المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأربعون



رائد عبد اللطيف
14-03-2023, 01:59 PM
ما أشعلَ الجَمرَ إلا شِدّةُ اللّهبِ
فاجمَعْ لنارِكَ تاريخاً من الحَطَبِ
.
مازلتَ تركضُ والأيامُ راكضةٌ
وما بَنَيتَ سوى جيشٍ من التّعَبِ
.
مِن حيثُ تَبْدَأُ كانتْ تَنتهي قِصصٌ
شاخَ الرُّواةُ ومازالَ الزَّمانُ صَبِيْ
.
ضَمِّدْ جراحَكَ قَد أودَعتَها عُمُراً
يَحتاجُ مِن شِدَّةِ الآلامِ صَبْرَ نَبِيْ
.
يا قلبُ ليتَكَ أُمِّيُّ الهوى فإذا
حانَ اختبارُكَ لم تُسألْ ولم تُجِبِ
.
وليتَ شوقَكَ لا نَسْلٌ ولا وَلدٌ
وليتَ شمسَكَ لَم تُشرِقْ ولم تَغِبِ
.
يا قلبُ ليْتَكَ لم تَدفِنْ صِبَاكَ بها
ولم تَذُقْ رَعشَةً مِن نَشوةِ اللّعِب
.
يا وجبَةَ البعد يا طيرَ الفَضا قَطفتْ
منه الرياحُ بقايا الريشِ والزَّغَبِ
.
يا ذنبَ كلِّ ثواني الوقت يا خطأ
خطَّ الغيابُ له المرسى فلم يُصِبِ
.
تابَ الذين قضَوا في غربة عمُراً
وأنت تكفُرُ بالرُّجْعَى ولم تَتُبِ
.
عُدْ حيثُ جئتَ ولا تطوِ السنينَ سُدىً
ما عادَ عمْرٌ مضى يوماً لمغترِبِ
.
الأربعونَ وقد تَمَّتْ رَضَاعتُها
وما فُطِمتَ من الآهاتِ والنَّصَبِ
.
الأربعونَ وقالوا جهلةٌ وصِبى
وأنتَ لستَ على الدنيا بمُحتَسَبِ
.
وأنت تَخلُقُ أعذاراً لتُمسِكَها
وقد رمَتْكَ بلا عُذرٍ ولا سَببِ
.
وأنتَ أنتَ إذا لم تستطعْ عِنَباً
زعمتَ أنَّ جَناها حَامِضُ العِنَبِ
.
الأربعونَ خيالاتٌ بُليتَ بها
تفيضُ جمراً على كُرَّاسَة الأدَبِ
.
مُذ سجّلتْكَ على أدنى هوامشِها
وأنتَ تَشرحُ شوقَ الناي للقَصبِ
.
كَمْ مِن رسائلِ حبِّ حينَ تَكتبُها
يطيرُ سِربُ حَماماتٍ مِنَ الكُتبِ!
.
رتّلْ رؤاكَ على سَمْع السماءِ وطِرْ
برفقةِ الغيم بينَ الصدقِ والكذِبِ
.
الأربعونَ وهذا الليلُ أقرضَها
ثوبَ السّهادِ وثوبَ الهمِّ والصَّخبِ
.
كُتبْتَ فيها على قيْدِ الحياةِ ولم
تصْفُ الحياةُ بها يوماً ولم تَطِبِ
.
ها قد رُميتَ على أحضانِ أرملةٍ
كانتْ تُخيطُ شراعَ الصبرِ بالنُّوَبِ
.
عفراءُ قد صُبغتْ بالشمس وجنَتُها
صحيحةُ النفْسِ والأعراقِ والنسبِ
.
قد أودعتكَ يدَ النجْماتِ وارتحلتْ
وأوصلتْكَ إلى بوابةِ السُّحُبِ
.
وأنضجتكَ بنار لا لهيبَ لها
كالشمسِ تفعلُ - رغمَ السَّعْفِ- بالرُّطَبِ
.
وحصنتْكَ بحرزٍ من فضائلِها
وأرضعتكَ صروفَ الدهر عن كَثَبِ
.
ما غيّبَ الموتُ إلا رسمَ صورتِها
يا ربُّ طيِّبْ ثرى حمّالةِ الكُرَبِ
.
الأربعونَ بلادٌ شابَ مَفرِقُها
من قسوةِ السّجنِ والسجان والحُجُبِ
.
مخمورةُ الرأسِ في الحاناتِ يشربُها
أهلُ السياسةِ أو في مجلسِ الطربِ
.
الأربعونَ وليلى أنجبَتْ وَلَداً
مِن بَعدِ جَدَّتِها لا يَنتمي لِأَبِ
.
مكسورةَ الظَّهرِ تمشي شبهَ عاريةٍ
بين الذئابِ تواري سَوءَةَ العربِ
.
الأربعون وما مرَّ القطار بها
إلا ليُوصلَ رأسَ العمرِ بالذَّنَبِ
.
مرَّتْ عليكَ وشعرٌ الرأس منطفئٌ
فأشعلتْهُ كلَيلٍ ضجَّ بالشُّهُبِ
.
ما ضرَّها أمُّ هذا الدهر لو رحمَتْ
رأساً يشيبُ وقلباً فيه لم يشِبِ
.
الأربعون وكم أودعتَها صوراً
لمَن أتَوكَ ولاذوا عنكَ بالهربِ
.
كأنكَ النارُ والمستأنسونَ بها
ما بينَ مُبتعِدٍ عنها ومُقترِبِ
.
ما أنصفوكَ ولو في حبّهم عَدلوا
لأسكنوكَ بجوفِ القلب والهُدُبِ
.
الأربعون وكم ألبستَها حُلَلاً
فوق الجراحِ وكم رصّعتَ بالذّهبِ!
.
الدمعةُ البِكْرُ لم تحجبْكَ عن أملٍ
والصرخةُ الأمُّ لم توقفْكَ عن طَلبِ
.
وقفتَ تخطُب من تحتِ الرمادِ بها
وقلتَ: (ها أنا ذا) ما قلتَ: (كان أبي..)
.
الأربعون 24/9/2020

