المتخصصين في هذا الشأن.
إن مشكلة ضعف أبنائنا في اللغة الفصحى أنهم لا يسمعونها بالشكل الصحيح في المدارس!! كيف يمكن أن تتقن لغة وأنت لم تسمع نصوصها مرات ومرات، أنا لا أقول إن طلابنا عجم، ولكن أقول لم لا يستفاد من النظريات المطبقة في تعليم العربية لغير العرب على طلابنا العرب، فبتلاقح الأفكار تنتج الآراء السديدة.
خامساً: لا بد من اختيار مدرسي السنة الأولى والثانية والثالثة الابتدائية بعناية فائقة، وحبذا لو تعطى دورات مكثفة ومستمرة يتولاها أساتذة مقتدرون في مناهج اللغة العربية وتعليمها.
وأنا أركز على اللغة العربية، لأنها هي آلة الدراسة، ولغة ما يقرأ أبناؤنا، فإذا قرأ الطلاب تعلموا، وقديماً قال الحكماء: «من قرأ تعلم».
كما أتمنى أن يكون لمدرس السنة الأولى خاصية مميزة عن غيره في الراتب الشهري والنصاب الأسبوعي نظير ما يعاينه من أولئك الأطفال ومن تلقينهم وتعليمهم وسفههم وإزعاجهم، كما يستحب أن يكون مدرس هذه السنة فوق الثلاثين، ليكون جديراً بالصبر عليهم، وأباً ليكون ذلك أحرى بإخلاصه وتفانيه؛ لأن هؤلاء الأطفال سيذكرونه بأبنائه فيزيد من عطائه وحماسه وإخلاصه.
سادساً: يجب أن يكون في السنة الأولى اختبار شفوي وتحريري وأن يستمر ذلك، وأن يترتب عليهما نجاح وانتقال إلى السنة الثانية، أو إخفاق وإعادة، حتى لا نرهق مدرسي السنوات التالية، أقول ذلك لأن هناك من ينادي بالترفيع التلقائي في السنين الثلاث الأولى، وهذا رأي مجانب للصواب، مع احترامي لأصحابه. وإنني أجزم إن شاء الله أننا إذا قصرنا الجهد في السنة الأولى على تعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وكثفنا الجهود في ذلك فإننا سنخرج بنتائج ممتازة، وأن الوقت سيكون كافياً جداً لأن يتقنها التلاميذ وأن يستطيع المدرس إيفاءها حقها، ولكن تزاحم المواد دون إتقان هو الذي يؤدي إلى النتيجة المرة وهي ضعف التكوين اللغوي بشكل عام، ونكون كالمنبت، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.



ثم السنوات التالية لهذه الأولى فيها متسع لدراسة العلوم والفقه والتوحيد ودراستها بإتقان، لأن التلميذ إذا أتقن القراءة تمكن من قراءة تلك العلوم وفهمها معتمداً على نفسه، ويخف العبء على مدرسي تلك المواد الذين سيتفرغون لتدريس موادهم لا لتصحيح الأخطاء في الكتابة والقراءة. والحال الآن أننا نجد كثيراً من التلاميذ لا يقرؤون النصوص الموجودة في كتب الفقه والتوحيد والعلوم في الصفوف الأولى بل وحتى الجغرافيا والتاريخ في السنوات اللاحقة في الابتدائية لأنهم لم يتقنوا القراءة غالباً، بل تجد المدرس يلخص لهم النقاط المهمة ويحفظهم إياها ثم يقرؤون تلك النقاط بركاكة وضعف شديدين. ويندر أن يكون ثمة مدرس في المراحل الأولى يطلب من تلاميذه قراءة كل الكلام الذي في كتاب العلوم مثلاً، إذاً فلماذا كتب؟ إنما كُتب ليُقْرأ. ولكنهم مع الأسف لم يتعودوا على القراءة، ولم يمهروا فيها، لأننا زاحمنا أذهانهم بأمور شتى، أشغلتهم عن إتقان القراءة.



وأرجو ألا يظن ظـان بأنني أقلل من أهمية تلك المواد، حاشا وكلاّ. ولكني أقول إنه يجب أن يستطيع التلميذ قراءتها بمفرده والمدرس يشرح له المعنى فقط، وهذا لا يتأتى إلا إذا خصصنا أكبر وقت لتعليم القراءة والكتابة.
ولوعدنا إلى طريقة السلف عليهم رحمة الله، في التعليم لوجدناها تشبه الطريقة التي أشرت إليها آنفاً، يتعلم التلميذ الحروف أولاً حتى إذا أتقنها بدؤوا في تعليمه القرآن، حتى إذا حفظه بدؤوا في تعليمه الفقه والعقيدة وحفظوه المتون، فليتنا نفيد من طريقة الأسلاف التي أنتجت عمالقة في شتى العلوم أضاءوا ظلمات العالم.


