تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما لم يقله البحر / شعر د. جمال مرسي



د.جمال مرسي
10-05-2021, 03:19 AM
ما لم يقله البحر

شعر د. جمال مرسي


يَقولُ لِيَ البَحرُ :
أَقبِلْ أَيَا ابْنَ الحَيَاةِ إِلَيّْ .
و خَبِّئْ دُمُوعَكَ يَا شَاعِرَ الوَجدِ فِي رَاحَتَيّْ .
سَأَبْسُطُ مَوجِي إِلَيكَ
فَبُح بِالَّذِي ضَجَّ قَلبُكَ مِنْهُ
فَخَبَّأْتَهُ عَن عُيُونِ النُّجُومِ
و جِئتَ لِتُلقِيَهُ ـ قَبلَ أَن تَعلَمَ اليَاسَمِينَةُ ـ فِيّْ .
تَعَالَ لِحِضنِي ، فَحِضنِيَ خَازِنُ أَسرَارِكَ الأَزَلِيّْ .
و دَعكَ مِن الغَانِيَاتِ
فَفِي حِضنِهِنَّ نِصَالُ الظُّنُونِ
و مَهمَا فَرَشْتَ لَهُنَّ الوَرِيدَ وُرُوداً
فَلَستَ بِجَانٍ سِوَى الشَّوكِ يَنخُزُ جُرحَ القَصِيدَةِ
يُهرِقُ دَمعَ الحُرُوفِ عَلَى الوَرَقِ المَرمَرِيّْ .
و أَنتَ كَمَا قَد عَرَفتُكَ كَالنَّسرِ لَا تَرتَضِي غَيرَ أَوْجِ الجِبَالْ .
و أَنتَ الطَلِيقُ بِدُنيَا الخَيَالْ .
و فِي كُلِّ وَادٍ تَهِيمُ لِتَنثُرَ عِطرَ الجَمَالْ .
فَلَيسَ سِوَايَ حَبِيبٌ يُهَيِّئُ كُلَّ الَّذِي تَبتَغِيهِ
لِكَي مَا تُحَلِّقُ دُونَ قُيُودٍ و دُونَ نِصَالْ .
أَنَا يَا صَدِيقِي الصَّديِقُ الوَفِيّْ .
أَلَمْ تَرَ مَا بَينَ مَوجِي و شَطِّيَ مُنذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ
مِنَ العِشقِ و الوَلَهِ القُدُسِيّْ ؟
و مَا بَينَ أَشرِعَتِي و النَّوَارِسِ
مِن أُلفَةٍ لَن تَرَاهَا
و لَو عِشتَ مِلْيُونَ عَامٍ بِعَالَمِكَ الهَمَجِيّْ .
و مَا بَينَ شَمسِ الغُرُوبِ و بَينِي
تُشَاغِلُ قَبلَ التَّوَحُّدِ عَيْنِي
و تَلثُمُ خَدَّيَّ ، تُذكِي أُوَارَ الصَّبَابَةِ فِي شَفَتَيّْ .
كَأَنَّا حَبِيبَانِ لَم يَستَفِيقَا مِنَ السُّكْرِ مِن مَشرِقِ النُّورِ
حَتَّى يَحِينَ الرَّحِيلْ .
و تَخلَعَ فَوقِي رِدَاءَ الأَصِيلْ
فَأَستُرُهَا بَينَ جَفنَيَّ ، أَحنُو عَلَيهَا ، فَتَحنُو عَلَيّْ .
و حِينَ يُطِلُّ الصَّباحُ عَلَيَّ بِوَجهٍ ضَحُوكٍ
و تُشرِقُ بَينَ أَصَابِعِهِ فِي سَمَائِي
أَرَاهَا عَلَى عَرشِهَا كَالأَمِيرَاتِ
تَنظُرُ نَحوِي بِطَرفٍ خَفِيّْ .
أَنَا يَا صَدِيقِي أَثورُ و أَهدَأُ
لَكِنَّنِي لاَ أَخُونْ .
و إِنِّي أَرَى فِيكَ نَفسِي إِذَا مَا فَرِحتُ
و إِمَّا حَزِنْتُ
و إِمَّا تَمَرَّدْتُ حَدَّ الجُنُونْ .
سَأُعطِيكَ مِنِّي المِدَادَ و مِن نَخلِيَ المُشرَئِبِّ القَلَمْ .
و مِن شَاطِئِي وَرَقَ الأُمنِيَاتِ
و مِن صَوتِ مَوْجِي شَجِيَّ النَّغَمْ
فَإِنِّي .. كَمَا قَد عَلِمتَ .. السَّخِيّْ .
سَأُعطِيكَ دِفئِي ، و طُهرِي ، و عُمقِي
فَغُصْ فِيَّ ، و اقْطِفْ مِنَ الدُّرِّ مَا شِئتَ
كَي مَا تُطَوِّقُ جِيدَ القَصِيدَةِ ، تُلبِسُهَا تَاجَهَا اللَّيلَكِيّْ .
فَخَلِّدْ بِشِعرِكَ قِصَّةَ طِفلٍ
أَتَى مُنذُ خَمسِينَ بَحراً و فَاصِلَتَيْنِ
يُصَرِّخُ ، يَبكِي
عَلَى لُعبَةٍ سَلَبَتْهَا شَقِيقَتُهُ ، كَسَّرَتْهَا
فَلَم يَنتَصِفْ لِمَدَامِعِهِ أَبَوَاهْ
و لَكِنَّمَا وَبَّخَاهْ
فَأَهدَيْتُهُ نَورَساً كَانَ يَلهُو بِأُفقِي
فَطَارَ بِهِ لِلفَضَاءِ البَعِيدْ .
و عَادَ إِلَيَّ و قَد مَرَّ عُمرٌ بِثَوبٍ جَدِيدْ .
عَلَى شَعرِهِ يَضحَكُ اليَاسَمِينُ
و تَبكِي عَلَى شَفَتَيهِ الوُرُودْ .
فَكَانَ .. بِرَغمِ التَّجَاعِيدِ
رَغمِ الخَرِيفِ الَّذِي اْمتَدَّ فِي كِبرِيَاءٍ إِلَيهِ
كَمَا أبْصَرَتْهُ عُيُونِيَ
ذَاتَ الصَّبِيِّ الشَّقِيّْ .
نَظَرتُ لِعَيْنَيهِ أَسأَلُ عَن ذَا الغِيَابِ الطَّوِيلْ .
فَقَالَ : حَدِيثٌ يَطُولُ ،
يَطُولْ .
و عُمرٌ تَدَحرَجَ بَينَ الفُصُولْ .
فَكَيفَ سَأَشرَحُ يَا بَحرُ مَا نَاءَ عَن حَملِهِ
طِفلُكَ الآدَمِيّْ .
و كَيفَ أُقَدِّمُ بَينَ يَدَيْكَ اْعتِذَارِي
و ذَنبُ اْغتِرَابِيَ لَمَّا يَزَلْ عَالِقاً فِي إِزَارِي
فَيَا كَم جَعَلْتُ المَرَافِئَ دَارِي
و كَم لَفَظِتْنِي
فَعُدتُ كَمَا قَد تَعَلَّمتُ مِنكَ الأَبِيَّ الأَبِيّْ .
و لَم تُغرِنِي كُلُّ هَذِي البِلَادِ الَّتِي قَد نَزَلتُ
بِرَغمِ سَنَاهَا
و لَا حَوَّلَت وِجهَتِي عَن بِلادِيَ رَغمَ لَظَاهَا
و لَم تُنْسِنِي نِيلَهَا الحُرَّ
كَلاَّ ، و لَا ذَرَّةً مِن ثَرَاهَا العَصِيّْ .
و يَا كَم عَشِقْتُ ، و كَم رَاوَدَتْنِي الجَمِيلاتُ عَن حُسنِهِنَّ
و لَكِنَّنِي اْختَرتُ أَنبَلَهُنَّ
فَأَسكَنْتُهَا فِي الضُّلُوعْ .
هُوَ الحُبُّ يَا بَحرُ إمَّا تَمَلَّكَنَا لَيسَ مِنهُ هُرُوبٌ
و مَا مِن رُجُوعْ .
هُوَ الحُبُّ يَجمَعُ غَرباً بِشَرقٍ و شَرقاً بِغَربْ .
فَيَا لَيتَ ، يَا لَيتَ كُلَّ اْمرِئٍ سَارَ فَوقَ التُّرابِ يُحِبّْ .
و لَكِنَّ قَابِيلَ كَادَ ، فَلَم يَستَطِع أَنْ يُوَاريَ جِسم أَخِيهْ
و إخوَةَ يُوسُفَ كَادُوا فَأَلقَوْهُ فِي الجُبِّ فَرداً
( و جَاؤُوا أَبَاهُم عِشَاءً ) ...
فَيَا لَدُمُوعِ أَبِيهْ .
كَذَا شَاءَ رَبُّكَ لِلَّناسِ أَن تَتَغَيَّرَ ،
لِلأَرضِ أَن تَلبَسَ الحُزنَ .. يَا بَحرُ .. ثَوْباً
تَلَطَّخَ بِالدَّمِ
تَخلَعَ ثَوبَ السَّلَامِ النَّقِيّْ
...
يُحَدِّثُنِي البَحرُ حَتَّى يَحِينَ الغُرُوبُ
أُوَدِّعُهُ ثُمَّ أَمضِي
و أَترُكُهُ كَي يُحَدِّثَ غَيرِي
أَحَادِيثَ تُغري

