تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القرد الأحمر المتوحش



محمد نديم
31-12-2022, 07:55 PM
القرد الأحمر المتوحش

خبر عاجل بيان رقم (١) :
" تعلن السلطات المحلية بيانا تحذيريا للمواطنين الأعزاء : بأن أعدادا ضئيلة جدا من سلالة
( القرد الأحمر المتوحش) قد فرت مساء اليوم من أقفاص المختبر الوطني للدراسات العلمية. فعلى جميع المواطنين في المناطق المحيطة، توخي الحيطة و الحذر. هذا وتقوم السلطات الآن بكافة الإجراءات اللازمة للقبض عليها وإعادتها إلى أقفاصها بسلام."
××××××
لم أكن في حالة نفسية تسمح لي باستيعاب ذلك الخبر. إذ صحوت لتوي من نوم ظهيرة امتد إلى المساء.كانت شواكيش الصداع تدق رأسي.ربما من ضغط التفكير في مشكلتي التي أرقتني لأسابيع.
كيف لمدير مؤسسة أن يحولها إلى مملكة خاصة لسيادته. يحكم ويتحكم ؛متحايلا على كل القواعد واللوائح والقوانين؛ليديرها بمن فيها
لمصالحه ومصالح أقربائه ومعارفه.والغريب أن أحدا من العاملين لا يعترض؛ بدءا من سكرتيرته اللعوب، حتى آخر فراش في المؤسسة؛ إلا من استنكار خفي ؛قد يبدو في عيون بعض صغار الموظفين، أو اعتراض هامس وغمغمة لا تكاد تبين.
×××××
في ذلك الصباح الغائم ( اللي مطلعتلوش شمس)، أفضت في شرح المسألة في اجتماع مجلس الإدارة؛ كان حماسي واضحا ،وما كدت أنتهي من تفنيد الرأي المطروح بكل الأسانيد القانونية والعلمية من وجهة نظر تخصصي ووفقا لخبراتي، حتى ساد الصمت فى القاعة ، وسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير!
وكانت ابتسامة صفراء كريهة تعلو وجه المدير؛ الذي أعلن عن إنهاء الاجتماع.ما أشعرني بالاستغراب والقلق والحيرة، وما زاد من حيرتي وارتباكي، نظرات المجتمعين من زملائي من رؤساء الأقسام المدعوين لذلك الاجتماع.انفض السامر؛وهرول المجتمعون كل إلى مكتبه .وأنا أتلفت حولي مستنجدا بأي منهم ليفسر لي ما يحدث.
××××××
نهضت متكاسلا لأفتح شاشة التلفاز لمتابعة ما استجد من أخبار، وما قد فاتني أثناء نومي المجهد من أحداث:
" تحذر السلطات من انتشار الإشاعات الكاذبة وأثرها على نفسية المواطنين واستقرار المجتمع. وتعلن كذب الادعاءات المنتشرة القائلة بأن عدد القردة الهاربة يتعدى العشرة آلاف قرد ؛. ونهيب بمواطنينا الأعزاء، عدم الانسياق وراء الإشاعات المغرضة التي تطلقها رموز المعارضة وأعداء الوطن. ونناشد المواطنين الصالحين بأن يقوموا بالإبلاغ عن أولئك الخونة."
××××××
كان طعم قهوتي المسائية أكثر مرارة في حلقي الجاف.
كيف لم انتبه أن الرأي الذي كان مطروحا في ذلك الاجتماع ،كان هو بعينه رأي المدير العام الجديد ؛الذي تمت ترقيته حديثا وجيء به من بعيد ووضع على رأس مؤسستنا الحيوية ، منذ أشهر قليلة !!
وضحت الصورة الآن بعد زيارة زميل لي، رئيس أحد الأقسام؛
- أيه اللي إنت هببته ده؟
- إيه اللي أنا هببته؟ أنت موافق على الكلام الفاضي الذي يهذي به ذلك المسئول؟ أما إنه جاهل أو منحرف ولا تفسير ثالثا لما يقول.
- لكنك تسرعت وكنت عنيفا وصادما في طرح رأيك.
-أتعجب منك يا زميلي ، أي عنف وأي صدام ذلك وما العيب فيما قلت؟ أنا لم أفعل سوى ما يمليه علي ضميري الإنساني وأمانتي المهنية.