سابعاً: منع الكلام باللهجات العامية في المدارس بجميع أشكاله سواء أكان في التدريس أم حوار المدرس مع طلابه أم في المسرحيات والأنشطة المدرسية، وإن اللغة العربية الفصيحة لا المتقعرة أجمل مائة مرة من اللهجات العامية الفقيرة بالمفردات والأخيلة والجمل، ومن ظنها بعيدة عن فهم الأطفال فلينظر إلى شغفهم بأفلام الرسوم المتحركة باللغة الفصحى ولكننا أيضاً ننادي أن يراعي المعلم مستويات التلاميذ عند التكلم بالفصحى فيخاطبهم بما يفهمون ويبتعد عن التقعر والتفاصح. وعندها بإذن الله نصل إلى مستوى أرقى في تكوين أبنائنا اللغوي الذي هو أساس التفكير والتعليم فلا تفكير بدون لغة ولا تعليم في بلادنا بدون إتقان لغتنا العربية الخالدة لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة والتراث العظيم.

المقال من أبها للكاتب الفاضل - زارع بن عبدالله بن ظافر

د. محمد حسن السمان
02-11-2005, 01:14 AM
سلام الله عليكم
الاخ الفاضل والحبيب الغالي الدكتور اسلام المازني
لقد قرأت ما كتبته انت في هذا الموضوع اكثر من مرة , وجمعت
الصفحات معا , لاحصل على الموضوع كاملا متكاملا , واصدقك
القول وجدتني امام دراسة علمية ثرّة , اجدت في العرض والشرح
وكيفية التقديم وذكر المفارقات والتناقضات , ولم تعدم التوثيق الجميل ,
بل رحت في نهاية الدراسة تقترح حلولا ورؤى .
بارك الله بك يا اخي , واشعر ان امتنا بخير ومثلك فيها .
واسمح لي اخيرا :
ان اعبّر لك عن تقديري العالي لجهودك غير العادية في كتابة الموضوع
واظهاره بالشكل اللائق على صفحات هذه الواحة المباركة التي تضمنا
معا بوارف ظلالها الحميدة الطيبة .

ومع انتهاء شهر رمضان شهر البركات والفضائل , ادعو الله مخلصا
ان يحفظك ويرعاك , وان يعود عليك هذا الشهر دوما باليمن والخير
والبركة , ومع اطلالة عيد الفطر السعيد , غدا , اقول لك كل عام وانت
بخير .

اخوكم
السمان

عطية العمري
02-11-2005, 10:34 AM
أخي الدكتور إسلام المازني حفظه الله ورعاه
أجد نفسي أمتم دراسة علمية رائعة وافية شافية
وأنا سأعمل مثل صديقي العزيز السمان حيث سأضم جوانبها في موضوع واحد وأعيد تنسيقها ( بإذنك طبعاً ) وأطبعها لتكون وثيقة أرجع إليها بين الفينة والأخرى
أرى أن تثريها وتبوبها وتصدرها في كتاب يُنشر وتعم فائدته ولك في ذلك الثواب الجزيل إن شاء الله
وكل عام وأنتم بألف خير

د. محمد حسن السمان
02-11-2005, 12:33 PM
سلام الله عليكم
الاخ الفاضل الغالي الاستاذ عطية العمري
احسنت يا أخي , لعلك قرأت ما بصدري وجال بخاطري ,
ان ما يقدمه الاخ الفاضل والمحبب الى قلبي : الدكتور اسلام
المازني , شيء متميّز ودراسة علمية رائعة , ولقد كنت اكثر
حصافة وسداد رأي , عندما قلت يا اخي :

وأنا سأعمل مثل صديقي العزيز السمان حيث سأضم جوانبها في موضوع واحد وأعيد تنسيقها ( بإذنك طبعاً ) وأطبعها لتكون وثيقة أرجع إليها بين الفينة والأخرى
أرى أن تثريها وتبوبها وتصدرها في كتاب يُنشر وتعم فائدته ولك في ذلك الثواب الجزيل إن شاء الله

وارجو من الاخ الفاضل الدكتور اسلام ان يعطي رأيه بهذا
الخصوص , او ربما كان هناك رأي كريم آخر لأي من اخوتنا
الاوفياء من النخبة في الواحة المباركة.

ومع اطلالة ايام عيد الفطر السعيد , ووداع شهر الفضيلة
والبركات .

اسمح لي :
أخي الغالي الاستاذ عطية , ان اقول لك كل عام وانت بخير
, تقبل الله منك صيامك وقيامك وعملك الصالح.

واسمح لي:
اخي الغالي د . اسلام , بان اقول لك من قلب محب مخلص ,
تقبل الله منك صيامك وقيامك وعملك الصالح , وكل عام
وانت بخير .