عبدالحكم مندور
14-03-2023, 02:23 PM
من معين الرشد والقيم والحكمة اغترفت لي وقفة أخرى مع ذلك النص الذي أحكمته تجربة وحكمة شاعر رصين يملك أدوات الإبداع والأداء الرائع ..نص قيم مسترسل قوي متميز التكوين والصور..خالص الود والتقدير

محمد ذيب سليمان
17-03-2023, 10:12 AM
نص كبير يستحق ان يعلق على جدران الادبوهنا لما حمل من شعر
ومعان وصور لم يتوقف فيضها على طول النص وعرضه
شكرا كبيرة على هذا الجمال وهذه الشاعرية
النص للتثبيت وللمتابعة

حيدرة الحاج
21-03-2023, 07:56 AM
.
وأنت تَخلُقُ أعذاراً لتُمسِكَها
وقد رمَتْكَ بلا عُذرٍ ولا سَببِ

وغيرها كثير شاعرنا تقطر شعرا وحكمة سحرا وبيانا لله درك من شاعر سررت بالقراءة لك تحياتي

د. وسيم ناصر
21-03-2023, 09:05 AM
هذا هو الشعر .
و ألف شكر لكل هذا الجمال

د. سمير العمري
22-03-2023, 01:53 AM
هذه قصيدة زاهرة لعلها من أجمل ما قرأت لك غاصت في نهر من الإبداع وفاضت بنبع من الإمتاع الشجي الذي لامس القلب وأجج الروح.
لا فض فوك مبدعا متألقا ونعم نعم لهكذا شعر يستحق كل تقدير وتقديم.
دمت في ألق وإبداع!

تقديري

محمد ذيب سليمان
27-03-2023, 09:36 AM
صديقيالشاعر الجميل
لعلك تمرهنا وتتابع المتداخين الذي استمتعوا بابداعك
فتشكرهم وتمر على نصوصهم ليكتمل فرح الشعربك ةوبهم
الموقع يحتاج من الاحبة كل الشعراء تعاونهم لرفع راية الشعر في مكان يحمل القيمة
شكرا لك

ناديه محمد الجابي
01-04-2023, 11:09 AM
قصيدة راقية اتشحت بالحكمة وصدق المعنى وتمتعت بالكثير من اللوحات المعبرة
نص شعري جميل الحرف متين السبك رائق الهطول
في جرسه رقة وانسياب وفي حسه نبض شجي خلاب
أطربتنا في كل بيت من أبياتها عذبة الألحان شجية الأنغام.
ابدعت وامتعت ـ لا حرمك الله البهاء.
:v1::0014:

رياض شلال المحمدي
23-02-2025, 12:31 PM
ما أشعلَ الجَمرَ إلا شِدّةُ اللّهبِ = فاجمَعْ لنارِكَ تاريخاً من الحَطَبِ
مازلتَ تركضُ والأيامُ راكضةٌ = وما بَنَيتَ سوى جيشٍ من التّعَبِ
مِن حيثُ تَبْدَأُ كانتْ تَنتهي قِصصٌ = شاخَ الرُّواةُ ومازالَ الزَّمانُ صَبِيْ
ضَمِّدْ جراحَكَ قَد أودَعتَها عُمُراً = يَحتاجُ مِن شِدَّةِ الآلامِ صَبْرَ نَبِيْ
يا قلبُ ليتَكَ أُمِّيُّ الهوى فإذا = حانَ اختبارُكَ لم تُسألْ ولم تُجِبِ
وليتَ شوقَكَ لا نَسْلٌ ولا وَلدٌ = وليتَ شمسَكَ لَم تُشرِقْ ولم تَغِبِ
يا قلبُ ليْتَكَ لم تَدفِنْ صِبَاكَ بها = ولم تَذُقْ رَعشَةً مِن نَشوةِ اللّعِب
يا وجبَةَ البعد يا طيرَ الفَضا قَطفتْ = منه الرياحُ بقايا الريشِ والزَّغَبِ
يا ذنبَ كلِّ ثواني الوقت يا خطأ = خطَّ الغيابُ له المرسى فلم يُصِبِ
تابَ الذين قضَوا في غربة عمُراً = وأنت تكفُرُ بالرُّجْعَى ولم تَتُبِ
عُدْ حيثُ جئتَ ولا تطوِ السنينَ سُدىً = ما عادَ عمْرٌ مضى يوماً لمغترِبِ
الأربعونَ وقد تَمَّتْ رَضَاعتُها = وما فُطِمتَ من الآهاتِ والنَّصَبِ
الأربعونَ وقالوا جهلةٌ وصِبى = وأنتَ لستَ على الدنيا بمُحتَسَبِ
وأنت تَخلُقُ أعذاراً لتُمسِكَها = وقد رمَتْكَ بلا عُذرٍ ولا سَببِ
وأنتَ أنتَ إذا لم تستطعْ عِنَباً = زعمتَ أنَّ جَناها حَامِضُ العِنَبِ
الأربعونَ خيالاتٌ بُليتَ بها = تفيضُ جمراً على كُرَّاسَة الأدَبِ
مُذ سجّلتْكَ على أدنى هوامشِها = وأنتَ تَشرحُ شوقَ الناي للقَصبِ
كَمْ مِن رسائلِ حبِّ حينَ تَكتبُها = يطيرُ سِربُ حَماماتٍ مِنَ الكُتبِ!
رتّلْ رؤاكَ على سَمْع السماءِ وطِرْ = برفقةِ الغيم بينَ الصدقِ والكذِبِ
الأربعونَ وهذا الليلُ أقرضَها = ثوبَ السّهادِ وثوبَ الهمِّ والصَّخبِ
كُتبْتَ فيها على قيْدِ الحياةِ ولم = تصْفُ الحياةُ بها يوماً ولم تَطِبِ
ها قد رُميتَ على أحضانِ أرملةٍ = كانتْ تُخيطُ شراعَ الصبرِ بالنُّوَبِ
عفراءُ قد صُبغتْ بالشمس وجنَتُها = صحيحةُ النفْسِ والأعراقِ والنسبِ
قد أودعتكَ يدَ النجْماتِ وارتحلتْ = وأوصلتْكَ إلى بوابةِ السُّحُبِ
وأنضجتكَ بنار لا لهيبَ لها = كالشمسِ تفعلُ - رغمَ السَّعْفِ- بالرُّطَبِ
وحصنتْكَ بحرزٍ من فضائلِها = وأرضعتكَ صروفَ الدهر عن كَثَبِ
ما غيّبَ الموتُ إلا رسمَ صورتِها = يا ربُّ طيِّبْ ثرى حمّالةِ الكُرَبِ
الأربعونَ بلادٌ شابَ مَفرِقُها = من قسوةِ السّجنِ والسجان والحُجُبِ
مخمورةُ الرأسِ في الحاناتِ يشربُها = أهلُ السياسةِ أو في مجلسِ الطربِ
الأربعونَ وليلى أنجبَتْ وَلَداً = مِن بَعدِ جَدَّتِها لا يَنتمي لِأَبِ
مكسورةَ الظَّهرِ تمشي شبهَ عاريةٍ = بين الذئابِ تواري سَوءَةَ العربِ
الأربعون وما مرَّ القطار به = إلا ليُوصلَ رأسَ العمرِ بالذَّنَبِ
مرَّتْ عليكَ وشعرٌ الرأس منطفئٌ = فأشعلتْهُ كلَيلٍ ضجَّ بالشُّهُبِ
ما ضرَّها أمُّ هذا الدهر لو رحمَتْ = رأساً يشيبُ وقلباً فيه لم يشِبِ
الأربعون وكم أودعتَها صوراً = لمَن أتَوكَ ولاذوا عنكَ بالهربِ
كأنكَ النارُ والمستأنسونَ بها = ما بينَ مُبتعِدٍ عنها ومُقترِبِ
ما أنصفوكَ ولو في حبّهم عَدلوا = لأسكنوكَ بجوفِ القلب والهُدُبِ
الأربعون وكم ألبستَها حُلَلاً = فوق الجراحِ وكم رصّعتَ بالذّهبِ!
الدمعةُ البِكْرُ لم تحجبْكَ عن أملٍ = والصرخةُ الأمُّ لم توقفْكَ عن طَلبِ
وقفتَ تخطُب من تحتِ الرمادِ بها = وقلتَ: (ها أنا ذا) ما قلتَ: (كان أبي..)


تحيتي واحترامي وتقديري