_ محدش قال حاجة ؛ لكن كان عليك أن تكون أكثر هدوءا وأقل عصبية. دا أنت فضحت الراجل وأحرجتنا جميعا.
_ أهذا كل ما يهمكم؟ يا زميلي الفاضل ،لسنا في جلسة تعارف أو مجلس مسامرة ومجاملات. نحن في اجتماع رسمي فيه عمل ومسئولية.
إنه مدير المؤسسة. وهو المتصرف الرسمي بها. وهو قادر على حمايتنا لوحدث شيء.
اولا هو ليس مخولا بالتصرف الا في حدود المسموح وبالقانون.ثانيا هو ليس مالكا للمؤسسة. فهو ليس شيخ قبيلة يوزع المناصب والهبات والعطايا على عبيد القبيلة وضعفائها، ولا هي عزبته التي ورثها عن أبويه وأجداده. كلنا في المؤسسة نقوم بمهام وظيفية، نستقبل في مقابلها رواتب، وكلنا تحت طائلة القانون.
يا زميلي أنت بذلك التصرف إنما تعرض نفسك لمشكلات عويصة. إحنا مش قد الناس دي!
كادت حالة الغثيان في صدري تكاد تقتلني؛ وسمعي يستقبل تلك السفاهات والمغالطات المجحفة لأبسط بديهيات وقواعد المنطق و الحقيقة .. واللوائح والقانونين.
ساد بيننا صمت عجيب .
وبادرني زميلي : لا تقلق ، فكل شيء تم تدبيره ورسمه قانونيا و(ما يخرش الميا).وجميع رؤساء الأقسام كل في اختصاصه ،قد قام بتوفيق أوراقه وفق خطة المدير العام لتنفيذ رأيه.فقم بتوفيق أوراقك ووقع عليها ، وسلمها بعد ساعة من الآن.
احتدت عليه في الرد: لن أفعل ذلك . واذهب وأبلغه أن ذلك تدليس وتصرف مخالف للوائح، بل وجريمة لن أشارك فيها بأي حال من الأحوال.
غادر الزميل مكتبي ؛ محذرا إياي في نبرة المتعقل،ونظرة الناصح الأمين المشفق على زميله : أنا خايف عليك!
××××
حين استدعاني السيد المدير بعد قليل من لقاء زميلي، كنت متوترا حانقا، ليس مما صرحت به في ذلك الاجتماع؛ ولكن من نبرة الاستسلام والاستسهال التي يتحدث بها ذلك الزميل الذي اهتزت صورته في ذهني!
×××××××
حين أبلغني الساعي الطيب بأنني مدعو لمقابلة السيد المدير،جهزت نفسي لإعادة ما قلته في الاجتماع؛ لألقيه على مسامعه مرة أخرى . وحرصت على هدوئي ،ناويا أن ألقنه درسا في اللوائح والقوانين.
وبمجرد دخولي عليه بادرني:
جهز مستندات قسمك ،وأعمال مرؤوسيك وإنجازاتهم ،لتقديمها لقسم التفتيش الإداري الأسبوع المقبل.
ألقاها المدير على مسامعي بحزم المنتقم، دون أن ينظر لي ؛إذ بدا منشغلا بتوقيع بعض الأوراق قدمتها له سكرتيرته ذات العطر النفاذ.
بادرته : لكن موعد التفتيش نصف السنوي لم يحن بعد.
- مش شغلك. فمن صلاحياتي كمدير أن أقرر متى يكون التفتيش ومع من، وذلك لمصلحة العمل.
- ثم إن في قسمك مخالفات وتصرفات غير قانونية أنت مسئول عنها. كيف لمرؤوسيك أن يمارسوا التدخين بالقسم وفي الأروقة ؟؟ ألم تتسلم نشرة رسمية موجهة لجميع العاملين بالامتناع عن التدخين داخل المؤسسة؟
ثم ان مرؤسيك يأتون متأخرين إلى المؤسسة ويتلاعبون بساعة التوقيع.
هممت بالرد فقاطعني .. ترى أن عدم إبلاغ المرؤوسين بالقرارات العليا أمر خطير.
ثم أشار لي بانتهاء اللقاء.