اخوكم
السمان

د.إسلام المازني
02-11-2005, 02:03 PM
الكريمين الغاليين

مقترحكما طيب مثلكما, وقد كنت أخطط له مع سلسلة روائع الأئمة ، فيطبعا وينشرا بأقل سعر ممكن

ولو قبلت الواحة أن يكون من مطبوعاتها فبها ونعمت كما يقال

لي عودة إن شاء الله تعالى للتعقيب على درر صففتماها

لكن الأن أحييكما علمين حبيبين

كل عام وأنتم بخير ونعمة وعافية وستر

نسأل الله أن يأتي العيد القادم وأمتنا خارج التيه

كما قال الشاعر

ويكشف الأمل المحجوب ساطعه ***واليأس تغشى بأسداف وأستار
عيد به الأرض والآفاق مشرقة *** تمازجت فيه أنوار بأنوار

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال ، وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهرالكريم ، وأن يعتق رقابنا من النار وأن يدخلنا الجنة مع الأبرار ، وأن يجمعنا في الجنة

عطية العمري
08-11-2005, 09:04 AM
العزيزان الغاليان إسلام المازني والسمان
أسعد الله أوقاتكما وكل عام وأنتم بألف خير
وآسف لتأخر الرد بسبب ظروف قاهرة
وأنا أطالب معكما بأن تنشر الواحة هذه الدراسة وأمثالها في كتاب مستقل يوزع على الأعضاء النشطين كجائزة تشجيعية وحفزاً لغيرهم
كل التقدير والاحترام لكما ولكل القائمين على الواحة

مصطفى بطحيش
08-11-2005, 04:48 PM
د.اسلام المازني
تحية لك
أيها الثر
كم كنت اسائل نفسي عن مكنون هذا الرجل, واتوقع واستحدث بها اختصاصا يعبر عن هذه الشخصية, وقد اغرت بي بعض المقالات العلمية التي كنتَ قد نشرتها في دوحة التقنية , فقلتُ مختص بجانب تقني لعله فيزيائي او كيميائي او من هذا القبيل, اما الآن وقد قرأتُ مقالك هذا؛ ايقنت ان من امتلك ناصية اللغة يستطيع ان ينقل مكنون ذاته الى الآخرين, ومن لم يحسن لغته مثله مثل الابكم , يطيح عجزه عن التعبير بهدوءه واستقراره, فلا تكاد تلحظ منه الا عنفا وثورة لا طائل من ورائها.
المقال غني بتجارب تجعل المقارنة والاستخلاص منها امر يسير, كما استطاع المقال ان يجيب عن اسئلة في ذهني
الاول منهما :
لماذا تركيا دون سواها منبع ومرجع للحركات الصوفية ؟
كنت اعلل ذلك بانها آخر معاقل الخلافة
ولكن الآن فقط ومن خلال هذا المقال ادركت السبب وهو بكل بساطة ؛
التقديس المفرط لامور الدين بجعله حكمة يتناقلونها بفهم او دون فهم ويخلطون بها من مسائل الروحانيات ما يشعر المتلقي بعجزه امام هذه الحكمة, فيطغى الجانب الروحي وينحط الجانب التطبيقي وتتسع الهوة بين المرء البسيط وبين اوامر الدين ونواهيه فيلجأ الى الحركات الصوفية !
بينما هو عملي تطبيقي يستطيعه العالِم بدقته وصبره على التحصيل وعمق نظرته ويستطيعه البدوي ببساطته وسرعة رده دون تمحيص ولا تدقيق .

الامر الثاني :
شنقيط بلد مسلم ناءٍ يعد من اغزر البلدان بعلماء الدين والشريعة نظرا لبعده وعدد سكانه , وقد بات جليا بعد هذه الدراسة اسباب غنى هذا البلد بالعلماء فأداة العلم في ايديهم يلقنونها ابنائهم في سنيهم الاولى , ومن جملة ما فعله المستعمر لعزل هذا البلد تغيير اسمه من شنقيط الى موريتانيا
حتى ان ابنائنا لا يعلمون انهما اسمان لمسمى واحد !

الامر الثالث :
لماذا كان العدوان على العراق دون غيرها ؟!
ارى ان العراق كبلد استطاع ان يمتلك اداة اللغة وما كثرة الشعراء في هذا البلد الا دليل على امتلاكهم الاداة, ثم تجاوز هذه اللازمة وخطا خطوات واسعة في طريق البحث العلمي والاعتماد على الذات
وقد بين لي الصديق الشاعر العراقي : احمد حسين احمد , المستوى الراقي الذي تبوأته الجامعات العراقية حتى باتت تضاهي ارقى الجامعات العالمية, ثم خطا الخطوة الثالثة باتجاه استثمار هذه الذخيرة العلمية, فتكالبت عليه القوى لتنسف عذا الصرح الذي آل اليه , اضافة الى اسباب اخرى.

أخيرا اضم صوتي الى صوت
الدكتور السمان
والمربي عطية العمري
بوجوب تبويب هذا المقال وطباعته ونشره في مجلة الواحة التي سوف تصدر بإذن الله عما قريب كمجلة الكترونية ثم مجلة ورقية مطبوعة

ختاما لك الشكر د.اسلام على جهدك واجد نفسي معتزة بهذه الصحبة الطيبة
وحتى لقائنا القادم أستودعك الله

د. محمد حسن السمان
08-11-2005, 08:54 PM
سلام الله عليكم
الاخوان الفاضلان
الاستاذ المربي عطية العمري
الاستاذ المهندس مصطفى بطحيش
اشعر باننا على رأي واحد , بوجوب اعطاء الدراسة التي قام بها
الاخ الفاضل الدكتور اسلام المازني حق قدرها , ولقد وجدت فيما
طرحه اخي الحبيب الاستاذ مصطفى فكرة اثني عليها , وعلى اية
حال سواء نشرت هذه الدراسة كما تفضل الاخ الحبيب والمربي
الفاضل الاستاذ عطية العمري , ان يتم نشر الدراسة بعد تبويبها
واغنائها ,في كتاب مطبوع يوزع على الاعضاء
, او كما تفضل الاخ الحبيب الفاضل الاستاذ المهندس مصطفى
بطحيش , ان يتم نشر الدراسة بعد تبويبها واغنائها , في مجلة
الواحة التي ننتظر صدورها بإذن الله وتوفيقه , المهم ان يتم
النشر تعميما للخير والفائدة .
ولا يسعني هنا إلا ان اقول بارك الله بكم جميعا , وجزاكم الله
كل خير .