...........
( المجموعة الشعرية ما لم يقله البحر )

عبدالحكم مندور
10-05-2021, 03:44 PM
إنها بحر من الصور والأحاسيس والمشاعر المتدفقة الآسرة وإيقاعات مسترسلة تنساب في جمال وعذوبة.. دمت في رقي وبهاء ..وكل عام وأنت في أكمل خير وأتم نعمة

ناديه محمد الجابي
11-05-2021, 11:18 AM
أي شعر ، وأي سمو ، وأي ألق فكر
جمال وعذوبة مع رصانة المفردة والفكرة
قصيدة جميلة لشاعر مبدع، وحرف يثمل الذائقة
أبدعت تصويرا ، وأبقيتنا نلاحق وصوفك لنغرق في بحر من الجمال والإبداع والروعة.
كل عام وأنت بخير ـ وعيدكم مبارك وسعيد.
:v1::0014:

د.جمال مرسي
14-05-2021, 01:19 AM
إنها بحر من الصور والأحاسيس والمشاعر المتدفقة الآسرة وإيقاعات مسترسلة تنساب في جمال وعذوبة.. دمت في رقي وبهاء ..وكل عام وأنت في أكمل خير وأتم نعمة


بارك الله فيك اخي الفاضل عبد الحكيم مندور
كل عام و أنتم بخير
و شكرا لكم من القلب طيب المرور و كلماتك الطيبة بحق القصيدة
تحياتي و تقديري