××××××
أسبوع مرالآن ؛ ورغم البيانات الرسمية التي توالت عن هروب (القردة الحمراء المتوحشة) وأعدادها التي اختلفت وتباينت ؛بين ما ورد رسميا، وما أشيع من قبل الخبثاء ،وما أذيع تفصيلا عبر شاشات الأخبار ووكالات الأنباء العالمية.
إلا أن بيانا رسميا قد أغلق كل الأفواه وكان نصه كما يلي:
" اعتادت منصات التواصل الاجتماعي، ووكالات أنباء مغرضة ، نشر أخبار كاذبة بأن عدد القرود الحمراء المتوحشة قد بلغ عشرين ألفا. وهذا مخالف للحقيقة وللبيانات الرسمية لمدينتنا؛ التي أثبتت بما لا يدع مجالا لأي شك ؛ بأن العدد الحقيقي هو تسعة عشر ألفا وتسعمائة وتسعة وتسعون قردا لاغير. وننوه إلى عدم الانجرار وراء الإشاعات المغرضة. حفظ الله مدينتنا من كل سوء".
ورغم صدور بيان تحذيري بإغلاق مدارس الأطفال . وإغلاق الأسواق في ساعة مبكرة من المساء. وتحديد مواعيد جديدة لحضور وانصراف الموظفين تناسب الحدث الجلل.
ورغم رفع اسعار الوقود والكهرباء والغاز
، وجميع أصناف المواد الغذائية وخفض الرواتب والمعاشات، وفرض المزيد من الضرائب وذلك لمواجهة تحديات المرحلة.
ورغم صدور بيانات إرشادية للمواطنين عن إحكام إغلاق النوافذ والشبابيك. وعدم فتح الأبواب للغرباء . وضرورة الإبلاغ عن أي مخلوق يشتبه به بين الناس.
ورغم ما انتشر على شاشة أخبار مدينتنا، وكان عجيبا ؛ حشود من خبراء وعلماء وأطباء واستراتيجيون ؛ منجمو أبراج، ودجالون، وشيوخ دين،ومسئولو أرصاد جوية ، وفنانون؛اكتظت بهم
برامج التوك شو؛
إذ راحو يفسرون ويشرحون ويحللون.رغم ذلك كله، فإن قردا واحدا لم يظهر في شوارع المدينة أو حواريها.
لكن أين اختفت تلك القردة في رأي سيادتكم؟
- ربما في الأنفاق أو البيوت المهجورة أو في ضواحي وأطراف المدينة ، وربما فوق التلال والهضاب أو الجبال.
-وربما تخفت القرود في أشكال بشر عاديين.
-هل يمكن أن تهاجم تلك القرود المدينة ؟
- احتمال وارد أن تقوم بذلك ، ولكننا مستعدون لأي احتمال ينبيء بأي خطر.
وتوالت الاجتهادات والتفسيرات؛
ربما قبعوا فوق أسطح المنازل أو في المقابر ودورات المياه العمومية.
- ربما أن تلك القرود قد تحولت الى موجات كهرومغناطيسية بفعل التجارب التي كانت تجرى عليهم.
- وهذه الموجات غير مرئية للعين المجردة.
- نعم ويمكنها أن تسبب أذى كبير للأجهزة والمعدات الحديثة وللمخ البشري أيضا.
وانبرى خبراء اللحظة يشرحون للمشاهدين:
ننصح المواطنين
بحمل كشافات تضاء بالبطاريات وتوجيهها لعين القرد ،حيث أثبتت التجارب أن ضوءها يشل حركته تماما.
- لقد أثبتت التجارب أن مزيجا من الكركم والفلفل الأسود المطحون والمذاب في مقدار من الخل ،يمكنه أن يعجز حركة أي قرد منهم ، إذا تم رشه في وجهه.
- هذه القردة ربما تكون تجسيدا لشياطين تستهدف الإنسان. وعليه بالتمسك بأهداب الدين والفضائل لمواجهتها.
يقال في كتاب الأبراج والتنبؤات ؛ أن تلك القردة ما هي إلا مخلوقات هدفها السيطرة على الكرة الأرضية ؛وتعبر عن بدئ مرحلة جديدة يحكم فيها القرود العالم.
-ستتسبب هذه القرود في مجاعة قد تودي بحياة البشر، إذا هاجمت تلك الوحوش مخازن الأغذية والأطعمة وشركات المواد الغذائية والتموينية. وقد وردت بيانات وبلاغات من عدة مناطق في هذا الشأن.