اخوكم
السمان

أماني محمد
25-11-2005, 10:42 AM
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا

أشارككم إحصاء جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية UNDP للعام 2003


في العام 1991 أصدرت البلدان العربية 6500 كتابا مقابل 102000 كتاب من أميركا الشمالية و 42000 كتابا من أمريكا اللاتينية والكاريبي



إنتاج الكتب في البدان العربية لم يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي على الرغم من أن العرب يشكلون نحو 5% من سكان العالم




بلغ عدد براءات الإختراع المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى العام 2003 من البلدان العربية التي ضمت البحرين مصر الأردن الكويت عمان السعودية سوريا الإمارات اليمن 370 اختراعا مقارنة مع 16328 إختراعا من كوريا الجنوبية، 7652 من إسرائيل، 147 من تشيلي

د. محمد حسن السمان
25-11-2005, 01:57 PM
سلام الله عليكم
الاخت الفاضلة قارئة ( ام علاء )
لقد اطلعت على ما تفضلت بالتذكير به , في مجال قريب من موضوع
النقاش , وهي معلومات للتذكير واعطاء صورة عن تقصيرنا سواء
في مجال النشر او مجال الابداع العلمي , سلمت يداك ايتها الفضلة ,
فانا مع الذين يؤمنون بان التطوير والانطلاق يبدأ من تحليل الواقع
والنقد الواعي الحقيقي للواقع , ومن ثم يتم وضع الخطط والخطوط
نحو مستقبل افضل .
جزاك الله خيرا
واعود لأئمن ما قدمه الاخ الحبيب الغالي الدكتور اسلام المازني من
عمل جليل .
ولا انسى ان اسجل للاخ الغالي الاستاذ عطية العمري مساهمته وحماسه
الراقي للعمل .

اخوكم
السمان

أماني محمد
26-11-2005, 12:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله

آسفة قد سقط تعليقي سهوا من النص، وقد انتبهت له بعد رد د. السمان جزاه الله خيرا

كنت أقول أن التدهور ناتح عن انعزالنا عن لغة القراءة فصار بيننا وبينها حاجزا فلا ننتج ولا نقرأ ولا نهضم العلم
فتدهورنا وهو فخ واضح لنا

قد رأيت طلابا في ثالث ثانوي يكتبون مذكراتهم باللغة الانكليزية ويقرأون _ لو قرأوا_ كتبا انكليزية وعندما سألت أحدهم عن السبب قال: لأني أفكر بالانكليزية

وقد عاشرت أقارب يقيمون في السعودية ولا يتكلمون إلا الانكليزية وأولادهم يتكلمون بها كأنهم ولدوا ونشأوا في بلد أجنبي، والصغير منهم ذي الأربع سنوات يقول عن "حذائي" "شوزي"

ورأيت أناسا ولدوا ويعيشون في قطر ودبي ولا يفهمون العربية فضلا عن التكلم بها

وأم تنهر ابنتها لأنها تحب القراءة وتصفها بأنها تسلية لا تنفع

ورأيت أبناء يتكلمون الفصحى مع أهاليهم عندما يريدون إزعاجهم لأن الأهل لا يفهمون الفصحى

ورأيت "شاعرا" يشرح للمشاهدين معنى الجودة باللغة الفرنسية بعد أن عجز عن إيجاد مرادف لها يعطي معناها الحقيقي

والله المستعان

د. محمد حسن السمان
26-11-2005, 07:51 PM
سلام الله عليكم
الاخت الفاضلة قارئة ( ام علاء )
صدقت في كل ما تقدمت به , انها حالة مرضية فعلا ,
هذا الانسلاخ عن اللغة الهوية والانسلاخ عن الاصالة
ضمن حمى ما يسمى احيانا حدائة وتقليعات ووقوع في
شرك التقليد الاعمى , صدقيني ان اللوردات في بريطانيا
لايقبلون إلا التكلم باللغة الانكليزية الصحيحة ويرفضون
الرد إذا كلمتهم بلغة اهل الشوارع او بلغة غير سليمة
انهم منتهى الاعتزاز بانفسهم , وهم يشمخون بالتكلم
باللغة الصحيحة , ونحن غريب امرنا .

اخوكم
السمان

عطية العمري
27-11-2005, 07:54 AM
الأخ الكريم الدكتور إسلام المازني
الأخ الكريم السمان
الأخت الكريمة قارئة
بارك الله فيكم جميعاً وفي إثرائكم لهذا الموضوع الحيوي
وأنا أتابع ما تتفضلون به باهتمتم
فلكم مني ألف تحية

د.إسلام المازني
07-12-2005, 11:19 AM
أخي الحبيب الشاعر العالم

مصطفى بطحيش


لا أستطيع تعقيبا على مداخلتك القيمة علما وشعورا


http://www.sciencemag.org/cgi/content/abstract/303/5662/1329

أرجو أن تقبل هديتي وتستشعر ما لك بقلبي :



قال د. عبد الرحمن السليمان وهو أستاذ ترجمة وعالم فذ، أختصر من مقاله كلمات بسيطة
((
هناك بحث إحصائي دقيق لمجلة science يشير فيه إلى أن العربية ستحتل ـ بحلول سنة 2050 ـ المرتبة الثالثة من بين لغات العالم بدلاً من الخامسة التي تحتلها الآن، وأنها ستخلف الإنكليزية وراءها.

وعلى سيرة إعراض العرب عن العربية وإقبال الأجانب عليها، أفيدكم علماً أن دولة مثل بلجيكا، لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، فيها أكثر من ألفين وخمسمائة طالب يدرسون العربية، لي علاقة مباشرة وغير مباشرة بحوالي خمسمائة منهم يدرسونها في مدينة أنتورب، وحدها. ولقد برمجت وزارة التعليم البلجيكية العربية في جميع المعاهد البلدية. وهنالك نقاش الساعة لبرمجتها في الثانويات العامة. وإذا برمجت في الثانويات، وهذا قريب، فإن عدد دارسيها في بلجيكا سوف يتضاعف عشرات المرات. الأمر نفسه ينطبق على هولندة وغيرها.

وأختم لكم بهذا الأمر: كلما يزورني عربي ويطلع على هذا الأمر، يبادرني بسؤاله: "وماذا يفيدون من تعلم العربية"؟! يطرحون هذا السؤال هكذا وكأن تعلم العربية خلا من كل فائدة! والأعجب من ذلك أن الذين يطرحون هذا السؤال علي ليسوا جهلة، بل متعلمون وأكثرهم من الجامعيين! ومنذ فترة زارنا وفد سفارة عربية وتعرف أعضاؤه على قسم اللغة العربية وشاهدوا حوالي مائتي طالب وطالبة يدرسونها، فطرح أحد الأعضاء ـ وهو دكتور ـ هذا السؤال عليَّ، فقلت له: اسأل الطلاب! فسأل طالبة بلجيكية فأجابته بما يلي: "إن تعلم اللغة العربية يمكنني من قراءة جميع الاعمال التي كتبت في هذه اللغة في جميع أماكن انتشارها من بداية الإسلام حتى يومنا هذا لأن الفصحى لم تتغير"! هذه أهمية العربية بالنسبة إلى تلك الطالبة، وهي في السنة الأولى! فماذا نقول عن الفوائد الأخرى!

وأقول أيضاً في هذا المجال، والحزن يتملكني، إننا طلبنا من خمس دول عربية مدنا ببعض المراجع العربية، وخُذلنا كالعادة ... بينما تقوم أفقر دولة في العالم بمد الجامعات الأجنبية التي تدرس لغتها، ولو بطريقة رمزية، ببعض المراجع المهمة! ولقد برمجت جامعتنا هذه السنة دراسة اللغة التركية فيها، وتيسر لي حضور بعض الاجتماعات التحضيرية لذلك. ولو حدثتكم عن الدور الذي قام به قنصل تركيا في أنتورب في سبيل تحقيق دراسة اللغة التركية فيها وتسهيله على الجامعة، لغبطتم تركيا على دبلوماسييها المحترفين، و..... هذه الأمة ...التي فقد أولياء أمورها عزة أنفسهم وغيرتهم حتى على لغتهم التي يقبل الأجانب عليها إقبالاً ملفتاً للنظر!

ولا يسعني في النهاية إلا أن أحمد الله الذي لم يجعل أمر الحفاظ على هذه اللغة وأمر نشرها بيد العرب! ))

انتهى كلامه


وأقول إن هذا الشغف الغربي قد زاد بعد الحرب على الإرهاب ليفهموا كل شيء عنا، وبدأت الملايين تتدفق لأجهزة المسح ومشاريع الترجمة الآلية، لتفريغ محتوى كل حضارتنا لتفهمه ومحاولة تقويضه، وهو خير لنا بالطبع من وجوه ...

كما أنه قدر الله تعالى في الحفاظ على الرضيع الكليم موسى عليه السلام في قصر فرعون

وانظر إلى الدكتور عبد السلام فزاري أستاذ جامعي بالمغرب يقول :

بالمناسبة ادرس في هذه الدورة اطالية وسويسرية العربية، وحينما سألتهما عن سبب اختيارهما العربية قالتا نريد أن نعلن اسلامنا...))