أوضحت البرديات الفرعونية، أن تلك القردة قد ظهرت في حقبة ما ، واستولت على المعابد وحكمت وادي النيل ، في عهود ما قبل الأسرات !
قيل أن تلك القرود كان يتم تغذيتها بأدوية معينة داخل تلك المختبرات؛ الأمر الذي يهدد مخزون الدواء في الصيدليات والمستشفيات.
- يقال بأن تلك القرود الحمراء المتوحشة على درجة كبيرة من الذكاء والنباهة. الأمر الذي يؤهلهم للسيطرة علينا واستعبادنا بعد تحويلنا إلى قرود مطيعة.
كانت تلك التحليلات على المستوى الرسمي والإعلامي . أما على المستوى الشعبي؛ فقد تواصلت المناقشات . في المقاهي ومجالس الأعراس والمآتم والمؤسسات والشركات والمصانع والمزارع. وتجمع الناس يثرثون في القضية وقد اعتراهم قلق المترقبين ورعب المنتظرين لبلاء عظيم. ولم ينقطعوا عن أحاديثم ليلا أو نهارا. في منتدياتهم وفي بيوتهم. إذ
توالت الاتصالات الهاتفية من قبل الأقرباء والأصدقاء؛ فمنهم من يستفسر معبرا عن مخاوفه ورعب عياله، ومنهم من يستنجد طلبا للحماية، ومنهم من يستفسر عن خطورة ( القرد الأحمر المتوحش) وما يسببه من رعب قد يؤثر على قدرة البشر على الإنجاب! . ومنهم من يبكي ويهذي، ومنهم من يلوم المسئول عن هروب تلك الوحوش، معبرا عن غضبه من انتشار الإهمال والفساد والإهمال، و الاستهانة بحياة المواطنين. ويصر على ضرورة محاكمته.
ومنهم من يقرر بأسلوب العالم ببواطن الأمور بأن الأمر مدبر من قبل السلطات لإرهاب المواطنين وتخويفهم للقضاء على رغبتهم وقدراتهم في الإنجاب؛ وذلك لخفض الكثافة السكانية.ومنهم من بالغ في تفسير الأمر على أنها خطة من تجار الآثار أو المخدرات لتمريرصفقات كبيرة، أو مؤامرة لسرقة أرصدة البنوك يشارك بها مسئولون كبار فرأوا ان يحبسوا الناس في بيوتهم.ومنهم من تداول إشاعات بأنها مؤامرة خارجية، قام خبراء وعلماء أجانب ؛استعنا بهم لتطوير العلم في جامعة مدينتنا، وتبين أنهم جواسيس على درجة كبيرة من الخطورة.ومنهم من تطوع بشرح خطورة ( القرد الأحمر المتوحش) ؛ بأنه متخصص في خطف الأطفال وأكل لحومهم وهم أحياء، لأنهم مستقبل الوطن. ومنهم من أشاع بأن ذلك الوحش إنما يستهدف النساء الجميلات. ومنهم من أذاع بأن المقصود هم كبار السن إذ يقتلهم ذلك
( القرد الأحمر المتوحش) ليخلص المجتمع منهم.
وانتشرت أغان شعبية تسمى
( مهرجانات)، واسهم مطربوها من الطبقات الشعبية في الأحداث.
( القرد ما عادش ف عينها غزال ..
القرد اتوحش والله يا خال).
وتتابعت الاتصالات الهاتفية وتدفقت التفسيرات والشروحات والأطروحات. فهذا يدعي بأن الشباب هم المستهدفين لأنهم عصب الحياة وعضلة المجتمع.
××××××
رغم ذلك كله، لم يجزم أحد من المواطنين بأنه قد رأي أو لمح قردا من تلك القرود. إلا من بعض الأقاويل برؤية أحدهم منهم هنا أو هناك، وعند الضغط على بعض المواطنين من أصحاب تلك المقولات ، يتهربون بأنهم قد سمعوا ذلك من جيران لهم.
إذن لا أحد يجزم بشيء في هذا الشأن، لا أحد.