انتهى كلامه

ولنتأمل

قالتا نتعلم لنسلم لرب العالمين

فماذا نقول عن تارك العربية ؟

لقد انتشرت العربية مع الإسلام وصار الأندلسي - الإسباني - القاضي عياض علما كابن حنبل الشيباني ...
أرجو أن تصل الرسالة

د. محمد حسن السمان
08-12-2005, 05:27 PM
سلام الله عليكم
الاخ الحبيب الى قلبي الدكتور اسلام المازني
اولا ارجو ان تتقبل تحياتي الطيبة , ولا اكتمك سرا بانني
على ما يبدو صرت متابعا مغرما , بل بالاحرى صرت مدمنا
على متابعة اعمالك الراقية الخيّرة , التي تعكس شخصية
غير عادية طبعا , وقد اقرأ الموضوع الواحد اكثر من مرة
ثم اعود اليه وان كنت لا اعلق احيانا على الصفحة ولكنني
ابقى في كل مرة وقتا طويلا ,تحت تأثير ما اقرا لك , اتذكر
الافكار والكلمات والرؤية الحصيفة التي حباك الله .

اعتز بمعرفتك ايها الاخ الكريم , واعتز باني متابع لمواضيعك
الرائعة ذات المغزى والاهداف السامية , بارك الله بك .

اخوكم
السمان

سالمين القذافى على
10-12-2005, 03:38 PM
استاذى الفاضل
أنحنى احتراما وتقديرا لسطورك الصادقة والرائعة ... لكل ما كتبت فى موضوعك الجميل هذا وحقيقة قرأته أكثر من مرة فدمت قلما صادقا متألقا.
أختكم / سالمين القذافى

مصطفى بطحيش
10-12-2005, 10:29 PM
د.إسلام السلام عليك ورحمة الله
اشكرك على هديتك الراثعة

في بداية هذا العام او نهاية المنصرم لا اعلم على وجه الدقة

عقد في لبنان مؤتمر اللغة العربية
وقد قدم د.ابراهيم العنزاوي
وهو مختص بالبلاغة , بحثا قيما محوره, ان اللغة العربية هي اكبر مكسب لمن يحاول ان يعلم عما فات من الأمم السابقة
وما هو بظهر الغيب مما انبأ به القرآن الكريم

وعنوان البحث

ماذا يخسر العالم لو مات العرب جميعا وماتت معهم لغتهم

وان شاء الله سأحصل على مادة البخث لأنشرها هنا بعد أخذ موافقة الكاتب

تحية لكم

د.إسلام المازني
10-05-2006, 01:45 PM
أختنا الكريمة / سالمين القذافى

بارك الله فيك ونور دربك دوما

أعتذر لتأخري ومعي جملة أعذار لك ولأهل الواحة الكرام



وهاك هدية آخر ما سطرت في الأمر في حوار مع مشرفي بعض المنتديات :



مسألة اللغة لا زلت أوصي بها بقدر المستطاع، و المخالفين – الذين يكتبون بالعامية - لا ننفرهم بل نوجههم بمنتهى الرقة ، ونجعلها جزءا من رسالة الموقع إن شاء الله، ولا نجبرهم



ونقول لهم يا أحبتنا المشكلة ألا نراها مشكلة، رغم أنها من دلالات قولنا ( نحن وما نملك فداك يا رسول الله، صلى الله عليك وسلم) وأن اللغة الضعيفة تنشئ جيلا هشا لا يتذوق دينه ولا كنوز أدبه، ويجب أن يكون هناك توجه لتعليم الناس الفصحى لدينا كمشرفين ولتعليم أنفسنا، ولتصويب الأخطاء أوالمبادرة بالمحاولات ، والمتتعتع فى القرءان يزكى لمشقته فبالمثل المجتهد فى اللغة احتسابا ، ولو رأى الأعضاء حرص الملتزمين من الأعاجم المسلمين على العربية مع معلمهم لشحنت قواهم... رغم أخطائهم وعلمهم أنها أخطاء لكنه الحب ! ثم هو الأمل، وهو التبرك بخطى الحبيب صلى الله عليه وسلم، ثم هي سفينة النجاة مما نحن فيه! فعلى جسرها تأتي معاني السنة وقمم القرءان سابقة، وتأتي العلوم وتقترب الوحدة الإسلامية ثم العربية المأمولة إن شاء الله

سأحاول أن أنعش المشاركة عنها بذلك إن شاء الله لو اتسع الوقت، وأرجو أن ينهض المشرفون بها لعلها تعزلنا وتنفرنا من لغة الأفلام أيضا















وهنا فقرة وصلتني لطبيب مصري حبيب، وهو نادر المثال، أهديها لكم بدوري:

(( اللغة تحفظ كيان الأمة، وتحمي أنظمتها وثقافتها من وصمة التقليد الأعمى . والأمة هي المسؤولة عن نمو لغتها وتطورها . وليست اللغة مجموعات من الأصوات ومقاطع من الكلمات، ينطق بها الشخص حسب ذوقه وهواه، بل اللغة في جوهرها مرآة صقيلة، تنعكس على أديمها عادات الإنسان، وقيمه، وتقاليده، وتتبلور فيها أنظمة المجتمعات ومثلها، فكل شخص تنكر للغته فقد شذ عن مجتمعه، وفقد عضويته منه، وأضاع شخصيته عن عمد، لأن عملا مثل هذا يعد خروجا على ما هو مألوف بين البشر، وتمردا على ما ألفه الناس حوله، وتواطؤوا عليه من حيث الأساليب والصيغ والقواعد وكل خارج ومتمرد على النظام اللغوي يعتبر أيضا خارجا ومتمردا على النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه، لأن أية لغة كانت في العالم ما هي سوى نوع من أنواع السلوك الاجتماعي ..........)) ا. هـ . محمد بن عبد الكريم الجزائري "الثقافة ومآسي رجالها" ص 135 -136 الطبعة (؟) شركة الشهاب للنشر والتوزيع الجزائر

من أجل ذلك لم يأل المستشرقون جهدا في قصف اللغة العربية قصفا وحشيا إلى حد هذه اللحظة، لأنها ببساطة هي "لغة القرآن والسنة" ..

يقول الدكتور محمد بن عبد الكريم الجزائري: ((لم تكن الدعوة إلى اللغة العامية حديثة عهد في بلادنا، أو بنت ساعتها في مجتمعنا، بل جذورها قديمة جدا في صفوفنا . وقد امتدت إلينا أطنابها من الغرب ومن الشرق أيضا . فأما أصحاب هذه الفكرة في الغرب فهم المستشرقون والمبشرون الذين قد اتخذوا إحلال العامية محل العربية وسيلة لثلاثة أغراض أساسية:

الغرض الأول: القضاء على الدين الإسلامي، الذي نزل به القرآن، الناطق بلسان العرب، المكتوب بلغتهم، المحفوظ بإرادة الله: ((إنّا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)) يوسف 20 .

((إنّا نحن نزّلنا الذكر، وإنّا له لحافظون)) الحجرات 9 .

الغرض الثاني: التوصل إلى فهم عادات الشعوب المستعمَرة (بفتح الميم)، والاطلاع على أخلاقهم واتجاهاتهم الفكرية والشعورية ؛ حتى يتسنى لسلطات الاستعمار تشتيت صفوف هذه الشعوب، والاستيلاء على أفكارهم وأوطانهم بكل سهولة، لأن اللغة العامية أسهل عند الإفرنج من اللغة الفصحى ؛ سواء من حيث النطق أو الفهم .

الغرض الثالث: الوجهة السياسية، التي يستهدف بها هؤلاء المستشرقون والمبشرون تشتيت الأمة العربية، وتمزيق الوحدة الإسلامية . ومن أجل هذا الغرض لقيت هذه الدعوة الخطيرة صدرا رحبا من الإفرنج، فراحوا يجدّون في البحث عن اللهجات العامية، وينشطون لتدوينها واستخراج قواعد لها، وكتابة البحوث والرسائل والأطروحات الجامعية عنها ثم الدعوة إلى الاهتمام بها، وإحلالها محل التبجيل والتكريم ..)) ا. هـ . . محمد بن عبد الكريم . المرجع السابق ص142

صارت اللغة العربية – كما يقول العلامة محمد قطب – ((موضع الازدراء والتحقير والنفور .. فالطلاب يشكون من صعوبة اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة نصوصا وأدبا .. وقد ظلوا يعايشونها ثلاثة عشر قرنا قبل ذلك بلا شكوى ؛ ....................

والكتاب يشكون من جمود اللغة وعدم مرونتها وعدم طواعيتها، وعدم قدرتها على نقل المعاني "وظلال المعاني" كما تستطيع ذلك اللغات الأجنبية – وبالذات الإنجليزية- في طلاقة ويسر ورشاقة وعمق ؛ وكأنما الكتاب لم يصحبوا هذه اللغة ثلاثة عشر قرنا من قبل ذلك، وعبرت عن خلجات نفوسهم كلها بغير عجز ؛ وكأنما اكتشفوا قصورها فجأة وكانوا غافلين عنه .. فانصرفوا إلى دراسة آداب اللغات الأخرى وهجروا الأدب العربي ؛ وأصبح المتنبي والبحتري أو علقمة وامرئ القيس اسماء سخيفة ممجوجة تصم صاحبها لتوه بالتخلف العقلي والحضاري ؛ وأصبح دانتي وشكسبير ووردزورث وبايرون وأندريه جيد وأناتول فرانس وفيكتور هوجو هي التي تتردد على ألسنة "المثقفين" للدلالة على أنهم مثقفون، ولو لم يكن لهم من حصيلتها إلا حفظ الاسماء .

والعلماء أو بالأحرى مترجمو العلوم يشكون من اللغة العربية لغة غير علمية ؛؛ إن صلحت للأدب – أي الأدب الرديء- فإنها لا تصلح للعلم .. جامدة .. معقدة .. محدودة .. مختلفة .. ولابد من اتخاذ اللغات الأجنبية – وبالذات الإنجليزية – لدراسة العلوم، ولابد أن نعلمها لأبنائنا في المدارس إذا أردنا أن يكون لدينا في يوم من الأيام علماء ؛ وكأنما لم يكن لهذه اللغة صلة بالعلم من قبل – في عصور الإزدهار – بل كأنما لم تكن في وقت من الأوقات هي لغة العلم، يوم قال "روجر بيكون": من أراد ان يتعلم فليتعلم العربية، فهي لغة العلم ..