××××××
ولعدم ظهور القردة الهاربة عيانا بيانا حتى الآن لمهاجمة الناس؛ .. فقد خفت حدة الإجراءات الاحترازية
رويدا رويدا. وتقلصت البيانات الرسمية. ورفع الحظر عن مدارس الأطفال وسمح لهم بالذهاب إليها. وخففت حالات الطواريء. وشيئا فشيئا ، اختفى الموضوع من فوق الشاشات. وخفت المناقشات والجدليات بين حكومة وأهالي ودولة ومعارضة. وأخذ الناس راحتهم في التنقل و الاحتشاد في الأسواق والمطاعم ومحطات المواصلات. وتخلوا عن حذرهم . بل نسوا الأمر برمته .إذ عادت الحياة إلى صخبها المعتاد. تعاسش الناس مع الأمر حد النسيان.
ورجع الناس إلى شكواهم المعتادة منذ آلاف السنين ،من الغلاء وظروف الحياة الصعبة.
×××××
لأسابيع عديدة، صرت منبوذا داخل أروقة المؤسسة. فمنذ عارضت المدير العام بالحق وغضب مني، أصبح بقية الزملاء يتجنبون الحديث معي،بل وبلغ الأمر ببعضهم أن كانوا يعبسون بوجهي إن تواجهنا معا.
كان علي المواجهة. وتصعيد أمر ذلك المدير العام المتعنت إلى من هو أعلى منه رتبة، وأعظم منه مكانة، وأوثق منه قرارا؛ ليس أمامي سوى باب (سيادة الوكيل العام). وقد وصل التعنت إلى إيقافي عن العمل ووقف صرف راتبي، وإحالتي للتحقيق عن أمور تافهة، وتصيد لهفوات لا تخالف لائحة، ولا يحاسب عليها قانون.
حصلت على موعد للقاء سعادة الوكيل العام بعد مشقة وعناء. ولعل صراخي أمام بابه المغلق باثنين من الحراس ،قد أزعجه، فسمحوا لي بالدخول ،بعد أن حشروني في زاوية ليلقوا علي بتعليمات صارمة، مشددين على بألا أضيع وقت سيادته الثمين، وهو يسير أمور العمل في مدينتنا الجميلة.
دخلت مرتعشا، ينغرس حذائي المتسخ في نعومة سجادة ثمينة سميكة ؛ كان متربعا على مكتبه الفخم العريض، ورأيته.. بأم عيني .. نعم ... كان هو
( القرد الأحمر المتوحش)، مبتسما مرحبا بي في بشاشة وحبور.تملكتني دهشة ، ثم صدمة رعب وهلع؛ فهرولت خارج المكتب الفخم؛ كان الواقفون على الباب قرودا حمراء متوحشة تبتسم لي. نزلت مسرعا إلى الشارع وأنا أقفز الدرج قفزا؛ فإذا بآلالف المارة وراكبي السيارات والحافلات وسائقيها؛ والمشاة رجالا ونساء وأطفالا على الأرصفة ؛ وفي المحال والدكاكين وعلى شاشات الإعلانات التجارية؛ رأيتهم بأم عيني قرودا حمراء متوحشة تبتسم لي من بعيد.

ناديه محمد الجابي
02-01-2023, 06:24 PM
عرضت في هذه القصة صورة مفصلة للفساد الإداري ـ عندما تتحول المؤسسات
في عملها إلى صورة من صور العصابات التي تحكم وفقا لشريعة الغاب وقانون القوة
وتعمد إلى تكميم كل فم يصدح بصوت الحق معارضا للفوضى والفساد.
ودور الإعلام المزيف والمضلل في بث الشائعات التي تبلبل الرأي العام بالمغالاة والفبركة
والذي يعتاش على خلق الأوهام لحماية الفاسدين والمجرمين.
قصة صادقة المضمون قوية الفكرة اجتمعت فيها التهكم الساخر بالطرافة لننتقل بين
تسلسل الأحداث إلى الخاتمة الأروع.
دام إبداعك .
:os::os:

محمد نديم
03-01-2023, 07:12 PM
أ. نادية الجابي.الأديبة الذواقة:
نعم يا سيدتي ، إن إنها قصة الفساد.الذي تأقلم عليه الناس وارتضوه سبيلا، فاستحالت المدينة كلها إلى قرود متوحشة.
لك مني تحية خالصة بالود والامتنان.
م. نديم