وهكذا صوبت السهام إلى اللغة العربية من كل جانب، ولم تعد شيئا يعتز به المسلم العربي كما كان يعتز طيلة ثلاثة عشر قرنا من قبل، بل أصبحت معرّة يسارع الإنسان على الإنسلاخ منها، ويمعن في العيب فيها والانتقاد عليها لكي يصبح من "المثقفين" ..

ولم يكن بد من أن ينتقل هذا الوضع المزري من اللغة ذاتها إلى ما هو مكتوب بتلك اللغة .. وكان هذا هو الهدف الأخير المطلوب من ذلك التخطيط الخبيث ؛

فالمكتوب بالعربية هو تراث الأمة كله .. وعلى رأسه القرآن (3)

والمطلوب هو صرف الأمة عن تراثها كله .. وعلى رأسه القرآن

وانصرف الناس بالفعل عن قرآنهم وتراثهم بالتدريج، فلم يعودوا يشعرون أنه هو "الزاد" .. إنما الزاد هو المكتوب بلغة السادة الغالبين ..)) ا. هـ . . "واقعنا المعاصر" ص 221 -222 م/ قطب

فإذن .. المطلوب هو صرف الأمة عن تراثها كله .. وعلى رأسه القرآن؛ لذلك يفزع المستشرقون أشد ما يفزعون من القرآن .. ذلك أن لسان حالهم يقول: إذا فهم المسلمون "قرآنهم" كما فهمه العرب الأقحاح من بطن مكة إلى سرّة البادية فإن تسلمهم "قيادة " البشرية بات وشيكا ..

وهذا الذي ينبغي أن نستشفه – ويستشفه معنا كل لبيب – من الجهود الجبارة التي تبذل في محاربة "التعريب" وإلى الله المشتكى .. وفي هذا يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق

((القرآن الكريم كتاب مقلق للغربيين، ومحير لهم، ومبلبل لأفكارهم .

يقول "بلاشير": (قلما وجدنا بين الكتب الدينية الشرقية كتابا بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر ممّا فعله القرآن) ..

ولكن الأمر في الواقع ليس مجرد قلق أو حيرة أو بلبلة فكرية، وإنما الأمر أبعد من ذلك بكثير, إنه الشعور بخطورة هذا الكتاب، وكان للاستشراق دوره في التحذير من خطورة القرآن على العالم الغربي، فقد تكفل بالكشف عن أخطار القرآن طائفة من المستشرقين الذين أخضعوا بحوثهم العلمية للأهواء الشخصية أو الأهداف السياسية والدينية، فأعماهم ذلك عن الحق وأضلهم عن سواء السبيل .

عندما تدرس هذه الفئة القرآن الكريم، دراسة عميقة، وتتأمل مبادئه الأساسية وتتبين مزاياه الفريدة، وما فيه من دعوة إلى الترابط، والاعتصام بحبل الله المتين، والتعاون على البر والتقوى، والتحذير من الشر أو الظلم، والنهي عن السخرية بغيرنا أو التجسس عليه، والتحذير من الغيبة والنميمة، والحض على الصدق والأمانة، والعدل والوفاء بالعهد، والحث على طلب العلم والتخلص من الجهل .. عندما يتبينون ذلك كله، يحاولون طمس هذه الحقائق، وإبعاد المسلمين عنها، ويسارعون إلى أولي الأمر في بلادهم من المستعمرين القدامى أو الجدد، ويوحون إليهم بأن هذا القرآن كتاب خطير لأنه اشتمل على مبادئ وقيم تقيم الدنيا وتقعدها، وإذا تحقق ذلك فهما وتطبيقا ساد أهله العالم كله وتحكموا في مصيره .

وهذا يعني أن المسلمين إذا عرفوا كتابهم حق المعرفة، وطبقوها تطبيقا تاما فالويل كل الويل للاستعمار القديم أو الجديد . إذ انه لن تقوم له قائمة بعد الساعة التي تتم فيها هذه المعرفة ويتحقق فيها ذلك التطبيق . ومن ثم يتبين ذلك المجهود الذي يبذله المستعمرون في أن يبقى القرآن مجهولا، وأن تظل مبادئه مهجورة بعيدة عن التنفيذ .)) ا. هـ . .. محمود زقزوق "الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري" س/ كتاب الأمة

ولذلك راحوا يستخدمون كل وسيلة خسيسة ويسلكون كل سبيل ماكرة من أجل أن يبقى المسلمون يغطّون في النوم، فلا تقم لهم قائمة ولا يرفع لهم شأن ..













المؤمنون على عنا= ية ربهم يتوكلون

لا خوف يفزعهم ولا = هم في الحوادثِ يحزنون

لو مرَّ أضعفهم على = هارون يجتزّ الرؤوسَا

لأراك في الإفصاح ها =روناً وفي الإيمان موسَى

إني رأيت الخوف في الـ = ـدنيا عدواً للعمَل

هو مطفئٌ نور الرجا = ءِ وسالبٌ كنز العمَل

المؤمن الوثَّاب تعـ = ـصمه من الهولِ السكينَةْ

والخائفُ الهيَّابُ يغرقُ = وهْو في ظل السفينَةْ